أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مهدي جعفر - عولمة الجوع ، و الإحتباس الغذائي الجديد .















المزيد.....



عولمة الجوع ، و الإحتباس الغذائي الجديد .


مهدي جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 5702 - 2017 / 11 / 18 - 16:18
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


اتجه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، إلى التنافس الشديد بين الأطراف التي خرجت من الحرب منتصرة ، من أجل توسعة النفوذ و تعظيم القوة العسكرية و اختلاق سبل جديد لتضخيم الإيرادات الإقتصادية ، كل ذلك بكلمة: من أجل السيطرة على العالم ، غير أنه بعد عز الحرب الباردة ، كان العالم يبدو "متوازنا" من ناحية القوة العسكرية و الديبلوماسية و لا نقول -بتحفظ شديد- إقتصاديا بين قطبي القوة الدولية ، غير أن سقوط أحد أطراف هذا التوازن الذي تجسد في تفكك الإتحاد السوفياتي سنة 1991 ، ومعه فشل -آنيا- التطبيق الاشتراكي الشيوعي في كل مكان ، حيث حلَّ في الحين محل شعار “التأميم” شعار “الخوصصة” ، و محل شعار “الأممية البروليتارية” شعار “العولمة” ، ليسقط بذلك شعار "الإشتراكية هي الحل" و ترتفع أصوات تنادي بـ”الليبرالية هي الحل” ، كان هذا التحول يشي و يؤشر إلى أن البشرية ستدخل عهدا جديدا لا يشبه في مجمله عهودا خلت ، حيث سيتمظهر العالم في شكل جديد من السياسة و الإقتصاد و الإجتماع ، نتيجة حكامة و قيادة مختلفة جعلت من "السيطرة" هدفا استراتيجيا و "الربح السريع" أسمى غاية ، عبر آليات أُضفيت عليها القوننة و الشرعية من طرف أوليغارشية(1) رأس مال الدول الصناعية الغربية .

من أجل فهم رصين لهذا التحول العالمي ، سنعمل على بسط أفكار كتاب "سادة العالم الجدد-Les nouveaux maitres du monde" ، لصاحبه "جون زيغلر-Jean Ziegler" عالم الإجتماع و الإقتصادي السويري ، الذي سمح له عمله كمفوض سامي لبرنامج الأمم المتحدة للحق في الغذاء بأن "يفهم" أولا القواعد الجديدة لسير العالم ، ثم "يفضح" ثانيا قواعد هذا النظام الرأسمالي العالمي الجديد ، الذي يوزع على جزء صغير من العالم الرفاهية و الغنى و على جزء كبير الفقر و الإملاق ، و ذلك في سلسلة كتب أشهرها :"أسياد الجريمة" -"المافيا الجديدة" -" الجوع كما أرويه لإبني" - "النهابون" - "إمبراطورية العار" ، و نظرا لأهمية الموضوع و مبلغ أثره في حياتنا ، سنستحضر تحليلات مفكرين مميزين آخرين كتبوا في نفس الموضوع ، حتى تكتمل الصورة بشكل عميق ، من هؤلاء "فرانسيس مورلييه" و "جوزيف كولينز" في كتابهما "صناعة الجوع" ، كما سنستقصي أفكار "جون بركنز" في كتابه "الإغتيال الإقتصادي للأمم -اعترافات قرصان اقتصادي" ، بالإضافة إلى عرض أهم أفكار كتاب بالغ الأهمية في هذا الصدد ، و هو المعنون بـ"أسطورة التنمية في العالم الثالث" لصاحبه "أزوالدو دي ريفييرو" ، كما سنستأنس ببعض طروحات "سيرج لاتوش" صاحب المؤلف الشهير "تغريب العالم-L Occidentalisation du monde" ، و "هانس - بيترمارتن" في كتابهما "فخ العولمة" .

من ناحية مورفولوجية الكتاب ، فهو يتوزع على 19 فصلا بالإضافة إلى مقدمة و خلاصة ، منقسم إلى 4 أبواب ، في أكثر من 300 صفحة من الحجم المتوسط .

عموما إذا أردت أن ألخص أطروحة الكتاب ، أمكن القول أن الكتاب في مجمله: "كشف و فضح للمنظمات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية OMC و البنك الدولي BM و صندوق النقد الدولي FMI ، و دورهم في تفقير العالم و تجويع الشعوب و استغلال مقدراتها الطبيعية ، عبر الإقتراض الذي يؤدي إلى الخصخصة إذا لم تدفعه الدول الدائنة ، ذلك عبر فتح الطريق للشركات العملاقة متعددة الجنسيات للتمدد و شراء القطاعات العامة للدول المعوزة ، و بالتالي السيطرة على العالم اقتصاديا ، كل ذلك بضغط و توجيه تنبعث أوامره من واشنطن أو نيويورك غالبا ، حيث يوضح الكتاب الدور الذي تلعبة أمريكا تحت الطاولة في إذلال أغلبية البشر على كوكب الأرض" .

يبدأ زيغلر الكتاب بمقدمة ضافية ، تضمنت الخطوط العريضة لمحتوى الدراسة ، مع بعض الأرقام و الملاحظات التي إن حدث و مر عنها القارئ ، لا يمكن أن يفارق الكتاب إلا بعد أن يفرغ من قراءته نهائيا ، بل يمكن أن يكرر قراءته إن قتضى الحال ، من بين هذه الأرقام أن في "كل سبع ثوان يموت طفل عمره أقل من 10 سنوات" ، سنة 2001 كان أكثر من 826 مليون إنسان في حالة خطيرة من نقص التغذية (2) ، يموت كل يوم 100 ألف إنسان من الجوع ، في نفس الوقت تضاعف الإنتاج العالمي و زاد حجم التجارة الدولية ثلاثة أضعاف (3) ، لكن في نفس الوقت ركام جثث البشر الهزيلة و النافقة من جراء الجوع تتزايد . فما سبب هذا التناقض ؟ ففي الوقت الذي تجود به الطبيعة بحجم غذاء صالح لإطعام 12 مليار من البشر أي -تقريبا- الضعف (4)، يموت كل يوم هذا العدد المهول من البشر بسبب الجوع ؟ حيث أفاد آخر تقرير دولي عن منظمة الصحة العالمية ، قبل أيام قليلة بالضبط 15 سبتمبر 2017 أن : "815 مليون شخص يعانون الآن من الجوع – و ملايين الأطفال معرضون للإصابة بسوء التغذية" (5) .

يجيب الكاتب مسبقا -و تاليا التفاصيل- بأن الجوع المستمر و نقص التغذية المزمن من صنع بعض البشر ، بالضبط هو نتيجة للنظام العالمي الإقتصادي الجديد ، القائم على الخصخصة التي توفر لأصحابها إيرادات مالية خيالية ، في عدم مبالات لتبعات الشعوب التي فرضت عليها الخصصخة بعد عدم قدرتها على دفع ديونها لمؤسسات دولية مثل "صندوق النقد الدولي" ، و بذلك تجبر الدول على بيع ما تملك للشركات الرأسمالية بالتواطؤ مع أنظمة استبدادية فاسدة في العالم الثالث ، بل يتم تحويل هذه الدولة إلى شرطي يحمي مصالح هذه الشركات ، حيث ستقدم بعضها على "إعدام من يتعرض لمصالح هذه الشركات نقدا أو معارضة" ، هذا ما يقتل أي هامش للتنمية في هذه الدول ، ما يرغم على أهلها هجرها و مغادرتها بطرق في الغالب غير قانونية ، ما يعجل بمسرعهم في البحار أو في الجو كما حصل مع مهاجرين سريين إفواريين -حكى الكاتب قصتهما- حيث وجدوا جثث مشوهة في مقصورة عجلات إحدى الطائرات المتجهة نحو أوربا ، و من ذلك يؤكد زيغلر أن كل شخص يموت جراء الجوع ، فهو ضحية "جريمة اغتيال" (6) .

في القسم الأول من الكتاب المعنون بـ"العولمة- التاريخ و المفاهيم" ، يُسَطِّر زيغلر و يحدد الأشكال الأولية للعولمة ، ذلك حيث توجد أطروحتين تفسر ظهور الرأسمالية ، التفسير الأول يعود لعالم الإجتماع الألماني "ماكس فيبر Max Weber" الذي يرى أن المذهب الكالفيني البروتستانتي الذي يتضمن اعتقاد يفيد بأن ميسورية و غنى العبد يعبر عن رضا الله ، هذا ما جعل العائلات البروتستانتية تجتهد في العمل و اكتناز الأموال إلى حين ملكية رأس مال ضخم (7) ، أما الأطروحة الثانية فهي التي تعود "لكارل ماركس Karl Marx" ، حسب هذا الإتجاه فإن الأشكال الأولية للعولمة نَتَأَت بعد الإكتشافات الجغرافية في القرن 15-16م ، مرحلة سماها بعض الباحثين كـ"فرانسوا بوديل Francois Baudel" بـ"الإقتصاد العالمي" الذي سيتحول إلى عولمي فيما بعد (8) . حيث تكاثرت الثروات عبر النهب المنهجي كما وصف بمرارة "كارل ماركس" قائلا: " يأتي رأس المال بثمن الدم والطين الذي ينضح من جميع مسامات العمال ، في أوربا كما في العالم الجديد من قبل" (9) ، لتقريب الصورة نشير إلى أن عدد العبيد بين الفترة الممتدة ما بين وصول أول مراكب بعثة الإكتشاف و تاريخ إلغاء العبودية ، بلغ 20 مليون إنسان مستجلب قسرا من أفريقيا ، أما عائدات ذلك المادية ، فحسب ما أفاد به "أونري فرانك André Gunder Frank" أنه وجد في جامايكا ما بين 1773-1774م ، 100.000 عبد أفريقي يشتغلون في 775 مزرعة ، جنت إنجلترا من هذه المزارع أرباحا صافية -اعتمادا على تقديرات ماركس- بلغت 1.500.000 جنيه (10) . هكذا فالإقتصاد الرأسمالي ما فتح سبل ظهوره ثم تضخمه هو الإكتشافات الجغرافية ، و ذلك ما ساعد أوربا على تمويل الصناعات الحديثة ما أعقبه انبثاق "الثورة الصناعية La révolution industrielle" خلال القرن 18م ، المرحلة التي ستعرف بعد قرن ميلاد "كارل ماركس" أكبر فاضح خلده التاريخ للاإنسانية النظام الإجتماعي و الإقتصادي للرأسمالية الوليدة.

سيظل النظام الإقتصادي الجديد يتطور ، عبر بيع العبيد و نهب ثروات الدول الضعيفة بالإضافة إلى الإستعمار ، حتى بلوغ سنوات ما بعد الحرب العالمية 2 و بالضبظ مع سقوط جدار برلين و تفكك الإتحاد السوفياتي ، هذه الأحداث هي من تأرخ "لولادة و انتشار العولمة المتوحشة" ، حيث ستذوب كل الفروقات السياسية و الآيديولوجية و الثقافية طوعا أو كرها في بوثقة السوق العالمي (11) ، و به سيصبح هذا الأخير هو الإله الجديد الذي يحكم العالم ، و كغيره من آلهة التاريخ الغير آبهة لآهات البؤساء و لا الرحيمة بضعف الفقراء ، حيث يمنح هذا السوق للأغنياء غنى جديدا و يضيف للفقراء فقرا على فقرهم ، فثروة الأفراد ال15 الأكثر غنى في العالم تتجاوز قيمة الإنتاج الداخلي لجميع البلاد الأفريقية جنوبي الصحراء .

من الناحية المفاهيمية و التعبيرية ، فأول من صك مصطلح "عولمة GLOBALISATION" و أودعه في المجال التداولي العالمي ، هو الكندي "مارشان ماكلوهن Marshall Mcluhan" أستاذ علم الإجتماع السياسي في جامعة كلومبية ، و ذلك في ستينات القرن المنصرم ، كما يُحال إليه نحث مصطلح آخر تابع للمصطلح الأول و هو "القرية الكونية أو العالمية Le village cosmique ou global" ، ذلك بمعية صديقه "زبغنبو برجنسكي Zbigniew Berzinski" صاحب أطروحة "نهايات الآيديولوجيات" الذي تزامن مع بزوغ الثورة الإلكترونية ، التي كان يرى فيها ترسيخا للقوة الأمريكا (12).

يلاحظ زيغلر أن الحرب الباردة "قضت خلال ما يزيد على نصف قرن على كل مشروع مشترك للإنسانية" ، ذلك حيث كان أمل البشرية عريضا بعد 1991 أي بعد انقضاء الحرب الغير مرئية الدخان ، إذ كان منتظر امتلاك زمام أمر العالم من طرف الأمم المتحدة مع منظماتها الدولية العشرون . غير أنه ثم فرض "اليد الخفية" للسوق العالمية بتوجيه و ضغط من الإمبراطورية الأمريكية كما يسميها زيغلر (13) ، بهذا الإختيار ستنحرف آمال البشرية عن الخط الإنساني المنشود ، حيث ستستفرد بلاد العم سام بقيادة العالم ، و به صدحت حناجر كبار المسؤولين الأمريكيين إبان هذه الفترة ، من هذه التصريحات ما أفاد به رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي "Jesse Helms جيسي هيلمز " قائلا: "نحن في مركز الدائرة و نريد أن نبقى في المركز، وعلى الولايات المتحدة أن تقود العالم بالحق و القوة ، و أن تكون قدوة لجميع الشعوب الأخرى" .

كي تبلغ أمريكا هذا الطموح الجهنمي ، رفضت التوقيع على اتفاقيات حضر تصنيع الأسلحة البيولوجية ، بل أنفقت سنة 2002 على التسلح ما يزيد على 40 في المئة من مجموعة النفقات العسكرية لجميع دول العالم (14) . كما ألغى الرئيس بوش سنة 2001 معاهدة الحد من انتشار الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ABM ، يضاف إلى ذلك أن هذه الدولة ذات السياسة المتوحشة رفضت التوقيع على إقرار سلطة "محكمة الجزاء الدولية" ، التي تتمتع بشرعية محاكمة الشخصيات النافذة كرؤساء و وزراء و ملوك الدول و الحكومات الخارقة للقوانين الدولية ، أو المنتهكة لحقوق الإنسان ، حيث أن انطلاق اشتغال هذه المؤسسة الدولية لا زال متعثرا حتى الآن ، كما اعترضت أمريكا على مبدأ العدالة الدولية عندما رفضت توقيع "معاهدة روما" 1998 الخاصة بهذا الشأن ، مثل آخر على الصلف الأمريكي تجسد في سحب المجرم "جورج بوش" بلاده من الإلتزام بـ"اتفاقية كيوتو" ، التي تتضمن الخفض التدريجي لابعاثات غازات الدفيئة الحابسة للحرارة ، حيث أن 24 في المئة من هذه الغازات تصدر من أمريكا لوحدها (15) ، يضاف إلى ذلك أن الرئيس الأمريكي الجديد الرأسمالي هو الآخر رفض توقيع "اتفاقيات باريس 2017" مؤخرا ، التي تتغى نفس غاية اتفاقية كيوتو . فهذا التهرب من توقيع أو الإلتزام بالإتفاقيات الدولية التي ترمي إلى تقييد الممارسات العسكرية أو الإقتصادية ، يعني أن الولايات المتحدة الأمريكا دولة لا تنسحب عنها إلزامية القانون الدولي ، و هو ما يجعلها دولة مارقة تقتل هنا و تحرق هنا ، تقصف هناك و تنهب هنالك ، دون محاسبة و لا عقاب .

هذه هي آيديولوجة السادة إذن ، لقيادة إدارة عالمية عبر سوق كوكبية يجب الإنفلات أولا من كل قيد أو تثبيط قد يسببه قانون أو اتفاقية ، هذا من جانب ، تاليا حتى تصفوا المشارب للمهيمنين ، عملوا على تنظيم ما سمي بـ"توافق واشنطن" ، الذي سن قوانين جديدة للتجارة الدولية ، كان من بينها: على كل دولة دائنة (مقترضة) إدخال إصلاح ضريبي يقوم معيارين مها: تخفيض الرسوم الضريبية على الدخول المالية العالية - ثم توسيع قاعدة الإستثمارات الضخمة عبر إسقاط المساطر القانونية المتعلقة بالمسائل الإقتصادية - التحرير الكامل و السريع للأسواق المالية ، تأمين المساواة بين الإستثمارات الخارجية و الداخلية - تفكيك قدر المستطاع القطاع العام خصوصا المؤسسات التي تمتلكها الدولة - تقوية الملكية الخاصة - تشجيع تحرير التبادلات و تخفيض الرسوم الجمركية إلى 10 بالمئة فقط - إلاء الأهمية للقطاعات المنتجة أكثر (16). هذه هي خلاصة "توافق واشنطن" التي تحاول بعض الدول الفقيرة التنصل من الإلتزام ببنوده . فواضح أنها شروط تعجيزية لدول العالم الثالث و منع إقلاع إقتصاداتها المحلية ، عبر "خصخصة" قطاعاتها العامة و بيعها إلى شركات عابرة للقارات المالكة لرؤوس أموال ضخمة جدا ، لعل ذلك ما جعل مجلة مشهورة مثل "مجلة Economist" ، تعلق بسخرية على توافق واشنطن كالتالي: "و من لا يرى في هذا التوافق مؤامرة لإغناء أصحاب المصارف" ، غير أنه و مع وضوح مظلومية هذا التوافق فإن أمريكا ظلت تنافح و تذب عن هذه البنود بعناد أمام كل رافض أو ثائر ضد توافق واشنطن .

هذه الظروف جعلت أحد أعمدة الفكر الإنساني المعاصر مثل "بيير بورديو Pierre Bourdieu" يصرح بحسه الماركسي أن: "الظلامية تعود عبر تخلي الحكومات الليبرالية و الإشتراكية عن وظيفة مراقبة الأنظمة الإقتصادية المحلية ، بل و إدماجها في إقتصاد عالمي ، يقوم على عقلانية صارمة مزيفة و قوانين السوق التي ابتدعها أصحاب رأس المال المعولم" (17)، في نفس السياق يقول كذلك "آلان توران Alain Touraine" السوسيولوجي الفرنسي المشهور ، عبارة تستظهر أكثر مما تستضمر من الأخطار ، فل نقرأ: "تقوم حفرة سوداء بين السوق العالمية المعولمة و وعي الأفراد ، يقوم الإحتمال المدمر في أن يسقط في هذه الحفرة: الإدارة العامة - الأمة - الدولة -القيم - العلاقات الخاصة بين الأفراد و الجماعات- وباختصار: المجتمع ككل" (18) . في الواقع فقد سقطت الكثير من المجتمعات في هذه الحفرة السوداء و من يومها لم تصعد قط ، هذه الحفرة بكل بساطة هي الإقتراض المستتبع بالخوصصة ، و بذلك تفقد الدول السيادة على ثروتها و قراراتها الإقتصادية ، أي استعمار بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، لكن "استعمار قانوني" و بغير سلاح و لا احتراب ، بل باتفاقيات و منظمات دولية خاصة .

هكذا فـ225 من الأفراد الفاحشي الثراء ، ثروثهم تساوي الدخل الإجمالي السنوي لـ2.5 مليار شخص هم الأفقار بين سكان العالم ، أي 37 بالمئة من سكان العالم . إن قيمة ممتلكات 15 شخص الأكثر غنى في العالم تزيد على قيمة مجموع الإنتاج القومي لجميع دول أفريقيا جنوب الصحراء ما عدا جنوب أفريقيا ، بالإضافة إلى أن 200 شركة متعددة الجنسيات تحتكر 23 بالمئة من التجارة العالمية (19) ، كمية الأسمدة المستخدمة لصيانة عشب ملاعب الكولف الأمريكية تعادل كمية السماد الذي تستعمله الهند لإنتاج الغذاء سنويا (20) ، 3 في المئة من ملاك الأراضي يسيطرون على 79 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في 83 دولة نامية (21) ، نضيف معلومة من حول الرواتب بين الرأسماليين و الفقراء بذكر أن "ميشال آيزنر Michael Eisner" رئيس لجنة العمل الوطنية الأمريكية يتقاضى راتبا خياليا ، يناهز 2783 دولار في الساعة ، أي ما يساوي أجرة عامل هايتي لمدة 12.8 سنة دون توقف (22) . و بذلك فالأرقام تتكلم معبرةً على مدى سيطرة الإقتصاد الرأسمالي المعولم على العالم .

في الباب الثاني المعنون بـ"النهابون les pillards" ، يتضمن 6 فصول ، حيث يوضح زيغلر أخلاق النهابيين الذي يتعجت صاحبا كتاب "صناعة الجوع" من جشعهم ، و أنهم بشر يتعكر مزاجهم لو حدث خلل في أسعار السوق ، و لا يأبهول لملايين الأطفال الجائعين (23) ، و أحيانا تختلط مشاعرهم و يفقدون سعادتهم كما هو الحال مع القرصان -كما سمى نفسه-"جون بركنز" (24) ، و أحيانا أخرى يلوكون أكاذيب ترضي ضميرهم كما يؤكد هارالد شومان (25) ، أما عن أخلاقيات السوق التي تقوم على سحق المنافسين و تدمير المنافحين على غير النظام الرأسمالي ، و إذلال العمال و الشغيلة في تشابه كبير بقانون الغابة ، و هو تعبير أطلقه "غاري ريفن Gary Rivin" على جو العمل في شركتي مايكروسوفت و أوراكل ، فل نستمع له: " لا يمكن أن يطلق وصف رأسمالية الغابة على مكان باستحقاق كما يطلق على هذا الجو" ، كما ينقل هذا الصحفي عن جلسة عمل قال فيها رئيس الشركة للموظفين بالحرف: "نحن محاربون و أكلة لحوم المنافسين" (26) ، كتب كذلك "ليون بلوي Léon Bloy" واصفا طريقة حياة و سلوك أوليغارك رأس المال المعولم قائلا: "الغني وحش لا يرحم يجب وقفه بمنجل أو بشظايا قنبلة في أحشائه" (27)، كما أن المحاكم الغربية تعفوا في الغالب عن الجرائم و التجاوزات القانونية للنهابين مهما عظم حجمها ، مثال ذلك "مارك ريش" الأمريكي-السويسري المتابع دوليا في 50 قضية ، تتراوح بين السطو على ممتلكات الفقراء و التهرب الضريبي وعمليات الإبتزاز و تمويل بعض الحكام الديكتاتوريين ، غير أن الرئيس كلنتون أصدر قرارا بالعفو عنه ، بعد تقديم زوجة المجرم رشوة ضخمة لمكتبة أحد المراكز الثقافية الأمريكية (28) . هكذا هي إذن منظومة أخلاق السوق ، حيث رجال الأعمال و رؤساء الشركات يصفون أنفسهم بالمحاربين و المفترسين ، و مؤسساتهم المهنية بساحة الإحتراب و الطحن و التدمير .

في سياق هيمنة الإقتصاد على السياسة ، يطرح سؤال الدولة ؟ إذا لم تتضمن وظائف الدولة الدفاع عن الإقتصاد المحلي و عن ثروة البلد من نهب الشركات العابرة للقارات ، فبأي دور تنهض الدولة إذن ؟ في الحقيقة يجيبون أصحاب كتاب "فخ العولمة" بلا مراء أن الدول تنماع أو تذوب فاعليتها أمام الشركات الرأسمالية حيث لا تدفع هذه الأخيرة من الضرائب إلا ما تريد ، تستنزف الثروة الطبيعة للبلد كما يحلو لها ، و لا يحق للدولة التدخل و إلا تحصل كارثة إقتصادية قد تتسبب في انهيار الدولة كليا (29) ، أما من جهته يجيب زيغلر بأن الدولة "تموت" في ظل النظام العولمي الجديد ، أي تصبح الرهانات الإقتصادية أكبر من الدول و بالتالي لا يصبح لهذه الأخيرة أدنى سيادة على مقدراتها المحلية ، لتوضيح الفكرة أكثر نستقطع كلمة قالها "هانز تياتماير Hans Tietmeier" في مؤتمر دافوس للإقتصاد العالمي 1999 من خطابه ، حيث خاطب رؤساء الدول خصوصا الفقيرة/الضعيفة قائلا: "من الآن فصاعدا أنتم تحت سيطرة الأسواق المالية" (30) ، و العجيب أن تلا هذه الكلمة تصفيق حار من طرف رؤساء دول العالم الثالث التي تعتبر بحق مستعمرات يتحكم فيها عن بعد .

فمعنى كلام رئيس مؤتمر دافوس أن الحكومات التي اقترضت قروضا من صندوق النقد الدولي و لم تدفعها بعد ، أن ثروتها تحت طائلة الشركات و المؤسسات المالية العملاقة ، بكلمة أن الدخل القومي لهذه الدول مرهون للأسواق المالية حتى حين دفع ديونها كاملة لصندوق النقد الدولي ، و ليس من حق حكومات هذه الدول التصرف في ثروات و اقتصاد بلادها ، مثال ذلك ما حصل في "النيجر" التي تعتبر من أفقر دول العالم ، حيث عملت على بيع أو بكلمة أوضح على خصخصت بعض قطاعاتها ، فاقترح وزير التعليم النيجري أن تساهم هذه الأموال في بناء بعض المدارس ، غير أن ممثل صندوق النقد في العاصمة "نيامي" رفض بعناد بذريعة أن هذه الأموال يجب أن تدفع بها قروض النيجر و ليس بناء المدارس ، و ذلك ما حصل فعلا ، فالمؤسسات الدولية لا يهمها تعليم النيجريين و إنما استرداد ما اقترضته من أموال للدول الفقيرة ، و به تنضب أموال الدولة عبر تحكم المؤسسة الدولية للإقتراض حسب "هارالد شومان" (31) . هكذا إذن فالدولة التي لا تمتلك اقتصادا و لا تستفرد بالسيادة الكاملة على ثرواتها لا تعتبر دولة ، إن هي إلا شكل للفراغ و العجز و عدم النجاعة .

حسب زيغلر تدمير الدولة يؤدي إلى "تدمير الإنسان" بشكل أوتوماتيكي ، فوضع العمال و الشغيلة الإغترابي الذي تحدث عنه كارل ماركس قبل ما يناهز قرنين ، يمكن القول أنه اتسع و تضخم أكثر ، هذا بالنسبة للعمال ، أما بالنسبة إلى من لا يعمل من البطاليين فهم جيوش من مختلف دول العالم حيث يتجرعون كل يوم مرائر الكفاف ، و كما هو معلوم فإن من لا يشتغل لا له قيمة و لا كرامة ، لذلك تجد أغلبية الشباب في هذه الدول تكفر بالوطن و تتطلع إلى الحجرة ، و هنا مفارقة لم يستسغها عقل "أزوالد دي ريفرو" صاحب كتاب "انقراض العالم الثالث" حيث يطرح بتعجب قائلا: "الأجداد الذين حاربوا المستعمر خلفوا أحفادا يتمنون مغادرة أرضهم و الإستقرار بعواصم الدول التي استعمرتهم من قبل" (32) ، كيف لا و أن التقارير الدولية تصرح بأن الفقر و الجوع في الدول النامية يدمر كل سنة بقدر ما دمرته الحرب العالمية الثانية في ست سنوات ، المشكل يتفاقم حتى في دول النهابيين ، ففرنسا تسجل سنويا نسبة بطالة وصلت إلى 9 في المئة من السكان النشيطين ، بالإضافة إلى 86.000 مهاجر دون سكن ، أما في ألمانيا فمليون شخص سنة 2002 كان يعيش تحت خط الفقر ، و 15 بالمئة من الأطفال لا يذهون للمدرسة نسبة كبيرة منهم من أبناء المهاجرين ، في لندن وحدها يوجد 40.000 شخص دون مأوى ، و في الولايات المتحدة يوجد 37 مليون إنسان لا يملكون أي تأمين ضد المرض (33) .

أما في العالم الثالث فيوجد 1.3 مليار شخص يعيش على أقل من دولار في اليوم ، و 500 ملون يموتون قبل بلوغهم سن الأربعين ، من ناحية امتلاك الأراضي فـ2 بالمئة من الملاكين في البرازيل يسيطرون على 43 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة ، هذا فضلا عن كون 44 بالمئة فقط هي النسبة التي تزرع و تستغل من بين إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في العالم (34) ، رغم أنها تنتج ما به يشبع كل جائع غير أن هذه المحاصيل تحتكر للإستزادة في الأرباح ، و ليس لإطعام الجياع ، و هو ما يقوض الأمن الغذائي العالمي في مجمومة من مناطق دول العالم الثالث حيث يوضح ذلك أصحاب "صناعة الجوع" بإسهاب (35) ، نضيف بأن التدمير لا يتوقف حد الإنسان بل يطال أرضه و بيئته كذلك ، ففي نيجيريا يستقر في ديلتا نهر النيجر أكثر من 800.000 شخص ، يعيشون على الصيد و الزراعة و الرعي مستغلين ماء نهر النيجر و معه المناخ الإستوائي الرطب المواتي للحياة الزراعية ، غير أن شركة نفط رأسمالية هي "شل Shell" استعمرت الدلتا و حفرت فيه آبارا للنفط ما جعل هذا الوسط الطبيعي شديد الثلوث و السمية ، فنفقت معظم أسماك الدلتا و ثلوث مياهه و تربته ، ما تسبب في تشرد كل من كان يعيش و يستغل هذا الوسط الطبيعي ، ذلك ما حدى بحركة اجتماعية تزعمها "سارو ويفوا Ken Saro-Wivwa" إلى الإحتجاج بضراوة ضد ممارسات شركة شل ، غير أن ما كان من السلطة المحلية إلا أن اعتقلت هذا الثائر و أعدمته في سجن Harcourt بأمر من رئيس الدولة (36) الذي مورس عليه ضغط من طرف الدول الرأسمالية ليتخذ هذا القرار ، و به يتضح أن النظام العولمي الجديد فعلا يدمر الإنسان و البيئة و يقتل الأخلاق و يخنق الشعور بالإنسانية اتجاه المطحونين و البؤساء .

في آخر فصلين من هذا الباب يتطرق زيغلر إلى الفساد بالإضافة إلى ما سماه بالفراديس الضريبية ، حيث يرصد بالأخص فساد زعماء الدول المتخلفة ، الذين يستغلون ضعف و جهل و فقر شعوبهم لكي ينهبون ثروات أوطانهم ، فهؤلاء يعيشون في القصور و شعوبهم في أحزمة دور الصفيح ، كملك المغرب حيث يضرب به زيغلر المثل (37) ، هكذا يستنتج المؤلف قاعدة تأطر هذه المتلازمة ، حيث تقتضي هذه القاعدة أن "البلد كلما ازداد فقرا و ثقل بالديون ، ازداد بذخ الحكام و أسرهم و حاشيتهم" ، فغني عن الإشهار بأن هؤلاء الحكام يعيشون في رخاء شديد ، يجعل معه المتتبع يندهش و يتساؤل هل فعلا هذا البلد حقا شعبه يموت جوعا في الوقت الذي الكلاب التي تحرس الحاكم متخومة و سمينة ! هذا دون أن ننسى أن ممتلكاتهم لا يدفعون عنها أي ضريبة ، في الوقت الذي يدفع فيه الفقراء كل الضرائب طوعا أو كرها ، المأسات تتضخم بجريمة أخرى تتلخص في تهريب هؤلاء الحكام المجرمين ثروات بلدانهم و تخزينها في مصارف زيوريخ و جنيف ، حيث تضم هذه المصارف 1000 مليار كودائع أغلبها آتية من دول الجنوب أي دول العالم المعدوم المتخلف (38) ، و مؤخرا اتضح أن هؤلاء النهابين يهربون أموال شعوبهم إلى دولة أخرى هي "بنما panama" ، بعد أن اشتهرت مصارف سويسرا بذلك فأصبحت مشبوهة ، ما حدى بهم إلى تغيير وجهة إرسال الأموال المهربة ، ما يعني أن الفساد يستفحل في دول العالم الثالث و هو نتيجة منتظرة دفعت إليها طبيعة العالم السياسي و الإقتصادي المعاصر ، الذي لا يعترف إلا بالجمع و التراكم سواء بطرق شرعية أو غير شرعية .

في الباب الثالث المعنون بـ"المرتزقة Les Mercenaires" ، و الذي يضم خمسة فصول ، يتطرف فيه زيغلر إلى توضيح و فضح عمل المؤسسات الدولية كمنظمة التجارة العالمية و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ، دورهما المستضمر في تفقير الشعوب و الإزراء بها ، و بالمقابل توفير أمن إقتصادي و استقرار سياسي للدول الرأسمالية (39) . فل نبدأ بمنظمة التجارة العالمية OMC ، التي يعرفها زيغلر بأنها: "مجموعة من الإتفاقيات التجارية الخاضعة للتطور باستمرار ، أو بالأحرى عملية مفاوضات لا تتوقف" (40) ، تعمل هذه المنظمة على عقد مؤتمرت دولية من أجل المصادقة على اتفاقيات تنظم العلاقات الإقتصادية بين الدول ، غير أن قوة و مؤهلات هذه الدول الإقتصادية و العسكرية و الديبلوماسية غير متكافئة بالمرة ، فهناك 200 شركة تحتكر 25% من الناتج العالمي الخام ، بالإضافة إلى أن دول الشمال و شركاتها العابرة للقارات تسيطر على 82% من التجارة العالمية ، أما حصة الدول الفقيرة في التجارة العالمية و عددها 49 بلد تساوي 0.5% فقط (41) ، هذا ما يجعل العالم حسب وصف "سيرج لاتوش" عالم يتكون من "الغرقى les naufragés" في محيط الفقر (42) ، لذلك طبيعي جدا أن تأتي معظم هذه الإتفاقيات غير عادلة و ظالمة ، إن هي فقط في الأمر حقيقة إلا مفاوضات تعزز مصلحة الأليغارشية الرأسمالية للدول الغنية ، هذا ما جعل "مجلة Economist" تعبر عن أن: "الدول الغنية تضع القواعد ، و ما على الدول الفقيرة إلا الإنصياع و الموافقة" ، فل نعطي مثالا ، هناك اتفاقية وقعت سنة 1994 سميت بـ"الإتفاق العام للتعريفات الجمركية و التجارية" المعروف اختصارا بـGATT و ثم تعديلها بعد ذلك تحت ضغط الإحتجاج ضد بنودها المجحفة (لم تلغى) ، و هي اتفاقية تشترط على الدول الفقيرة تخفيض رسومها الجمركية على الأموال و السلع الخارجية كما تفرض ما يسمى بـ"التبادل الحر" ، هذا كله إن أرادت الدول الفقيرة استجلاب الإستثمارات الخارجية ، إذ هذه الإتفاقية تضمن فتح أسواق جديدة تبيع و تستهلك فيها منتجات هذه الشركات المستثمرة ، فضلا عن شراء يد عاملة رخيصة جدا ، مقابل ايرادات و عائد مالي خيالي ، لا تستفيد منه الدولة المُستثَمَر في أرضها إلا 10% فقط عبارة عن ضرائب .

كما تعد أحد أخطر الإفاقيات و أكثرها تهديدا لحرية الشعوب ، و هي التي تحمل اسما بريئا "جهاز حل الخلافات ORD" ، الذي ينص على أن أي جهة تخترق عقدا موقعا تكون عرضة لعقوبات فورية قاسية ، فأي رغبة من أي دولة طحنتها الشركات العابرة للقارات ، تتعرض لطحن إضافي من طرف لجنة خاصة تابعة للـOMC إذا ما وضعت قوانين معيقة للتبادر التجاري أو علت سقف الضرائب على دخل الشركات المستثمرة ، هكذا يتضح أن منظمة التجارة الدولية تعمل كآلية قضائية بسلطات قسرية واسعة ، و به تنجلي سرابية المظهر الوهمي لمنظمة التجارة الدولية على أنها مؤسسة تنظم و تقونن العلاقات التجارية الدولية ، غير أنها في الواقع مؤسسة دولية هدفها تحجيم القيود القانونية و الجغرافية من أجل رفع سقف الربح بالنسبة للشركات العابرة للقارات و في طليعتها الشركات الأمريكية ، ذلك ما أفاد به تقرير عن الأمم المتحدة هو حصيلة تحقيق أنجزه خبيران أفرقيان (43) . هكذا يخلص زيغلر إلى ضرورة إلغاء هذه المنظمة الدولية التي تخنق حرية الدول الإقتصادية ، و تشرعن طغيان الغني على الفقير .

تشارك منظمة اقتصادية دولية أخرى في هذه الجرائم ضد الفقراء و الجياع ، هي "البنك الدولي BM" ، الذي كان أبرز رئيس له هو وزير الدفاع الأمريكي السابق "روبرت ماكنمارا" ، الذي يقول عنه الصحفي و الناشط الأمريكي "جيري ماندر Jerry Mander": "قتل و هو على رأس البنك الدولي أكثر مما قتل في حرب الفيتنام"، عموما فهذه المؤسسة تمنح للدول الأشد فقرا قروضا طويلة الأجل ، تقدر بما يزيد عن 225 مليار دولار (44) ، ليس لسواد عيون هذه الدول أو رأفة بشعوبها التي تعيش كما تعيش الجردان و إنما من أجل غاية لاإنسانية ، يشرحها لنا Jerry Mander في كتابه -مع التراجع ، مأساة فيتنام و دروسها- كالتالي: " دفع ماكنمارا بلاد العالم الثالث إلى قبول الشروط المتعلقة بقروض البنك الدولي و تغيير اقتصادتها التقليدية من أجل تنظيم المضاربة الإقتصادية و التجارة العالمية (...) بناءا على إلحاحه لم يكن أمام العديد من الدول أي خيار سوى قبول التعامل مع البنك ، هنا لم يكن ماكندور يدمر القرى كما فعل في فيتنام ، بل دمر اقتصادات بكاملها لشعوب هي الأفقر في لعالم ، حيث وجد العالم الثالث نفسه مع سدود ضخمة و طرق مدمرة و غابات و حقول خربة و الكارثة ديون هائلة ، لن تستطيع أي دولة فقيرة أبدا تسديدها ، ذلك و مهما كان الخراب الذي تسبب فيه هذا الرجل في فيتنام ، فإنه تجاوز ذلك أثناء ولايته في رئاسة البنك الدولي"(45).

معنى ذلك أن البنك أغرى الدول الفقيرة بملئ خزاناتها الفارغة عبر ديون ، تستقطر من البنك لمصارف حكومات هذه الدول كي تقوم بمشاريع ترفع مستوى التنمية و تحلحل الركود الإقتصادي ، على أساس أن تدفع هذه الدول ديونها إذا حققت حركية و عائدات كبرى جراء المشاريع الممولة من طرف البنك ، غير أن الكارثة تحصل عندما لا تحدث أي حركية تنموية ، فتجد هذه الدول الدائنة نفسها أمام ديون خيالية لا مقدرة لها على دفعها ، هنا يطرح أصحاب كتاب "فخ العولمة" سؤالا بتهكم: "لينقذ نفسه من يستطيع ولكن: من هو ذا الذي سيفلح؟" (46) ، فبعد ذلك تأتي مؤسسة دولية أخرى لكي تسترد أموال القروض التي لم تدفع بطرق و آليات أقل ما يقال عنها أنها مدمرة .

هذه المؤسسة هي "صندوق النقد الدولي FMI" الذي يصف زيغلر المشتغلين فيه بـ"مشعلوا الحرائق" ، الذي تصوت على إجراءاته و أعماله الدول الأعضاء حسب قيمتها في السوق و البالغ عددها 183 دولة ، الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة بما أنها الأقوى في السوق ، تمتلك 17% من حقوق التصويت لوحدها ، عموما فإن هذه المؤسسة بجوار البنك الدولي تقدم قروضا للدول النامية ، على اعتبار أن البنك الدولي يمنح قروض لدول بعينها و التي تعاني الكساد الأسود من الفقر ، أما صندوق النقد الدولي فهو مؤسسة تمنح قروض لأي دولة أرادت ذلك ، غير أن ذلك لا يجري مراعة لمصلحة الدول التي تعاني من أزمات ، بل يعتبر عمل "FMI" بابا رحبا للتحكم ليس في اقتصاد الدول المقترضة فقط بل السيطرة على ثروات بلادها بشكل عام ، ذلك فمع تضخم الديون يشترط صندوق النقد الدولي على الدول الدائنة خصخصة القطاع العام ، و تحرير التبادل التجاري ، و خفض الرسوم الجمركية ، شراء قطاع النفط و المعادن أو رهن مياهها الإقليمية لأغراض اقتصادية ، خفض ميزانية النفقات العامة أي خفض ميزانية النفقات على قطاعات الصحة- التعليم- السكن ، و غير ذلك من الخطوات التي تضمن استرداد الأموال المقترضة ما دام الدول التي استفادت منها لا تستطيع دفع ديونها ، فخلال الستينات كان مجموع ديون دول أمريكا اللاتينية يساوي 60 مليار دولار ، عام 1980 بلغت الديون 206 مليار دولار ، و بعد 10 سنوات تضاعف الدين إلى ما يناهز 443 مليار دولار ، و بلغ سنة 2003 ما يقارب 750 مليار دولار ، هكذا يتضح أن الديون لا تتقلص بل تتزايد بل تتضخم بشكل سريع جدا ، فما بين سنة 1960 إلى 2003 تضخم دين دول أمريكا اللاتينية ، من 60 مليار إلى 750 مليار دولار ، ذلك ما فرض على هذه الدول تخصيص أكثر من 35% من قيمة صادراتها لكي تطفئ لهيب الديون الذي أوقده صندوق النقد (47) هذا حتى سنة 2003 ، أما الآن فالبرازيل تدفع ديونها باقتطاعها أكثر من 52% من ناتجها الداخلي السنوي بما فيه قيمة الصادرات .

هكذا تتكبل الدول و تجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تدفع ديونها الباهضة كليا ، أو أن تبيع قطاعاتها العامة الحيوية و ترهن ثروها إلى صندوق النقد الدولي ، الذي بدوره يفوتها إلى الشركات العابرة للقارات ، و لا تفتك إنياب هذه الأخيرة عن ثروة البلد المقترض إلا بعد دفع ديونه كاملة بالإضافة إلى الفوائد لصندوق النقد أو البنك الدولي ، أي امتصاص لدماء الشعوب الضعيفة بكل ما يحمل هذا الوصف من بشاعة ، فل نأخد مثال دولة البرازيل ، الذي توفرت له قيادة "إشتراكية يسارية" أي ضد الرأسمالية بكل ضروبها ، يصف زيغلر هذه القيادة بأنها نادرة و لا تتوفر عليها باقي الدول المعدومة ، حيث كان رئيس الوزراء البرازيلي آنذاك هو عالم الإجتماع "فرناندو هنريك كاردوسو Fernando Henrique Cardoso" ، بالإضافة إلى وزير خارجية فيلسوف و هو "كارلوس لافير Carlos Lafer" الذي كان أبرز تلامذة الأستاذة "حنا أرندت Hannah Arendt" ، فضلا عن وزير تعليم كان رئيس لواحدة من أكبر جامعات البرازيل و هو "باولو سوزا" ، أي أن الحكومة البرازيلية آنذاك اجتمعت فيه نخبة مرموقة قل ما تتوفر لأي بلد آخر ، غير أن السؤال هو كيف تصرفت حكومة المثقفين هذه مع وضع البرازيل أمام ديونها ؟ يجيب زيغلر بأن هذه الحكومة لم تجد من سبيل سوى أن تغير آيديولوجيتها السياسية فتتحول إلى النيوليبرالية ، و بذلك استسلمت هذه الحكومة و سلمت أمر بلادها إلى النهابين (48) ، لأن هاجس التنمية و التقدم بعد الفكاك من الدين رهان فوق الدولة و الحكومة و الشعب (قلنا آنفا أن الدولة أصلا تموت إذا ما استدمج اقتصادها في النظام الدولي العولمي لا تصبح لها أي سيادة على قطاعاتها) ، بل هو بيد مشعلوا الحرائق في صندوق النقد الدولي الذين لا يتركون أي فرصة لدفع الدين .

و بذلك لا يبقى من خيار سوى خصخصة قطاعات و رهن ثروة البلد إلى حين موعد دفع الدين كليا ، و هو ما لا يتحققا أبدا في الدول الفقيرة لأسباب أو لأخرى ، و بذلك تبقى متخلفة غير قادرة على النهوض ، خصوصا و أن ما من دولة تعاني من أزمة اقتصادية إلا و تعاني بإزاءها من أزمة سياسية و اجتماعية تتجسد في حروب و نزاعات لا تنتهي و غياب للإستقرار ، لعل ذلك ما يفسر وضع الدول الأفريقية و الشرق أوسطية . و هو ما يجعل بعض الدول القوية تتدخل عسكريا في هذه الدول ، ليس من أجل حفظ الإسقرار بل يعزي "جون بركينز" تدخل الدول القوية الرأسمالية كالولايات المتحدة الأمريكية ، في بعض مناطق الدول النامية كالفيتنام - بنما - كوبا - العراق - سوريا ، يتم وفق حوافز إقتصادية (49) ، و أهداف تتلخص في حراسة مصالح و توسيع نفود الإقتصاد العولمي .

ليست البرازيل من سقطت في هذا المطب بل معظم دول الجنوب ، و من بينها "المغرب" الذي تأسست سياسته على الليبرالية و اقتصاده على تحرير السوق منذ الستينات (50) ، ها هو الآن تبلغ مديونيته 291.7 مليار درهم ، حيث وصل دين الخزينة بالنسبة إلى الناتج الداخلي الخام إلى 64,7% خلال سنة 2016 ، مقابل 64,1% خلال 2015 هذا حسب الأرقام المعلنة من طرف المؤسسات المعنية (51) ، و هي في نظري محجمة أكثر من الواقع ، و خلافا لتوقع الحكومة فإن المديونية ارتفعت بشكل مخيف سنة 2017 ، حيث يضطر المغرب في هذه السنة إلى دفع 81% من دخله القومي السنوي لتسديد ديونه (52) و ذلك حسب الخبير الإقتصادي "نجيب أقصبي Najib Akesbi" ، حيث يفيد هذا الأخير بأن المغرب تحت شبه حماية لصندوق النقد الدولي ، و ذلك لأن الشعب المغربي ليست له السيادة الكاملة على اختياراته الإقتصادية ، بل 81% من ثروثه تهرب إلى صندوق النقد كي تؤدي الديون ، و تبقى 19% فقط من ناتج قومي سنوي يعادل 104.5 مليار دولار ، أي أقل من 27 مليار دولار هي من يبقى ، فهل بهذا المبلغ ستدفع أجور الموظفين أم تمول مشاريع تنموية أم تعبئ ميزانيات القطاعات الأساسية من سكن و صحة و تعليم ، فواضح أن هذا المبلغ غير كافي لذلك يضطر المغرب في السنوات الأخيرة إلى الإتجاه صوب "خصخصة" قطاعاته التي لم يعد بمقدوره تعبئة ميزانياتها الكبيرة ، و هو ما فتح الأبواب في وجه الشركات المتعددة الجنسيات للإستثمار في المغرب ، كشركات تصنيع السيارات الأوربية و كابلات الطائرات الأمريكية ، بالإضافة إلى تفويت حقوق الصيد في شطر كبير من المياه الإقليمية المغربية اتجاه مختلف شركات الصيد العملاقة ، و هو ما يخلف أثرا سلبيا على الصيد المعيشي للصيادين المغاربة ، هذا هو الوضع الإقتصادي المأزوم إذن و الذي يواكبه تأزم اجتماعي ساخن ، إذ انفجر مع احتجاجات الأساتذة المتدربين و الأطباء قبل سنة و توج مع "حراك الريف" شمال المغرب ، كما مرجح أن ينفجر أقوى بكثير في أي لحظة و في القادم من الأيام إذا استمر الوضع بهذه الطريقة ، و إذا علم المغاربة أن 81% من ثروتهم لا تبقى أبدا في البلد و لا يستفيد منها أي قطاع حيوي .

و بذلك فإن "النمو الإقتصادي la croissance économique" الذي تلهت ورائه الدول الفقيرة ، على طريقة هذه المؤسسات الدولية ، يعتبره أحد أكبر الإقتصاديين المناوئين للعولمة و هو "سيرج لاتوش Serge latouche" صاحب كتاب "تغريب العالم L occidentalisation du monde" ، يعتبره "فخا Piége" تنصبه هذه المؤسسات للدول النامية ، و بمجرد أن تلتقط هذه الأخيرة هذا الطعم حتى تسقط في حفرة الديون العميقة التي لا مقدرة لأي دولة أن تصعد من جحيمها (53) ، و هذا ما يجعل الدول الغنية تمارس نوعا من الإستبعاد الحضاري لباقي دول العالم ، ذلك عبر خلق مشاكل عويصة يستغرق حلها قرون و ليس شهور و أيام ، و هذا ما يجعل هذه الدول الضحايا تنتكس و تتخلف ، فاسحة المجال للدول الغنية من أجل أن تقدم و تتطور ، هذا ما يفسر المسافات الفلكية على المستوى الحضاري بين دول العالم الأول و الثالث ، ذلك عبر خلق أسطورة "النموذج Le modéle" أي عولمة صورة إيجابية للدول الغنية و جعل الدول الفقيرة تغرم بها فتحاول الوصول إلى النموذج ، لكنها في الطريق تسقط في فخ "النمو أو التنمية" اللذين لا يعدوان كونهما "أسطورة Mythe" حسب سيرج لاتوش (54) ، هكذا تتعزز وضعية التخلف الحضاري في الدول النامية عبر سد سبل التدقات المالية حيث ازداد عدد الذين يعيشون على دولار واحد في اليوم من 220 إلى 290 مليون (55)، و بالمقابل تتقوى وضعية الرفاهية في دول الشمال حيث تتعالم مصارفها بـ1000 مليار دولار في اليوم الواحد ، و به ينتصر النموذج العالمي و هو نموذج الغرب (56)، أو "شريعة الذئاب" حسب وصف أصحاب كتاب "فخ العولمة" (57) .

هكذا يتضح أن هدف عمل مؤسسات دولية اقتصادية كمنظمة التجارة العالمية OMC و البنك الدولي BM و صندوق النقد الدولي FMI هو الهجوم على الفقراء و إسقاطهم في فخ الديون (58) ، و بعدها احتكار ثرواتهم و استنزالف مقدراتهم الطبيعية حد "التدمير" الفاحش -كما يؤكد ريفييرو- للإطار الإكولوجي الذي تنمو فيه أو تتضمن فيه هذه الثروات الطبيعية (59) ، بل أكثر من ذلك بشكل عام لا يُسمح بصريح العبارة -كما يؤكد "بركنز"- للدول النامية بأن تنهض و تتحكم بزمام أمرها (60) ، لذلك فما هم إلا مؤسسات تضمن تضخم رأسمال الأليغالشية من أغنياء العالم ، في مختلف الأشكال سواء كانت هذه الأليغارشية دولا أو شركات أو أفراد ، كل ذلك على حساب بؤس ملايين من الفقراء و الجياع .

في آخر باب من الكتاب و الذي عنونه زيغلر بـ"دمقرطة العالم Démocratisation du monde" ، و هو أيضا يتضمن خمسة فصول ، و فيه يقترح جان زيغلر حل هذه الأزمة الإنسانية ، إذ يلخصها في ضرورة مقاومة هؤلاء النهّابين عن طريق جبهات عظيمة تحتضن عدداً لا يحصى من جبهات الرفض المحلّية ، بكلمة من يمكن أن يحارب هذا الظلم المستشري إنما هو "المجتمع المدني العالمي Société civile mondiale" ، الذي يلاحظ زيغلر أنه بدأ ينتعش في السنوات الأخيرة (61) ، و ذلك عبر اكتسابه لـ"وعي Conscience" بمدى خطر الوضع العالمي المعاصر الذي قضى على كل القيم و الأخلاقيات و أذاب في أسواقه كل حس للتعاطف مع البؤساء ، أو بالأحرى حسب "ماكس هوركهايمر Max Horkheimer" غياب الذات في النظام الرأسمالي التي يمكن تزكيتها إذا أحسنت و صيانتها إذا أفسدت ، لذلك يدعو زيغلر إلى إعادة بناء الإنسان أولا وفق ما تصور فلاسفة الأنوار كفولتير Voltaire و دينيس ديدرو Diderot و روسو Rouseau ، أي حسب معيار الأخلاق و الضمير (62) ، و بعد ذلك سيحرك الضمير الأفراد و يحشدهم في شكل جماعات ضد هذا الإغتيال اليومي لأحلام و تطلعات الشعوب إلى مستقبل يضمن أدنى شروط العيش الكريم . لكن يبقى مفتوحا: هل فعلا يمتلك المجتمع المدني السلاح الناجع لكسر سطوة سيطرة النهابين على رقاب الشعوب ؟

من جانب آخر ، يكثف عالم الإجتماع الإنجليزي "أنتوني غيدنز" ثلاثة مدارس تتضمن اقترحات لحلول أزمة العولمة ، تتقدمهم مدرسة "المُشكِّكُون" التي ترى أن أخطار ظاهرة العولمة جد مضخمة ، و ليس هناك شيء يدعوا للقلق ، لذلك تقترح هذه المدرسة الإندماج في النظام العالمي كحقيقة غير قابلة لعدم الإكتراث ، و التي تشكل العولمة جزءا لا يتجزء منها ، تليها مدرسة "المُتَعولمُون" و هم المقضون لمضاجع المجتمعات بكون الدولة تفقد سلطتها مع انتشار و تمدد النشاط الإقتصادي و التجاري العولمي ، و به تقترح هذه المدرسة إعادة بناء الدولة بما يرجع لها هيبتها و سلطتها ، و دورها الفعال في تأطير قطاع الإقتصاد و الخدمات ، تحاشيا لتنامي نفوذ و آثار العولمة الجانبية على الدولة و بالتالي المجتمع . أما آخر مدرسة فقد وقع عليها إسم "التَّحَوليون" حيث يتبنى أنصار هذه المدرسة موقفا وسطا ، حيث يؤكدون أخطار العولمة ، كما يقرون بدوامية وجود و قوة الدولة و أنها لم تمت كليا ، لذلك يقترحون كحل للأزمة: تقوية الدولة و تعزيز دورها التنظيمي ، و كما إحداث تحولات تستجيب للتكيف مع النظام العولمي الجديد (63) . غير أن هذه الإقتراحات على فرض معقوليتها رغم تقاطعاتها و تبايناتها ، إلا أنها غير ناجعة نظرا لعدم خفوت أو حتى استقرار آثار العولمية على الطبيعة و الإنسان ، بل الوضع يستفحل باستمرار ، فما الحل ؟

يقدم "سيرج لاتوش Serge Latouche" حلا ربما يكون هو الأجدر بالإهتمام و التبني من طرف الدول و المجتمع المدني ، نبسط هذا الحل كالآتي: يسطر لاتوش و يؤكد أولا أن النظام الإقتصادي الرأسمالي يعاني بين الفينة و الأخرى من أزمات ، و هو ما يلقي بضلاله على المجتمعات الصناعية (64) ، و هذا ما يجب استغلاله من طرف المجتمعات اللاصناعية من أجل خلق نموذج بديل للتنمية ، و هنا يقول لاتوش بالحرف: "D’abord, parce qu’il est clair que la décroissance au Nord est une condition de l’épanouissement de toute forme d’alternative au Sud" ، أي أن عدم النمو في دول الشمال شرط ضروري لإحداث نموذج بديل في دول الجنوب (65) ، و بالتالي فإنه يستعير متقابلة "نمو croissance"-"اللانمو/كسر النمو décroissance" من أجل اقتراح حل فعال لأزمة الفقر و العولمة ، حيث يقترح قبل كل شيء قائلا: " il faut inlassablement déconstruire l’hypostase du développement" ، أي يجب (تفكك) التخلي عن فكرة التنمية أولا ، و ذلك لأن فكرة التنمية بمعناها المعاصر أي بالمعنى الذي ألبتسه إياها المؤسسات الدولية الإقتصادية العولمية ، فكرة مدمرة للإنسان و الطبيعة ، لعمق الآثار الجانبية لها أيضا على النظام العالمي السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي الذي أكد بعض علماء الإقتصاد أنه يتضخم (أقصد الأثر) حيث سيأتي يوم تسقط فيه هذه الفكرة لأسباب موضوعية -كنفاذ المواد الأولية التي تقدما الطبيعة ، أو اختلال توازن هذه الأخيرة- .

يقترح "Latouche" على دول الجنوب أن تتوقف على الإعتقاد و الحلم في التقدم و التنمية على طريقة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي ، فلا تعتبر هذه التنمية سوى "فخ" كما وصفها لاتوش و سبق ذكره ، إذ أن الإستمرار في التفكير في سبل النهوض بهذه الطريقة لا يسبب إلا مزيدا من التخلف ، لأنه كما يؤكد"أزوالدو دو ريفرو" التنمية لا تعدو كونها "أسطورة" بالنسبة لدول العالم الثالث (66) ، لذلك يقترح -مرحليا- المطالبة بـ Le décroissance باللانمو ، أي بعبارة أخرى إذا بعث البنك أو صندوق النقد الدولي خطة للنمو إلى دولة معينة ، فل ترد هذه الدولة على هذه المؤسسات الدولي "بأننا أصلا لا نريد أي نمو أو تنمية ، نريد أن نبقى متخلفين فقط دعونا و شأننا" . بعد ذلك يدعوا لاتوش إلى خلق نموذج بديل للتنمية مختلف عن نموذج هذه المؤسسات العولمية ، و ذلك عبر: "Rompre avec la dépendance économique et culturelle vis-à-vis du Nord. Renouer avec le fil d’une histoire interrompue par la colonisation, le développement et la mondialisation. Retrouver et se réapproprier une identité culturelle propre" ، أي كسر التبعية الإقتصادية و الثقافية لدول الشمال ، إعادة الاتصال مع سلسلة من التاريخ التي توقفت عن طريق الإستعمار و التنمية و العولمة ، كما محاولة العثور على هوية ثقافية خاصة بها و استعادتها (67) ، و بها التأسيس لنموذج تنموي و اقتصادي بديل . تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الحل Le décroissance اللانمو ، مقترح لا مندوحة منه حتى بالنسبة لدول الشمال ، حيث تهدد العالم الآن حروب النفط ، كما بدأت حروب الماء و تاليا باقي المقدرات الطبيعة ، حيث سوف ينضب العالم عن هذه الضروريات لاستمرار النموذج الحالي ، غير أنه بنضوبها سيسقط هذا النموذج ، لذلك يدعوا لاتوش كذلك دول الشمال إلى التفكير في Le modéle de décroissance نموذج اللانمو (68) .

و يبقى السؤال مطروحا: هل هذا الحل قابل للتبني في الظروف الراهنة المزرية التي تعاني منها دول الجنوب ؟ حيث تتحكم الشركات العابرة للقارات بالإضافة إلى المؤسسات الدولية الإقتصادية في مفاصل الدول الفقيرة و تحدد قراراتها الإقتصادية و التنموية ، و به نشك في مدى مبلغ فاعلية و نجاعة هذه الحلول السلمية pacifiques ؟ و هو سؤال فرض نفسه على سيرج لاتوش حيث يتساؤل: La transition est-elle possible sans révolution violente, ou, plus exactement, la révolution mentale nécessaire peut-elle se faire sans violence sociale ? ، حيث ينزع لاتوش لحل فكري ، و هو منزع الكثير من المفكرين ، مثل "د.جورج زيناتي" الذي يمتح من معين الديكارتية للقول بأنه "ما من حل لأزمة التقدم الرأسمالي سوى من داخل النظام الرأسمالي نفسه ، أي عبر تغيير أسسه باتجاه لا يتقاطع مع كرامة الإنسان و توازن الطبيعة" (69) ، لذلك فإذا توجسنا في فاعلية الحلول السلمية ، فلا يبقى أمامنا سوى الحل العنيف violente ، و هو الحل الذي اقترحه "كارل ماركس" منذ القرن 19م ، أي حل الثورة العالمية أو الحرب العالمية ضد أوليغارشية رأس المال ، يكون عنوانها "إما أن نكون أو لا نكون" ، إذا انتصر الثوار فبه و نعمت الحياة ، إذا لم ينتصروا فل يُدمر الكوكب بالصواريخ النووية التي بحوزة دول النهابين و لننقرض جميعا .

أخيرا ، هكذا تستبان ضبابية و فوضى العالم ، بأن أزماته من صنع أقلية من البشر (70) ، يستفردون بامتلاك كل شيء و يحتكرون بذلك مصائر الناس ، هم من يقرر من ينجح و من يفشل ، من يعيش و من يغتال (وليس من يموت طبيعيا) ، ذلك عبر صناعة هذه الأليغارشية المتوحشة لمنظمات دولية تسهر على تضخيم ثرواتها و سلطتها ، و بالمقابل تحجيم و تقليص سقف حياة الفقراء المادي ، عبر تكبيل دولهم بالديون و القروض التي لا مقدورة لهم على دفعها ، ما يجعل أدرع المرتزقة تنقض على ثروات و المقدرات الطبيعية للفقراء ، حيث تسهر هذه المؤسسات الدولية المصنوعة على عولمة النظام الرأسمالي بكل إملاءاته ، الذي يعولم معه كذلك الجوع و الفقر و الحروب و انتهاك حقوق الإنسان و غيرا من الأزمات ، دون أدنى شعور بالمسؤولية من طرف النهابين اتجاه أزمات الفقراء و محرقتهم التي هم من أوقدوا نارها .





__________________________________

إحالات و مراجع :
(1) الأوليغارشية هي حكم الأقلية ، أو هي السلطة التي لا تمتلك شرعيتها من إرادة أغلبية الشعب ، انظر "موسوعة السياسة" ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثالثة، 1990، الجزء الأول ص 415 .

(2) جون زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ترجمة د.محمد زكريا اسماعيل ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 2003 ، طبعة الأولى ، ص 9 .

(3) زيغلر ، ص 8 .

(4) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 10 .

(5) انظر آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول تعداد الجوع عالميا بعنوان: "الجوع في العالم يرتفع مجدداً بسبب النزاعات والتغير المناخي" ، على الرابط :

http://www.who.int/mediacentre/news/releases/2017/world-hunger-report/ar/

(6) زيغلر ، ص 10 .

(7) Max Weber , "L Éthique protestante et l esprit du capitalisme" , Nulifar Obberner , Berlin 1905 .

(8) زيغلر ، "سادة العالم الجدد"، ص 18

(9) نفسه ، ص 20

(10) André Gunder Frank , "L accumulation mondiale-l ordre des choses", (Paris Calmann-Levy, 1977) , pp 211 .

(11) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 24 .

(12) نفسه ، ص 26 .

(13) زيغلر ، ص 31 .

(14) نفسه ، ص 41 .

(15) زيغلر ، ص 39 .

(16) زيغلر ، ص 58 .

(17) Pierre Bourdieu , "Contre-feux 2, Pour un mauvement social européen", Vols2, (Paris: Raisons d agir, 2001), pp 122

(18) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 52 (مع بعض التصرف) .

(19) نفسه ، ص 55 .

(20) فرانسيس مور لا ييه و جوزيف كولينز ، "صناعة الجوع- خرافة الندرة" ، ترجمة أحمد حسان ، سلسلة عالم المعرفة ، عدد 64 ، الكويت أبريل 1984 ، ص 13 .

(21) فرانسيس مور لا ييه و جوزيف كولينز ، "صناعة الجوع" ، ص 19 .

(22) زيغلر ، ص 73 .

(23) ف.جوزيف كولينز ، "صناعة الجوع" ، ص 8 .

(24) جون بركنز ، "الإغتيال الإقتصادي للأمم -اعترافات قرصان اقتصادي" ، ترجمة مصطفى طناني ، مراجعة عاطف معتمد ، دار مكتبة إنسانيات ، توزيع الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2012 ، ص 102-103 .

(25) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 71 .

(26) هانس - بيترمارتن-هارالد شومان ، "فخ العولمة" ، ترجمةد. عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت 1998، ص 221 و ما بعدها .

(27) Léon Bloy , "Le sang des Pauvres" , (Paris: Arléa,1955) , p 22

(28) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 75 .

(29) هانس - بيترمارتن-هارالد شومان ، "فخ العولمة" ، ص 305-315 .

(30) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 93 .

(31) هانس - بيترمارتن-هارالد شومان ، "فخ العولمة" ، ص 313 .

(32) أزوالد دي ريفرو "انقراض العالم الثالث -أسطورة التنمية و قوى التدمير" ، ترجمة فاطمة نصر ، إصدارات دار سطور الجديدة ، طبعة 1 ، القاهرة 2012 ، ص 24 .

(33) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 100-101 .

(34) فرانسيس مور لا ييه و جوزيف كولينز ، "صناعة الجوع" ، ص 19 .

(35) نفسه ، ص 133 و ما بعدها .

(36) زيغلر ، ص 113 .

(37) نفسه ، ص 116 .

(38) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 129 .

(39) يوضح "سيرج كوادروباني" بشكل ماتع و بسيط العلاقة بين العولمة و ضمان الأمن الإقتصادي و الإستقرار السياسي في الدول اللبرالية ، انظر:

Serge Quadruppani , "La Politique de La Peur" , Edition de SEUIL,Paris, FÉVRIER 2011 , p 80-82-83 .

(40) زيغلر ، "سادة العالم الجدد"، ص 140 .

(41) نفسه ، ص 153 .

(42) Serge latouche , "La planète des naufragés- Essai sur l aprés développement" , .la dicouverte pouche , Edition 1 , Paris 1991

(43) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 151 .

(44) زيغلر ، ص 158-159 .

(45) Jerry Mander , "Avec la recul: La tragédie de Vitnam et ses leçons" , La procés de la mondialisation , tard. de l anglais par Thierry Piélat , (Paris Fayard, 2001), p42 .

(46) هانس - بيترمارتن-هارالد شومان ، "فخ العولمة" ، م.س.د ، ص 257 و ما بعدها .

(47) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 175 .

(48) نفسه ، ص 177-178 .

(49) جون بركنز ، "الإغتيال الإقتصادي للأمم" ، ص 197- 205- 235 و ما بعدها .

(50) فريد الريني ، "الفكرة الليبرالية و الحداثة السياسية بالمغرب- مقاربات في التجلي و المتاهة" ، منشورات وجهة نظر ، الرباط بدون تاريخ ، ص 102-109 .

(51) انظر أيوب التومي ، "مديونية المغرب تواصل الارتفاع .. وخبير يُحمل المسؤولية للحكومة" ، هسبريس الاثنين 06 فبراير 2017 .. https://www.hespress.com/economie/338215.html

(52) انظر تصريح "نجيب أقصبي" على الرابط : https://www.youtube.com/watch?v=IPXY7T1LyZE&pbjreload=10

(53) Serge latouche , "Pour une société de décroissance" , Le Monde Diplomatique , Novembre2003..Sur le lien suivant

https://www.monde-diplomatique.fr/2003/11/LATOUCHE/10651

(54) Serge latouche , "L occidentalisation du monde" , la dicouverte pouche , ED.3 , p44

(55) أنتوني غيدنز ، "علم الإجتماع" ، ترجمة و تقديم د.فايز الصياغ ، المنضمة العربية للترجمة ، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية ، لبنان بيروت 2005 ، طبعة 4 ، ص 101 .

(56) Serge latouche , "L occidentalisation du monde" , pp 41

(57) هانس - بيترمارتن-هارالد شومان ، "فخ العولمة" ، م.س.د ، ص 159 و ما بعدها .

(58) فرانسيس مور لا ييه و جوزيف كولينز ، "صناعة الجوع- خرافة الندرة" ، م.س.د ، ص 297 - 301 و ما بعدها .

(59) أزوالد دي ريفرو "انقراض العالم الثالث" ، م.س.د ، ص 129 و ما بعدها .

(60) زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ص 221

(61) جون بركنز ، "الإغتيال الإقتصادي للأمم" ، ص 103 .

(62) نفسه ، ص 230-231 .

(63) أنتوني غيدنز ، "علم الإجتماع" ، م.س.د ، ص 130-131-133 .

(64) Serge latouche , "L occidentalisation du monde" , ibid , p 121 Et au-delà

(65) Serge Latouche , "Et la décroissance sauvera le Sud" , Le Monde Diplomatique, Novembre 2004 ، (Article) . A

(66) و يدلل أزوالدو ذلك بنموذج بلده الذي سقط في هذه الحالة ، انظر أزوالد دي ريفرو ، "انقراض العالم الثالث" ، م.س.د ، ص 10-12-13-14 .

(67) Serge Latouche , "Et la décroissance sauvera le Sud" , le meme référence

(68) Serge latouche , "Pour une société de décroissance" , Le Monde Diplomatique , Novembre2003.

(69) د.جورج زيناتي ، "الفلسفة في مسارها" ، دار الكتاب الجديدة المتحدة ، الطبعة الثانية 2013 ، ص 127 ، (مع بعض التصرف).

(70) فرانسيس مور لا ييه و جوزيف كولينز ، "صناعة الجوع" ، ص 18 .



لائحة المراجع و المصادر :
- "موسوعة السياسة" ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثالثة، 1990، الجزء الأول .

- جون زيغلر ، "سادة العالم الجدد" ، ترجمة د.محمد زكريا اسماعيل ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 2003 ، طبعة الأولى.

- فرانسيس مور لا ييه و جوزيف كولينز ، "صناعة الجوع- خرافة الندرة" ، ترجمة أحمد حسان ، سلسلة عالم المعرفة ، عدد 64 ، الكويت أبريل 1984 .

- جون بركنز ، "الإغتيال الإقتصادي للأمم -اعترافات قرصان اقتصادي" ، ترجمة مصطفى طناني ، مراجعة عاطف معتمد ، دار مكتبة إنسانيات ، توزيع الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 2012 .

- هانس - بيترمارتن-هارالد شومان ، "فخ العولمة" ، ترجمةد. عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت 1998 .

- أزوالد دي ريفرو "انقراض العالم الثالث -أسطورة التنمية و قوى التدمير" ، ترجمة فاطمة نصر ، إصدارات دار سطور الجديدة ، طبعة 1 ، القاهرة 2012 .

- فريد الريني ، "الفكرة الليبرالية و الحداثة السياسية بالمغرب- مقاربات في التجلي و المتاهة" ، منشورات وجهة نظر ، الرباط بدون تاريخ .

- أنتوني غيدنز ، "علم الإجتماع" ، ترجمة و تقديم د.فايز الصياغ ، المنضمة العربية للترجمة ، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية ، لبنان بيروت 2005 ، طبعة 4 .

- د.جورج زيناتي ، "الفلسفة في مسارها" ، دار الكتاب الجديدة المتحدة ، الطبعة الثانية 2013

- تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول تعداد الجوع عالميا بعنوان: "الجوع في العالم يرتفع مجدداً بسبب النزاعات والتغير المناخي" .

Max Weber , "L Éthique protestante et l esprit du capitalisme" , Nulifar Obberner , Berlin 1905

André Gunder Frank , "L accumulation mondiale-l ordre des choses", (Paris Calmann-Levy, 1977)

Pierre Bourdieu , "Contre-feux 2, Pour un mauvement social européen", Vols2, (Paris: Raisons d agir, 2001),

Léon Bloy , "Le sang des Pauvres" , (Paris: Arléa,1955)

Serge Quadruppani , "La Politique de La Peur" , Edition de SEUIL,Paris, FÉVRIER 2011

Serge latouche , "La planète des naufragés- Essai sur l aprés développement" , .la dicouverte pouche , Edition 1 , Paris 1991

Jerry Mander , "Avec la recul: La tragédie de Vitnam et ses leçons" , La procés de la mondialisation , tard. de l anglais par Thierry Piélat , (Paris Fayard, 2001)

Serge latouche , "Pour une société de décroissance" , Le Monde Diplomatique , Novembre2003 (Article) .A

Serge latouche , "L occidentalisation du monde" , la dicouverte pouche , ED.3

Serge Latouche , "Et la décroissance sauvera le Sud" , Le Monde Diplomatique, Novembre 2004 ، (Article) . A



#مهدي_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصول من الفكر الإسلامي المعاصر .
- العلمانية ليست دينا جديد
- هل نسي الرأي العام المغربي قضية حراك الريف ؟
- في رحاب فكر -فراس السواح- الميثولوجيا و الأديان
- ملاحظات حول حراك الريف
- غوستاف يونغ في محالة لفهم الإنسان المعاصر
- حرية الصيام و الحق في عدم الصيام .
- مواقف مفكرين مغاربة من العلمانية و علاقة الدين بالسياسة .
- قراءة في كتاب -الحقيقة الغائبة- لد.فرج فودة .
- العلم في منظوره الجديد .
- فوبيا الفلسفة بين مجتمعات الحداثة و مجتمعات القدامة .
- الهوية و إشكالية الإختلاف .
- قراءة في كتاب د. وفاء سلطان -نبيك هو أنت- .
- ماذا لو درس الفقهاء العلوم الإنسانية ؟
- إخفاق مشروع الإصلاح الحضاري بين عقل معطل و مثقف مستقيل
- تصاعد الأصولية و تنامي شيزوفرينية التدين في المجتمع المغربي
- العلمانية العربية : جدل الإخفاق ، و رهان المستقبل .
- سوريا و أسباب الصراع من منظور مختلف
- ‏أكبر خرافة حول فتح الأندلس و طارق ابن زياد .
- العالم العربي-الإسلامي و التقدم الحضاري ، تنافر و استسلام لل ...


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مهدي جعفر - عولمة الجوع ، و الإحتباس الغذائي الجديد .