أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - خليل الناجي - من داخل أفكار -جلاد-















المزيد.....


من داخل أفكار -جلاد-


خليل الناجي
(Khalil Naji)


الحوار المتمدن-العدد: 5710 - 2017 / 11 / 26 - 05:45
المحور: مقابلات و حوارات
    


ترجمه عن المقال الأصلي: خليل الناجي.

في المغرب وفي بداية يونيو 2006، داخل منزل معزول في البادية لكي يسترخي يستمع إلى أغنية لأم كلثوم ويحتسي خمرا (من نوع الروج) كما تعود أن يشربه وأصدقائه قبل بداية كل جلسة تعذيب، يبدأ في شرب الخمر قبل أن يبدأ في عملية الاستنطاق حتى، وبطريقة شبه غاضبة يشرب كأسين متتابعين في محاولة منه لتغييب الإنسان داخله، ويشرع في عمله ...

كيف أصبحت جلاداً ؟
انتظر قليلا! لم نبدأ بعد الحوار وتسألني عن التعذيب.
حسنا، لقد بدأت مسيرتك المهنية كشرطي عادي، فكيف وجدت نفسك داخل مركز الاعتقال المخصص للسجناء السياسيين؟
لقد دخلت الخِدمة في بداية السبعينات، الفترة التيِ وصفت بكونها "ساخنة" واشتغلت لما يقارب العقد من الزمن قبل أن أنتهي في أواخر التسعينات، والذي تسميه أنت مهنة التعذيب لم أخترها بمحض إرادتي بل هي من اختارتني.
كيف ذلك؟
في بداية مسيرتي المهنية كنت عبارة عن شرطي بسيط في سلك الشرطة القضائية، امارس مهامي داخل مخفر الشرطة بإحدى الدائرات. رئيس مركز الاعتقال الخاص بالسجناء السياسيين كان يشتكي دائما من قلة التعيينات لديه، مما أدى برؤسائه إلى أنهم قد طلبوا منه أن يتفقد مخافر الشرطة وينتقي موظفين جدد. أما عميد الشرطة الذي يرأسني فقد رأى في المواصفات الجسدية التي تصلح للمهنة الجديدة كما قال أنني كنت أحصد الاعترافات بسرعة فيما يخص القضايا التي اشتغلت عليها، وبهذه الطريقة وجدت نفسي أتولى السجناء السياسيين.
هل خضت تدريبا قبل توليك السجناء السياسيين؟
لا، تم اختيارنا بالطريقة التي قلت سابقا والمهنة تتطلب إظهار نوع من الانضباط والإخلاص تحت أي ضرف من الظروف، والتمتع ببنية جسدية قوية وخصوصا الحفاظ على المواظبة، وما إن بدأنا العمل حتى تعلمنا بسرعة.
هل تتذكر أول عملية تعذيب قمت بها؟
(أظهر السؤال انزعاجا كبيرا عليه) كما قلت لكم سابقا أنه في عملي بالشرطة القضائية كنت أتعامل مع قضايا لمغتصبي أطفال ولصوص وإذا كنت تقصد بالتعذيب تلك الصفعات والركلات التي كنت أعطيهم فلا اتذكر أبداً أول مرة قمت بها.
وكيف كنت تتعامل مع السجناء السياسيين؟
كان لدينا الحق في ترف استخدام جميع وسائل المعاملة الجسدية السيئة: اللكمات اليدوية، الضرب بالسوط على باطن القدم، الكي باستخدام السجائر، والمروحية (وهي تقنية تقضي بتشغيل مروحة التهوية وبعد ذلك نربط معها الشخص الذي نعذبه ونتركه) وحشر قنينة داخل المؤخرة، الخنق باستخدام قطعة قماش مشبعة بالبول، إلى آخره من الطرق الأخرى وفي غالب الأحيان المعتقلون يعانون من حصتين من التعذيب يوميا وبعد ذلك نقوم باستنطاقهم في وقت متأخر جداً من الليل. نقفل عليهم داخل زنزانات صغيرة جداً ومظلمة وليس بها مرحاض ولا فراش، فقط قطعة كرتونية يستعملونها كسرير، أما الأشد حظا منهم كنا نزودهم بغطاء وسطل حديدي ليقضوا حاجتهم فيه ويتم إفراغه مرتين في اليوم فقط. كنا نضع عصابات على أعين المشتبه فيهم حتى داخل زنازينهم، والتعليمات كانت صارمة في منعهم من التواصل مع أي شخص، حتى نحن لم يكن لنا الحق في الحديث معهم.
هل كانت هناك طرق معينة للتعذيب خاصة بكل حالة؟
لا بالعكس، بعض المعتقلين كانوا ينهارون في مرحلة التحضير والتي تكون المرحلة الأولى من العملية حيت نقوم بصفع المعتقل وإهانته، في بعض الأحيان هذا يكون كافي لينصاع لنا ونجعله يفعل كل ما نطلب منه، أما الأقوياء منهم فننتقل بهم إلى المرحلة الثانية أو بلغة أخرى المرحلة الصعبة حيت نستعمل العديد من الطرق منها الجلد والمروحية والإغراق داخل سطل من القذارة.
هل تضعون حدود لا يجب تجاوزها فيما تفعلون؟
نعم، نقوم بتتبع الملف الصحي لكل معتقل مما يعني أنه يجب علينا أن نتخذ الحذر. فإذا كان أحد المعتقلين مصابا بأمراض قلبية فإننا نتجنب العديد من الأمور، وإذا كان مصابا بالربو فمن الممنوع بتاتاً أن نعذبه بقطعة القماش.
ما الطريقة التي كنت تستعملها غالبا؟
غالبا كنت اتعامل مع معتقلين وهم واقفون عراة تماما مقيدي الأيدي والأرجل، ويبقون كذلك لأيام وليالي طويلة حتى ينهكون ويسقطون من شدة التعب ومن ألم الجلد على باطن القدم.
هل كنت تشارك أيضا في عمليات الاستنطاق؟
نعم ولا
كيف ذلك؟
لم يطلب منا أن نتحدث إلى السجناء فعلا، فقط أن نقوم بكسر مقاومتهم ولم نكن نعلم حتى ما هي التهم الموجهة إليهم لكن أحيانا عندما كان ضابط يأتي ليلقي نظرة كان يسألنا، على سبيل المثال، إذا كان السجين قد تحدث عن شخص معين، أو إذا أشار إلى مكان ما، وخاصة إذا كان لا يزال يقاوم.
هل كانت هناك نسوة يشتغلن معكم؟
سمعت بأنه هناك نساء يشتغلن في مراكز أخرى، لكن شخصيا لم أشتغل مع امرأة قط.
ألم يكن لديك الفضول لمعرفة أسباب اعتقالهم؟
فعلا، في بعض الأحيان استيقظ في وسط الليل وأنا أتساءل عن سجين أو آخر، فأغادر فراشي وانزل إلى ذلك السجين لأطرح عليه سؤالا أو إثنين (ملاحظة الكاتب: أغلب الجلادين كانوا يقيمون في نفس مراكز التعذيب الذي يشتغلون به) وأظن أن ذلك كان مهما من أجل الحصول على معلومات بشكل سريع، وإذا كنا نريد استخراج الاعترافات يجب ألا نفعل ذلك بوجه بشوش لكن أيضا إذا ضغطنا أكثر من اللازم قد يضطر ذلك بالمعتقلين إلى اختلاق أي شيء فقط لكي نتوقف عن تعذيبهم. رغم كل ذلك ما كنا نستخلصه كان يرضي مسؤولينا.
لكن ماذا إن تراجعوا عن أقوالهم فيما بعد؟
كانوا يعلمون جيدا أن ذلك سوف يؤدي بهم إلى عواقب سيئة
ألم تقل يوما لنفسك هذا: "إن ما أفعله شيء فضيع جداً، في نهاية المطاف هؤلاء الناس لم يؤذوني في أي شيء أبدا"؟
نعم غالبا كنت أفعل، لكن لا تنسى أنه في تلك الحقبة الزمنية كنا مقتنعين جدا أن هؤلاء المعتقلين كانوا مخطئين وأنهم كانوا في صفوف الأعداء وأنهم كانوا عملاء للجزائريين الذين كانوا يريدون جر المغرب إلى الدم، وأنه لم نكن نملك أية طريقة أخرى لمنعهم من إلحاق الضرر بالمملكة، وفوق هذا كله لقد كانوا "مساخيط الواليدين" (عاقون لوالديهم) لا يطيعون لا والديهم ولا الله، لذلك وجب علينا معاقبتهم.
لدرجة أن تعاقبهم بشكل وحشي؟
(أظهر انزعاجا واضحا) إنك تتحدث طوال الوقت عن التعذيب! في بعض الأحيان كنا نريد فقط معرفة معلومات حتى نمنع وقوع بعض الأحداث خطيرة [...] ولا يجب أن تنسى أيضا أننا كنا ننفذ الأوامر فقط، لم يكن القرار في أيدينا.
تعذيب النساء كان أصعب من تعذيب الرجال؟
بطبيعة الحال
لماذا؟ لأنهم كن أضعف جسديا وأكثر هشاشة؟
لا أعلم حقا، كنا نتضايق عندما يحضرون امرأة إلى مركز التعذيب، رغم أنه كان منا من يجدونها فرصة ذهبية لقيمون معهم علاقات جنسية بشكل سهل، شخصيا كنت أجد صعوبة في لعب دور القوي أمام هؤلاء النسوة اللاتي أظهرن شجاعة أكثر من الرجال.
. ماذا تقصد بعلاقات جنسية بشكل سهل؟
كان لدينا الحق لاغتصاب النساء اللواتي يأتون إلينا للمركز، بل وكانوا يشجعوننا على ممارسة الاغتصاب بشكل عنيف، يعتبر الإذلال الجنسي من أنجع الوسائل لجعل أحداهن تنهار، وهي وسيلة فعالة مع النساء أكثر من الرجال.
هل سبق وان اغتصبت رجالا؟
لا، لكنني أتذكر أحد الحراس وكان لديه عضو كبير، كان يشرب لترا من الخمر وبعد ذلك لا يجد أية صعوبة في اغتصاب المعتقلين، حتى نحن كنا نخاف ذلك الحارس في بعض الأحيان، وحتى نرفع الضغط كنا نطلب من المعتقلين أن يغتصبوا أصدقائهم وزملائهم في الزنزانة، وكان ذلك إجراء جاري به العمل.
صحيح فعلا أنكم كنتم تجبرونهم على ذلك؟
نعم فعلا، وكان إما أن ينصاعوا للأمر أو الكهرباء.
الكهرباء؟
نعم، كانت لدينا العديد من الطرق لاستعمال الكهرباء، أحيانا كنا نطلب من المعتقل أن ينهض ونخبره بأن كل شيء قد انتهى وأن بإمكانه الذهاب لغسل وجهه، ما إن يلمس الصنبور الحديدي حتى يصعقه الكهرباء الموصل مع الصنبور، وفي أحيان أخرى كنا نربط اسلاكا كهربائية في خصية المعتقل ونصعقه بشكل تصاعدي، وفي فرص أخرى كنا نربط أسلاكا كهربائية بجسد المعتقل العاري تماما ونصعقه.
العديد من ضحايا التعذيب قالوا بأن ذلك التعذيب كان يشكل متعة سادية للجلادين
في كل مهنة تجد أناس فاسدين، لماذا يجب أن نكون نحن الاستثناء؟ شخصيا لم أكن استمتع بذلك لكن حقا كانوا بعض الزملاء الذين لا ينزعجون لذلك ولكن لم يكونوا يصرحون بذلك علانية "أنا أحب أن أعذب المعتقلين، وأحس بالراحة بعد كل عملية تعذيب"، اتذكر أنه كان هناك شخص يستمتع بذلك وقد عمل مع الفرنسيين سابقا.
عمل مع الفرنسيين، كيف ذلك؟
في السبعينيات كان هناك العديد من السجناء المغاربيين في فرنسا، مما أدى بوزير الداخلية الفرنسي بأن يطلب من المغرب أن يزوده برجال شرطة ليعملوا في مدن فرنسية مثل مرسيليا وكانت مهمتهم أن يستنطقوا المجرمين من أصول مغاربية.
لماذا كنتم تنادون بعضكم "بالحاج"؟
أولا حتى لا يتمكن السجناء من العثور علينا لاحقا بعد تسريحهم، وأيضا حتى لا تكون لنا اتصالات بالمعتقلين وأخيرا البقاء مجهولا كان جزء مهم من التعذيب النفسي وحتى المعتقلين لم تكن لهم هَوية، كنا نعطيهم فقط أرقام.
هل سبق وسمعت عن متلازمة ستوكهولم؟
لا
هي نظرية مفادها أنه المعذِّبين يطورون علاقات تفاعلية مع المعتقلين، هل سبق وشاهدت مثل هذه الحالات؟
لم أفهم جيدا ما تحاول أن تقول لي، لكن رغم أن هذا قد يبدو جنونيا إلا انه فعلا في حالة أحد السجناء السياسيين قد نسج علاقة "شاذة" مع أحد الحراس، في البداية قام الحارس باغتصابه مرات عديدة، وبعد مدة أصبح المعتقل يطلب من الحارس أن يمارس عليه الجنس.
عدا الجنس، ألم تتكون علاقة صداقة بين الحراس والمعتقلين؟
نعم، غالبا يقع ذلك مع المعتقلين الذين بقوا معنا مدة طويلة، ينشأ بيننا نوع من التواطؤ حيت نغض الطرف عن العديد من الأمور ووصل بي الحال في بعض الأحيان إلى أن طبت من المعتقل أن يصرخ ويبكي حتى يظن الجميع أنني أقوم بعملي، وأتذكر جيدا أنني أشفقت على أحد المعتقلين لكونه وأمي ينحدران من نفس الأصول.
أوه حقا، كنت تشعر بالشفقة تجاه المعتقلين إذن؟
(بنبرة غاضبة) هل تظن أننا وحوش؟ بطبيعة الحال كنا نشعر بالشفقة، الفرق أنه لم نكن ندع مشاعرنا تتدخل في العمل، لأنه لو كان الحال كذلك فذلك يعني نهاية مسيرتنا العملية بل ونجازف بأن نتعرض للاعتقال أيضا، وفي نهاية المطاف واجبنا كان يحتم علينا أن نطيع الأوامر (يؤكد) إطاعة الأوامر فقط لا غير، لا نستطيع أن ندع مشاعرنا تتدخل مثل الناس العاديين (صمت طويل) ...
ماذا كان رأيك حول الأوضاع السياسية للبلاد آنذاك؟
أعلم جيدا إلى أين تريد الذهاب بهذا السؤال، كنا فقط خدماً مخلصين للدولة، لم نكن نرغب أن يقع المغرب تحت سيطرة الملحدين، الماركسيين، والذين كانوا مدعومين من طرف أعدائنا.
لكن، بعد الماركسيين أغلب المعتقلين السياسيين كانوا من إسلاميين، مسلمين يؤمنون بالله ...
يعجبك أن تضغط على الجرح، حسناً كان لدينا خوف من أن ينتقل الأمر من الماركسيين إلى الإسلاميين، أتذكر أحد الزملاء الذين غادروا العمل في الثمانينيات لأنه لم يعد يستطيع أن يحتمل سماع أحد أصحاب اللحى وهو يستنجد بالله كلما شرع في تعذيبه.
في نظرك هل هناك أية أسباب كيفما كان نوعها لتبرير تعذيب إنسان؟
أووه، ... لا، بعد تفكير مطول لا أظن أنه هناك مبرر لكن ما تسميه أنت تعذيباً جنب المغرب الدخول في حروب أهلية كما كان يقع في الأنحاء، وكان سينتهي بنا المطاف تحت حكم كاسترو جديد أو ديكتاتور من هذا النوع، صحيح أن الناس قد عانوا كثيرا لكن تلك المعاناة قد فتحت الباب للعديد منهم للتوبة، ابحث اليوم عمن يصدق ترهات ماركس ولينين وستالين ...
هل كنت تستطيع للنوم بشكل طبيعي في الفترة التي كنت مازلت تشتغل فيها؟
لا، مع كميات الخمر الكبيرة التي كنا نتجرع يوميا، كان من الصعب النوم في راحة.
ألازلت تشرب كثيرا اليوم؟
عندما نمارس بعض المهن، نكون مجبرين على الشرب، الخمر يمنعنا من التفكير فيما نفعل.
أكان التفكير حول ذلك يضايقك؟
يضايقني؟ التفكير فيه الآن يجعلني أعاني حقا، أما آنذاك كنا نظن أننا نضغط على السجناء ونعاقبهم على ما اقترفوا فعلا، رغم أننا ساعدناهم لإيجاد الطريق المستقيم آنذاك إلا أنني أخجل من ذلك اليوم والكثير من الناس يحاكموننا، رغم عدم معرفتهم لنا، بأننا ساديون وأننا نجد متعة في تعذيب الناس، وأننا نحب ذلك ...
أمازلت على اتصال بزملاء العمل القدماء؟
أنت تعلم أنني تقاعدت الآن، العمل أصبح من الماضي والحديث حوله بيننا يعتبر من المحرمات، وحتى في فترة الاشتغال آنذاك كان يمنع علينا أن نتحدث حول عملنا.
لقد ترددت لمدة 3 أشهر قبل أن تقبل بالقيام بهذا الحوار، لماذا؟
لقد فكرت كثيراً أثناء هذه الفترة ... يجب على الناس أن يفهموا أن الأمر ليس بتلك البساطة، وأننا كنا أيضاً نعاني.
حسب الأطباء النفسيين فإن المعذِّبين يعانون بعد مدة من اضطرابات منها كوابيس وصداع في الرأس ومن الشكوك القهرية، هل تعاني من نفس الأمور أيضا؟
نعم، أعاني من كوابيس واضطرابات في النوم وصداع في الرأس بشكل دائم، وهلوسات غريبة أحس دائما نفسي معزولا وأخاف من أن يظن الناس أنني مجنونا، وهناك كابوس أعاني منه دائما حيت أحلم بأنني عاري وأبني الأساس لبيت جديد فوق العديد من الجماجم البشرية التي لازالت أعينها براقة، وكلما حاولت ذفن تلك الجماجم إلا وتظهر منها كمية كثيرة مجددا، في البدء ظننت أن إقامتي في نفس مركز التعذيب الذي اشتغل به هو سبب تلك الكوابيس، لكن بعد تقاعدي ومغادرتي للسكن الوظيفي مازلت أعاني من نفس الأمر.
ألم تستشر طبيبا نفسيا حول ذلك؟
لا، قلت لك أنني أخاف من أن يظن الناس أنني مجنون، لقد استشرت فقيها وقد أعطاني تفسيراً لكل معاناتي …
تفسيراً لكل معاناتك؟
لا، قدم لي تفسيراً للعديد من الأمور في حياتي، وقد قال لي بأنه هناك روح شريرة تسيطر علي (جِنِّي) وقد جعلتي أفعل أموراً دون مراعات للعواقب، وأنني لا أدرك ا لأمور السيئة التي أفعل، وقد صنع لي الفقيه بعض الطلاسم آخذها معي أينما ذهبت.
هل تحسن حالك بعد ذلك؟
(بنبرة تهجمية) هل تريد الحقيقة؟ لا، أحسست بأن ذلك الشخص دجال. وقد أعطوني عنوان شخص آخر أفضل بالقرب من الدار البيضاء، أظن أنني سوف أذهب لرؤيته.
هل تؤمن حقا بوجود الجن؟
جميع المغاربة يؤمنون بالجن، لا أتوقف عند كوني أؤمن بوجد الجن لكنني أستطيع أن أؤكد لك أنهم موجودون فعلا، أغلب زملاء العمل يتذكرون سماع بكاء من داخل الزنازين التي كانت فارغة حينها، حين تسمع متل ذلك الصوت تحس بالقشعريرة تسري في جسدك.
ماذا تفعل حالياً في روتينك اليومي؟ هل لديك هواية ما؟
(بنوع من الفخر) الكلمات المتقاطعة، أحب أن أقوم بحل الشبكات المعقدة أشتري الجرائد التي تضم كلمات متقاطعة بشكل منتظِم، وأحياناً عندما أوفر بعض المال أشتري مجلة كاملة خاصة بالكلمات المتقاطعة وأفضلها بالفرنسية رغم أنه ليس لدي أي صعوبات مع اللغة العربية.
ما هو مستواك الدراسي؟

السنة الثانية ثانوي، لكن انتبه لقد كان ذلك في النظام الدراسي القديم! كما تعمل فإن شهادة الابتدائي حينها أفضل من شهادة البكالوريا الحالية، كنت أقرأ الفرنسية بشكل جيد عندما حصلت على شهادة الابتدائي، وحالياً ابني الذي يتابع دراسته بالبكالوريا لا يستطيع أن يفهم كلمات بالفرنسية بشكل دقيق كما أفعل أنا.
اذن أنت متزوج ولديك ابناء؟
نعم
هل تحب ابنائك؟

ما هذا السؤال؟ أكيد أحبهم!! هل تعرف أحدا لا يحب أ ابنائه؟
إذا حدث وانضم ابنك لإحدى الجهات التي تهدد استقرار الدولة، هل ستتفهم تعرضه للتعذيب؟
(صمت ... وتنهد)
هل كانت زوجتك، أبنائك، وأقاربك يعرفون طبيعة عملك؟
أبنائي لم تكن لهم أدنى فكرة عن طبيعة عملي لكن مع ذلك كانت لديهم شكوك، وعندما كان يطرح علي سؤال مزعج من المحيطين بي كنت أقول أنني اشتغل هناك فعلا لكن وظيفتي كانت عبارة عن ملء الأوراق وملفات المعتقلين ولم ألمس أي شخص قط، وليست لدي أدنى دراية بما يقع داخل الزنزانات، هذه الإجابة كانت جزء من حفظ "السر" ولتجنب تراكم الشكوك حول طبيعة عملي من طرف العائلة وقد كنت صارما جدا من هذه الناحية مع زوجتي وأبنائي وذلك حتى أحافظ على احترامهم لي.
هل مكنتك مهنتك من أن تنجح مجتمعيا، هل مكنتك من امتيازات مادية ...؟
(هوى بقبضته على الطاولة) تتحدث بجدية! مهنتي جلبت لهم الشرف، والنساء والحسابات البنكية وجلبت لنا الأمراض والتقاعد البئيس والإحساس بالرعب.
من تقصد ب:"هم"؟
أنت تعرفهم أفضل مني، هم من كانوا يحركون الخيوط دائما وهم من كانوا يأمروننا بأن نصعق هذا بالكهرباء وأن نضع فلان في المروحية، هؤلاء لم يكونوا يظهرون كثيرا واليوم بعضهم افتتح مطاعم، وآخرين يتجولون في سيارات فارهة، لكنهم في نهاية المطاف مشغلينا.
أستشعر نوعاً من الخوف في نظرتك، مِمَّ أنت خائف؟
أنا لست خائف، لكنني غاضب لأنك لست وحدك من تظن بأننا أغنياء الجميع يعتقد أننا نمشي فوق الذهب وبأننا نجني الأموال من سلب حياة الضحايا ...
اليوم هيئة الإنصاف والمصالحة قالت بأنها قد أغلقت الملف المتعلق بسنوات الرصاص، لكن المنظمات غير الحكومية كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان مازالت مستمرة في متابعة الجلادين قضائيا، ألا يخيفك ذلك؟
بطبيعة الحال، ولست مطمئناً من هذا الجانب. لكن جيد أن يتم تعويض المعتقلين السابقين وأكيد أنه كان بينهم أشخاص بريئين لم يفعلوا ما تم اتهامهم به، لكن أعتقد أنه يجب التوقف هنا وأن نطوي الصفحة وننتقل إلى أشياء أخرى. وأيضا أقسم لك بأن كل ما كنا نفعله هو إطاعة الأوامر، ماذا كان بإمكاننا أن نفعل حينها؟ إذا رفضنا الأوامر سنجد أنفسنا مكان من نُعذِّب.
هل سبق وحدث ذلك؟
لا لا أريد أن أتحدث في الأمر.
في الختام، ألا أتظن أنه لكي تريح ضميرك وتتسامح مع من عذبت أنه يجب عليك أن تطلب منهم المغفرة؟
اسمعني جيدا، جميعنا نريد أن نطلب المغفرة ممن قمنا بتعذيبهم لكن أين نجدهم؟ هناك معتقلين لم نراهم مجددا قط، وآخرين فارقوا الحياة وفوق ذلك طلب المغفرة هو شيء شخصي جدا ويختلف من شخص لآخر. الفعل في حد ذاته يعتبر جميلا لمن يصفح فقط أما من يطلب الصفح ماذا ينفعه ذلك؟

مصدر الحوار من المجلة الفرنسية:
TELQUEL, le best of 12 ans (Hors-série) Août 2013, page 40



#خليل_الناجي (هاشتاغ)       Khalil_Naji#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال الإكراه في فلسفة ميشال فوكو


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - خليل الناجي - من داخل أفكار -جلاد-