أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي عبد التواب - الحرية بين هيدجر وسارتر وكارناب















المزيد.....



الحرية بين هيدجر وسارتر وكارناب


محمد علي عبد التواب

الحوار المتمدن-العدد: 5722 - 2017 / 12 / 9 - 18:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هيدجر :
لم يقتصر هيدجر ككيركجور ويسبرز علي تحليل المواقف الوجودية ، فيؤكد تفرقة بينه وبينهما تقوم علي التفرقة بين الوجودية (الوجود بوجه عام) و الموجودية (الناكرة لإمكانية نظرية في الوجود من تحليل الوجود العيني ، ومن هنا تقتصر علي وصف ظاهرياتي للمواقف الوجودية العينية للإنسان) ، لهذا وجودية هيدجر لا تعني بالموجود الفرد بل بالموجود عامة منظورا إليه في كله بوصفه كلا.
وتحليل الوجود بوجه عام لن يلبث أن يلتقي بالموجود الفرد ، فالباحث لا بد أن يتسأل : من أنا، أنا الباحث في الوجود، نعم إنني لست أنا الوجود، بيد أني مع ذلك موجود، مشارك في الوجود ، علي صلة به . فالوجود ليس (موضوعا)، لذا نعجز الفصل بينهما في مجري البحث بالفعل (لكن بينما التحليل الموجودي يهتم بالموجود الفرد بوصفه فردا، نري التحليل الوجودي يهتم بالأحوال المنكشف فيها الوجود لنفسه في الوجود-هنا، وسنسمي "الوجود-هنا" بالآنية) .
وأول ما يكشف عنه التحليل للآنية أن ماهية الوجود هي أنه وجود، أي لا ينفصل عن أحوال وجوده فخواصه ليست إلا ضروبا وأحوالا للموجود، والآنية هي الإمكانية العينية الكاملة لوجودي، لذا فللوجود أولوية علي الماهية . وهيدجر يفرق بين الوجود وبين وجود الموجود ، فالوجود يشمل كل الموضوعات والأشخاص أما وجود الموجودات فهو كونها موجودة، ووجود الأشياء غير الأشياء نفسها، وغير فكرة الموجودات أيضاً (وهيدجر وضع هذا التمييز لخلط الفلسفة بينهما).
وصفات الموجود (التي بتحديدها نصل لماهيته) تجعله كذا أو كذا، ولجانب هذه الماهية يوجد أنه موجود. بيد أن الفلسفة فقط سجلت أنه موجود دون تحليل هذا المعني، لاستحالة هذا التحليل، فالوجود أعم المعاني، فلا يندرج تحت صفة أخري، فلا يمكن إطلاق عليه أية صفة . أما هيدجر فينكر تلك الاستحالة ، لأنها المسألة الفلسفة الكبري، لأنه هو موضوع الانطولوجيا التي هي علم الوجود بما هو وجود. ولما كان الإنسان الوحيد الفاهم للوجود. فإنه موضوع اهتمام علم الوجود، ودراسة الإنسان تكشف لنا عن المجال الذي توضع فيه مشكلة الوجود، لأن فهمه يتم في الإنسان وبه . وليس هذا الفهم مجرد فعل من أفعاله يمكن عزله عنها، بل هذا الفهم نوع وجود الإنسان نفسه، إنه يحدد وجود الإنسان لا ماهيته وأحواله، ومعني هذا بعبارة أوضح (أفعال الإنسان وأحواله ضروب وجوده، لذا فدراستها في الوقت نفسه دراسة للوجود الإنساني وللوجود بوجه عام) .
وفهم الوجود معناه الإهتمام به وهذا الإهتمام يدور حول الأسئلة التالية : أين ومن أنا ؟ وما معني العالم ؟ ومن الذي لعب علي فوضعني فيه وتركني؟ وكيف دخلت للعالم بدون استشارة ؟
.. أسئلة لا معني لها، مادام الوجود _في هذا العالم_ لم يكن متوقفا علي إرادتي. لقد سقطت فيه، فلا أملك سوي التسليم به.
وهذا السقوط لا ينطوي علي معني من معاني الذم أو معاني دينية متعلقة بالهبوط من الجنة والخطيئة الأولي، إنما يقصد به سقوط الوجود الماهوي للعالم لأجل تحقيق الإمكانيات المنطوي عليها الوجود، والسقوط إيجابي، فبغيره ما كان لوجودي الإنكشاف لنفسه، ولضل وجودي في إمكانيات للوجود لانهائية . إن سقوطي أيضا (خروجي عن ..) وهذا (الخروج عن ...) الذي فيه أحقق إمكانيات وجودي .
ولذا فالوجود في الآنية هو أيضا وجود مقدم خارج الآنية بمعني أنه سبق علي نفسه بإستمرار، في حالة مشروع يتحقق في المستقبل (لذا فهو أهم آنات الزمان عنده) والإنسان يعيش دائما في مستقبله، فوجودي هو ما سيكون عليه وجودي مستقبلا، فوجودي إبان سن الحداثة أيضا مستقبلي في الشباب والكهولة.
لكن ما هذا العالم الذي سقطت فيه؟ إنه عالم من الأشياء والأحياء التي تثير إهتمامه وتحيط به، وهذا الإهتمام لأني لا أستطيع تحقيق إمكانياتي إلا بالأشياء والأحياء كلاهما أدوات ، وكل أداة تحيل لغيرها، القادوم يحيل للخشب والمقص للقماش والرق، وكل ما في الوجود يحمل طابع الإحالة بالنسبة للذات (فكرة الإحالة أخذها هيدجر عن هسرل) .
الوجود يجد نفسه في العالم وسط أدوات يحيل كل منها لغيرها، وفي الوقت نفسه يحيل للذات التي تستخدمها، فالوجود_في_ العالم سقوط ووجود إحالة من أشياء بعضها لبعض، وذوات بعضها لبعض، والأداة التي لا تحيل لشئ ليست شيئا.
والعالم لا يستنفذ وجوده وجود الأشياء، فلجانب الأشياء يوجود الأحياء، الغير، لذا فالوجود_هنا أيضا وجود_مع_ وجود _مع_الغير_في العالم، وهذا الوجود _مع يزيف الوجود الحق، لإنزاله به لحياة يومية زائفة مبتذلة، لتشابهها. فالآنية التي تعيش بين آنيات تعيش علي غرارهم لا عيشتها الذاتية الخاصة، فيصبح الإنسان نسخة من كائن بلا أسم (الناس)، فيقضي علي فردانيته ووجوده الحق، أي علي مكونات ذاتيته وشخصيته وأصالته، فيصبح شئ بين أشياء وموضوع ضمن موضوعات وأداة وسط أدوات .
ويسقط الإنسان هذا السقوط فرارا من العدم المحصار له، لكن أني لنا إدراك العدم، والعدم عدم ؟ أوليس تناقضا وصف العدم لأن الوصف إيجاب، والعدم نفي خالص، فكيف نصف بالإيجاب ما هو نفي خالص ؟
نعم تناقض للمنطق العقلي، لكن الأمر هنا لا يخص المنطق العقلي، بل إدراكه شأن العاطفة (الكاشفة لنا عن العدم في الوجود) . عاطفة الملال : لا من شئ معين بل من كل شئ . هذا الشعور يكشف لنا عن العدم، عدم الحياة، ويتجلي العدم أبرز ما يتجلي في القلق (وهو ليس الخوف لأنه يكون من شئ معين، أما القلق فيتعلق بالأشياء كلها في مجموعها) . إن ما نقلق عليه في القلق العدم الماثل في الأشياء والأحياء، إذ نشعر في القلق بأننا وكل الأشياء والأحياء أنزلقنا في هاوية غامضة غير محددة. فتبدو لي غريبة، لا أهتم بها، إنها لم تنعدم، ولكنها فقدت عندي كل معني، وأضحت خلوا من كل معني يثير الاهتمام .
وهذا العدم ليس شيئا يقف أمامي يعارض الوجود، بل ينكشف لي أنه ينتسب للوجود نفسه، للوجود الحق، يبدو لي شرطا لتحقق الوجود (لإنكشافه)، لظهور العدم في كل فعل من أفعال الوجود، يظهر لي في السلب، حينما أقول : هذا الشئ ليس كذا، وفي القيام بفعل لأنه يقتضي إختيار وجه واحد ونبذ سائر الممكنات. فهذا التحديد الناشئ عن ضرورة الإختيار، هو أيضا يحمل معني العدم. وكل إنكار، ثورة، تمرد، منع، تحريم، زهد أو إمتناع - يحمل معني العدم. لهذا العدم ينفذ في كل الوجود، ويكفي مجرد تنبيه الإهتمام إليه لينكشف له في كل فعل. فليس القلق موجدا للعدم بل ينبه الإنسان لوجوده .
الآنية (وجود في) - أي من صفاتها الجوهرية أنها محاطة أو في حالة تعين مع الغير. فليس ثمة ذات مفردة. بل كل ذات تفترض بطبعها الغير الذي تساكنه وتوجد معه. وهذا الغير يستولي علي وجود الذات بما يفرضه عليها من أحوال، لينتهي الأمر بذوبان الذات في الغير أو في الناس. وهذا ما يسمي بالسقوط. وهو ضروري (فلا سبيل للتخلص من الناس أو الفعل إلا في إطار "الوجود - مع" الناس. وتلجأ الذات لهذا الوجود الزائف فرارا من الأحوال الوجودية الحقيقة التي تواجهها إذا ما أبصرتها (كالموت). إذ تبصر الذات أن وجودها (وجود للموت) (ووجود للعدم) ففي تجربة الموت تشعر الذات بكل معاني وجودها: بأنها مفردة مع مسؤولياتها الهائلة ( فالفرد يموت وحده لا يمكن أن ينوب أحد عنه أو يحمل عبئه) والفناء يحاصرها من كل جانب، لهذا كان العدم عنصرا جوهريا أصيلا في تركيب الوجود. فكل وجود وجود لعدم .
وإذا عزمنا علي أن نحقق وجودنا أثناء صياغتنا لصورتنا المثالية، فهذه الصورة قيمتها ليس وقفا علينا بل هي لجميع الناس والعصر الذي نعيش فيه، بهذا تكون مسؤوليتنا أكثر بكثير مما نظن لأنها تلزم الإنسانية جمعاء، فإذا كنت عاملا وأنضممت لنقابة شيوعية لا مسيحية ، وإذا كنت بهذا أريد الدلالة علي أن هذا الاختيار هو الحل الموافق للانسانية، فإن إختياري حينئذ يلزم الانسانية كلها، وإذا كنت أريد القيام بعمل فردي معين كالزواج، فبهذا لا ألزم نفسي وحدها علي اختيار الزواج بل الانسانية جمعاء، حتي لو كان زواجؤ متعلقا بظروفي ورغبتي الخاصة ، ومثل هذا الوصع يفسر معني القلق ، والإنسان عاجز عن الهروب من شعوره بالمسؤولية الكلية العميقة عن غيره ونفسه. وهذا هو الرجل الأخلاقي عند كيركجور .
والقلق علي نحوين: قلق من شئ، وقلق علي شئ. والموجود في العالم يقلق علي إمكانياته : لأن التحقيق إختيار لوجوه ونبذ أخري، ولأن ثمة حقيقة كبري تقف دون التحقيق (الموت).
والموت لا يمكن أن يكون الثمرة التي تحقق فيها الحياة نضجها، لأن الثمرة تمثل التمام بينما الموت تحيطم للحياة، وليس الموت وقوفا للحياة كما يقف المطر، لأنه في الموت لا تختفي الحياة مجرد إختفاء، بل تنطوي عليه منذ هي حياة، فالوجود وجود للموت، ليس الموت إذا طارقا علي الحي، بل الحي يحمله منذ البداية وإنما يوهم الناس أنفسهم بالفرار من الموت بإحالته لمجرد وقائع إحصائية لعدد الوفيات، أو برده ليقين بأن كل نفس ذائقة الموت، وكأنه يهم الناس لا أحدا بالذات، مع أنه في الموت يتم الشعور بالفردية لأقصي درجة، والقلق من الموت يشعرني بالفردية للحد الأعلي من الشعور، فهذا القلق أعلي ما يكشف عن الوجود الذاتي الحق.
علي أن الآنية توجد في العالم علي هيئة إمكان وجود أيضا، مع ما يصحب ذلك من التزام ومسؤولية ناتجة عن الاختيار الحر للامكانيات التي نحققها. ولكن ليس ثم حرية مطلقة في الاختيار، لأن الآنية ليست سيدة وجودها، لأنها قذف بها في العالم، ولأن إمكانيتها محدودة ولا تستطيع تحقيقها كلها. وهيدجر لا يريد أن ينتهي من هذا للقدرية، بل يحمل الإنسان مسؤولية هذا الوضع وإن فرض عليه. لهذا يري أن من خصائص الوجود الحق لا المزيف الذي صنعه الناس أن يدرك الوجود علي أنه مطبوع بطابع العدم والعبث المطلق. ولا مفر من طابع التناهي في الوجود. والزمان أكبر دليل عليه. فما في الوجود متزمن بالزمان والزمان يقتضي التناهي.

عرضنا سابقا حرية الإرادة من خلال (السقوط) و (الإمكانيات) و (القلق) .. إلخ . والأن سنعرضها وفقا لمفاهيم مثل : (البراكسيس) و (التركيب الأنطولوجي للوعي)، لننتهي بكارناب بمفاهيم مثل : (الحتمية الفيزيائية) و (القسر) .. إلخ ، كما سنري .

سارتر :
يمكن القول بصفة عامة أن البراكسيس هو النشاط البشري الهادف وفكرة النشاط البشري تتضمن في جوفها بالضرورة جانبين :
1_ الخطبة الذاتية أو المشروع الذي يشكله الإنسان حين يفكر في موقفه وأغراضه وحاجاته.
2_الموقف الموجود موضوعياً – والذي يجد المرء نفسه فيه والذي يخطط لغيره. من ثم فإن ماهية البراكسيس التجاوز .. وهي فكرة أثيرة عند سارتر تعادل (فكرة الرفع الهيجيلية) أو الذهاب لماورا الموقف الموجود. وذلك غير ممكن بدون توفر القصد أو النية وليس من الضروري معرفة الإنسان بالضبط معني ما يفعله ولا ما الذي يفعله أو ما التغير الموضوعي الذي يحدثه فعله. ومع ذلك ينبغي أن يكون علي وعي بشئ ما. وهذا الشئ بصفة عامة حاجة أو نقص يجعله يفكر كيف أن الأشياء ليست موجودة ولا بد أن يكون قادرا علي أن يقول ما الذي يعتقد علي الأقل أن يفعله. وتلك القدرة علي تخيل الأشياء قد تكون علي نحو مخالف هي التي تجعل الإنسان قادرا علي البراكسيس (قادرا علي الذهاب لماوراء الموقف الجزئي الذي يجد نفسه فيه). وهذه القدرة تبرهن أن البراكسيس جدلي الصورة لا أن الجدل إصطدام المشروع بالواقع.
من ثم فإنه من المستحيل عند سارتر أن نستخدم البراكسيس دون توجيه انتباهنا بذلك :
1_ للموقف العيني الذي يجد الإنسان نفسه فيه والذي يشكل مشروعاته بالإشارة إليه .
2_دون أن ننتبه للأفكار و المشروعات نفسها ، من ثم فمستحيل النظر للسلوك البشري كقابل للفهم فهما شاملا عن طريق ملاحظ يراقب سلوك الناس كما يراقب سلوك الموضوعات المادية في ظروف مادية، فالمدرسة السلوكية في علم النفس لا تكفي لتفسير السلوك البشري. إن الأفعال البشرية لا بد أن تنقسم لقسم داخلي وقسم خارجي أو ما ينوي الإنسان عمله وما يعمله بالفعل. وسنري أن ما يفعله بالفعل تماما عكس ما كان ينوي عمله والقصور الذاتي سمة الفعل علي جميع المستويات .
وأن الغائية المضادة النتيجة النهائية للفعل البشري وفي نفس الوقت تتعارض مع الغاية التي نشدها الفاعل.
وإذا كان البراكسيس متضمن لجانبين: ذاتي وموضوعي أو النية والقصد والجانب الداخلي عند الفاعل ثم الظروف الخارجية فإن الجانبين يرتبطان بعلاقة جدلية، فالجانب الداخلي لدي الإنسان هو نفسه محكوم بالإطار الاجتماعي الذي يجد نفسه فيه، وهذا الإطار الاجتماعي نفس الذي يعمله الفرد ويحاول أن يغيره.
حصرنا نفسنا للآن في البراكسيس في ذاته أعني أقتصرنا علي وصف البراكسيس نفسه فبينا كيف أنه نشاط بشري ذاتي وموضوعي في آن معاً وأنه لا بد من توفر فيه عنصر العضوية ومراعاة الظروف الخارجية، وأن ميدانيه حقل الممكنات..إلخ. لكن البراكسيس بعد ذلك يهدف لشئ هو وسيلة لغاية ما، فسارتر يقول : (البراكسيس أياً كان نوعه توسلية الواقع المادي، فيحول المادة "يجب فهم المادة هنا بمعناها الواسع، فتنسحب أيضا علي العلاقات البشرية والبشر أنفسهم والحق سارتر لا يعتبر الإنسان غاية في ذاته، فليس ثمة فيما يعتقد مملكة الغايات علي الطريقة الكانطية، والندرة هي التي حركت التاريخ علي نحو ما حدث والندرة والتصميم البشري علي التغلب عليها دافع البراكسيس البشري للعمل وبسببها نظر كل إنسان للآخر كتهديد ولنفسه كتهديدا للآخرين، كل إنسان يشعر في الآخر بمدأ الشر" لوسيلة لتحقيق الغايات البشرية ولهذا نراه يضم الشئ المادي الجامد ويغلفه في مشروع مشمل ويفرض عليه وحدة شبه عضوية). وهذه الوحدة لا تظهر في الواقع إلا بعد أن يتم البراكسيس بالفعل وفي هذه الحالة لا تكون شيئا أخر (سوي الانعكاس السلبي للبراكسيس أعني لمشروع بشري حدث في ظروف معينة وبأدوات معينة، وفي مجتمع تاريخي له درجة معينة من التطور).
وهناك معني أخر يمكن أن نقول فيه : الناس لا يعاملون بعضهم ولا أنفسهم كغايات: فبالبراكسيس يردون أنفسهم جزئيا لوضع الأشياء المادية حتي يقدروا علي التأثير فيها: (إن الإنسان وهو يجاوز الأوضاع المادية التي يعيش فيها فإنه يتموضع في المادة بواسطة العمل وهذا يعني أنه يفقد نفسه لكي يوجد الشئ البشري ويمكنه العثور علي نفسه من جديد في الهدف بوصفه دلالة الموضوع الذي أنتجه الإنسان). هذا يعني الإنسان لكي يؤثر في الأشياء المادية فلا بد أن يتموضع ويصبح شيئا أو شيئا بشريا، بل إن الناس عليهم أحيانا أن يصبحوا أدوات. وعلي هذا النحو يتحول البراكسيس أو المشروع أو ما كان في البد فكرا لقوة مادية تحدث التغير في العالم. علي ذلك فإن البراكسيس يقدم لنا تجربة حية لكل من الموجودات البشرية والعالم المادي، فهو همزة الوصل . وليس هناك براكسيس في الحالة الآتية: إذا أردت مثلا نفخ إطار سيارتي فليس ثمة فائدة لمعرفتي بمكيانزم منفاخ العجلة وحتي لو أنا مخترعه فإن ذلك لا يساعدني لملئ إطارات العجلة، معني ذلك أن النشاط العقلي لن يحصل علي شئ جاهز مجهول، والجانب الفيزيائي من الموجود البشري هو بالمعني الحرفي إتصاله بالعالم واستخدامه لأعضاءه كأدوات.
فالبراكسيس يظهرنا علي أن هناك إرتباطا حيا بين الإنسان والمادة فهو يعمل علي جعل الإنسان متحجراً ليحي المادة.
ولو أراد المرء جمع هذه الدلالات والإشارات في نظرية عامة عن الدلالة لقلنا: الأداة دالة والإنسان المدلول عليه. معني ذلك أن الإنسان في تجاوزه للحاضر أو الأوضاع المادية الحاضرة لا بد من تموضعه، أعني أن يتحول البراكسيس لموضوع مادي، شئ أخر غيري يدل علي أو أستطيع التعرف فيه علي نفسي ولكني في الوقت نفسه أشعر فيه بالضرورة. لهذا يقول سارتر: الإنسان الذي ينظر لعمله ويتعرف علي نفسه فيه تماما، والذي في الوقت نفسه لا يتعرف علي نفسه فيه إطلاقا والذي يستطيع القول في آن معا "أنا لم أرد ذلك" و "إني أفهم أن ذلك ما صنعت ولم يكن في إستطاعتي أن أفعل شيئا أخر" - هو الذي يدرك الضرورة في حركة جدلية مباشرة بوصفها المصير الذي لا مندوحة عنه للحرية حيت تتصل بالوجود الخارجي .
ويواصل سارتر عرض فكرته فيقول : هل نقصد بذلك الحديث عن عملية الإغتراب ؟ لأجبنا نعم ، ليس كما يفهمه ماركس (الإغتراب الماركسي يبدأ مع الإستغلال) ، والإغتراب السارتري قريب من الهيجلي: أيعني ذلك أن نعتبر الإغتراب خاصية ثابتة للتموضع أيا كان نوعه؟ نعم ولا . إذ ينبغي إدراك أن الإرتباط الأصلي للبراكسيس بوصفه عملية تشكيل للمادية كتقبل تجبر الإنسان علي التموضع في حيز قد لا يكون حيزه وأن يعرض الشمول اللاعضوي علي أنه حقيقته الموضوعية الواقعية. وهذا الإرتباط بين الجوانية والتخارج هو الذي يكون البراكسيس بطريقة أصيلة بوصفه علاقة بين الكائن الحي وبيئته المادية.
من هنا يذهب سارتر لأن : البراكسيس يظهرنا علي ما فيه من ضرورة جدلية. لأن الإنسان يبدأ ببراكسيس حر يؤثر في المادة التي تمتص بدورها البراكسيس حين يتم ويتموضع وبالتالي يغترب عن الفاعل وتبدأ هذه المادة نفسها تؤثر فيه، فالإنسان يبدأ يعمل موضوعات وتنتهي هي بأن تعمله هو، فهي تحدد ما الذي يستطيع عمله. وهكذا تسلب حريتي في حضن الحرية المليئة بالحرية.
والبراكسيس المتموضع أو المغترب الذي سرقته المادة حين أمتصته وحين أنطبع عليها كما ينطبع الخاتم علي الشمع يتحدث عنه سارتر علي أنه براكسيس بلا صاحب فقد تحول لقصور ذاتي وعائق للبراكسيس الجديد، والكثرة الهائلة من البراكسيس المغترب يسميها سارتر (العاطل عملياً) .. وسوف نكشف تعادلا بين البراكسيس المغترب والقصور الذاتي وسوف نسميه بالمادة العاطلة عملياً ومنطقه هذا التعادل أو التساوي سوف نطلق عليه (العاطل عملياً). والغريب أن هذا العاطل عملياً: مصب أفعالنا جميعاً وأيضاً نقطة اللقاء بين البراكسيس الفردي والجماعي وهو أيضا العجينة التي يشتغل عليها الاثنان معاً، وهي التي تعوق أو تعدل من سلوك الفرد بالتالي من سلوك الجماعة من حيث أنها تؤسس براكسيسها الفردي.
(العاطل عمليا) عند سارتر لا يشمل البراكسيس المغترب بل نطاقاً أوسع (فيستخدمه ليشير به للعالم الخارجي عموما الشامل في آن واحد معا البني البشري والبيئة المادية). غير أننا إذا وضعنا في اعتبارنا ما يقوله سارتر أحيانا (المادة براكسيس مقلوب) فربما أمكن قول (العاطل عمليا البراكسيس المغترب والبراكسيس كمادة).
وفي إستطاعتنا قول من ناحية أخري (التاريخ نفسه ليس إلا قصة كيفية تسجيل البراكسيس نفسه في صميم العاطل عمليا).
وكما تشير (هازل بارنز) فإن لفظ البراكسيس والعاطل عمليا لا يساويان الوجود لذاته والوجود في ذاته، لكن هناك معني يمكن قول فيه أنهما يمثلان موقفين مترادفين في كتاب: (نقد العقلي الجدلي)، فإذا كان البراكسيس يعني أي نشاط هادف بحيث لا يكون مجرد حركة عشوائية، فإن العاطل عمليا أكثر من أن يكون مادة فحسب رغم تضمنه للبيئة المادة وإنما هو يشمل جميع الأشياء المشكلة خبرة الإنسان بالتناهي. وإذا كان سارتر أعلن (الجهنم هي الآخرون)، فهو يعلن الأن أنها (العاطل عملياً) لأنه يسرق مني فعلي، فالمادة لأنها موجودة هناك أو لأنها ليست كذلك تستدعي أفعالا وتعوق أخري ، وأكثر من ذلك فإن القصور الذاني لمنطقة العاطل عمليا تغير من الغايات التي أعمل لأجلها وتفرض علي غايات مضادة ، والواقع أن الغائية المضادة النتيجة النهائية للفعل البشري وفي نفس الوقت متعارضة مع غايات التي ينشدها الفاعل .
مثالا علي تحول البراكسيس لغائية مضادة : الفلاحون الصينيون وصراعهم ضد الطبيعة وغزوات البدو والبربر .
لو أننا قلنا الأرض الصينية خصبة منذ أقدم العصور لكان ذلك صحيحا ، لكن ذلك ليس الدعامة الوحيدة لحضارتهم بل جهود الصينيين ، لأن التربة الخصبة تخلق بنشاط السكان وما من شك أن الصينيين الاوائل ظلوا طوا أربعة آلاف سنة يكافحون ضد الغابات ، الوحوش والفياضانات وأحد أوجه نشاطهم هو إزالة الغابات ، وهذا براكسيس واقعي حي وفي نفس الوقت يسجل نفسه في الطبيعة إيجابيا وسلبيا .
أما الوجه الإيجابي لهذا البراكسيس: أنهم حولوا أخيرا هذه الغابات والبراري لأرض خصبة .
أما السلبي وهو ما يسمي (الغائية المضادة: فإنها معني أو دلالة لم يدركها الصينيون بالضبط لأنها غياب: غياب الأشجار ، وقد أدرك حكام الصين خطورة ذلك الأن ، لكن الأوائل فلا لأن هدفهم كان زيادة الرقعة الزراعية، لذلك فلم يروا سوي إمتلاء الأرض وما يجئ به الحصاد أو لم تكن لهم عيون يروا بها هذا النقص الذي لم يعني لهم سوي تحررا من عوائق (الغابات). من هنا فإزالة الغابات بوصفها تطبيقا سلبيا للبراكسيس ستصبح خاصة للجبال لا سيما الجبال في منطقة زتشوان .. فقد توقفت الخصائص الفزيائية الكيميائية التي كان يمكن للمرء تسميتها بالخصائص الهمجية، إلا أنها لا تبدأ إلا حيث ينتهي التطبيق البشري. ولكن هذه الخصائص الهمجية أصبحت الأن بشرية من حيث أن إزالة الغابات _كما كان يعتقد الصينيون_ أصبحت الأن بطريقة سلبية غيابا للحماية، فالطمي في الجبال والسهوب لم تكن مثبتة بواسطة الأشجار ذلك لأن سفوح الجبال والتلال والمنحدرات التي تقطع أشجارها لا تقوي علي الاحتفاظ بما يسقط عليها من أمطار فتجرف مياهها التربة العليا الخصبة وتجدب وتخلوا من العوائق التي تحول دون انسياب السيول علي الوديان وإغراقها. وهكذا فإن عمليات الفيضانات الصينية كلها تظهر كميكانيزم مقصور. ولو أن عدوا أراد إضطهاد عمال الصين الكبري فإنه لم يكن ليفعل شيئا سوي أمر مرتزقة بإزالة الغابات والأشجار من الجبال بطريقة نسقية. وهكذا فإن نظام الزراعة (الوجه الإيجابي) تحول لغائية مضادة.
الحرية عند سارتر حرية ملتزمة، بمعني أن الفرد يجد نفسه أثناء قيامه بالفعل الحر ملتحما، ملتحما بمواقف معينة، منخرطا بها انخراطا، وقد قال سارتر بهذا الالتزام ليعارض الفلسفات العقلية المصورة للحرية علي أنها أدخل في باب الشعور أو التفكير العقلي منها في باب الممارسة، فالحرية في هذه الفلسفات إذن تتم قبل الفعل الحر، وفي زمان سابق علي ممارسته أو تكون مجرد حالة شعورية مصاحبة للفعل .
أما عند سارتر فالحرية ممارسة أولا وقبل كل شئ، وهي لا تملك إلا أن تكون ممارسة، لأنها لا تقوم إلا في قلب المواقف ومن خلالها، وهي بهذا المعني حرية ملتزمة، والخلاف بينهما في فهم الحرية يرجع لإختلاف رئيسي في تأويلهما لوظيفة الشعور أو الوعي الإنساني، فالشعور عند المثاليين خالق لموضوعه، بل إن الإنسان في بعض هذه الفلسفات يفكر وفقا لقوالب عقلية جاهزة ومقولات أولية، لا بد أن تعد قبل كل فعل التفكير، ووجد الشئ موضوع التفكير من صنع هذا القالب العقلي، أما عند سارتر فالشعور لا يوجد شيئا لأنه يجد شيئا أمامه، ملتحما به، فهو إذن شعور واقعي ملتزم بموضوعه علي النحو الذي تلتزم فيه الحرية بالمواقف.
من أجل هذا الحرية عنده تسير في دروب غير مرسومة، إنها حرية الاختيار، والاختيار الحق يتم في لحظة خاطفة، دون تدبير عقلي أو معرفة مسبقة بالغاية المنشدوة من وراء الفعل، هنا وبوسعنا قول: إذا كان علماء الأخلاق قسموا المذاهب الأخلاقية لقسمين:
1_أخلاق المصدر (سواء أكان هذا المصدر دينيا أو عقليا) .
2_أخلاق الغاية (سواء أكانت اللذة أو المنفعة أو المجتمع) .
، فإن سارتر أضاف لهذا التقسيم أخلاقا أخري أسقط فيها الغاية والمصدر، فالأخلاق السارترية والوجودية ترفض تماما البحث عن مصدر للفعل الحر أو الأخلاقي، وكذلك الغاية، وذلك لأنها أخلاق غير مرسومة: الأفعال الإنسانية فيها ليس لها مصدر ولا غاية.
لكن سارتر لم يقل بأن الحرية تسير في مسارات غير مرسومة ليعارض هذه التيارات الفلسفية فقط، بل من أجل مناهضة تلك الحرية التي ينادي أصحابها بأن الحرية الفردية خاضعة لضرب اخر من الالتزام يختلف عن الالتزام الذي يعرضه سارتر، وأعني إلتزام الفرد بالظروف الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية التي يجتازها المجتمع الذي يعيش فيه في هذه المرحلة المعينة من تطوره.
يعارض سارتر هذه الحرية القائمة علي نظرة خاصة في التاريخ، رأي فيها الوجوديين أن القائلين بها سينتهوا لإلغاء الحرية الفردية، من حيث أن الفرد عندهم مجرد إنعكاس للظروف التي يعبرها كفرد ويجتازها مجتمعه أيضا، مجرد تعبير عن هذه المرحلة من مراحل التطور المحتوم للمجتمعات، وهم يؤسسون الحرية لا علي فكرة (المواقف الوجودية) بل علي (الظروف) المرحلية التاريخية التي تعبرها المجتمعات، بالتالي فمفهوم (الإلتزام) عندهم مختلف عن الوجوديين، من حيث أنه إلتزام تاريخي محتوم، أدني (للالزام) منه (للإلتزام).
لا وجود حرية بدون قيود ، فالحرية فعل طرفه الأول الاختيار، والثاني في تلك المقاومة المعارضة للفعل الحر أثناء ممارسته للحرية لا قبلها. والأشياء المادية التي يصطدم بها الإنسان عقبة، والماضي _الجدار الذي يعترض ديمومة الشعور، ويعوق اتصال (عقبة)، وقبل هذا أو ذاك فالآخرون وجه أخر للعقبة، وسارتر لا يتصورها علي أنها (علل) للفعل الحر، أو شرط لوجوده، بل هي جزء لا يتجزأ من الفعل، جزء لا يتجزأ من الموقف الوجودي، إنها الأرضية التي يمتد فيها الموقف، والجو الذي يعيش فيه.
وبالرغم أن هذه العقبات شلالات تعترض الفعل الحر، وبالرغم من أن سارتر لا يتحدث عنها إلا بإعتبارها وجوها للعدم الموضوعي الاستاتيكي الداخل في نسيج الوجود، إلا أنها دوافع الفعل الحر، ومجالا لتوكيد الارادة الانسانية، فالانسان لا يندفع نحو الفعل إلا عندما يشاهد هذه العقبات، والفعل الحر بهذا إعداما لهذا العدم المتمثل في هذه العقبات، وفعل الإختيار ليس إلا إثباتا للوجود في أرض العدم. مع ملاحظة أن سارتر عندما يتحدث عن إثبات الإنسان لوجوده، لا يقصد من وراء هذا إلا إثبات وجود الإنسان الفرد في مواجهة الأخرين منظورا إليهم أيضا بإعتبارهم أفرادا .
ذهب سارتر إلي أن الحرية لا تتجلي إلا في المواقف، فالموقف هو الشرط اللازم للحرية وهو المجال الوحيد لها، وبما أن هذا المجال هو الشرط اللازم لحرية الوعي، فالوعي مرتبط ضرورة بالمجال الذي ينفصل عنه، أي بالموقف الذي يكون الوعي حرا إزائه.
مقولة الانفصال تقتضي التحرر المستمر، ولكن مجال الحرية كما أراد سارتر أن يكشف عنه، يتحدد بالمواقف المختلفة ويضيق في حدود هذه المواقف، بحيث يصبح مفهوم الحرية عند سارتر هو أن يضطلع الإنسان بالموقف الذي يوجد فيه .
إن سارتر يرتب الحرية الإنسانية علي التركيب الانطولوجي للوعي، بحيث لا يملك الإنسان بمقتضي هذا التركيب، إلا أن يكون حرا، ومن هنا كانت خاصية الحرية الإنسانية عند سارتر هي أنها واقع عارض بمعني أن الإنسان مجبر علي الحرية، من هنا فالحرية السارترية اضطرارية، فالوعي مضطر لأن يختار.
هل الإنسان يشعر بأنه حر في إختياره وفي نفس الوقت أنه مقسور علي هذه الحرية ؟ يجيب سارتر: الإنسان قد يشعر بهذه الحرية، فيصيبه الجزع والقلق. وهذا سبب أن الغالبية تحاول الفرار من هذه الحرية، فتلتمس بشئ من سوء النية سبيلا لهذا الفرار: منهم من يلجأ للسلوك الاجتماعي يضفي علي الحياة انتظامها وانسجامها فيشيع فيها الاطمئنان ويزول القلق. ومنهم من يلجأ للعلم، من حيث أنه ينظر في الماهيات الثابتة ويضع القوانين ليثبت الحقائق ويحكم المستقبل فلا يجعله مثارا للقلق ومنهم من يلجأ للسحر، من حيث أنه إعتقاد في وجود الأشياء والماهيات الثابتة التي نستطيع أن نبقيها عن طريق تسميتها، ومنهم من يلجأ للجنون من حيث أنه خلق لعالم أخر أو إعتقاد في وجوده حيث يمكن للإنسان العيش بغير قلق، وهم جميعا إما أن يحاولوا الفرار من الحرية كمل يفعل (القذرون) أو (الجبناء) وإما أن يخرجوا علي الأوضاع المألوفة والقوانين العلمية الموضوعة والنظم الأخلاقية المتعارف عليها فيعانوا بالتالي الجزع والقلق، وفي كلتا الحالتين يشعر الإنسان بأنه مقسور علي الحرية (هذا الشعور بالقسر يظهر أقوي عند الفئة الثانية _فئة الذين يضطلعون بحريتهم) .
تساؤلات وإنتقادات من كتاب (جان بول سارتر فليسوف الحرية): أولها ذلك التساول الخاص بقيمة هذا الشعور: لقد قلنا أن الإنسان يشعر بأنه مقسور علي الحرية، وسارتر لا يعطي لهذا الشعور الأهمية اللازمة، والتي كانت تقتضي منه أن يوازن بين هذا الشعور وبين التركيب الانطولوجي للوعي.
هذا التركيب يقضي بأن يكون الإنسان حرا حرية مستمرة، لكن الشعور بالقسر كان يقضي من ناحية أخري أن يلاشي من قيمة هذه الحرية، وبعبارة أخري كيف يشعر الإنسان أنه حر وفي نفس الوقت يشعر أنه مقسور علي هذه الحرية ؟
أما إذا أنضم الإنسان للقذرين فينساق مع قواعد المجتمع الرتيبة ويفر - عن طريق سوء نية من حريته وشعوره بها-عندئذ يبزغ التساؤل الثاني حيث تبدو لنا هذه الحرية كأنها خالية من كل معني وقيمة. حقيقة ان سارتر يجعل الإنسان بمقتضي تركيبه الانطولوجي حرا في الفرار من حريته ولكننا نتسأل ما قيمة الحرية التي يمكننا الفرار منها؟ إن في قولنا أن الإنسان يفر بحريته من حرية تناقضا يشبه تماما التناقض السابق الذي رأيناه في قولنا عن الإنسان إنه مقسور علي الحرية.
وهنا ننتقل مباشرة للتناقض الثالث: فنتساءل مرة أخري كيف يكون الإنسان مقسورا علي الحرية وكيف يمكنه في نفس الوقت الفرار من هذه الحرية؟ هاتين الصيغتين تعبران عن حالتين وجوديتين عند سارتر ولكنهما رغم ذلك وكما تكشف عنها فلسفة سارتر لا يلتئمان معا في فلسفة واحدة، فكون الإنسان مقسورا علي الحرية يعني أنه لا يمكنه الفرار من هذه الحرية التي هي مقسورة عليها. فإذا عدنا للصيغة الأولي أي كون الإنسان مقسورا علي الحرية بإعتبار هذه الصيغة التعبير المباشر عن التركيب الانطولوجي للوعي بزغ تساؤلنا الرابع وبدا لنا أن ثمة تناقضا بين هذه الصيغة وبين القضية الأساسية في الفلسفة الوجودية أن الوجود الإنساني سابق علي الماهية الإنسانية فبمقتضي هذه الصيغة ليست هناك أي طبيعة إنسانية تسبق الوجود من حيث هو فعل مستمر وسارتر يجعل الحرية الإنسانية مترتبة مباشرة علي كون الإنسان خاليا من أي ماهية إنسانية ولكنه في الوقت نفسه يجعل ماهية الإنسان قائمة في هذا الخلو من الطبيعة الإنسانية. أعني أن سارتر يجعل الإنسان خاليا من أي ماهية إنسانية ويعود في الوقت نفسه ليجعل له ماهية معينة (الحرية) أو هي نفس التركيب الانطولوجي للوعي أي الإنفصال المستمر الذي يتيح مجال الحرية، وبعبارة أخري يجعل سارتر الإنسان خاليا من أي ماهية إنسانية ويشتق من هذا الخلو ما يتناقض معه تماما إذ يجعل ماهية الإنسان كونه مقسورا علي الحرية وهنا نتساءل كيف يشتق سارتر من قضيته الرئيسية ما يناقضها؟ قول سارتر: الوجود الإنساني يسبق الماهية يعني أنه يقرر خلو الإنسان من الماهية السابقة علي الوجود، أما قوله: الإنسان من حيث تركيبه الانطولوجي مقسورا علي الإنفصال وبالتالي علي الحرية فيعني أنه يقرر أن ماهية الإنسان هي الحرية. لقد تكشفت لنا هذه التناقضات من النظر في الحرية السارترية من حيث هي واقع عارض يأتي بناء علي التركيب الانطولوجي للوعي فإذا كانت أول خاصية للحرية الإنسانية هي كونها واقعا عارضا فإن الخاصية الثانية لها تترتب أيضا علي نفس التركيب الانطولوجي للوعي فبمقتضي هذا التركيب لا يكون الإنسان أحيانا حرا وأحيانا لا ولا يكون مطلق الحرية في بعض الأفعال والبعض الأخر قليل الحرية أو معدوم الحرية، وإنما حر دائما في جميع أفعاله وإزاء جميع أهوائه وفي جميع المواقف فالخاصية الثانية إذن الحرية الإنسانية مطلقة، وقد يبدو لأول وهلة أن هذا الإطلاق والشمول يتعارض مع فكرة العلاقة بين حرية الأنا وحرية الأخر فإذا كان الوعي حرا بمقتضي تركيبه الانطولوجي إزاء جميع المواقف تضمن ذلك أيضا حرية الوعي إزاء الأخر. ولكن الأخر وعي كالأنا حاصل بمقتضي نفس التركيب الانطولوجي علي الحرية المطلقة وإذن فيبدو أن حرية الوعي ليست مطلقة إزاء جميع المواقف فثمة موقف وهو وجود الأخر هو وجود الأخر يحد من هذه الحرية.
وهنا نعود لنفس التركيب الانطولوجي للوعي فنجد أنه حر بمقتضي هذا التركيب في قبول تحدده بواسطة حرية الأخر وأن يختار هذا التحدد كما أنه حر في أن يرفضه وأن يختار الاحتفاظ بحريته. كذلك الأخر حر في أن تتحد حرية بحرية الأنا كما أنه حر في أن يظل محتفظا بها وإذن فحرية الوعي حرية سابقة علي فكرة الارتباط بحرية الاخر. إنها حرية انطولوجية مترتبة علي التركيب الانطولوجي للوعي الذي يقضي بكون التعريف الأول للإنسان أنه موجود ينفصل عن ذاته والماضي بإستمرار، ولذلك يقول سارتر: الحرية من حيث هي تعريف للإنسان ليست متعلقة بحرية الأخر. من هنا كانت خاصية الشمول والإطلاق في حرية الوعي سابقة أنطولوجيا علي فكرة الإرتباط بين حرية الأنا والأخر (وهكذا يرفع التناقض).
بعد قول سارتر: (الإنسان دائما حرا بمقتضي تركيبه الانطولوجي، وليس حاصلا علي أية ماهية تحدد سلوكه، وبالتالي مدان بالحرية)، عاد وقرر في "الوجودية فلسفة إنسانية" (الحرية ليس لها غاية أخري خلال كل ظرف عيني سوي أن تريد ذاتها، وأن الإنسان الذي يعرف أنه هو الذي يخلق القيم لا يستطيع إلا أن يريد شيئا واحدا "الحرية" من حيث هي أساس لتلك القيم)، ينبغي أن نلاحظ أن عبارة (يريد الحرية) لم تأت في هذا النص عفوا وبمقتضي السياق اللغوي والدليل علي ذلك أن سارتر يستخدم فعل يريد في صفحتي 82 و83 في "الوجودية فلسفة إنسانية" ست مرات، وكذلك يستخدم في نفس الموضع فعلا أخر يعني أيضا الإرادة أو الابتغاء هو فعل (يسعي). وهنا نتساءل: هل الحرية شئ يراد ويسعي له الإنسان أم واقع عارض؟ وكيف يكون الإنسان دائما حرا بمقتضي تركيبه الانطولوجي ويسعي في نفس الوقت لتحصيل الحرية؟ كيف يمكن أن تكون الحرية مطلقة تشمل جميع أفعال الإنسان وفي نفس الوقت تكون موضوعا للإرادة الإنسانية أحد أمرين إما ان نعتبر إرادة الحرية -بمعناها الضيق- مجرد تعبير آني عن الحرية ذاتها. وفي هذه الحالة لا يتنافي إطلاق الحرية مع إطلاق إرادتها ولكنها لن تكون لها في ذاتها أية قيمة وتعود لمجرد التروي الارادي وإما أن نعتبر إرادة الحرية كما هي في مقالة "الوجودية فلسفة إنسانية" إرادة حقيقة تسعي لتحقيق الحرية وفي هذه الحالة نجد التناقض.
نقدي للتساؤل الأول والثاني: رأينا في مفهوم السقوط الهيدجري أنه ضروري حتي يوجد الإنسان وبدونه ما كان لوجودي الإنكشاف لنفسه، ولضل وجودي في إمكانيات للوجود لانهائية . إن سقوطي أيضا (خروجي عن ..) وهذا (الخروج عن ...) الذي فيه أحقق إمكانيات وجودي. من هنا فلا معني لقولي (الإنسان ليس مقسورا علي الحرية) لأن هذا القسر هو الشرط الضروري للتحدث عن الإنسان أصلا (الشرط الضروري لوجود الإنسان)، ومن جهة أخري فإذا سلمنا أن ليس مقسورا عليها فيجب علينا البدء من نقطة ما (غير الحرية التري رفضناها) حتي يمكن الحديث عن أي موجود وإلا كان هذا تجريدا أو لأستحال الكلام عن أي وجود فعلي، ومن هنا يمكننا إدراك الجدل الذي يجمع بين (القسر) و(الحرية) بإعتبار هذا الجدل شرط ضروري لإدراك الإنسان علي ما هو علي وبغيره وقعنا في الميتافيزيقيا الدوغمائية التي أنتقدها هيجل التي تريد إختزال الإنسان في (حر) أو (ليس حرا)، النتيجة الأخيرة أنه لا تعارض بين قولي الإنسان مقسور علي الحرية وأنه حرا ، لأن الأولي شرطا للثانية ليست تناقضها، لأن الثانية ملاصقة للإنسان في كل فعل لكن الأولي شرطا لوجود الإنسان الذي ليس موجودا بعض لكي نتحدث أنها تعارض صفة (الحرية) فيه .
وقولنا أن الإنسان يفر من حريته ليس تناقضا لأن الحرية لها قيمة وهي (اللاقيمة) وما يتبعها من (قلق) و (مسئولية) .. إلخ كما وضح كيركجور (راجع: "كيركجور حياته وأعماله الجزء الثاني" أو "دراسات في الفلسفة الوجودية") .
نقدي للتساؤل الثالث: الإنسان مقسور علي الحرية فلا يمكنه الفرار منها من حيث أنها تظل إمكانية كامنة دائمة بداخله، فعندما يفر الإنسان من حريته فهذا يتم بحريته ويظل هاربا بحريته وفي إمكانه إنهاء الفرار أيضا بحريته، فليس معني أنه يفر من حريته أنه (يدمرها) بل هي تظل بداخله كوقود تطوره في مراحله المختلفة كما عرضها كيركجور، وفي التساؤل الثالث نري أيضا التفكير الميتافيزيقي الذي يريد حصر الإنسان والحكم عليه حكما ناهيا، فهو إما يفر من حريته وإما لا يفر، لكن التفكير الجدلي من شأنه حل التناقض المثار في التساؤل الثالث.
نقدي للتساؤل الرابع: وجود الإنسان سابق علي الماهية، والحرية ليست ماهية بل هي ناتجة من خلو الإنسان من الماهية، فالماهية من خصائصها أنها تميز شخص من أخر بينما الحرية ليست كذلك بل نتاج خلو الإنسان من أي ماهية فقط بالتالي فهي سلبية لا إيجابية، وحتي لو سلمنا بأن الحرية ماهية، فيكمن قول أنها ماهية عامة (الخصائص والصفات التى تجعل من الإنسان إنساناً ولا تجعل منه حيواناً أو نباتاً مثلاً. والماهية بهذا المعنى سابقة بالفعل على الوجود الإنسانى لأنه يجب تحققها كى يوجد الإنسان).
نقدي للتساؤل الخامس: الحرية تريد ذاتها بمعني أنها تريد قتل العدم (العقبات المستدعية للفعل الحر) التي تحدها كما رأينا عند حديثنا عن البراكسيس، وبعبارة أخري فالحرية لا تريد التقيد بقيمة بل تريد تخطي كل شئ فلا يبقي إلا سواها، وكون الحرية تريد الحرية لا يعني أنها مقيدة بالاطلاق بل يعني أنه هناك محرك لها تريد تخطيه، والحرية لكي تشمل جميع أفعال الإنسان ينبغي أن توجد الأفعال أولا وهي لا تكون بدون العقبات، وهكذا يرفع التناقض.
نقد لسارتر من كتاب (جان بول سارتر فليسوف الحرية): عرفنا _حين نظرنا في الخاصية الثانية_ أن الوعي حر حرية مطلقة وأن هذه الحرية سابقة من الناحية الانطولوجية علي الارتباط بحرية الاخر مما يترتب عليه أن تظل العلاقة بين حرية الأنا وحرية الآخر علاقة صراع ونزاع وهذا هو ما، وهذا ما ينتهي له سارتر في تحليله لهذه العلاقة في "الوجود والعدم" فهو ينتهي أولا إلي أن الضمائر الواعية تكون كلا وثانيا أن هذا الكل هو كل غير مجموع المفردات بحيث يقوم بين هذه الضمائر صراع يجعل وجود الاخرين جحيما للأنا. ويحاول سارتر معارضة ما سبق في مقالة (الوجودية فلسفة إنسانية) وأن يقيم إتصالا داخليا بين الضمائر الواعية، وموقف سارتر في هذا المقال لا سيما بصدد فكرة الذاتية وفكرة الحرية متناقض مع موقفه في الوجود والعدم ولا يسير مع تطور تفكير سارتر بطريقة منطقية وإنما يظهر فيه تحول سارتر دون تدليل منطقي تحولا فجائيا ينتقل به من الحرية والإختيار المطلقين لنوع من الجبرية (أكون فيها بمقتضي الإلتزام مرغما علي إرادة الحرية للاخرين وفي وقت واحد)، (فكرة الإلتزام هنا تتضمن نوعا من الإلزام فهي تعني أكثر من مجرد الإرتباط).
وتفصيل ذلك من عدة أوجه:
الوجه الأول: هو أن سارتر يعني بالذاتية في هذا المقال لا الوعي الفردي بل الذاتية الإنسانية بصفة عامة (الذاتية بمعناها العميق المتضمن الاتصال الداخلي بين الذوات) بحيث أن ما يختاره الأنا لنفسه يختاره بالمثل للجميع لأن الأنا تختار ما هو خير وما هو خير لواحد خير للجميع. وعلي الرغم من أن هذه الفكرة عودة لفكرة للأمر المطلق عند كانط وتحتمل كونها صورية بحتة يصعب أن تقوم عليها أي أخلاق واقعية إلا أنها تتعرض أيضا في نفس مقال سارتر لما يناقضها ففي مثال الشاب الحائر بين البقاء مع والدته التي كانت تتعزي به عن خيانة زوجها وعن مصيبتها في ابنها المقتول وبين الالتحاق بالقوات الفرنسية الحرة في إنجلترا للإنتقام لأخيه. في هذا المقال ترك سارتر الشاب ليختار بنفسه وليبتكر بنفسه سلوكا غافلا عن المعني العميق للذاتية الذي يقضي بأن يكون سلوك الابن في هذه الحالة مرتبطا بذات أخري (والدته) فسارتر إذن أغفل العلاقة بين الابن ووالدته ونظر للشاب في ذاتيته العامة الشاملة للام مع الابن، وإذن فسارتر يعطي مفهوما للذاتية هو الذاتية التي تتضمن اتصالا داخليا بين الذوات ويناقض هذا المفهوم بمثال تكون فيه حرية الأنا بمعزل عن حرية أي شخص أخر.
الوجه الثاني: أن سارتر يقرر في هذا المقال أن حرية الأنا تتضمن حرية الاخرين أو ان الالتزام يحتم علي الأنا إختيار حريته وحرية الاخرين في آن واحد فهو يجعل الأنا لا يستطيع اعتبار حريته غاية دون أن يدمج في هذه الغاية حرية الاخرين، وهذا ما يجعل الأنا يشعر بالقلق أثناء اختياره لشعوره بمسؤوليته بإزاء الاخر وما يتضمنه اختياره من تشريع كلي للأخرين، وهذا الموقف يتعرض لما يناقضه، ففي مسرحية (الذباب) نري أورست رغم أنه يسلك ضمن موقف إجتماعي هو عودته لأهله ورغبته في أن يكون واحدا منهم - رغم ذلك نجده مهتما لا بهذا الوضع الاجتماعي وما يتضمنه سلوكه بالنسبة للاخرين بل بحريته الخاصة ودلالة أفعاله إزاء هذه الحرية فأورست كان يسعي لإنتصاره هو في عمله الخاص به.
الوجه الثالث: أن سارتر في "الوجود والعدم" يضع أولا الموجود لأجل ذاته أي الوعي أو الأنا بإعتباره حرية مطلقة ثم يكشف لنا عن وجود الأخر والصراع بين حرية الأنا وحرية الأخر في تسلسل منطقي محكم، أما في مقالة (الوجودية فلسفة إنسانية) فهو ينتقل من حرية الأنا لا لصراعها مع حرية الاخر، إنما لإندماجها مع حرية الأخر وتضمنها لها. وهذا الإنتقال نفسه يتم علي أساس الإلتزام الأخلاقي لا علي أساس التفسير الفلسفي. يقول سارتر: (الحرية من حيث هي تعريف للإنسان ليست متعلقة بحرية الاخرين ولكن الالتزام يحتم علي بذاته اختيار حريتي وحرية الاخرين في آن واحد. يجعلني لا أستطيع اعتبار حريتي غاية دون أن أدمج في تلك الغاية حرية الاخرين). فبعد أن كانت الحرية خاصة بالوعي أصبحت تتصمن إرادة الحرية للاخرين.
نقدي للنقد: إنتقال سارتر اللامنطقي الفجائي مبرره أن سارتر لا يتحدث عن ذات مجردة كهيجل فيستلزم ذلك عرض منطقي جدلي، بل يتحدث عن الفرد العيني الذي ينتقل من مرحلة لأخري بوثبة كما قال كيركجور، ولو صح إستخدام المنطق في الحديث عن الإنسان لما كان هناك ناس يقضون حياتهم في المرحلة الحسية أو الأخلاقية أو الدينية بحيث تزيد إحداها عن الأخري، ولكان الناس في مرحلة واحدة جميعا ليسوا نسيجا من المراحل. وسارتر في هذا المقال يتحدث عن الإنسان الأخلاقي، وفي النقد السابق نري أيضا التفكير الميتافيزيقي الذي يريد تقييد الإنسان بالمنطق والحكم عليه حكما نهائيا فهو إما حر حرية مطلقة وإما ملتزم، وإما هناك إتصالا وإما الحرية بمعزل عن الأخرين. بينما سارتر يعرض الإنسان الفرد بمراحلة وصيرورته لذا يبدو هناك تناقضا في حديثه.
الخاصية الرابعة للحرية الإنسانية: قيام هذه الحرية علي أساس ازدواج الدلالة وتتضح هذه الخاصية إذا نظرنا للأفعال الإنسانية من حيث هي التعبير لحرية الوعي، ونحن قد عرفنا أن أي فعل يسقط بمجرد إنجازه في الماضي ويصبح بالتالي شيئا في ذاته والشئ في ذاته كائن جامد مطلق لذاته ليس فيه إنفصال أو ملاشاة. فهو كائن خال من الحرية بعكس الموجود لأجل ذاته الذي هو حر بمقتضي مقولة الانفصال والملاشاة. وإذن الفعل الحر يتجمد عند إتمامه ويصبح غير حر، كأن الحرية تقتل نفسها بنفسها وكأن الوجود _لأجل_ ذاته الحر يتحول لوجود في ذاته غير حر، بحيث يمكن قول: خاصية الوعي الحر التجمد المستمر والاتجاه الدائم نحو اللاحرية. والوجود _لأجل_ ذاته يكون ما لا يكونه ولا يكون ما هو كائنه بحيث يمكن قول ان خاصية الوعي القرار المستمر والحرية الدئمة.
إذن فالوعي يحمل خاصتين متعارضتين. من جهة قرار مستمر وحرية مستمر ومن جهة أخري هو تجمد مستمر وضرورة مستمرة، وذلك ليس تناقص، لأن التناقض لا يكون إلا بين المتعارضين بين جهة واحدة وباعتبار واحد اما هذا التحرر وهذا التجمد فيقومان من جهتين مختلفتين الماضي والمستقبل. فالأفعال التي تتم أي تنقضي وتصبح بالتالي أفعالا ماضية هي التي تتجمد وتتحول لشئ _في ذاته_ وهذه الأفعال المتجمدة هي التي ينفصل عنها الوعي فيصبح بمقتضي هذا الانفصال حرا إزاء المستقبل.
وفي ضوء الخاصية الرابعة يمكن النظر في قيمة الحرية من حيث هي وسيلة وغاية في الوقتوعينه وهذا ما يؤسس الخاصية الخامسة لمفهوم الحرية عند سارتر.
فنحن قد رأينا أن الحرية مترتبة حتما علي التركيب الانطولوجي للوعي المحكوم عليه بالحرية لأن الأشياء غير حاصلة علي أن معني الوعي هو الذي يضفي عليها ما يختار من معاني وهذا يعني مباشرة أن الوعي ملزم بالاختيار، لكن ما الذي يؤكد لنا أننا لا نفر من الحرية أو لا نحاول الفرار منها؟ ما الذي يؤكد لنا (حين نقوم بأفعال معينة) أننا غير منساقين في هذه الأفعال بالمتعارف عليه؟ بعبارة أخري كيف نختار ونكون أحرارا في اختيارنا دون ان يوقعنا هذا الاختيار في الالتزامات الاجتماعية ويقتل حريتنا الشخصية؟ الإجابة علي مثل هءا السؤال تقضي بأحد أمرين، إما أن نبقي علي هذه الحرية فارغة من أي مضمون وخالية من أي إلتزام وإما أن نضع لحريتنا غاية معينة تحفظها من حيث هي حرية وتعطيها مضمونا معين فترفع عنها فراغها ومجانيتها.
فإذا آثرنا الحل الأول شعرنا ضرورة بذلك الملل والضجر أو ذلك الدوار والغثيان، ففي قصة (الغثيان) نري روكنتان يعاني هذا الدوار العنيف علي أثر تحلله من الأوضاع الاجتماعية وإحساسه من ثمة بالملل والوحدة وبأنه حاصل علي حرية فردية فارغة (إنني وحيد وإن معظم الناس قد عادوا لبيوتهم يقرأون جريدة المساء وهم يستمعون للإذاعة ولقد خلف لهم يوم الأحد الذي أنتهي إحساسا كطعم الرماد وأخذ فكرهم يتجه ليوم الاثنين ولكن ليس لي اثنين ولا أحد وإنما هناك أيام تتدافع بلا نظام) ولم تكن حياة روكنتان فحسب الشئ الممل إنما الأشياء من حوله فارغة مملة وباعثة علي الغثيان (إن كل شئ مجاني وإذا أتفق للمرء أن اتضح له ذلك فإنه يستشعر دوارا في القلب .. وهذا هو الغثيان) .
الابقاء علي الحرية فارغة يسلمنا علي نحو ما رأينا للضجر والقلق ولنوع من الدوار أو الغثيان فلا بد إذن من ملء هذه الحرية بالعمل والانخراط والالتزام. ولن تكون غاية الإنسان بالتالي أن يكون حرا فحسب وإنما أن يكون حرا ليعمل أو حرا في العمل. هكذا نجد أورست بطل مسرحية (الذباب) الذي كان حرا لممارسة جميع الالتزامات ومدركا في الوقت عينه أنه ينبغي عليه ألا يلتزم أبدا لم يستطع أن يظل حرا بدون أن يملأ هذه الحرية بالانخراط في العمل. لقد أحس بالوحدة والملل والضجر والغربة فصاح (لو كان من عمل أستطيع القيام به ... لو كان من عمل يمنعني حقا أن أكون مواطنا بينهم).
الحرية لم تعد غاية في ذاتها وإنما الغاية الفعل الحر والعمل الذي يقضي بأن نضع لحريتنا غاية معينة تحفظها من حيث هي حرية وتعطيها مضمونا معينا. وبهذا يكون الإنسان ملتزما بكليته وحرا بكليته، ونتساءل ما طبيعة هذا المضمون؟ مهما كانت إجابتنا فهي تتضمن حتما الإقرار بغاية ما تتقوم بها أفعالنا عندئذ لا تعود حريتنا وإنما تصبح وسيلة لغاية نرمي إليها بأفعالنا وإذن فلأجل الإبقاء علي هذه الحرية وعلي الفعل من حيث هو فعل حر فحسب ينبغي ألا نضع لأفعالنا أي غاية فأفعالنا هي نفسها الغاية ولا تتقوم بأي غاية وراءها.
قد كانت الحرية في كتابات سارتر السابقة علي 1939 تعني الحرية الفردية الفراغة التي قضي علي الإنسان حملها عبئا ثقيلا مرعبا لا مفر منه، إنه الموجود الذي ينفصل بإستمرار عن الأشياء فيخلق لها معانيها وقيمتها فحريته هي المصدر الوحيد للتقيم وفي نفس الوقت الغاية الوحيدة للإنسان لا من حيث هي هدف ينبغي تحصيله فإن الحرية أمر واقع لا مفر منه وإنما من حيث هي غاية ينبغي إدراكها ووعيا تاما ولكن هذه الحرية تحتفظ بنفس المعني في فلسفة سارتر ولكنها تحولت لحرية الفعل وحرية العمل بحيث أصبح العمل الحر الغاية وأصبح للحرية بهذا الاعتبار دلالة ثانية من حيث هي وسيلة للفعل الحر.

كارناب:
يقول: يمكن تلخيص الموقف الذي أعارضه والذي أتخذه ريشنباخ علي النحو التالي: إذا كان لابلاس محقا في: إن الماضي والمستقبل الكلي للعالم محتم تماما. لما كان للإختيار معني ولضاعت الارادة الحرة. ولأننا نؤمن بأن لدينا اختيارا فلا يمكن لكل حادث أن يكون محتم بما قبله. ولكي نسترجع المعني الحقيقي للاختيار يصبح من الضروري التطلع للاحتمية الفيزياء الحديثة .
لهذا أعارضهم لخلطهم بين معني التحتيم النظري، أي المعني الذي يتحتم فيه حادث بما قبله طبقا لقوانين معينة (وهي لا تعني سوي القدرة علي التنبؤ علي أساس انتظامات ملاحظة) وبين الجبر أو الالزام، وإذا رجعنا للقرن التاسع عشر كانت وجهة النظر المقبولة بشكل عام والتي ذكرها لابلاس. حالة لحظية مفترضة للكون وإنسان مفترض لديه كل القوانين وقدرة الوصف الكامل لهذه الحالة، إذ لأمكنه حساب أي حادث سواء في الماضي أو المستقبل. وحتي إذا كانت وجهة نظر الحتمية الصارمة حقيقة لما أستتبع ذلك أن تلزم القوانين الأشخاص علي فعل ما لا يريدون، لأن القدرة علي التنبؤ شئ والقسر شئ أخر.
ولتفسير ذلك لنفرض: مسجونا أراد الهرب، لكنه وجد نفسه محاطا بأسوار وباب، يعد هذا قسرا حقيقيا ، ويمكن إطلاق عليه (القسر السلبي) ، لأنه يمنعه من فعل ما يريده.
وأفترض أني أقوي منك وأنت تحمل سلاحا لا تريد إستخدامه، لكني إذا أمسكت يدك وصوبت السلاح، أكون بذلك أرغمتك علي إطلاق النار (علي فعل شئ لم ترغبه) ، والقاعدة التي سأسلم بها هنا أني المسئول عن إطلاق النار لا أنت وهذا هو القسر الإيجابي بمعناه الفيزيائي الضيق. أما إذا كان هناك شخصا أضطر أخر بكل أنواع الوسائل غير الفيزيائية كالتهديد مثلا ، لكان هذا قسرا بمعني أوسع .
قارن الأن بين هذه الأشكال المختلفة للقسر وبين التحتيم بمعني انتظامات تحدث في الطبيعة. من المعلوم أن للبشر خواص نوعية معينة تعطي انتظاما لسلوكها وكان صديق مغرم بمقطوعات (باخ) وقد تمت دعوتي لحفلة لباخ ويمكنني إحضار شخص معي، فدعوت صديقي، وتنبأت بقدومه ، والأن علي أي أساس قمت بالتنبؤ ؟ أنني قمت بالطبع لمعرفتي لخواصه النوعية وقوانين معينة في علم النفس. وأفترض أنه قد أتي معي كما توقعت ، أيكون معني هذا أنه أضطر لذلك ؟ كلا وإنما ذهب بإراداته الحرة (بل في الحقيقة لم يكن حرا قط أكثر مما هو عليه الأن، عندما أختار هذا النوع من الاختيار) . وإذا سألناه هل أضطرك أحد للذهاب ؟ لأجاب لم يضغط أحد علي وإنما أنا مغرم بباخ وأردت من كل قلبي الذهاب.
والاختيار الحر لهذا الرجل مطابق بالتأكيد لرأي لابلاس ، حتي ولو كانت المعلومة الكلية عن الكون، سابقة لقراره، فقد جعلتنا نتنبأ أنه سيحضر الحفل ، ويظل من غير الممكن في هذه الحالة أن يقال أنه حضر تحت أي قسر ، وإنما يكون قسرا إذا دفعته عوامل خارجية معارضة لرغبته. ولكن إذا كان الفعل نابعا من ذاته ، وفقا لقوانين علم النفس . فأننا نقول عندئذ أنه تصرف بحرية ، وعلي الرغم من تشكيل شخصيته بواسطة التعليم وخبرات حياته ، إلا أن هذا لا يمنعنا من التحدث عن حرية الاختيار اذا كانت نابعة من شخصيته. وربما يكون هذا الرجل أراد المشي هذا المساء لكن حبه لباخ طغي علي حبه للمشي ، من ثم فهو قد مارس حرية الاختيار . هذا هو الجانب السلبي من المسألة الذي جعلنا نرفض فكرة أن الحتمية الكلاسيكية لم تقل كلاما ذا معني عن حرية الارادة الانسانية .
ويمكن قول أنه إذا لم تتميز الذات بخواص ورغبات معينة تؤدي لأفعال لأصبحت سرابا ، شئ مجرد ، غارقة في الإمكانيات اللامتناهية ووجود فحسب لا ماهية. من هنا فيجب أن "تسقط الذات" في أحد أوجه الماهيات لكي تكون حرة قادرة علي الفعل وتحقيق الإمكانيات وأن تقول (أريد) أو (لا أريد) وأن تعي ذاتها .
أما الجانب الإيجابي : فإذا لم يكن لدينا إنتظام سببي ، بحيث نكون في غير حاجة للحتمية بمعناها القوي ، لما مارسنا حرية الإختيار مطلقا ، لأن الاختيار يتضمن تفضيل قصدي لسير اجراء علي اخر ، فكيف يمكن لإختيار ما التمام إذا كان من المستحيل التنبؤ بنتائج سير اجراءات مختلقة ؟ إن أبسط الخيارات تعتمد علي التنبؤ بنتائج ممكنة. فالماء يشرب لأنه من المعلوم وطبقا لبعض القوانين الفسيولوجيا ، أنه يطفئ الظمأ. ولا يمكن معرفة النتائج بالطبع إلا بدرجات مختلفة فقط من الاحتمال. وحتي إذا كان الكون محتما بالمعني الكلاسيكي . لظل هذا صحيحا أيضا ، لأن المعلومة الكافية التي تمكننا من التنبؤ بيقين كامل. غير متاحة لنا. ويمكن للإنسان المفترض في صياغة لابلاس إجراء تنبؤات دقيقة بالطبع ، ولكن لا يوجد مثل هذا الإنسان بالفعل إذن فالموقف العملي الذي ينبغي تبنيه : معرفة المستقبل إحتمالية. بغض النظر عن سريان الحتمية أو لا بالمعني القوي. وأننا إذا أردنا أن نقوم بإختيار حر ، ينبغي أن نستطيع وزن النتائج المحتملة للمسارات المختلفة للافعال، ولن يتم ذلك إذا لما يكن ثمة انتظام كاف في البنية السببية للعالم. وبدون هذه الانتظامات، لأنعدمت المسئولية القانونية والأخلاقية، لأن الشخص عاجز التنبؤ بنتائج أفعاله علي نحو مؤكد لا يمكن أن يكون مسئولا عنها. إذن بدون السببية لاستحال تعليم الناس أي قانون أخلاقي أو سياسي ، لعبثية هذه النشاطات إلا إذا أفترضنا مقدار معين من الانتظام السببي في العالم.

المصطلحات :
البراكسيس : كلمة يونانية تعني النشاط الذي يتضمن غايته في داخله وعرفه أرسطو بالنشاط الغرضي الموجه نحو غاية معينة أو هدف محدد، ولكي يميز بينه وبين النشاط الاتفاقي أو المعنوي، فأعتقد أن الأطفال والحيوانات لا تمارس لونا من البراكسيس، لأنها لا تستطيع قول ما هي الأفعال التي تقوم بفعلها (راجع رونز ص248) (أنظر ماري وارنك "فلسلفة ساترتر" ص147) ، وتعني الفعل والعمل في آن معا، ولما كان سارتر يستخدم أيضا كلمة الفعل والفعل التام والعمل – فقد اثرنا الإحتفاظ باللفظ اليوناني نفسه كما هو بغير ترجمة (أنظر هازل بارنز في ترجمتها "لمشكلة المنهج"، والنصوص التي ترجمها "لينيج وكوبر" في كتابهما "العقل والعنف") ، وعني بها ماركس النشاط الإنساني العملي التطبيقي وإهمال هذا النشاط كان (النقيصة الرئيسية في المادية السابقة بما فيها مادية فويرباخ) كما يوقل في قضيته الأولي عن فويرباخ (أنظر الأيديولوجية الألمانية ص651، وسيدني هوك في "من هيجل إلي ماركس" ص273-274) ، وعني به سارتر أي نشاط إنساني هادف وهو يرتبط بصفة خاصة بالمشروع الوجودي الذي جعل له سارتر دوراً بارزاً منذ (الوجود والعدم) (أنظر الحاشية رقم 4 من ص5 من الترجمة الانجليزية "لمشكلة المنهج"). ويقترب معني البراكسيس السارتري من الأرسطي .
ويعني به كل فاعلية إنسانية ذات دلالة، فالإنسان هوالموجود الذي يملك إمكانية صنع التاريخ، ولا تظهر هذه الإمكانية إلا بظهور “العملية الديالكتيكية”، ومعنى هذا: أن التاريخ لم يبدأ إلا حينما جاءت بعض الأحداث غير المتوقعة فعملت على إظهار ضرب من التصدع في حياة الناس، فتسببت في ضرب من التناقض، وحينما حاول البشر العمل على تجاوز هذا التناقض خلقوا “مؤلفاً جديداً” –أي تركيباً جديداً- كان من شأنه تغيير عللهم، وهكذا يظهر التاريخ إلى عالم الوجود.
المشروع: مفهوم اقتصادي أصلا، ويوظف في المجال الإنساني عندما يتصور الإنسان كمشروع، قد يكون هو صاحبه وقد يكون المجتمع هو الذي يجعل من الإنسان مشروعا له، يصنع منه ما يريد وفق ما يسطره من أهداف وغايات.
،الأطروحة: يرى سارتر أن ماهية الإنسان لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، إنه مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل منفتحا على العالم وعلى الآخرين.



#محمد_علي_عبد_التواب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي عبد التواب - الحرية بين هيدجر وسارتر وكارناب