أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد الحنفي - الصحافة المستقلة، والافتقار إلى ممارسة الاستقلالية!!!…















المزيد.....



الصحافة المستقلة، والافتقار إلى ممارسة الاستقلالية!!!…


محمد الحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 5701 - 2017 / 11 / 17 - 21:40
المحور: الصحافة والاعلام
    


تقديم:

في البداية، لابد أن أشير إلى أنني، وأنا أنخرط في تعبئة الشغيلة لخوض إضراب يوم 21/05/2008، الذي خاضته الشغيلة المغربية بنسب تتراوح ما بين 80%، و 100%، كما جاء في بلاغ المكتب التنفيذي للك.د.ش، الداعية للإضراب العام المذكور، لفت انتباهي ماتنشره بعض الصحف التي تسمي نفسها "مستقلة"، والتي لا تحمل من الاستقلالية إلا بؤس الاسم، نظرا لتحيزها السافر للباطرونا، وللطبقة الحاكمة، من خلال التشويش على الإضراب، ومحاربة الك.د.ش على المستوى الإعلامي، والتنقيص من نجاح الإضراب. فتساءلت:

هل هذه الصحف مستقلة فعلا؟

وهل هي محايدة في تقديم الخبر؟

أم أنها لا علاقة لها بممارسة الاستقلالية؟

في مفهوم الاستقلالية:

إننا عندما نطرح الاستقلالية إلى النقاش الجدي، والمسئول، نجد أنها لا تعنى إلا قيام الأفراد، أو الهيئات، بإنتاج الفعل غير المملى، وغير الموجه من أي جهة كانت، وكيفما كانت هذه الجهة، وبناء على اقتناع معين يهدف غلى بناء رؤيا خاصة، متميزة عن باقي الآراء القائمة في الواقع اتجاه القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ودون تحيز إلى هذه الجهة، أو تلك، ودون رغبة في تحقيق غاية معينة، يلتمس من ورائها إرضاء هذه الجهة، أو تلك.

وهذه المفهوم الذي سقناه للاستقلالية، يطرح علينا نظاما من التربية الاجتماعية على بلورة الرؤى والتصورات الفردية، والجماعية، انطلاقا من سيادة نظام تربوي معين، انطلاقا من الأسرة، ومرورا بالشارع، وانتهاء بالمدرسة، وتتويجا بالممارسة الإعلامية.

كما يطرح علينا هذا المفهوم ضرورة احترام الممارسة الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، مما يتيح الفرصة أمام ممارسة الفعل المستقل: الفردي، أو الجماعي، كما يتم الاقتناع به، ودون أن يكون ذلك الفعل مؤثرا في جهة معينة، أو في خدمة جهة أخرى.

ويطرح هذا المفهوم أيضا ضرورة أن يصير الفعل المستقل في خدمة حركة التاريخ، حتى لا تصير الاستقلالية بدون معنى، ومن أجل أن يصير للاستقلالية مدلول واقعي، وتاريخي في نفس الوقت.

وفي نفس السياق، نجد أن هذا المفهوم ينبني على أساس العلاقة مع الجماهير المعنية بالفعل المستقل. وهو ما يقتضي قيام علاقة جدلية بين الفعل المستقل، وبين الجماهير على مستوى التطور والتطوير المتبادلين.

والاستقلالية بهذا المفهوم، وبهذه الأبعاد، تجعل الفعل المستقل أكثر تأثيرا في الواقع، وأكثر مساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، وأكثر صياغة للوجدان الإنساني، دون إغفال دوره في بث أشكال الوعي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الأمر الذي يترتب عنه الوقوف بطريقة غير مباشرة في إذكاء الصراع الطبقي في مستوياته الإيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية.

فهل يوجد لدينا في المغرب ممارسة استقلالية من هذا النوع؟

إن ادعاء الاستقلالية شيء، وممارستها على أرض الواقع شيء آخر، وما هو قائم في الواقع، هو التناقض الصارخ بين الادعاء، والواقع، كما هو حاصل في الممارسة الإعلامية للعديد من الصحف التي تدعى الاستقلالية. هذه الصحف التي لا داعي لذكر أسمائها، والتي تحيزت بشكل سافر، ودون مراعاة لاستقلاليتها، إلى الطبقة الحاكمة، بشنها هجوما سافرا، أو مبطنا على قرار الإضراب العام، الذي دعت إليه ألك.د.ش، والذي نفذ بنجاح نسبي في الزمان، والمكان، وعلى مستوى التراب الوطني، من خلال الهجوم على الكاتب العام للك.د.ش، ومن خلال التنقيص من المشاركة الواسعة لمختلف القطاعات في إنجاح الإضراب يوم 21/5/2008.

في مفهوم الصحافة المستقلة:

فما المراد بالصحافة المستقلة؟

إن الصحافة المستقلة، كمفهوم، هي صحافة الحياة، صحافة عرض الخير، ونقيضه، دون تحيز، أو تأويل، أو محاولة تفسير من قبل إدارة الجريدة. هي صحافة مفتوحة على كل الآراء، ولا تتحيز لأي رأي مهما كان صائبا. هي صحافة الحقيقة المجردة من أي انتماء، وكيفما كان هذا الانتماء. يمكن أن يصير فيها موقع لليمين، والوسط، واليسار، وحتى لليمين المتطرف، واليسار التطرف، وللحكومة، والمعارضة في نفس الوقت.

وهذا المفهوم، وبهذا المستوى من التجريد، والتجرد من كل ما يمكن أن يوحي بتحيز معين، يمكن أن يجعل من الصحافة المستقلة وسيلة من الوسائل التي تقف وراء ازدهار إبلاغ المعلومة كما هي، حتى يتمكن المتلقي من الاستيعاب الحقيقي، الذي يعتبر وحده كفيلا بجعل نفس المتلقي يبدي رأيه القائم على أسس صحيحة.

وانطلاقا من هذا التصور للصحافة المستقلة فإن هذه الصحافة:
1) ليست منبرا لوجهة نظر الدولة تجاه القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ولكنها، في نفس الوقت، معنية بالإخبار عن ما تقوم به الدولة في مختلف المجالات، دون تحديد موقف معين من ذلك.

2) ليست منبرا للحكومة، التي يتحكم فيها حزب معين، أو مجموعة من الأحزاب، حتى يتأتى الابتعاد عن احتواء الحكومة، أو حزبها، أو أحزابها لها، وحتى تتمكن من تجسيد الحياد اللازم تجاه العمل الحكومي، وتجاه أحزاب الحكومة.

3) ليست منبرا لحزب معين، أو لمجموعة من الأحزاب المعارضة للحكومة، حتى تبقى بعيدة تماما عن الاحياز إلى المعارضة كيفما كان شكلها.

وحياد الصحافة المستقلة، لا يمنع من صيرورتها مجالا لنشر ما تقوم بها الدولة، والحكومة بأحزابها المختلفة، وما تقوم به أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى ما تقوم بم منظمات ما يصطلح على تسميته ب "المجتمع المدني"، دون تحيز لأي منها.

وبذلك تصير استقلالية الصحافة المستقلة مجسدة على أرض الواقع، وعلى جميع المستويات، حتى يتأتى لها القيام بدورها كاملا في خدمة المعلومة المجردة إلا من الانحياز إلى خدمة الحقيقة المجردة، التي تساهم في رفع وعي جميع أفراد المجتمع، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن أجل أن يصير ذلك الوعي العام في خدمة الوعي الإيديولوجي، والسياسي، والتنظيمي، والديمقراطي، الذي تقتضيه حركة الصراع الطبقي بأبعاده المختلفة، والقائم في المجتمع.

هل يوجد شيء قائم في الواقع اسمه "الصحافة المستقلة"؟

ونحن عندما نتتبع الصحافة التي تدعي الاستقلالية في مستوياتها المختلفة، سنجد أننا نكاد نفتقد الصحافة المستقلة، التي تصير مجالا للاتجار بنشر المعلومة الموجهة من قبل الدولة، أو من قبل الحكومة، أو في خدمة الأحزاب الحكومية، أو في خدمة أحزاب المعارضة. وقلما نعثر على صحيفة تمارس الاستقلالية في مفهومها الصحيح.

وافتقادنا للصحافة المستقلة قولا، وعملا، يرجع إلى:

1) أن الصحافة التي لا ترعاها الدولة، ولا تصدرها الحكومة، ولا تصدرها الأحزاب السياسية، ولا تصدر عن إحدى منظمات ما يسمى "المجتمع المدني"، تحول إلى مقاولة لا تهمها صحة المعلومة، ولا تهتم بحياد الإبلاغ، بقدر ما تتحرك انطلاقا من منطق الربح، والخسارة، الذي يحفز مسئولي إصدار الصحافة المستقلة على الجرى وراء الربح السريع. وهو ما يجعلهم يعملون على التماس نشر الخبر، ومهما كان، مادام يؤدي إلى تحقيق سيولة مالية للصحافة، و للصحف المستقلة، حتى وإن أدى ذلك إلى افتقاد الاستقلالية، أو إلى التحيز السافر.

2) أن دور الصحافة المستقلة يتحول إلى دور لتحريف المعلومة، بدل العمل على خدمة الحقيقة، كما هي في الواقع العيني.

3) أن نشر المعلومة، التي لا تكون إلا محرفة حسب الرغبة، يخضع للوساطة، والابتزاز، والمحسوبية، والزبونية، وأشياء أخرى لا يعلمها إلا منتجو الصحافة المستقلة.

4) أن نشر المعلومة لا يلتمس منه الوصول إلى الحقيقة، كما قد يعتقد المتعاملون مع الصحف المستقلة، بقدر ما يلتمس منه تحقيق توزيع أكبر عدد من النسخ، لتحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح.

5) أن هذه الصحافة التي تتدفق في عالم الإعلام المقروء، بالخصوص، بدون حساب، لا يمكن أن تكون في مستوى ما هي عليه في الواقع، إذا لم تكن تتلقى دعما من جهات غير معلنة، حتى تقف سدا منيعا بين الصحافة الحزبية الموجهة، وبين القراء، ليصير المجتمع محايدا، وغير متعامل مع ما هو حزبي، وكان مجتمع أولئك القراء مجتمع بدون طبقات.

أن النتيجة التي تحققها الصحافة المستقلة، هي المساهمة في خلق أجيال بدون هوية إيديولوجية، وتنظيمية، وسياسية، الأمر الذي يترتب عنه إضعاف التنظيمات الحزبية جملة، وتفصيلا.

7) أن المستفيد الأول، من حياد الصحافة المستقلة، هو الطبقة الحاكمة، التي تتحكم عبر آلياتها الإيديولوجية، والإعلامية، والسياسية، والإدارية، والقمعية، في توجيه أجيال "المحايدين"، لتحقيق الأهداف التي تحددها في محطات معينة، كما هو الشأن بالنسبة للمحطات الانتخابية.

8) أن تحقيق تلك الأهداف، يقتضي من الصحافة المستقلة أن تعمل على النيل من الجهات التي تقف في وجه الطبقة الحاكمة، حتى تحقق هي بدورها أهدافها كصحافة مستقلة.

وانطلاقا من هذه الحيثيات التي سقناها، نجد أن الصحافة التي تدعي الاستقلالية:

1) هي صحافة محكومة بالمنطق التجاري.

2) هي صحافة منحازة إلى الطبقات الحاكمة.

3) هي صحافة الخبر الذي يجلب لها المزيد من الأرباح.

4) هي صحافة القضايا الهامشية في المجتمع، والتي تتحول على صفحات الصحافة "المستقلة"، قضايا "رئيسية".

وما موقفنا عليه لا ينفي وجود صحف مستقلة تحترم نفسها، وتلتزم بالتحديد الذي وقفنا عليه.


تعامل الصحافة "المستقلة" مع الرموز المخزنية:

ونظرا لأن الذي يهم الصحافة المستقلة هو الجري وراء تراكم الثروات، ولأن ذلك التراكم يرتبط باهتمامات "النخبة" المتعلمة، و"القارئة"، ولأن هذه النخبة تنتمي، في معظم الأحيان، إلى البورجوازية، أو البورجوازية الصغرى، المريضة بالتطلعات الطبقية، فإن هذه الصحافة تجري وراء الرموز المخزنية المشهورة، ووراء ذوي النفوذ المخزني، والإداري، والسلطوي، الذي يقف وراء تحقيق التطلعات الطبقية المشار إليها، وخاصة إذا كان رمز معين صناعة مخزنيه بامتياز، كما هو الشأن بالنسبة للمدعو فؤاد عالي الهمة، الذي نال أكثر من حصة الأسد أضعافا مضاعفة من اهتمام الصحافة "المستقلة"، حتى تزداد مبيعات هذه الصحافة في صفوف الحاكمين، بتحقيق التسلق الطبقي.

فاهتمام الصحافة المستقلة بالرموز المخزنية، وبالبورجوازيين الكبار، من اجل أن تنال اهتمام القراء، هو أمر صار يطبع مسلكية معظم الصحف التي تدعي الاستقلالية، طمعا في نيل عطاء ذوي النفوذ المالي، أو المخزني، حتى يتمكن مالكو تلك الصحف من تحقيق تطلعاتهم الطبقية هم بدورهم، بسبب انتمائهم إلى البورجوازية الصغرى المريضة بتلك التطلعات، أو من حماية مصالحهم الطبقية، بسبب انتمائهم إلى الطبقات المستفيدة من الاستغلال المادي، والمعنوي.

فتعامل الصحافة "المستقلة"، مع الرموز المخزنية، لا يمكن وصفه إلا بالانحياز السافر للمؤسسة المخزنية، استدرارا لعطاءاتها، وطمعا في رضاها، الذي يفتح الأبواب المغلقة، التي ترصد أمام الصحافة التي تمارس الاستقلالية الحقيقية، قولا، وفعلا، وانطلاقا من تصور واضح للصحافة المستقلة.

ولأن الصحافة المستقلة تقتفي أثر الرموز المخزنية، ولا تعير أي اهتمام لمعاناة الجماهير على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، فإنها بذلك:

1) ترهن مصير الشعب، ومصير كادحيه بالخصوص، بإرادة الرموز المخزنية.

2) تضع نفسها في خدمة تلك الرموز.

3) تسعى بخطوطها التحريرية / الإعلامية، إلى خدمة مصالح الطبقة الحاكمة.

4) تجري وراء عناوين الإثارة، التي تقف وراء اتساع توزيعها، مما يرفع من مستوى مدخولها المادي.

5) توهم الطبقة الوسطى من المجتمع بأنها لا تطلب إلا الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة.

6) تهتم، إلى حد المغالاة، بمواضيع صحافة الرصيف، التي تقتفي أثر أخبار الجرائم من الجهات المعينة بتتبع وقوعها.

7) تمارس النقد الهدام، الذي ينم عن رغبة في مضايقة، وتحجيم المنظمات الجماهيرية، كما حصل مؤخرا في حق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كمنظمة مناضلة.

8) تمارس تضليل الجماهير الشعبية الكادحة، بأبشع صور التضليل، حتى لا ترى تلك الجماهير ما ينتظرها، وحتى لا تعير أي اهتمام لما يمارس عليها من استغلال.

واقتفاء الصحف "المستقلة"، أثر الرموز المخزنية، لا ينفي وجود صحافة مستقلة فعلا، لأنها تشكل الاستثناء في زمن رداءة الصحافة المستقلة.

الصحافة المستقلة، والنضالات الجماهيرية؟

ونظرا لأن معظم الصحف المستقلة تقتفي أثر الرموز المخزنية، وأقطاب الطبقة الحاكمة، فإن هذه الصحف المستقلة، لا تعير أي اهتمام للنضالات الجماهيرية، إلا عندما يتعلق الأمر بالتشويش على تلك النضالات والتشكيك في جدواها. ويتخذ التشويش، والتشكيك مجموعة من المستويات:

المستوى الأول: التشكيك في مصداقية المنظمات الجماهيرية، وفي مصداقية أجهزتها القيادية، وفي مصداقية قادتها، سواء كانت هذه المنظمات تحريفية، أو مبدئية، من أجل جعل الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، يبتعدون عنها، من أجل أن تصير الجماهير فريسة للمؤسسة المخزنية، وللطبقة الحاكمة.

المستوى الثاني: التعامل مع الملفات المطلبية التي تطرحها المنظمات الجماهيرية تعاملا انتهازيا، بهدف استغلالها لنشر خطاب الإحباط في صفوف الكادحين، حتى لا يتسرب إليهم وعي معين يدفع بهم إلى الانخراط في النضالات المطلبية، التي تقودها المنظمات الجماهيرية. والاستغلال يتمظهر في:

1) لجوء الصحف المستقلة إلى إيهام الجماهير بانخراطها في عملية التعبئة المستمرة، لإقناع المعنيين بالانخراط في النضالات المقررة، من اجل أن يقبلوا على قراءة الصحف المستقلة، ليصلوا في نهاية المطاف إلى اليأس من النضالات المطالبية، والانصياع للاستغلال الهمجي.

2) لجوءها إلى تضخيم تضحيات الطبقة الحاكمة، حتى لا تضطر إلى الرضوخ لإرادة الجماهير، ومن اجل أن تعمل على المحافظة على سيطرتها الطبقية، وتحد من استجابتها للملفات المطلبية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

3) لجوءها إلى تشويه صورة المنظمات الجماهيرية، من أجل إضعاف قدرتها على تأطير النضالات المطلبية، لتفقد الجماهير بذلك الإطارات التي تنظم، وتوجه، وتقود النضالات المطلبية.

4) تركيزها على تشويه صورة القيادات المناضلة، من أجل تشويه صورهم في صفوف الكادحين، ومن أجل أن يصير ذلك التشويه وسيلة لإنفراط علاقة المنظمات الجماهيرية مع الكادحين، كما حصل مؤخرا مع القائد الكونفديرالي الأستاذ نوبير الأموي.

المستوى الثالث: التعامل مع الحوار الاجتماعي، باعتباره وسيلة لإبراز فشل النقابات، وعجزها عن تحقيق المطالب المادية، والمعنوية، للطبقة العاملة، وباقي الأجراء، في مقابل إبراز أهمية تحملات الحكومة في اتجاه المحافظة على القدرة الشرائية للجماهير الشعبية الكادحة. والواقع أن هذا النوع من التعامل يهدف إلى:

1) تبخيس المنظمات الجماهيرية، التي تصير في نظر الصحافة المستقلة مجرد منظمات انتهازية، هكذا ... دون تخصيص، وحتى إن حصل، فإنه يستهدف النقابة المناضلة، وعلى جميع المستويات، حتى تصير تلك النقابة غير ذات قيمة تاريخية، ونضالية.

2) الحط من قيمة النضالات المطلبية، التي تخوضها النقابة، أو النقابات المناضلة، وإبراز تلك النضالات، وكأنها مجرد مزايدات ترفضها الطبقة العاملة، وسائر الأجراء. وفي حالة حصول تلك النضالات، فإن الصحافة المستقلة، تقرر فشلها، بناء على وجهة نظر الحكومة.

3) تشويه الممارسة النقابية الصحيحة، وتقديمها على أنها ممارسة مضرة بمصالح الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، كما حصل في تعامل هذه الصحافة مع ممارسة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل الداعية الى الإضراب العام، الذي خاضته الشغيلة بنجاح يوم 21 مايو 2008.

4) الاستمرار في إبراز الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للجماهير الشعبية الكادحة، وكأنهم بنات هذا الوطن، الحريصون على خدمته، مع العلم أنهم لا يتجاوزون مجرد مصاصي دماء هذه الجماهير، وعلى مدار الساعة.

وبذلك يتبين أن تعامل الصحافة المستقلة مع النضالات الجماهيرية هو تعامل يفتقر إلى الموضوعية، وينحاز إلى ممارسة الطبقة الحاكمة، وإلى الحكومة، وكان الطبقة الحاكمة، وحكومتها، تسعيان، فعلا، إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بينما الواقع العيني يقول غير ذلك، الأمر الذي لا يمكن أن نفهم منه إلا اعتبار الصحافة المستقلة صحافة مأجورة.

الصحافة المستقلة، والإضراب العام الذي دعت إليه ألك.د.ش:

ويعتبر الإضراب العام الذي دعت إليه الك.د.ش. القشة التي قصمت ظهر البعير؛ لأنه يعتبر المناسبة التي تبرز فيها الصحافة المستقلة على حقيقة انحيازها إلى الطبقة الحاكمة، والى الحكومة، ومهما كان لون هذه الحكومة، وإلى المؤسسة المخزنية، عن طريق تنصيب الصحافة المستقلة نفسها طرفا في الصراع ضد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وضد أجهزتها المحلية، والإقليمية، والوطنية، وضد قراراتها النضالية الرائدة، التي تتميز بها باستمرار.

فخوض الصحافة المستقلة للصراع ضد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، نيابة عن الطبقة الحاكمة، وعن المؤسسة المخزنية، وعن حكومتهما، إن كان يدل على شيء، فإنما يدل على أن استقلالية الصحافة المستقلة ليست إلا شعارا. والشعار الذي لا يترجم إلى واقع ملموس، لا يمكن أن يكون إلا ممارسة إيديولوجية لتضليل مستهلكي تلك الصحافة، التي تمرر، من خلال عملية التضليل تلك، خطابها الحقيقي، الذي هو خطاب الطبقة الحاكمة، وخطاب المؤسسة المخزنية، وخطاب الحكومة، في علاقة هؤلاء جميعا مع الرأسمالية العالمية، وفي ارتباطهم بالمؤسسات المالية الدولية.

الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بقيادتها، وقطاعاتها العامة، والخاصة، وبقواعدها، وطموحاتهم جميعا في تغيير أوضاعهم المادية، والمعنوية، وفي إطار الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، وهي في طريقها ذاك، تطرح الملف المطلبي في شموليته. وهذه الشمولية تقود الكونفدراليين الى نضال لا يتوقف أبدا، وبأشكال متنوعة، ومختلفة، وعلى جميع المستويات: الوطنية، والجهوية، والمحلية، سعيا إلى جعل الكادحين بمن فيهم الأجراء، وطليعتهم الطبقة العاملة، يتخندقون في الواجهة الكونفدرالية متعاضدين، ومتضامنين جميعا ضد واجهة الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، وضد حكومتهما، سعيا إلى فرض الرضوخ إلى تلبية المطالب المادية، والمعنوية، وإلى احترام الممارسة الديمقراطية الحقيقية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والحقوقية، والسياسية.

والكونفدرالية، بذلك،لا تعير أي اهتمام لما تقوم به الصحافة المستقلة، التي صارت معبرة عن وجهة نظر الأعداء الطبقيين، وحكومتهم المشرفة على تنظيم الهجوم الإعلامي، عن طريق توظيف وسائل الإعلام المختلفة، إلى جانب الهجوم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يستهدف الكادحين، ومن بينهم سائر الأجراء، وطليعتهم الطبقة العاملة، بقيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

فالقبيح الهمجي في هذا الوطن، يهاجم الشعب المغربي، وقواه الحية، وأحزابه المناضلة، ومنظماته الجماهيرية المخلصة في الدفاع عن مصالح هذا الشعب، وحماية تلك المصالح. والشعب المغربي عندما يتشبع بروح النضال المرير، والمتعب، والمقاوم، يصير جميلا، ومنظماته الحاملة للوعي الطبقي، التي تعمل على نشر ذلك الوعي في صفوف الكادحين، تصير أجمل. ومن الطبيعي، جدا، أن يصير الجميل ضد القبيح، وأن يصير الأقبح ضد الأجمل. وتلك هي قاعدة الصراع الطبقي القائم على التناقضات الرئيسية في المجتمع المغربي. والصحافة اللا مستقلة، عندما تنحاز إلى الطبقة الحاكمة، وإلى المؤسسة المخزنية، وإلى حكومتهما، إنما تحتل موقعها الحقيقي في عملية الصراع الإعلامي، الذي تقوده ضد الك.د.ش؛ لأن تلك الصحافة اللا مستقلة، تجعل من ذلك الانحياز المكشوف، والواضح، وسيلة للتضليل من جهة، ووسيلة لاستدرار عطاء الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية من جهة أخرى.

الواقع السياسي في المغرب وافق الصحافة المستقلة:

وانطلاقا مما توصلنا إليه في الفقرة السابقة، يمكن القول بأن الصحافة المسماة بالصحافة المستقلة، هي نتاج طبيعي للواقع السياسي اللا ديمقراطي، واللا شعبي في المغرب. ذلك أن هذا الواقع السياسي يتسم ب:

1)سيادة الاستبداد الطبقي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، الأمر الذي يترتب عنه تعميق الفوارق الطبقية ،والحرمان من الحقوق المختلفة، واتساع دائرة الشرائح الاجتماعية التي تقع تحت طائلة العجز المطلق عن الحصول على الحاجيات الضرورية، بسبب تدني الدخل الفردي، الذي قد لا يصل الى مستوى عشرة دراهم في اليوم، بالإضافة إلى غياب مساهمة الفرد في تقرير مصيره، عن طريق الاختيار الحر، والنزيه، لممثليه الحقيقيين في المؤسسات التمثلية الحقيقية.

2) غياب الديمقراطية الحقيقية القائمة على أساس قيام دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه، ويكون متلائما مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وعلى جميع المستويات، وفي جميع المجالات، حتى يستطيع الشعب التمتع بتلك الحقوق، وحتى يضمن المساهمة في بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، التي لا تكون إلا دولة للحق والقانون. وهذا الغياب لا يمكن أن ينتج إلا الاستمرار في الوقوع تحت طائلة الاستبداد الذي تتم شرعنته بما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، التي لا تخدم، في العمق، إلا الطبقات المكرسة للاستغلال الطبقي الهمجي، وبأبشع صوره.

3) وكنتيجة لغياب الديمقراطية الحقيقية، وتكريس ديمقراطية الواجهة، نجد فرض مؤسسات تمثيلية قائمة على أساس إفساد الحياة السياسية، وعن طريق إعطاء الضوء الأخضر للأحزاب الإدارية، التي فبركتها الإدارة المخزنية، والتي تستمر في فبركتها بشكل، أو بأخر، والذي يضم شرائح التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الذي صنعته المؤسسة المخزنية على مدى عقود بأكملها.

4) استمرار إنتاج نفس الممارسة المؤدية إلى إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، المساهمة في استمرار ارتفاع نسبة الأمية في صفوف أفراد الشعب المغرب،ي وانتشار البطالة في صفوف الشباب المغربي، والاتجار في المخدرات، وتهريب البضائع، وشر عنة الأبواب أمام تبييض الأموال التي لا شرعية لها، وأمام ارتفاع الأسعار بشكل مهول، إلى درجة العجز المطلق عن الحصول على القوت اليومي الضروري، والعجز عن الحصول على السكن اللائق، وانتشار الدعارة، ومختلف الأمراض الاجتماعية الأخرى التي لا تكرس إلا إهانة الشعب المغربي، بما في ذلك ما صار يعرف ب "الدعارة الراقية"، التي اشتهر بها المغرب دون غيره من الدول الموصوفة بالدول المتخلفة.

العمل عل تكريس الاستغراق في التعبئة للمؤسسات المالية الدولية، وللنظام الرأسمالي العالمي، والانخراط اللا مشروط في النظام الرأسمالي المعولم، الذي لا يجني منه المغاربة إلا المزيد من التردي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، بسبب همجية النظام الرأسمالي المعولم، وبسبب بيع المؤسسات الإنتاجية، والخدماتية الوطنية، إلى القطاع الخاص الأجنبي، مما يترتب عنه غربة الشعب المغربي في وطنه، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

اختلال ميزان القوى لصالح اليمين، واليمين المتطرف، ولصالح الأصولية، وهمجية اقتصاد السوق. وهذا الاختلال يؤدي إلى إضعاف القوى الوطنية، والديمقراطية، واليسارية، وغيرها، وحتى تصير عاجزة عن خوض النضال الديمقراطي الهادف غلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

وهذا الواقع السياسي، وبهذه السمات، لا يمكن أن يقف إلا وراء إنتاج:

1) الاستبداد بأبشع صوره، المنتج لانعدام الديمقراطية.

2) الاستعباد الذي يستهدف حرية الشعب المغربي.

3) الاستغلال الذي يعمق الفوارق الطبقية، الذي تنعدم معه إمكانية تحقيق العدالة الاجتماعية.

وفي إطار سيادة الاستبداد، وتعميق استغلال الشعب المغربي المستعبد، يرتسم أفق الصحافة المدعية للاستقلالية، باعتبارها صحافة مملوكة للمرضى بالتطلعات الطبقية، الذين لا يستهدفون من وراء إنتاج صحافتهم المستقلة إلا تحقيق المزيد من الثروات الهائلة، على حساب المواطن العادي، الذي ينخدع بمقولة "الصحافة المستقلة"، ويجرى وراء أوهام الخبر "المستقل"، ووراء العناوين العريضة التي تخفي ما تخفي من سموم التضليل المخدر لمجموع الكادحين، الذين يجدون أنفسهم، في نهاية المطاف، واقعين بين أحضان التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وفي خدمته، لتصير بذلك الصحافة المستقلة لا مستقلة، وفي خدمة ذلك التحالف الهجين والمتخلف، سعيا إلى تحقيق التطلعات الطبقية لمالكي الصحف المستقلة، بصيرورتهم جزءا لا يتجزأ من ذلك التحالف.

ولذلك، فأفق الصحافة المستقلة، هو أفق خدمة التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، والهجوم، في نفس الوقت، على المنظمات الجماهيرية المناضلة، وفي مقدمتها الك.د.ش. بقيادة المناضل النقابي الكبير الأخ محمد نوبير الأموي. ومبرر هذا الهجوم الذي قادته مجموعة من الصحف التي تدعي الاستقلالية، هو استدرار المزيد من دعم، وعطاءات التحالف المذكور، إلى جانب دعم، وعطاءات حكومة ذلك التحالف، وصولا إلى تحقيق المزيد من المكتسبات الضامنة لتصنيف مالكي تلك الصحف إلى جانب الطبقات الممارسة للاستغلال، والمستفيدة منه، ضدا على مصالح العمال، والأجراء، وسائر الكادحين.

الصحافة المستقلة واللعب على حيادية الجماهير الشعبية الكادحة:

وبوقوفنا على الواقع السياسي بسماته المتنوعة، وعلى عدم حيادية الصحافة المستقلة، نجد أن الوسيلة التي صارت معتمدة كمبرر لوجود الصحافة المدعية للاستقلالية، تتمثل في حيادية الجماهير الشعبية، التي صارت بعيدة عن كل ماله علاقة بالسلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وكل ما له علاقة بالأحزاب السياسية، والمنظمات الجماهيرية. وهذا الحياد الذي يقطع كل الحبال مع كل شيء، تعبيرا عن اليأس من الواقع في تجلياته المختلفة، ومن ممارسات الدولة، بأجهزتها المختلفة، ومن الأحزاب السياسية، ومن روافدها النقابية، والجمعوية، والجماهيرية المختلفة، بما في ذلك المنظمات الحقوقية.

وهذا اليأس الذي صار سمة بارزة للجماهير الشعبية الكادحة بالخصوص، فسح مجال أمام تفريخ مجموعة من الأمراض الاقتصادية،والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي نجد من بينها:

1) على المستوى الاقتصادي: نجد أن حرمان الجماهير الشعبية الكادحة من التوزيع العادل للثروة يؤدي إلى اللجوء إلى العديد من الممارسات الاقتصادية المؤدية إلى المزيد من التمركز الرأسمالي في أيدي قلة قليلة جدا من الرأسماليين كالتهريب، والمخدرات، والإرشاء، والارتشاء، واللجوء إلى اعتماد الاقتصاد غير المهيكل، والعمل على تشجيع اقتصاد الريع، وغير ذلك، مما يستحيل معه قيام عدالة اقتصادية، يتوفر معها حصول كل فرد من أفراد المجتمع على حقه في العيش الكريم.

2) على المستوى الاجتماعي، نجد سيادة تعليم لا ديمقراطي، ولا شعبي، نخبوي، ويسير في اتجاه ضرب المدرسة العمومية، وخوصصة التعليم، بالإضافة الى خوصصة الخدمات الصحية، والسير في اتجاه القضاء على المستشفى العمومي، وانعدام الشغل أمام جيوش العاطلين، وعدم استجابة معظم الأجور للحاجيات الضرورية للعاملين في مختلف القطاعات.

3) على المستوى الثقافي: نجد أن الثقافة السائدة هي ثقافة التخلف، التي تقف وراء إنتاج قيم الخضوع، والانتهازية، والوصولية، التي لا علاقة لها بسيادة كرامة إنسان، التي تعتبر أمل الشعب المغربي.

4) على المستوى المدني: نجد أن سيادة الميز الجنسي، والطائفي، والعرقي، هي السمة البارزة في الحياة العامة، مما يؤدي بالضرورة إلى غياب المساواة في الحقوق، والواجبات، وأمام القانون.

5) وعلى المستوى السياسي: نجد غياب دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، مقابل فرض دستور مخزني ينتج ممارسة ديمقراطية الواجهة، التي لا تنتج إلا مؤسسات في خدمة المؤسسة المخزنية وخدمة الطبقة الحاكمة.

وانتشار هذه الأمراض المتنوعة في صفوف أفراد المجتمع، عملت، وتعمل، وبإسهاب بالغ، في جعل غالبية أفراد المجتمع التي تتجاوز 80 % تتخذ موقف الحياد مما يجرى، والذي تقف وراء قيامه الاختيارات اللا ديمقراطية واللا شعبية التي تنهجها الطبقة الحاكمة بقيادة المؤسسة المخزنية.

وهذا الحياد الذي لا يمكن أن يكون إلا سلبيا في ظل الشروط الموضوعية القائمة، هو الذي تستغله الصحافة المدعوة بالصحافة المستقلة، التي تلعب أدوارا مشبوهة باسم "الاستقلالية"، من أجل:

1) شغل الجماهير، بمن فيهم القراء، والمتتبعون، بأمور كانت تحسب من اهتمامات صحافة الرصيف، التي لا قيمة جماهيرية لها.

2) تضليل هذه الجماهير، وجعلها تبتعد عن رؤية واقعها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي لا يزداد إلا ترديا، حتى لا يترتب عن تلك الرؤية امتلاك الوعي الحقيقي تجاه الواقع.

3) ابراز الحياد، وكأنه قيمة سامية، تجعل الجماهير لا تتلوث بالممارسة السياسية، أنى كان مصدرها، وكيفما كانت الجهات التي تمارسها.

4) تنفير الجماهير من الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، باعتبارها أحزابا تضرب بجذورها في الواقع.

5) جعلها تتعامل مع مظاهر التخلف البورجوازي / الإقطاعي، على أنها مظاهر للتقدم، خدمة للتحالف البورجوازي / الإقطاعي.

6) جعلها تتعامل مع ديمقراطية الواجهة، على أنها ديمقراطية حقيقية.
7) جعلها تقبل بانتهاك حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، باعتبار ذلك الانتهاك جزءا من ممارسة السلطة المشروعة.

8) عملها على توظيف تلك الانتهاكات للنيل من الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، ومن النقابات، والجمعيات المناضلة.

وهذا اللعب الذي تقوم به الصحافة المستقلة، هو المعبر الحقيقي عن انتمائها للطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، وعن وضعها نفسها في خدمتهما، ضدا على مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، وسائر الأجراء، وسعيا الى تحقيق مالكي تلك الصحف لتطلعاتهم الطبقية، بصيرورتهم جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة، ومن المؤسسة المخزنية.

الصحافة "المستقلة " وافساد الحياة السياسية :

وانطلاقا من لعب الصحافة المستقلة على حيادية الجماهير الشعبية، واستغلال ذلك الحياد لتحقيق أهداف معينة، نجد أن هذا النوع من الصحافة "المستقلة"، يصير أفضل وسيلة لإفساد الحياة السياسية، عن طريق إشاعة الحياد السلبي في المجتمع، والذي يجعل الجماهير الشعبية الكادحة ترفض التعامل مع مختلف التنظيمات الحزبية، والجماهيرية.

ذلك أن الحياد السلبي ليس هو الحياد الإيجابي، لأن الحياد الإيجابي يقتضي التعامل مع مختلف التنظيمات الحزبية، أو الجماهيرية، تعاملا موضوعيا، فيأخذ منها ما تقتضيه حركة الواقع المتحول باستمرار، ويرفض منها ما يتناقض مع ذلك الواقع، حتى وإن كان يستجيب للتطلعات الفردية. والموضوعية في التعامل مع مختلف التنظيمات، هو ديدن الحياد الإيجابي. والصحافة "المستقلة" لا تمارس الحياد الإيجابي أبدا، وإلا:

فلماذا تهاجم الك.د.ش؟

لماذا اعتبرت أن الإضراب العام في غير محله؟

لماذا تعمل على إلصاق القرارات الكونفدرالية التي تتخذها الأجهزة التقريرية بشخص قائدها الكاتب العام للك.د.ش. الأخ محمد نوبير الأموي؟

لماذا تعمل على اعتبار قرار الإضراب العام الذي اتخذته الأجهزة التقريرية ممارسة فردية، وبيروقراطية؟

لماذا اعتبرت أن هذا الإضراب العام لا يستجيب لحاجيات الجماهير الشعبية الكادحة؟

لماذا عملت على تعبئة الجماهير تعبئة مضادة، حتى لا تنخرط في الإضراب العام ليوم 21 مايو 2008؟

ولماذا تبث هذه الصحف "المستقلة" وجهة نظرا الحكومة فيما يخص نسبة المشاركين في الإضراب العام؟

لماذا لم تعمل على نشر نسبة الإضراب الحقيقية التي تعلمها الطبقة الحاكمة حق العلم، وكما هي متوفرة لدى الأجهزة المحلية، والمركزية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل؟

والصحافة "المستقلة"، عندما تمارس الحياد السلبي، فإن هدفها من ذلك هو جعل هذا النوع من الحياد ممارسة فردية، وجماعية، حتى يصير معظم أفراد الشعب، مجالا للاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وطعما للتحالف البورجوازي الإقطاعي، وسلما للوصول إلى المؤسسات المحلية، والوطنية، التي تعتبر خير وسيلة للنمو السرطاني للثروات البورجوازية، والإقطاعية، التي تصير خير وسيلة لنهب ثروات الشعب المغربي، ولإفساد الحياد السياسية، كما حصل، ويحصل في جميع المحطات الانتخابية، كمحطات لذبح الممارسة الديمقراطية كل خمس سنوات، أو كل ست سنوات، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب.

وممارسة الصحافة "المستقلة" للحياد السلبي، ما هي إلا مساهمة بئيسة، ومنحطة، لإفساد قيم الشعب المغربي، مما يؤدي إلى إفساد الحياة السياسية، الذي يصير مرضا عضالا يعاني منه الشعب المغربي إلى حين التخلص من أثر الصحافة "المستقلة" على مساره العام، وقيام صحافة حقيقية، سواء كانت حزبية، أو محايدة حيادا إيجابيا، مما يمكن غالبية الجماهير من امتلاك وعيها الحقيقي، الذي يمكنها من الانخراط الإيجابي في الحياة السياسية.

فهل تراجع هذه الصحافة المستقلة نفسها من أجل إنتاج ممارسة صحافية محايدة حيادا إيجابيا؟

هل تساهم بممارستها للحياد الإيجابي في إعادة تربية الجماهير الشعبية الكادحة على الحياد الإيجابي؟

هل تتعامل مع الأحزاب السياسية، والمنظمات الجماهيرية، بما فيها النقابات، ومن بينها الك.د.ش. تعاملا موضوعيا؟

هل تحترم إرادة الجماهير الشعبية الكادحة، بدل ممارسة تضليلها؟

هل تلتزم بالحقيقة الإعلامية، كما هي، دون زيادة، أو نقصان؟

خلاصة عامة:

وما يمكن أن نخلص إليه من خلال تناولنا لفقرات موضوع: "الصحافة المستقلة"، والإقتار إلى ممارسة الاستقلالية، هو أن مفهوم الاستقلالية، يتم الالتفاف عليه، ليفيد شيئا آخر غير الاستقلالية، وان مفهوم الصحافة المستقلة، يصير بدوره محرفا ليفيد معنى الانتماء إلى الطبقة الحاكمة، وإلى المؤسسة المخزنية، في معظم الأحيان، مما يجعلنا نكاد نجزم بأنه لا يوجد شيء اسمه الصحافة المستقلة، نظرا للارتباط المكشوف المباشر، وغير المباشر، لهذه الصحافة مع الرموز المخزنية، في مقابل تنظيم الهجوم الإعلامي على النضالات المطلبية، التي تقودها العديد من المنظمات الجماهيرية، وفي مقدمتها النضالات التي تقودها الك.د.ش. ونظرا للتعامل السلبي مع الإضراب العام، الذي دعت إليه الك.د.ش. المصحوب بالهجوم المنظم، وغير المبرر، على الكاتب العام للك.د.ش. وأن الواقع السياسي في المغرب، بسماته التي وقفنا عليها، لا يمكن أن ينتج إلا صحافة مدعية للاستقلالية، وهي في الواقع لا علاقة لها بالاستقلالية، ونظرا لطبيعة معظم مسئولي الصحافة "المستقلة"، فإنهم يوظفون صحافتهم "المستقلة" للعب على الحياد السلبي للجماهير الشعبية الكادحة، لتبرير خطاب الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية إلى هذه الجماهير "المحايدة"، من أجل أن يصير في خدمة الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية. وهذه الصحافة "المستقلة"، بذلك، تعمل على إفساد الحياة السياسية بصمتها عما يقوم في الواقع من أشكال الفساد السياسي، إلى جانب الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، حتى يصير ذلك الفساد مفرخة لتزوير إرادة المواطنين، وبأشكال أكثر تطورا من أشكال التزوير التقليدية.

فهل تراجع الصحافة "المستقلة" نفسها من اجل أن تصير مستقلة فعلا؟

هل تتعامل مع ما يجرى في الواقع تعاملا موضوعيا؟

هل تصير منبرا لإشاعة الفكر المتنور بين جميع أفراد المجتمع؟

هل يجد المواطن البسيط، والمحايد، نفسه في هذه الصحافة "المستقلة"؟

هل تلعب هذه الصحافة "المستقلة" دورها في إشاعة الحياد الإيجابي في الواقع الاجتماعي؟

هل تعمل على تربية المواطن على الاختيار الحر، والنزيه، في إطار ممارسته لحقه في تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي؟

هل تصير هذه الصحافة منفتحة على الرأي، والرأي النقيض؟

هل تصير صحافة لجميع الأحزاب، ودون استثناء؟

إن ما يهمنا من تناول هذا الموضوع هو لفت الانتباه إلى أن الصحافة المستقلة، يجب أن تصير مستقلة فعلا، بتجنبها السقوط في فخ الانحياز.

فهل تعمل الصحافة المستقلة على أن تصير كذلك؟



#محمد_الحنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم كان الأمر له كان عظيما...
- الحياة الجميلة...
- النضال النقابي...
- الإضراب...
- الحلم...
- لو كان الأمر عندكم...
- هل يمكن الحديث عن نقابات يسارية، وأخرى يمينية، وأخرى لا يمين ...
- المتفرجون...
- هل يمكن الحديث عن نقابات يسارية، وأخرى يمينية، وأخرى لا يمين ...
- من يحارب النهب...
- عندما كان المهدي شعلة...
- هل يمكن الحديث عن نقابات يسارية، وأخرى يمينية، وأخرى لا يمين ...
- في ذكرى المهدي...
- حزب اليسار الكبير حزب المهدي...
- هل كان فكر المهدي مساهمة في تطوير الحركة؟...
- ماذا بعد يوم الاختطاف؟...
- هل آن الأوان، حتى يتحقق فكر المهدي...
- لماذا لا يتغير واقعنا، بفكر المهدي...
- استشهد المهدي وبقي فكره...
- عاش المهدي في زمنه، واستمر فينا...


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد الحنفي - الصحافة المستقلة، والافتقار إلى ممارسة الاستقلالية!!!…