أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هيثم بن محمد شطورو - الثالث المرفوع الماركسي















المزيد.....

الثالث المرفوع الماركسي


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5726 - 2017 / 12 / 13 - 10:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


انه لمن المدهش حقا ان يتم رفع الثالث المرفوع الارسطي ديالكتيكيا. اننا لا يمكن ان ننساق هنا في تتبع الادعاء بالديالكتيك، و لا يمكن إلا ان نقف موقف العازف عن المتابعة، و لكن بما أن المدعي الديالكتيكي هو "كارل ماركس" الذي طبقت شهرته الآفاق، بل انه غـدا شبيها بنبي مبشر بعالم جديد، فإننا نرغم انفـسنا على مواصلة مغامرة تـفكيك شفرات كلماته..
في كتابه "بؤس الفلسفة" تجده يهاجم الفيلسوف الفرنسي "برودون" صاحب أول بناء نظري لفكرة الاشتراكية. انطلق ماركس في وصف هذه الاشتراكية بالخيالية و الفوضوية و الرومنسية. و برغم الاسلوب الذي لا يشجعك على مواصلة التوغل في الكتاب، إلا اننا نجده متواصلا في الهجومات الغير منطقية باعتبار انها جميعا من خارج السياق البرودوني. فالفيلسوف حين يتـناول فلسفة سابقيه يدخل في قلعتها و يتجول فيها و يجعلك تـتجول معه ثم يجعلك تكتـشف مجمل النـقائص و التناقضات و العيوب.. أما ماركس فانه خارج القلعة دون ان يصفها بل يريد تدميرها فقط..
انه يحاول بعدوانية واضحة قـتل الروحية في الاشتراكية و جوهرها العاطفي. فهي تـقوم على عاطفة الشفقة الانسانية مثلما تكلم "جان جاك روسو" عن فكرة المساواة.
الروح مفارق للطبيعة في الديانة اليهودية و هذه الفكرة واضحة بجلاء عند ماركس سليل الابوين اليهوديـين اللذان تحولا الى المسيحية البروتستانتية،و لكن يبدو بوضوح سيطرة الروحية اليهودية على ماركس. فمن الواضح جدا انه لا يمكنه تـقبل فكرة الروح في الطبيعة..
لأجل ذلك لم يكن قادرا على تـقبل الاشتراكية كروح و واقع روحي و انما كواقع مطلوب و متخيل بواسطة الحرب بين البروليتاريا اي طبقة العمال و البورجوازية اي طبقة اصحاب المصانع..
و ان كان ماركس قد اعترف بعظمة الفيلسوف "هيغل" في جدلية السيد و العبد، إلا انه هاجمه بعنف من حيث الروح في الطبيعة. زيادة على ذلك فانه امام الديالكتيك الهيغلي الاخطبوطي الرهيب لم يجد إلا اطلاق وصفه بكونه يمشي على رأسه لأنه مثالي. و لا نعلم حقيقة هل انه قرأ الكتاب الرئيسي لـ"هيغل" و هو "فنمونولوجيا الروح" ام لا، لأن هيغل ينطلق فيه من الادراك الحسي كعتبة اولى في مسيرة الوعي. اي اننا امام واقعية واضحة في البدء و في جميع اركان الهيكل الهيغلي..
ادعى ماركس ان ديالكتيكه هو الصحيح. الديالكتيك المادي. لنبسط فكرة الديالكتيك بمثل ما عرفه هيغل بأنه وجود و عدم و صيرورة.. نسوق مثل النهار و الليل. ضوء النهار المتـناقض مع سواد الليل.النهار ينفي الليل حين يكون موجودا و حينها الليل معدوما. حين يكون الليل موجود يكون النهار معدوما. في النهار تكون الحقيقة هي الضوء التي تـنـفي الظلمة و في الليل تكون الحقيقة الظلمة التي تـنفي النهار. هذان حقيقـتان ذاتيتان متـناقضتان كل تـنـفي الأخرى. لكن هذا التـناقض ظاهري اي بالنسبة للإدراك الحسي و بالتالي فالحقيقة بالنسبة للعقل التأملي ليست في اي منهما و انما في الحركة بينهما، اي في الصيرورة.صيرورة النهار الى ليل و الليل الى نهار. و هنا فالحقيقة بالنسبة للعقل هي اليوم الذي يتكون من هذه الصيرورة و الواقع البشري هو واقع أيام و احتساب أيام و ليس احتساب نهارات و ليالي لأنهم في النهاية هم أيام. الواقع البشري اذن هو واقع عقلي و ليس حسي..من هنا جاءت الآية الهيغلية الشهيرة : " كل واقعي معقول و كل معقول واقعي"...
فأمام هذا التجلي المبسط للديالكتيك الهيغلي تـتجلى حقيقـته الحقيقية. هذه الحقيقة التي تـقر التـناقض بما انه واقعي و لا تـنـفيه فلا تـنـفي الواقع الحي الذي هو متمثل في العقل الانساني كذلك بما هو تـناقض مرحلي و صيرورة تمثل جوهر التـناقض و حقيقة الاشياء الجوهرية في العقل، و بالتالي فالوجود عقلي و من هنا في فهم الواقع الانساني فهم للوعي الانساني. الوعي في ذاته و لذاته في نفس الوقت. اما الموضوعية الخارجة عن الوجود الانساني كوعي فهي مجرد خواء..
مشكلة عدم الإيمان العميق بالعقلي في الوجود الناتج عن الإيمان العميق بالروح المفارق للطبيعة او للعالم عند ماركس صاغت نفسها بلبوس فلسفي باهت من الناحية الفلسفية خاصة امام المثالية الالمانية و اساسا امام المثالية الموضوعية الهيغلية..و بالتالي فانك مع ماركس لست في رحاب الحقيقة المفسرة و انما في رحاب ارادة الحقيقة المصطنعة التي تريد فرض نفسها بالعدوانية التي أسماها "الثورية"..
من هنا فالتـناقض الذي رآه ماركس وحيدا في الوجود و محددا لجميع التـناقضات الاخرى هو بين طبقة البروليتاريا و البورجوازية. اي انه في رحاب واقع معين امامه. انه امام الادراك الحسي الذي أصر على كونه هو الحقيقة لإرادة نفي العقلي في الطبيعة.
و ببساطة اكثر يتبين لنا مدى الهشاشة الكبرى للديالكتيك الماركسي المزيف. فصراع البروليتاريا و البورجوازية و عودا الى مثال النهار و الليل، فان البروليتاريا الحقيقة هي وجودها و العدم في المناقض، و البورجوازية الحقيقة في وجودها و العدمية في نقيضها. البروليتاريا العاملة المتحدة مع الطبيعة بالعمل تصبح سيدا على السيد اي المالك وفق جدلية السيد و العبد الهيغلية. فمثلها هو مثل العامل الذي يصل الى مرحلة اتقان العمل فان مالك المصنع يصبح هو العبد للعامل العبد الذي يغدو سيدا بواسطة العمل. اما انه لا يستطيع الاستغناء عنه او انه لا يستطيع الاستغناء عن صفة العامل الذي يتـقن ذاك العمل بما انه غير قادر على انجازه بنفسه. الحديث على مستوى الطبقة او مجموع العمال فالعمال هم سيد السيد المتحول الى عبد لهم. من خلال هذه الفكرة المكتـشفة هيغليا فقط انبثـقـت فكرة النقابات العمالية.
لكن ماركس في الحقيقة يتحدث تحديدا عن العمال غير المهرة في نظام العمل الآلي الذي ظهر في القرن التاسع عشر في المصانع الكبرى. انها تلك الصورة التي سخر منها "شارلي شابلن" للعامل الذي لا يقوم سوى بتركيب البراغي، فيتـقـزم جسده في تلك الحركة فقط حتى انه يقوم بها دون ان يشعر خارج العمل بل يقوم بها في المنام و في الحلم. العامل الذي يتحول الى آلة.. اي ان ماركس يتحدث عن حالة مخصوصة و ان كانت منتـشرة في القرن التاسع عشر و لكن لا يمكن بناء نظرية شاملة على أساسها و بالتالي التبشير بنظرية مادية، و الحال انه ادراك حسي أراد ان يحصره في مستوى حسيته..
و برغم انه من المستحيل منطقيا اختـزال الانسان في كونه بورجوازيا او بروليتاريا، و انها ليست سوى خرافة مضجرة نسبة الى عدد المعتـقدين فيها. فالبشر ميالون الى التخفف من العقلانية لأنها ثـقيلة و كل حقيقة ثقيلة على النفس البشرية بمثل ثـقل كل حق.. إلا اننا بخصوص الديالكتيك وفق التوصيف الماركسي (الماحق للفرد الانساني بتذويب الفردية في الطبقة و بالتالي تذويب التمايز الفردي و الارادة الانسانية الحرة بما هي ارادة فردية في وجودها المباشر، و من هنا فان الماركسية ليست إلا نظرية لتدجين الانسان و قتل ارادته الحرة..( يجدر عدم الاحتفاء بشيطنة ستالين فهو في النهاية ماركسي مخلص لعقيدته، و المشكل في النظرية الماركسية و ليس في ستالين)..)، فان الصراع بين البروليتارية و البورجوازية لا يؤدي الى انتـفاء احدهما و الحقيقة الموضوعية هي تجاوزهما نحو مركب جديد هو ما يمثل الحقيقة الباطنية للصيرورة الواقعية..و من هنا فان الدولة البورجوازية و التي لا تكون الدولة الحديثة إلا بورجوازية فإنها تسعى الى تحقيق مجتمع الرفاه و العدالة الاجتماعية بقدر قيم المواطنة و الحرية الفردية في التفكير و التعبير و النشاط العملي..و هذا ما تحقق فعليا في أوربا. و هو نفس ما تحقق في الاتحاد السوفياتي فدولة العمال كذبة بمعنى حكم البروليتاريا، فمن حكم هم اعضاء الحزب الشيوعي فيما عُرف بالبيروقراطية الحزبية المسيطرة على الاقتصاد و الدولة و الفرد بأكثر الأشكال تعسفية على الارادة الحرة للفرد. البيروقراطية الشيوعية ما هي في نهاية الامر الا بورجوازية دولة البروليتاريا. و انها ليست خطأ في التطبيق بل انها التطبيق الفعلي للنظرية الماركسية و ما يمكن ان تنتجه من تناقض أرادت رفعه تعسفيا و بدون اي وجه حق عقلي و واقعي..فالدولة الحديثة هي دولة بورجوازية مثلما قال "هيغل"..
أراد ماركس محو البورجوازية التي هي حسب وضعه لها النقيض للبروليتاريا. انه هنا لا يمت الى الديالكتيك. انه أرسطي. لقد أراد رفع الثالث اي المتجاوز للنقيضين. "إما أو و فقط". هذا هو تعريف أرسطو للماهية، اما هيغل فالهو هو ما هو و ما ليس هو في نفس الوقت.. فاليوم هو النهار و ما ليس هو النهار كذلك، و بما هو ليل و ما ليس هو ليل..اليوم هو صيرورة الليل و النهار..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا و الثورة
- النبي الجديد
- المثقف و السلطة و الثورة
- لروحه السلام أبيك و أبي..
- اليسار بين الصعلكة و التحررية
- -ترامب- أو المشهد الأخير
- السياسي الوضيع
- أفق البديل السياسي المطلوب في تونس
- قاون المصالحة يقلب المشهد السياسي التونسي
- مصالحة ألامصالحة
- النداء التقدمي
- تاريخية القرآن ( من خلال سيرة ابن هشام)
- الرئيس التونسي يتحدى الشرق البائس
- زقاق الجن
- الأيادي القذرة
- نهاية الفصل الأول من الثورة
- الدوامة السورية إلى أين؟
- معركة -بدر-
- من يخون من؟
- ضرورة الانبعاث الفكري للثورة العربية


المزيد.....




- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هيثم بن محمد شطورو - الثالث المرفوع الماركسي