أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مالك وردي - هل كان شمشون قاضيًا أم كان طليقًا زانيًا فاجرًا ؟!















المزيد.....



هل كان شمشون قاضيًا أم كان طليقًا زانيًا فاجرًا ؟!


مالك وردي

الحوار المتمدن-العدد: 5699 - 2017 / 11 / 15 - 17:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كيف يشأ الله أن يتزوج شمشون من امرأة فلسطينية وهو الذي نهى عن مصاهرة شعوب كنعان؟ وهل الله يطلب علة على الفلسطينيين (قض 14: 4) ليقتلهم بيد شمشون؟

ج: 1- قال الكتاب أن شمشون أُعجب بامرأة من تمنة من بنات الفلسطينيين، وطلب من والديه أن يأخذاها له زوجة، فاعترض الوالدان، ولكن شمشون ألحَّ عليهما، وعلَّق الكاتب قائلًا " ولم يعلم أبوه وأمه أن ذلك من الرب لأنه كان يطلب علَّة على الفلسطينيين" (قض 14: 4) وكان النهي عن مصاهرة الشعوب الوثنية بسبب التخوف من السقوط في العبادات الوثنية، فإذا انتفى هذا التخوف، وهذا أمر في غاية الصعوبة، فلا يوجد ما يمنع من هذه الزيجات، بدليل أن الله سمح لليهود بالزواج من الأسيرات الوثنيات طالما أنه ليس هناك ثمة خطورة على هؤلاء الرجال من عبادة الأصنام، وهذه السيدة لم تنجح في إسقاط شمشون في هذه الخطية، ولم يسقط شمشون طوال حياته في عبادة الأوثان كما سقط سليمان في أواخر حياته.

2- إذ رأى الله تعلَّق شمشون بهذه المرأة الغريبة، سمح بهذا لكيما تكون هذه الزيجة سببًا في تأديب الفلسطينيين، ولم يضع الله في شمشون هذه الاشتياقات الخاطئة، ولكن الله استخدم هذه الاشتياقات لإتمام مشيئته، وتخليص شعبه من قبضة الفلسطينيين، وهذا ما حدث فيما بعد أن استخدم الله قساوة الكهنة اليهود وخيانة يهوذا في تتميم قضية الخلاص، ولا يمكن أن نبرر شمشون بحجة أنه كان يهدف لتتميم مقاصد الله، وإلاَّ سنبرّر تسليم يهوذا لسيده. وجاء في " كتاب السنن القويم": "فعمل شمشون بإرادته وحسب شهواته، ولكن الرب استعمله ودبر أموره لكي ينتقم من الفلسطينيين بواسطته.

3- هذا الموقف يذكّرنا بموقف يونان النبي عندما عصى الله، وعوضًا أن يذهب إلى نينوى ينذرهم ذهب إلى ترشيش هربًا، واستخدم الله مخالفة يونان في خلاص الذين في السفينة، وبطاعته خلَّص أهل نينوى، وليس كون الله استخدم عصيان يونان في خلاص أهل السفينة، يعني أن الله كان موافقًا ليونان في عصيانه، وعندما عصى يونان الله وأخطأ لم يكن الله شريكًا له في هذا التصرف. وأيضًا عندما تكبَّر الملاك وأراد أن يصير مثل الله فسقط هو وكل جنوده وصاروا شياطينًا، وكون الله يستخدم هؤلاء الشياطين في مهمة إفراز أبناء الملكوت عن أبناء الظلمة، فهذا لا يعني أبدًا أن الشيطان بتكبره كان يتمم مشيئة الله، ولا يعني أن الله كان موافقًا على تكبر الشيطان وسقوطه.
---------------------------
من يصدق أن شمشون شق الأسد وكأنه يشق جديًا (قض 14: 5)؟ وكيف يخيم النحل في جيفة الأسد، بينما النحل لا يطيق الروائح الكريهة (قض 14: 8)؟

ويقول "ليوتاكسل" عن شمشون "ومنذ صغره أظهر شمشوننا قوة بدنية خارقة، ففي أحد الأيام قتل أسدًا ليلهو فقط، وكان ذلك الضاري قد زرع الرعب في المنطقة كلها !!


ج1- وهب الله شمشون قوة خارقة، فكان روح الله يحل على شمشون فيهبه قوة جبارة، ولاسيما عندما تكون حياته في خطر، ولذلك لم يجد شمشون مشقة في مواجهة شبل الأسد، ويقول الكتاب " وإذا بشبل أسد يزمجر للقائه. فحلَّ عليه روح الرب فشقه كشق الجدي وليس في يده شيء" (قض 14: 5، 6). إذًا شمشون كان أداة في يد الله مثل المنشار في يد النجار، فلماذا نستكثر هذا؟! ولم يكن شمشون هو الإنسان الوحيد الذي قتل أسدًا، بل كان "داود" فتى، وعندما هجم أسد ودب على الغنم تصدى لهما، فقتل الأسد، وعندما هجم عليه الدب أمسكه من ذقنه وضربه فقتله، ويقول داود لشاول " فجاء أسد مع دبٍ وأخذ شاه من القطيع. فخرجت وراءه وقتلته وأنقذتها من فيه ولما قام عليَّ أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته. قتل عبدك الأسد والدب جميعًا" (1 صم 17: 34 - 36) وكان من أبطال داود "بناياهو بن يهودياع" أنه "ذي بأس كثير الأفعال من قبصئيل هو الذي ضرب أسدي موآب وهو الذي نزل وضرب أسدًا في وسط جبٍ في يوم الثلج" (2 صم 23: 20) وجاء في التاريخ قصص مشابهة لهذا، فذكر التاريخ أن "بوليداماس" قتل أسدًا على جبل أوليمبه ولم يكن في يده سلاح، وكان المصارعون في روما يصارعون الأسود بدون سلاح، ويقضون عليهم بالخنق.

2- نزل شمشون مع أبيه وأمه إلى تمنة، وفي كروم تمنة حدثت حادثة قتل شبل الأسد، واستكمل شمشون مشواره وخطب زوجته، وغالبًا كانت فترة الخطبة تستمر نحو عام، وهذا ما عبر عنه الكتاب بقوله " ولما رجع بعد أيام " وجد شمشون أن جثة الأسد قد تحللت باستثناء الهيكل العظمي الذي جفَّ، وهذا ليس بالأمر الغريب في صيف حار بالإضافة إلى تعرض الجثة لنهش النسور وبعض الحيوانات، وبذلك اختفت كل رائحة نتانته من المكان، وحلَّ النحل في هذا الهيكل العظمي وصنع شهدًا، ويقول الكتاب أن شمشون " مال لكي يرى رمَّة الأسد وإذا دبر من النحل في جوف الأسد مع عسل. فاشتار منه على كفيه وكان يمشي ويأكل.." (قض 14: 8، 9) بل أنه أعطى والديه فأكلا دون أن يخبرهما بالحقيقة لأنه ربما كان شمشون كنذير ما كان يحق له أن يقترب من عظام حيوان ميت. وقول الكتاب أن شمشون مال ليرى الرَّمة كان هذا من قبيل حب الاستطلاع، والمقصود بالرمَّة العظام الباقية البالية.

ويقول " المطران يوسف الدبس": "وقد أكثر المنددون بالكتاب من الطنطة بتعييب تاريخ شمشون بهذه الآية زاعمين أن النحل يأنف من الجثث، فكيف يتخذها خلية ويضع فيها عسله؟ لكنهم قد تعاموا عن أن النحل وإن نأى عن الجثث فلا ينأى عن العظام اليابسة، وعن أن قول الكتاب بعد أيام كثيرة ما أراد به مدد طوال. وروى هيرودت (ك 5 ف 114) أن النحل عسَّل في جمجمة أوناسيوس حاكم قبرص الذي قطع أعداؤه رأسه، واستبقوه معلقًا أمامهم. والجثث في البلاد الحارة كفلسطين تجف في الصيف وتيبس كالمومياء في وقت وجيز ولا تنتن فلا يفر النحل منها. كما حقق كثير من الجوَّالة في فلسطين، وأثبتوا أن النحل البري فيها كثير، وأنه يتخذ خلاياه في الكهوف، والمغاور وثقوب الأشجار بحيث يستظل من حر الشمس!

--------------------

هل قصة شمشون كُتبت بعد موت شمشون بوقت طويل، حتى أن الكاتب يقول "فعمل هناك شمشون وليمة لأنه هكذا كان يفعل الفتيان" (قض 14: 10)؟ وهل الشبان هم الذين طلبوا من امرأة شمشون أن تتملق زوجها في اليوم السابع (قض 14: 15) أم أنها ظلت تبكي لدى زوجها سبعة أيام لتعرف الأحجية (قض 14: 17)؟
ويقول " محمد قاسم": "أي أن القصة كُتبت بعدها بزمن طويل حتى أن العادات تغيَّرت وقت كتابة القصة!

ج: 1- قال الكتاب " ونزل أبواه إلى المرأة فعمل هناك شمشون وليمة لأنه هكذا كان يفعل الفتيان. فلما رأوه أحضروا ثلاثين من الأصحاب فكانوا معه" (قض 14: 1، 2) كتب هذه القصة صموئيل النبي، وهو القاضي التالي لشمشون، أي أن الفاصل الزمني لم يكن كبيرًا، وعندما قال صموئيل النبي " هكذا كان يفعل الفتيان " فأنه كان يعني أحد أمرين:

أ - أن تكون هذه عادة كانت منتشرة في عهد شمشون وانتهت في عصر صموئيل رغم أن العصرين متقاربين، وهذا أمر مقبول، لأنه خلال عشرات السنوات تظهر عادات جديدة تستقر في المجتمع وتختفي عادات أخرى وتبدأ في الانقراض.

ب- إن هذه العادة كانت قائمة أيام شمشون ومازالت قائمة أيام صموئيل، فهكذا يفعل الفتيان، وقول " كان " أي في الماضي، هكذا كان يفعل الفتيان، وما كانوا يفعلونه مازال قائمًا بدليل أنه لم ينفي ذلك، فلم يقل " أما الآن فلم يعد الفتيان يفعلون هكذا".

وجاء في " كتاب السنن القويم": "فعمل شمشون هناك وليمة: هي وليمة العرس حسب العادة في كل العصور، ولا تزال في هذه البلاد إلى هذا اليوم (تك 29: 22، رؤ 19: 19).. هكذا كان يفعل الفتيان: أي يعملون الوليمة في أعراسهم، ولا يزالون يفعلون كذلك إلى هذا اليوم في بلاد المشرق، ولا ريب أن الإشارة هنا إلى عادة الفلسطينيين!

2- طلب الشبان المدعوون في اليوم السابع من امرأة شمشون أن تتملقه وتعرف الأحجية " وكان في اليوم السابع أنهم قالوا لامرأة شمشون تملقي.. لئلا نحرقك وبيت أبيك بالنار" (قض 14: 15) ولكن قبل أن يطلبوا منها هذا الطلب وقبل أن يهددونها، كانت هي شغوفة بمعرفة سر الأحجية، ولذلك لم تكف منذ اليوم الأول عن البكاء تطالب زوجها أن يكشف لها حل الأحجية، وهذا ما أوضحه الكتاب بقوله " فبكت لديه السبعة الأيام التي فيها كانت لهم الوليمة" (قض 14: 17).

وجاء في " كتاب السنن القويم": "أن امرأة شمشون لما ألقى اللغز على الرجال مالت إلى معرفة حله كل الميل وسألته ذلك فأبى، فشعرت من ذلك بأنه لا يحبها فزاد ميلها إلى معرفته، فكانت تبكي وزاد بكاؤها في اليوم السابع خوفًا على نفسها وبيت أبيها. ومثل هذا معهود من النساء وغيرهن.. فأظهرت الأحجية لبني شعبها لا بغضًا لزوجها ولا لرغبتها في خسارته بل رغبة في إنقاذ نفسها وبيت أبيها من الإحراق، فهي معذورة!

------------------

هل روح الله الكريم العطوف الحنَّان يأتي بالخير للبشر أم أنه يفتق بهم "وحل روح الرب على شمشون فقتل ثلاثين رجلًا" (قض 14: 19)؟!

ج: 1- قال شمشون أحجيته للشباب الفلسطيني بهدف أن يعرّفهم مدى قوته التي وهبها الله له؛ وأيضًا لكيما يسترد منهم بعض ما سلبوه من شعبه، فعندما قال شمشون للشباب الفلسطيني أحجيته أعطاهم فرصة سبعة أيام، فإن حَلُّوها يعطي كلٍ منهم قميصًا وحلة ثياب، وإن لم يحلونها فكل واحد منهم يعطيه قميصًا وحلة ثياب، وقد قبل هؤلاء الشباب بهذا الاتفاق، ولكنه إذ فشلوا في الوصول للحل، وقاربت المدة المتفق عليها للحل على الانتهاء، ضغطوا على امرأة شمشون وهدَّدوها بالحرق قائلين " لئلا نحرقك وبيت لأبيك بنار " فخافت لأنها تعرف مدى قسوة قومها، وأنهم يعنون ما يقولون، فضغطت هي بدورها على زوجها حتى أباح لها بالإجابة، فخانته إذ أعطت الإجابة لذويها، وكان عليها بالأولى إبلاغ زوجها بتهديدات الشباب وهو كان كفيل بحمايتها، لكنها لم تفعل، وما خشت من وقوعه وقع بالفعل، وانتهت حياتها بالحرق مع أبيها، وعندما حل الفتيان الأحجية غشًا، ولم يكن لشمشون هذا الكم من الأقمصة وحلل الثياب، هداه تفكيره للذهاب إلى أشقلون، وهناك قتل ثلاثين رجلًا من الفلسطينيين، وربما من وجهائهم، وأخذ قمصانهم وحلل ثيابهم، وقد أعانه الله في هذا العمل لأنه طالما قتل الفلسطينيون من بني إسرائيل رجالًا ونساءً وأطفالًا وطالما أذلوا هذا الشعب، وأوفى شمشون بوعده وهو لم يعطهم شيئًا من عنده، إنما من جنس لباسهم أعطاهم، سلبَ الفلسطينيين لبعض الفلسطينيين، وعاد غاضبًا إلى بلدته، ولم يتزوج لأن امرأته أفشت سره، وظن والدي العروس أن شمشون قد هجر زوجته ولن يعود لها ثانية، فزوجاها لشخص آخر.

2- جاء في " كتاب السنن القويم": "قتل الثلاثين رجلًا وأخذ منهم ثلاثين قميصًا وثلاثين حلَّة ليعطيها للرجال الثلاثين الذين ادَّعوا أنهم حلُّوا اللغز وأظهروا الأحجية. وإذا أُعترض أن ذلك كان ظلمًا وقساوة من شمشون، نقول أن روح الرب كان حلَّ عليه، وكانت قوته الفائقة من الرب، فلاشك أن عمله كان بالإلهام وحسب إرادة الرب الذي له جميع الناس فيعطيهم ويأخذ منهم كما يشاء!

3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "هذا الحدث يكشف لنا قول الكتاب {ولم يعلم أبوه وأمه أن ذلك من الرب. لأنه كان يطلب علَّة على الفلسطينيين} (ع 4) فقد تحوَّلت أيام الوليمة إلى مناحة عوض الفرح إذ كانت امرأته تبكي كل يوم وتسأله عن تفسير الأحجية حتى ضيقت عليه جدًا في اليوم الأخير.. وهكذا لم تكن وليمة ولا كانت فرحًا بل غمًا عليها هي وبني شعبها. هذا وكان الرجال في حيرة وارتباك طوال الأسبوع حتى اضطروا إلى تهديد العروس البائسة. وانتهت الوليمة بقتل ثلاثين من الرجال وسلب حللهم، وانطلق شمشون إلى بيت أبيه وصارت امرأته لصاحبه!! أي عرس هذا؟!

--------------------
هل قصة شمشون التي وردت في الكتاب المقدَّس مقتبسة من أساطير "جلجامش" و"هرقل"؟

ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "لاشك أن شمشون شخصية خرافية، وهو يُذكّر في بعض صفاته بجلجامش السوري وهرقل الإغريقي، حتى أن العلماء افترضوا أن شمشون في بداياته كان إلهًا أسطوريًا عند القبائل التي عبدت الشمس.. فاسم شمشون يعود لغويًا إلى الأصل العبري القديم (شمس) والبابلي (شامشوا) وكلا الكلمتين يعنيان (الشمس) وعدا ذلك فأنه من المعروف أنه يوجد في بيت شمس على مسافة غير بعيدة عن قرية شمشون الأم معبد الإله الشمس، فليس من المستبعد أن تكون شخصية شمشون مسروقة من إله ما كان مشهورًا في كنعان!

ويقول " ليوتاكسل": "ففي الأسطورة الإغريقية أسرت فتنة أمفالي هرقل إلى درجة نسى معها بطولاته القتالية وحبه الترحال فأقام قرب حبيبته.. كان هذا الأخير (هرقل) عند قدمي هذه الحسناء مرتديًا ثيابها ويحاول أن يتعلم حياكة الصوف فيكسر إبرة الحياكة ويَلقى صفعات عشيقته على مؤخرة رأسه، لكن هذا المشهد يمثل تعبيرًا نموذجيًا للتأثير الذي يمكن أن تحوزه المرأة الحبيبة على الرجل العاشق حتى وإن كان عظيمًا.. وفي أحد الأيام خان هرقل أمفالي، ووقع في غرام إحدى المقرَّبات منها. ثم تلت ذلك مغامرات أخرى قام بها هذا البطل الأسطوري، وأخيرًا يأست ديانيرا من خيانات زوجها التي بدأ أنها لن تنتهي، فأرسلت إليه رداء القنطور، معتبرة إياه طيلسانًا قادرًا أن يعيد لها زوجها العاق.. ولكن هرقل لم يستطع أن يتحمل الآلام التي سببتها له العباءة، ولما لم يستطع أن يخلعها قرَّر أن ينتحر ليضع حدًا لآلامه الرهيبة، فأضرم نارًا عظيمة ورمى بنفسه فيها. إذًا، الذي لا ريب فيه، أن قصة شمشون ودليلة هي تقليد مسخ لأسطورة هرقل وأمفالي!

ج: 1- الذي سجل قصة شمشون هو صموئيل النبي، ذاك النبي القديس، فمن المستحيل أن ينسب لشمشون ما جاء في الأساطير، بل من أين عرف صموئيل أساطير ما بين النهرين أو بلاد الإغريق، وهو لم يذهب إلى هذا أو ذاك المكان. إنه سجل هذه القصة والصراع على أرض كنعان مازال قائمًا، وفي عصر القضاة كان الشعب قابعًا في أرض كنعان محاطًا بالأعداء، لا يحصل على فترة سلام إلاَّ وسريعًا ما يرتد عن إلهه فتتآلب شعوب الأرض عليه، وفي خلال هذا الصراع لا تنمو الأساطير، ولم يحدث استقرار للشعب إلاَّ في عصر داود الملك وإبنه سليمان، عندئذ بدأ الشعب ينفتح على الممالك المجاورة، وكان سليمان وأخاب من أكثر الملوك انفتاحًا على الفينيقيين.

2- إن كان هناك تشابهات بسيطة بين قصة شمشون وأسطورة جلجامش، فمثلًا كان جلجامش طويل القامة، ضخم الجسم، مفتول العضلات، جرئ مقدام، جميل يفتن الناس بجماله، لكن ما أكثر الخلافات بين أسطورة جلجامش الخيالية وقصة شمشون فمثلًا:

أ - قيل عن جلجامش أنه كان يرى جميع الأشياء، ولو كانت في أطراف الأرض، وأنه يطلع على جميع الأسرار ويعرف كل الخفيات، بينما لم يكن شمشون هكذا.

ب- قيل عن جلجامش أنه عاش ملكًا في مدينة " أوروك " وكان وثلثيه إله وثلثه إنسان، بينما لم يكن شمشون هكذا.

جـ- قيل عن جلجامش أنه عاش حياة اللهو والصيد والبطش بالناس، حتى لم يترك ابنًا لأبيه، ولا ابنة لحبيبها، بينما لم يكن شمشون هكذا.

د - شكى أهل " أوروك " جلجامش للآلهة، التي خلقت لهم "أنكيدو" غريمًا لجلجامش، وعاش أنكيدو في الصحراء بدون ملابس، فشعره يغطي جسمه كله، وكان يأكل العشب مع الغزلان، واستطاعت امرأة ساقطة بغواية جلجامش أن تجتذبه إلى حياة المدنية، ولبس الملابس، وأكل الخبز وشرب الخمر، وعندما سمع بظلم جلجامش إشتبك معه في صراع، وكاد يهزمه، ثم صار الاثنان صديقان لا يفترقان، واشتركا معًا في مغامرة قتل الثور السماوي، بينما خلت قصة شمشون من كل هذا، فلم تذكر القصة أنه كان له غريمًا تحوَّل إلى صديق، بل أن القصة لم تذكر لشمشون أي رفيق قوي سواء من بني جنسه أو من شعوب الأرض.

هـ - حكمت الآلهة على "أنكيدو" بالموت لأنه قتل مع جلجامش الثور السماوي، وعندما مات "أنكيدو" حزن عليه جلجامش جدًا، وبكاه ورثاه وأمر بصنع تمثال ذهبي له، ثم زهد جلجامش الحياة فأهمل شعره، وارتدى جلد أسد، وهام على وجهه في البراري، وهو في ثورة داخلية ضد الموت، وأراد أن يذهب إلى " أوتنابشتيم " بطل الطوفان يسأله عن سر الخلود، فخاض مغامرات عجيبة حيث عبر الجبال، فوجد أسودًا تمرح في ضوء القمر فمزقها إربًا بسيفه، والتقى بالرجل العقرب وارتعب منه، أما الرجل العقرب فلم يؤذه، إنما شجعه على استكمال مغامرته حتى يصل إلى غايته، وسار في الظلام تسع ساعات ثم عشر ساعات متوالية وهو في ظلام حالك، حتى أشرق عليه النور ثانية، وأكمل مسيرته فعبر بغابة الأحجار، حيث رأى الأشجار تحمل العقيق الأحمر، وسار حتى وصل إلى صاحبة الحانة التي ارتعبت منه، وأغلقت باب الحانة، وعندما أخبرها بقصته وأنه جلجامش ملك " أوروك " فتحت بابها وهي ترثى لحاله، وعندما أبلغها عن قصده، قالت له: "يا جلجامش إلى أين أنت سائر؟ إن الحياة التي تريدها لن تجدها، لأنها لما خلقت الآلهة البشرية، قدَّرت لها الموت واستأثرت بالحياة " وطلبت منه أن يعيش حياته يأكل ويشرب ويرقص ويتزوج ويتمتع بالموسيقى، وعندما أصر جلجامش على الوصول إلى غايته في الخلود، أرشدته إلى " أورشنابو " ملاح أوتنابشتيم، فأسرع إلى الغابة والتقى بالملاح الذي طلب منه أن يقطع أغصان من الشجر ويربطها معًا ليطفو فوقها ويصاحبه إلى أوتنابشتيم، وفعلًا فعل جلجامش هكذا، وحذره " أورشنابو " من مياه الموت التي يبحرون فوقها، وأوصاه أن يحذر هذه المياه فلا تمسه، وأخيرًا وصل جلجامش إلى أوتنابشتيم، وقص عليه كل ما كان، وطلب منه أن يرشده عن سر الخلود. أما " أوتنابشتيم " فقد أراد أن يختبره، فطلب منه أن يظل يقظًا ستة أيام وسبعة ليالي، ولكن جلجامش فشل في هذا الاختبار، فنصحه " أوتنابشتيم " أن يغسل شعره المتسخ ليصبح نظيفًا كالثلج، ويلبس حلة جميلة وعمامة، ويعود إلى وطنه يزاول نشاطه ويستمر في حياته كما أرادت له الآلهة. ولكن زوجة أوتنابشتيم قالت لزوجها: هل بعد كل هذا الجهد الذي بذله جلجامش ليصل إليك تصرفه فارغًا؟ واستعطفت زوجها فباح لجلجامش بسر الخلود، قائلًا له أن هناك نبتة في قاع البحر كالورد وجذرها من الأشواك، لو استطعت أن تحصل عليها لحصلت على سر الخلود، فأسرع جلجامش وربط رجليه بأحجار ثقيلة، وألقى بنفسه في أعماق البحر، حتى وصل إلى النبتة وانتزعها وهو يحذر من أشواكها، وخرج من الماء، وأراد الاحتفاظ بها حتى عودته إلى وطنه فيأكلها هو وذويه فينالون الخلود، وفي رحلة عودته وجد بئر مياهها باردة فنزل ليغتسل، وإذ بالحية تختطف النبتة وتأكلها فتحصل على الخلود، وتنسلخ من جلدها. أما جلجامش فجلس يبكي، وعاد إلى وطنه وملك البلاد وتزوج وأنجب ومات. فهل تجد أصداء لهذه الأسطورة التي ذكرتها باختصار شديد في قصة شمشون..؟! قطعًا لا !!

وهكذا ستجد يا صديقي أيضًا أسطورة هرقل بعيدة عن قصة شمشون تمامًا، وإن الخلافات بينهما أكثر بكثير جدًا من مواضع الاتفاق. فلم يأتي في قصة شمشون أنه كان يرتدي ثيابًا، وكان يحاول أن يتعلم الحياكة وأنه كان يتلقى الصفعات من دليلة على مؤخرة رأسه، بل بالعكس كان شمشون معتزًا برجولته فخورًا بقوته، وأنه لم ينتحر، ولم يلقي بنفسه في النار.. إلخ.

وبينما يدعي " ليوتاكسل " أن قصة شمشون ودليلة هي تقليد لأسطورة هرقل، فأنه في موضع آخر يذكر عظم الفارق بين شمشون وهرقل فيقول: "أن موت هرقل كان أكثر شاعرية من موت هذا اليهودي.. أما مقارنة حياة البطلين فتُظهر لنا شمشون هزيلًا سخيفًا كاحلًا لا روح فيه. لم يهاجم شمشون الفلسطينيين ويحرق حقولهم لأن ثورة وطنية اجتاحت قلبه ضد أعداء قومه ومستعبديهم، ولم يفعل ذلك لينتقم للإله التوراتي الذي رما داجون الفلسطيني تحت قدميه، بل فعل ما فعل ليرضي نزوة ذاتية دفعته إلى الانتقام من الذين عاش بينهم أمتع أيام حياته، فقد أُهين لأن الفلسطينية التي أُغرم بها لم تبقى زوجة له سوى ستة أيام.. علاوة على ذلك يبدو أن شمشون كان يحتقر بنات إسرائيل، ولذلك كان يبحث عن النساء بين الفلسطينيات فقط.. أما هرقل فهو بطل إغريقي وطني.. إن قصص بطولاته كانت تنبع من أنبل الأحاسيس وأصدق المشاعر.. لقد استخدم هرقل قوته لنصرة الضعفاء دائمًا.. لقد أمضى هرقل حياته كلها في محاربة الطغاة والوحوش، ولا يفعل إلاَّ ما هو خير للبشر، فقاتل مختلف ضروب جلادي البشر، وأباد أعتى القتلة واللصوص.. فلكي يفضل المرء شمشون على هرقل يجب أن يكون عبدًا للبلاهة الدينية!!

------------------------


كيف وُضعت قصة شمشون تلك القصة غير المشرفة في الكتاب المقدَّس؟

ويقول " جيمس فريزر": "أن موهبته كانت أكثر ما تتمثل في أحداث الشغب والعراك وفي إحراق شون الذرة التي يختزنها الناس، وفي كثرة التردد على بيوت الدعارة. أي أن شمشون كان يبدو في شخصية الطليق الفاجر أكثر مما كان يبدو في شخصية القاضي الكفء الصارم. كانت فكرة تخليص قومه من العبودية.. آخر ما يتراءى له، وعندما كان يقوم بمذبحة للفلسطينيين.. فأنه لم يكن يفعل ذلك بدافع وطني أو دهاء سياسي، وإنما كان بدافع حقد شخصي صرف يهدف إلى الانتقام من هؤلاء الذين أساءوا له ولزوجته وولدهما، فقصته من بدايتها حتى نهايتها هي قصة مغامر أناني مخادع تحركه ثورات عاطفية جامحة، ولا يكترث بشيء سوى إرضاء نزواته الوقتية!

ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "فشمشون لم يكن زعيمًا أو قائدًا كما هو الحال بالنسبة لبقية القضاة.. فمصارعته تحمل صفة الفردية، صفة صراع فدائي متطرف يريد الانتقام ممن أغضبه.. ولا تكمن البطولة وراء تصرفاته، بل رغبته في تصفية حسابات شخصية.. وفي نهاية القصة فقد تسمو شخصية شمشون لتصير شخصية بطولية ومأسوية حقًا.. لم ينفذ إلاَّ المطالب الظاهرية للنذر: لم يحلق شعره ولم يشرب الخمر، وفيما عدا ذلك فأنه كان أبعد الناس عن القواعد الدينية لذلك لا يمكن وصفه بالمناضل من أجل اليهوهية (يهوه)، فهو يتصرف بغرامياته مع الفلسطينيات وفي معاركه، وفي مغامراته الدموية المشكوك بصحتها من الناحية الأخلاقية، فيتصرف كمتوحش وكوثني، ولم يكن شمشون قاضيًا حكيمًا وقائدًا لقبيلة، ولا إنسانًا متدينًا محافظًا على تعاليم إلهه.

لذلك من غير المفهوم، لماذا أدخل مؤلفو التوراة قصته في كتبهم الدينية والتعليمية، جاعلين منه مثل يُحتذى، ولم يكتفوا بإدخال قصته فقط، بل وبطبيعة فظة، وضعوا أشياء لا تصلح حقيقة لكتاب يُدعى " مقدَّسًا".. ما الذي حصل حتى أدخل مؤلفوا التوراة ذلك البطل الجلف بطل القصص الشعبية إلى " المجتمع الجيد " مجتمع الزعماء والملوك والأنبياء؟ أظن أن الجواب بسيط. صار شمشون رمزًا لفترة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني!

ج: 1- لم يذكر الكتاب المقدَّس إلاَّ الحقيقة، دون أن ينتقي الأحداث فيسجل منها ما هو مقدَّس وجليل ويهمل ما هو مخزي ومُشِين، بل سجل الكتاب هذه وتلك، لكيما يدرك الإنسان إلى أي درجة انحطت البشرية، فحتى شمشون النذير والقاضي يلهو ويزني وينسى رسالته، ولم يفق لنفسه إلاَّ قرب نهاية دربه. هذه هي حالة البشرية بعد السقوط، فحتى سليمان الحكيم الذي نال من الحكمة ما لم ينله آخر مثله، فلم يكن قبله مثله ولا بعده نظيره، ومع هذا فقد أضلته نساؤه في أواخر حياته، ولولا توبته لهلك إلى الأبد.. وهذه القصص تشهد بالأكثر لصحة الكتاب المقدَّس وليس زيفه.

2- تصوَّر لو أن الوحي الإلهي لم يسجل إلاَّ النقاط البيضاء في حياة الأنبياء والقضاة، وتغاضى عن ضعفاتهم وخطاياهم وآثامهم، بلا شك كنا سنشعر بصغر النفس، وأن هؤلاء الرجال ليسوا من عجينة البشرية التي فسدت بالخطية، ونشعر بمدى بُعد الكتاب المقدَّس عنا، ومدى بعدنا نحن عن صاحب الكتاب، وكأن الكتاب المقدَّس كُتب لأناس يعيشون في كوكب آخر غير كوكب الأرض الذي تدنس بخطية الإنسان، ولكن شاءت إرادة الله أن يذكر الكتاب خطايا هؤلاء الرجال وأكد أن هذه الخطايا لن تدنس الكتاب " ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا" (رو 5: 20) وبهذا نشعر أن الله قريب منا، فقد تعامل مع أناس حملوا نفس طبيعتنا الفاسدة، وظل يعمل فيهم حتى عظَّم الصنيع معهم.

3- يحكم الناقد على تصرفات شمشون من خلال مبادئ القرن الواحد والعشرين ومبادئ حقوق الإنسان في العصر الحديث، فيقول " وفي مغامراته المشكوك بصحتها من الناحية الأخلاقية يتصرف كمتوحش وكوثني " ويغض البصر عن سمات عصره، ينظرون إلى شمشون الذي أحرق زراعات الفلسطينيين، ولا ينظرون إلى الفلسطينيين الذين أحرقوا زوجة شمشون وأبيها بالنار (قض 15: 6) ينظرون إلى شمشون الذي في دفاعه عن نفسه قتل منهم ألف رجل، ولا ينظرون إلى ما فعله الفلسطينيون مع بني إسرائيل من قتل وتهديد وسلب ونهب، حتى أنهم حرموهم حيازة الأسلحة، كما يتغاضى هؤلاء النُقَّاد عما فعله الفلسطينيون فيما بعد بشمشون إذ أرادوا التشفي منه، ففقأوا عينيه، وأوثقوه بسلاسل نحاس وجعلوه كثور يطحن في بيت السجن، وفي عيد إلههم أتوا به ليلعب أمامهم ويسخرون منه.

4- ذكر الكتاب المقدَّس قصة شمشون كما حدثت بالضبط، وذكر أخطاءه عيانًا بيانًا، نهارًا جهارًا، محكوم عليها من قبل الشريعة الإلهيَّة وكلمة الله التي تدين تسيّبه وأهوائه الشهوانية وإهماله لرسالته كنذير وقاضٍ لشعب مقهور، فتارة يلمس عظام أسد ميت وقد نهت شريعة النذير عن فعل هذا، وتارة يبحث عن هواه مع الفتيات الفلسطينيات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وعندما سجل الكتاب المقدَّس هذه السيرة بإيجابياتها وسلبياتها لم يقصد التشهير بشمشون، وأيضًا لم يقصد الإشادة بأخطائه، ولن تجد كلمة واحدة تحض أو تشجع على التمثل والاحتذاء بشمشون في ارتكاب أخطاءه القاتلة كقول الناقد، إنما ذكر هذه الأحداث لتكون عبرة ودرسًا لمن يريد أن يعتبر، فلا نسقط في مثل هذه الأخطاء، ولا يتوه الهدف عنا، ولا تضيع رسالتنا في هذه الحياة. سجل الكتاب هذه القصة عبرة لمن يفهمون ويدركون.

5- دُعي الكتاب المقدَّس بالمقدَّس ليس لأنه حوى سير أنبياء وقضاة وملوك وكهنة جميعهم قديسين، إنما دُعي بالكتاب المقدَّس لأنه حوى في طياته كلمات الله المقدَّسة، أما هؤلاء الأنبياء والقضاة والملوك والكهنة فهم غير معصومين من الخطأ، بل جميعهم أخطأوا، ولكنهم تابوا عن خطاياهم، وأيضًا الكتاب ذكر حياة الذين ضلوا الطريق، بل ذكر قصة سقوط الشيطان نفسه لكيما نتعلَّم من أخطاء الغير.0 ولقد دُعي الكتاب المقدَّس بالمقدَّس لأنه حوى الوصايا الإلهيَّة التي تقدَّس حياة الإنسان " إذًا الناموس مقدَّس والوصية مقدَّسة وعادلة وصالحة" (رو 7: 12).. " بار أنت يا رب وأحكامك مستقيمة" (مز 119: 137).

6- ليس هناك أية علاقة بين قصة شمشون التي حدثت قبل الميلاد بأكثر من ألف سنة، وبين قصة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني التي حدثت بعد عودة اليهود إلى فلسطين في القرن العشرين، وبذلك يصبح كلام الناقد " صار شمشون رمزًا لفترة الصراع الفلسطيني " تعوزه الحجة، وهل عندما سجل صموئيل النبي هذه القصة كما حدثت بالضبط كان يعلم أو يشير إلى ما سيحدث بعد أكثر من ثلاثين قرنًا قصة هذا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني..؟ كما أن القصة أوضحت مدى إذلال الفلسطينيين لبني إسرائيل لمدة أربعين عامًا (قض 13: 1) وما يحدث اليوم هو أن إسرائيل هي التي تذل الفلسطينيين فتهدم منازلهم وتطردهم من أراضيهم، وقد ملأت السجون منهم.

------------------------
هل كان شمشون قاضيًا أم أنه كان طليقًا زانيًا فاجرًا (قض 16: 1)؟(1) وكيف يخلع مصراعي المدينة والقائمتين والعارضة ويحملهم على كتفه ويصعد بهم إلى رأس الجبل؟!

ويقول " محمد قاسم " عن المسافة التي حمل فيها شمشون باب المدينة " تزيد المسافة على 50 كم، ولم تذكر التوراة لماذا فعل هذا؟ وهذا من المبالغات الواضحة!!

ج: 1- قال الكتاب " ثم ذهب شمشون إلى غزة ورأى هناك امرأة زانية فدخل إليها" (قض 16: 1) فقد انحط الشعب في هذه الفترة المظلمة، حتى أنهم سقطوا في خطايا الزنا والسحر والعرافة وعبادة الأوثان، ومن أجل كل هذه الأمور سلَّمهم الرب ليد الفلسطينيين، وإن كان داود النبي سقط في هذه الخطية فليس مستبعد عن شمشون أن يكون قد سقط في ذات الخطية، فحقًا كل قتلاها أقوياء، وقد انجرف شمشون وراء شهواته وأهواءه ثلاث مرات وهي: 1- زواجه من امرأة تمنة (قض 4)؛ 2- دخوله إلى زانية غزة (قض 16: 1)؛ 3- زواجه بدليلة (قض 16: 4).

والسقطة الثالثة وضعت نهاية مأسوية لحياة ذاك الجبار، وقال " القديس أمبروسيوس": "أن شمشون القادر الشجاع غلب الأسد ولكنه لم يستطع أن يغلب هواه، وقطع وُثق أعدائه لكنه عجز عن قطع حبال شهوته. وأحرق أكداس الظالمين الكثيرين ولكن أحرقه لهيب اللذة المحظورة التي أوقدتها فيه امرأة واحدة!

2- هناك احتمال أن شمشون في افتخاره بجبروته أراد أن يتحدى العدو في عقر داره، فدخل إلى غزة لا في زيارة خاطفة، ولكنه دخل ليبيت في تلك المدينة، ولأنه لم يجد بيتًا يقضي فيه ليلته، دخل بيت هذه المرأة الزانية المفتوح لكل من يريد أو يولج إليه، كما دخل من قبل الجاسوسان اللذان أرسلهما يشوع إلى بيت راحاب الزانية في أريحا، وقيل أن أحد معاني "الزانية" أي صاحبة الفندق، فالفنادق كانت حينذاك -كما هو واضح من شريعة حمورابي- تمتلكها السيدات، وتعد مأوى للصوص والمجرمين، ولذلك لو دخلت الكاهنة للفندق فأنه يُحكم عليها بالموت حرقًا، وكانت صاحبة الفندق مسئولة عن كل ما يجري بداخله، فدخل شمشون ليقضي ليلته، وهذا لا يعني أنه سقط في خطية الزنا، ولعل هناك فرقًا بين تعبير الكاتـب "فدخل إليها" من التعبير الدارج "فدخل عليه" وقال القديس أغسطينوس أن الكتاب المقدَّس لم يذكر أن شمشون اتحد مع الزانية، إنما زارها لينام أو يضجع هناك فقط!

3- يقول الكتاب " وأخذ مصراعي باب المدينة والقائمتين وقلعهما مع العارضة ووضعها على كتفه وصعد بهما إلى رأس الجبل الذي مقابل حرمون" (قض 16: 3) فقد كانت بوابات المدينة رمز الحماية والفخر للمدينة، وإذ أراد شمشون أن يسخر بهم، وقد أغلقوا باب المدينة ظانين أنه سقط في المصيدة، فخلع شمشون مصراعي الباب مع القائمتين والعارضة وحملهم على كتفه وصعد بهما إلى رأس الجبل الذي مقابل حبرون، والمسافة بين غزة وحبرون نحو 40 ميلًا، فغزة تقع على ساحل البحر الأبيض، بينما حبرون تقع في المنطقة اليهودية الجبلية، ولكن شمشون لم يسر حاملًا باب المدينة كل هذه المسافة، إنما سار إلى جبل منخفض قريب من غزة في اتجاه منطقة حبرون، وهناك وضع باب المدينة، ومن الجانب الآخر لا يمكن أن نغفل مدى ثقل باب المدينة الذي كان يُرصَّع بالمسامير الضخمة ويُغطى بألواح من الحديد أو النحاس حتى لا يتعرض للحرق من قِبل أي هجوم خارجي، ومع هذا فإن القصة حقيقية ومقبولة لأن شمشون حمل قوة خارقة، والدليل على ذلك أن أعداءه مهما كان عددهم وأسلحتهم فأنهم كانوا يخشونه. وقد سمعنا عن رجال كان لهم قوة جبارة، فحكى شكسبير عن رجل ألماني كان يحمل مدفعًا ثقيلًا جدًا بمفرده، وأن ميلون الكروتوني كان يستطيع أن يحمل ثورًا ويسير به مسافة ثم يلقيه على الأرض ويصرعه بيديه! وشاهدت برنامج في التليفزيون المصري نحو سنة 2000 م. استضاف المذيع رجلًا يُدعى "الأخضر" يسكن في منطقة العامرية بالإسكندرية متزوج من أربع سيدات، وله قوة جبارة، فبسهولة كان يرفع أتوبيسًا بركابه من الخلف، ويضغط على قطعة نقود معدنية بحاجبه فيثنيها.

_____

المراجع

(1) البهريز جـ 4 س337، وأحمد ديدات - عتاد الجهاد ص 15، وجيمس فريزر - الفولكلور جـ 2 ص 275، 276.

(2) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 321.

(3) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 3 ص 364.

(4) القمص تادرس يعقوب - سفر القضاة ص 129.

(5) راجع الأسقف إيسيذورس - مشكاة الطلاب في حل مشكلات الكتاب ص 134.

(6) كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب.



#مالك_وردي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النبي موسى وشريعة حمورابي !!
- صباح إبراهيم ويسوع العهد القديم.
- سامي لبيب والخليفة وخرافة عنقود العنب
- بولس إسحق بين الكتاب المقدس ورسول الإسلام
- سامي لبيب ليس قرآن المسلمين وحده !
- العقل بين الكتاب المقدس والتقليد !
- إغتصاب القاصرات بين الحكومة وسماحة المفتي
- الموقعون عن الله في الإسلام والمسيحية
- المرأة والمال والجهاد ومشايخ السعودية
- المرأة والدين بين الشيخ الفوزان والأرثوذكس


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مالك وردي - هل كان شمشون قاضيًا أم كان طليقًا زانيًا فاجرًا ؟!