أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أمين نور - مدخل إلى اليعقوبية الثورية السورية















المزيد.....


مدخل إلى اليعقوبية الثورية السورية


أمين نور

الحوار المتمدن-العدد: 5695 - 2017 / 11 / 11 - 16:44
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


باتت الحاجة ملحة للنطق بما تملكه أفواهنا المكتومة من كلمات تصيغ مبادئ شريحة مكسوفة من السوريين الثوريين, مبادئ قدحوا بها شرارة الثورة و اعتنقوها من البداية, و بعضهم اعتنقها لاحقاً, إلا أنها لم تُمَثّل أبداً في المشهد الثوري, لا سياسياً ولا عسكرياً, و لربما تمثلت جزئياً في الحقبة الأولى للثورة السورية فيما يستدعي الحنين اليوم.
كشريحة من الثوار السوريين, وصلنا إلى هذه المبادئ و المُثُل بشكل مستقل, دون رغبة بالتقليد أو المحاكاة, و بحكم الصدفة تشاركنا فيها كثيراً مع التجربة الثورية الأم لكل الثورات الحديثة, تجربة الثورة الفرنسية الأولى 1789 بقيادة جماعة "اليعاقبة"(1), و لهذا دعوتها هنا بـ"اليعقوبية الثورية السورية", أو "اليعقوبية-الجديدة السورية".
أذكر قراءتي لما كتبه الدكتور برهان غليون يوماً ما و أعيد صياغة ما كتب حسب ذاكرتي: "الثورة السورية ليست غلواً ثورياً, إنها ليست ثورة يعقوبية و لا نريد لها أن تكون كذلك". أثارت تلك الكلمات غضبي, و مذ يومها, لم أعد أنظر إلى مفكر عظيم محترمٍ هتفت لأجله في المظاهرات ذات النظرة, و قطعت شعرة معاوية مع معظم المفكرين المحسوبين على الثورة, إذ أن أغلب من يملك التغطية الإعلامية و القدرة و الوقت على التنظير, مضطرٌ ليكون خارج البلد, و اقتنعت بتحميله تهمة الانفصال عن الواقع تباعاً, و اتباعه لنزواته و مشاريعه الشخصية التي لا تتفق بالضرورة مع الرغبة الجماعية للثورة. هل هو انفصال بين الثوري الميداني الشاب و المعارض القديم المخضرم؟ ربما, لكنني حاولت مقاومة هذا النوع من الانفصال, و آثرت قولبة ردة فعلي بطريقة نظرية, و إن حملت في طياتها غضباً, و أيما غضب.. فقد طفح الكيل.

أبدأ بالسؤال التالي: لماذا نحتاج للتطرف الثوري؟
قد يجيب البعض بأن الإجراءات الثورية المتطرفة هي التي تحقق المبادئ الثورية و "تتعصب" لها و تحافظ عليها و تحميها باستماتة صلدة. لكن أرى في هذا التصور تبسيطاً و اختزالاً لدور التطرف الثوري الأهم. علينا أن ننظر إلى الأمر من زاوية أعرض لتغطية صورة أكبر. لنتذكر معاً كيف أنه مع بدايات الربيع العربي لم يكن هناك طيفٌ سياسيٌ ثوريٌ بمعنى الكلمة, لم يكن هناك يمينٌ إسلامي أو يسارٌ علماني أو وسط توفيقي, و كيف كان الجميع قد خرج إلى الشارع لسبب معين معروف, لمواجهة عدوٌ معينٍ معروف, باستخدام طريقة معينة معروفة للمواجهة: كفّ الدكتاتورية و الفساد و إعلان الحريات ..الخ في مواجهة النظام العدو و على رأسه الرئيس و ذلك بتوظيف وسائل التظاهر و الثورة السلمية. لكن مع الزمن, كان لا بد لنشأة طيفٍ داخل الثورة نفسها يفصل ما بين الكتل المعارضة المختلفة و المتمايزة, فسوريا تملك معارضين من شتى الأقطاب, كالأخوان المسلمين و الشيوعيين. و لعل ذاكرتي لا تخيب عندما أقول أن الثورة السورية بدأت تنحدر بُعَيد تشكل الطيف السياسي الثوري ذاك. و السبب هو التالي, يقول الكثيرون أن الأنظمة العربية حققت نصراً ما على شعوبها, و هو تدجينها لتتصرف بطريقة معينة عند الحاجة, و قد شهدنا الأثر السلبي لهذا التدجين على الثورة بمظاهر مختلفة, لكن معظمها كان يتبع ذات المنطق و المعيار: بدلاً من أن تنزاح الثورة إلى يسار الطيف, و هو الحال الطبيعية لأي ثورة في التاريخ, أخذت الثورة السورية تنزاح نحو اليمين, نحو الثورة المضادة, نحو التقليدية و التدين و اللون الواحد. و لمقاربة أكثر دقة و أكثر تعقيداً بقليل, فإن الثورة بطبيعتها تنازح عشرة خطوات إلى اليسار ثم تتراجع خطوة إلى اليمين, بينما ثورتنا السورية حدث لها العكس, انزاحت خطوة إلى اليسار(الفترة النوستالجية لمعظمنا) ثم تراجعت عشرة خطوات إلى اليمين.
لهذا السبب تماماً نحتاج إلى متطرفين ثوريين, إنهم هم من يشدون الطيف الثوري نحو اليسار, و يمنعون الانحدار الذي حصل و يقفون في وجه محاولات الارتجاع الثوري, و يعطون الثورة تطورها الطبيعي نحو اليسار, و هكذا تبقى زمام المبادرة في أيدي الثورة. إن ما حصل لثورتنا السورية سببه عدم وجود تطرف ثوري, تطرفٍ يستطيع أن يبلع ظلمات الثورة المضادة و يبقَ مع ذلك يشع بالمبادئ الثورية. إن هذا الدرع في وجه طعنات الغادرين هو الذي يضفي راحة نفسية على الثائر العادي, و الذي بوسعه عندها ممارسة نشاطه الثوري مطمئن القلب. الثوار المتطرفون هم من يحملون المبادئ الثورية حتى النهاية, و يجعلونها تنمو و تتطور حتى تتبرعم و تنضج. إنهم هم من يمارسون واحداً من أهم الوسائل للنجاح في أي ثورة: الاستقطاب الثوري, و الذي يقتضي التعبئة, التعبئة الثورية. يعي المتطرفون الثوريون وجود عدوين إثنين, واحدٌ أمام ناظريك و هو الدكتاتور الحاكم. و العدو الثاني وراء ظهرك و هو الثورة المضادة. و بلوغ هذا الوعي هو واحدٌ من أهم العوامل لنجاح أي ثورة. بهذا أكون قد أجبت عن السؤال الأول.

و قبل أن ندخل في شرح القيم اليعقوبية (المتطرفة ثورياً), دعوني أرسم خطاً يميز بين الخيال و الواقع, بين الذي يوجد اليوم و بين الذي وُجِدَ يوماً ما, خطّاً يعمل عمل المرجع و يساعدنا بتشخيص مكاننا اليوم في فضاءٍ ما بعد حداثيٍ لا مرجع له.
لنعترف, نحن لسنا في عصر التنوير, و لسنا في 1789 فرنسا. على العكس, نحن خرجنا لتونا من النفضات الأخيرة لعصر التنوير, أقصد الشيوعية, و إن أحببتها أم لم تحبها فهي تُعتَبَر مرتبطة مع التراث التنويري. التنوير انتهى و غربت شمسه, نحن الآن في المساء, و الليل يخيم علينا. و ليست منطقتنا من العالم هي تلك التي ترى النور كثيراً أصلاً, ليست على الأقل للألف سنة الماضية, فالشرق الأوسط مشغولٌ, بل ملعونٌ بلعنة الحروب الدائمة, و على الثورة أن تأتي و توقف هذا الهراء القدري التاريخي و تحرق طلسم اللعنة.
نحن في فترة الانتقال من العقلانية نحو العاطفية, تسمى هذه الفترة الوسيطة بـ"الحدسية intuitionism ", إذ لا هي عقلانية تماماً و لا عاطفيةً تماماً بعد. تحمل الحدسية خصائص تختلف عن الإثنتين, خصوصاً في قضايا الأخلاق, و إدراك الواقع و ماهيته(الميتافيزيقيا), و عملية صنع القرار. يهمنا هنا تحديداً مسألة الأخلاق, فأنا أرى, و أتشارك هنا مع اليعاقبة الفرنسيين, أن الثورة فعلٌ أخلاقي قبل كلشيء. بوصول الحدسية, لم تعد الأخلاق محاكمة فكرية معضلية تستهلك ضمير الإنسان, بل هي حدسٌ(شعور) متبوعٌ بالحكم الأخلاقي, متبوعٌ أخيراً بتبرير عقلي. أي أن الشعور هو ما يقرر إذا ما كان الفعل أخلاقيا أم لا, و العقل يأتي لاحقاً ليبرر هذا القرار... باختصار, العقل لا يولد الحكم الأخلاقي, و إنما العاطفة.

حادثة أخلاقية⇐ حدس الشخص س ⇐ حكم س الأخلاقي ⇐ تبرير س حكمه المسبق بشكل عقلاني ⇐ نقل التبرير إلى حدس الشخص ع ⇐ حكم ع الأخلاقي ⇐ تبرير ع حكمه بشكل عقلاني ... الخ(دائرة) (Haidt, 2012) *

هذا الواقع يغير كلشيء, بما فيه طريقة التعاطي مع الثورة, و يجب أن يبقى دائماً في رأسنا كي نملك فرصة بالنجاح و نتجنب الارتباك الذي نحن فيه. الطريقة الصحيحة للتعبئة الثورية ليست بدفع الناس نحو التفكير بالضرورة. هناك مشكلة موجودة, كنت أنا أحد العالقين بشراكها, و هي تأليه أو طوطمة العقل و الوعي, العقلانوية, كأنها هي الشرط الذي بها تنجح الثورات, كأنه على الجميع أن يكون واعياً و بالغاً درجة العلم. و أقول لا!, بل الشرط هو وجود الإرادة, و أما عن الوعي, فنعم, قد يكون هناك حدٌ أدنى مطلوب لدخول المدرسة الثورية, لكنه برأيي لم يكن هذا مشكلة في سوريا, فقد بلغ الثوار السوريون هذا الحد الأدنى. لأوضح موقفي هنا, اسمحوا لي أن أحلل الأمر و لنوصف ما أراده العقلانويون قبل أن أرد عليهم. قبل كلشيء, لنتفق على أن المفتاح هو جعل الناس يحكمون أن الثورة محقة أخلاقيا و يجب اعتناقها و مناصرتها. عندما يطوطم العقلانويون "الوعي" فهم لا يقصدون تفكيراً خاماً أو تعليماً عاماً عالياً منتشراً بين السكان, بل يقصدون بكلمة "وعي" قدرة محددة, و هي المحاكمة العقلانية الأخلاقية التي تحكم أن الثورة هي الفعل الصحيح, و هذا كما رأينا من آثار عصر التنوير, التي تشدد على أن يكون العقل هو سبب الفعل الأخلاقي. و هناك فعلاً داعٍ لهذا النوع من العقلانية, لكن فقط عند النخب الثورية, أما الثوار العاديون, فلا داعي لأن يعبؤوا بهذا المعيار العالي. إن الحدسية الأخلاقية التي نعيش بها اليوم تعطي الأولوية للعاطفة بدلاً من العقل, لذلك, فلن يركب المفتاح العقلاني بالقفول الأخلاقية لأبواب اليوم, و نحتاج لمفتاح آخر, إنه مفتاح الحدسية.. هذا هو المفتاح الصحيح.
و مهما وجدنا نفوراً أو اشمئزازاً من هذه الطريقة اللاتنويرية/اللاعقلانية في ممارسة الثورة, و خيبة أمل طوباوية في اقناع الناس بالعقل, فعلينا ألا ننسى أن الطريقة العقلانية في التعاطي هي منظومة نسبية لها زمانها و وجدت من أجل عصر التنوير, و صممت و تطابقت مع ذاك العصر و حاجته, بينما اليوم, فالأمر مختلف.
إن أحد المفاتيح الحدسية هو "الإرادة" كما ذكرت. لا يجب أن تنتظر الثورة أو تقولب وعياً ما, فهذا إزهاق للوقت, و عليها أن تهتم بالتوعية بعد انتصار الثورة, لا جعلها شرطاً لبدء الثورة. إن ما يجب فعله هو بناء ((إرادة)) ثورية, و عندما أقول إرادة أعني أمرين يجب تحفيزهما و توضيحهما: الرغبة و الهدف. تلك الإرادة هي ما يصلح ليكون شرطاً للثورة, و هي أقرب للحدسية من العقلانية.
ليست هذه العوارض الجانبية للحدسية و حسب, بل أيضاً هناك مسألة أخرى. إن جزءاً أساسياً من الخطوات الأخلاقية الحدسية هو نقل الحكم إلى حدس الآخرين, أي نقل الحكم العاطفي اجتماعياً و نشره بين الناس, مما يضعف الاكتفاء الأخلاقي الذاتي و يدعم الانقياد الجمعي, و يعزز شرعية طغيان الأغلبية. و لك أن تتخيل عظم هذه المكربة مع وجود التواصل الاجتماعي اليوم, و مدى عزلة فردانية الإنسان و رغبتها بالانفجار.
لا ننسى أيضاً التدجين الجماعي و التعليم العمومي الموحد.. الخ. هذه الخصائص يجب مراعاتها و تمييزها عن أزمان اليعاقبة الفرنسيين, الذين اعتُبِروا التجل السياسي لعصر التنوير و العقلانية—لا الحدسية. و برسمي لهذا الخط, أبدأ في تحديد القيم اليعقوبية الثورية.

ما هي القيم اليعقوبية الثورية السورية؟ أو كيف ليحكم هذا اليعقوبي إن وضع في موقع سلطة على الثورة أو البلد؟

1. إن أول ما دفعني لأنجذب نحو اليعاقبة هو غضبي و حقدي و بحثي المضني عن حل اتجاه الثورة المضادة و خونة الثورة السورية. كيف لهؤلاء أن ينجو بفعلتهم! بل إن بعضهم استلم زمام أمورنا! أمور ثورتنا, و بات وجها من وجوهها, و لربما بطلاً من أبطالها! الثورة هذه التي أعتبرها مقدساً أخلاقياً, قدس الأقداس, بات يهيمن عليها كهنة كفرة بها, و لا أحتمل منظر عدوٍ يشوه مقدسي, ناهيك عن خائن يتبول عليه من خلف ظهري. أردت, كما غيري, أنا أراهم يتعرضون لأشد نوازل العقاب. على العقاب أن يكون مقوننا و معلناً و مطبقاً بحزم, إنه وسيلة أساسية في ردع الثورة المضادة, إذ هو يضعف من تواتر السلوك السيء, و يرسل رسالة برفض الثوريين لهذا السلوك. العقاب قد يكون جسدياً, و قد يكون نفسياً, و لا يخجل اليعقوبي من كليهما. كلٌ منهما له وقته و نفعه.
2. في المقابل, و ببناء منظومة عقاب, فتحتاج أيضاً إلى منظومة مكافأة. حتى أكثر الفصائل العسكرية المعارضة للنظام السوري, لا تملك نظام مكافأة ولو رمزيٍ يوازون به النظام السوري. و عندما أقول مكافأة لا أقصد مكافأة مادية فقط—ولا أتمناها أن تكون مادية—و لا أقصرها على العسكريين, بل قد تكون تغطية إعلامية لصوت مواطن ثوري عادي, قد تكون مكافأة نفسية و معنوية و اعتبارية, نيشاناً, رسالة شكرٍ خطية, زينة ثورية. بهذا الشكل, يتم تعزيز الولاء للثورة و تبيان السلوك المطلوب للعامة.
3. المبادئ الثورية مقدسة. الديمقراطية, التنمية الإنسانية, حقوق الإنسان, الحرية و المساواة و الإخاء, العدالة, دعم الجميع في تحقيق مشاريعهم و بناء مستقبلهم .. الخ.. هذه المبادئ على قداستها, لا تعني امتناعها عن النقد و تحجرها كما لو أنها كتاب ديني, بل يمكن انتقادها و تعديلها مع المحافظة على مآربها الإيجابية و قدسيتها في ذات الوقت. دستور الثورة الفرنسية كان قد تغير عدة مرات قبل الوصول إلى صيغة مناسبة.
4. البروباغاندا الثورية باتت شرطاً أساسياً لأي نصر سياسي. ليس فقط لنشر المعلومة الثورية و التحكم بما ينشر و بما لا ينشر, و إنما أيضاً بردّ بروباغاندا العدو. إن البروباغاندا الثورية تعمل أمرين, نشر المعلومة الموالية في كل مكان, و منع معلومات العدو عن كل مكان. و ذلك لهدفين, رفع معنويات الثوار و حشد الدعم, و تخفيض معنويات العدو و الطعن بمصداقيته و داعميه.
5. الأدلجة الثورية, و هنا لا نعني بها "توعية من نوع خاص" بالمعنى الكلاسيكي العقلاني. و إنما المقصود هو عملية ذات اتجاه واحد, هي انتشار المعلومات و الاستسهابات الثورية الأخلاقية من النخبة الثورية إلى الثوار العاديين في سبيل تعبئة الأخيرين و حشد قوتهم. و ليست هذه الطريقة بـ"عقلانية" كما ذكرنا, بل يمكن أن تكون "حدسية" بما يتناسب مع روح العصر. علينا أن نعي أننا في ما بعد الحداثة لسنا مهتمين بالـ"حقيقة" كما كانت الحال في عصر التنوير, بل على العكس, قد يسعى أبناءنا في بحثٍ شاقٍ عن الكذبة و الخداع. و إن كَذِبْنَا, فمن الأفضل أن تكون كذبة أفلاطونية بيضاء, بدلاً من أن تدع فراغاً أيديولوجياً تملؤه الكذبات السوداء. الأدلجة الثورية أيضاً عليها العمل على مسح الأيديولوجيا البعثية أو الدكتاتورية السابقة, و منعها من اختراق العقول من جديد, و هذه مهمة كبيرة و صعبة, فاليوم هناك مؤثرات موجهة مشتركة تؤثر على الجميع(التعليم الحكومي العمومي مثلاً).
6. التوعية و التعليم و بناء الإنسان واجبٌ ثوري و أخلاقي يجب التخطيط له على أكمل وجه, هذا جزء لا يتجزأ من المشروع اليعقوبي. إن على اليعاقبة بناء ملكة نقدية عند الفرد تستطيع تجاوز مشكلات اللحظة نحو حال أفضل, و تمنع أي دكتاتور أو مستغلٍ من الوصول إلى موقع سلطة في المستقبل.
7. التعصب الثوري, و ذلك يحمل عنصرين إثنين. الأول, التطرف اتجاه العدو في الأمام, أي النظام السوري و الدكتاتوريات القمعية. و الثاني, التطرف اتجاه العدو في الخلف, أي الثورة المضادة و الطاعنين في ظهر الثورة. و كلمة تعصب نعني بها إما النصر أو الموت, لا للفشل. و يعتبر البعض أن "الموت" نوع من أنواع الفشل.. أي لا خيار سوى النصر. إن المتعصبين ثورياً لا يسمحون لأي تسويات أو استسلامات أو تملقات أو ابتذالات عن الرحمة و العفو. الثورة تخدم الناس, و المتعصبون للثورة يخدمون الثورة.
8. الثورة تنطوي على فيضة عاطفية عارمة في بداياتها تشعر معتنقيها بالنصر المحقق و المطلق(المعنويات الثورية). هناك عادة طريقتين اثنتين لإضعاف المعنويات الثورية: الإفراغ النخبوي, سواءاً بقتل قادة الثورة و نخبهم أم حبسهم أم تهجيرهم. و/أو الزمن, حيث تخمد المعنويات مع الوقت. يدرك اليعاقبة هذا الأمر, و يحافظون على المعنويات الثورية, و يدافعون عنها معتبرين إياها عنصراً هو الأهم في المحافظة على الثورة و قيمها.
9. يرتاب اليعاقبة من البيروقراطيات المتنافسة بين بعضها على الموارد و السلطة. لا أحد يحب منظر الكتل المعارضة و هي تشحذ مقعدين هنا و هناك, و تقتتل فيما بينها و تشل الثورة في الداخل و الخارج. هناك مبادئ ثورية و خطوط معينة يجب الاتفاق عليها, و من لا يتبعها ليس جزءاً من الثورة, و من اتبعها فعليه الانتظام تحت جسد شرعي واحد مع توزيع عادل للسلطات.. و إن لم ينتظم و آثر الانشقاق و الإعاقة... فإلى المقصلة.
10. هذا يوصلنا إلى مركزية السلطة و صنع القرار. و مركزية لا يُقصد بها دكتاتورية الفرد, بل سلطة متفق عليها ديمقراطياً تحت الجسم الشرعي الموحد. إذا هيمنت دكتاتورية فردية فلم يعد إسم التيار يعقوبياً.
11. و عن السلطة, فهي ضد الحرية, إنها التقييد و التنظيم و القسر, و لا يجب أن تستخدم السلطة إلا من أجل نصرة الثورة و صالح الإنسان. يشمل هذا تقييد الحريات و كم الأفواه و التعنيف عند الحاجة, إن السلطة الثورية تستخدم كل أنواع المنطق, بما فيها منطق القوة أيضاً, و إن التهرب و التخفي من مواجهة هذا الأمر يودي الثورة إلى الحضيض. و هذا ما يدركه اليعاقبة, و يرون به أهمية لتنظيم السلطة و توجيهها, و فصل السلطات عن بعضها, و عدم كشفها للعشوائية و الأيادي العابثة.
12. و إن الدماء في الثورات تسيل بالتأكيد, و هو ما يدركه اليعاقبة و لا يمنعونه, و يرون أنه من الأفضل التحكم بسفك الدماء و إدارة المسفوك, بدلاً من تركها منفلتة عن عقالها.
13. الثورة تأكل أبناءها, و اليعاقبة يتقبلون هذا الأمر بشكل تام.
14. الوطنية السورية, و فقط السورية. إن المشروع الذي تحمله اليعقوبية السورية هو وطنيٌ و سوريٌ بحت. و هنا نصطدم مرة أخرى مع الدكتور برهان غليون صاحب المشروع العروبي. المشروع الوطني السوري, أقل كلفة و أكثر قدرة على التركيز و الحشد. هناك تعريفان يجب تحديدهما, الوطن, و سوريا. و ليس هذا سهلاً كما قد يبدو الأمر, فستظل مشكلة الوحدة الثقافية و التاريخية موجودة, فهل نعتبر لبنان سورياً؟ و هل نعتبر أنطاكيا التركية سورية؟
إن الوطنية السورية ليست تعصباً عرقياً أو زينوفوبيا اتجاه الآخرين, فالثورة اليعقوبية ترى في الإنسانية غاية لا وسيلة, و في المجتمعات الأخرى جمهوراً متساوياً لمبادئها, و الأهم, أن اليعاقبة لا يعرّفون وطنيتهم بالتمايز, و إنما بالجزم و الإثبات. و الوطنية بالنسبة لهم هي إدراك تاريخيٌ و معنويٌ لوطنهم و أبناء وطنهم مما يساعدهم على النمو و التقدم و فهم الذات و التخطيط للمستقبل. إنهم يطالبون بأن يكون السوريون سوريين قبل كل هوية أخرى.
15. هذه الوطنية قائمة على علمانية لائيكية, تفصل الدين عن الدولة فصلاً تاماً و ترفض اقحام الدين في السياسة و توجيه المجتمع, مع ابقاء الاحترام على الجماعات الدينية الملتزمة بمبادئ الثورة.
16. رفض جميع أنواع التمييز في شغل المناصب الثورية—و الغير ثورية—, سواءاً أكان حسب العمر أم الجنس أم القبيلة .. و جعل المعيارين الوحيدين هما الفعالية و الولاء لقيم الثورة.
17. الاكتفاء الثوري الذاتي, و عدم الاعتماد على الأجانب في إغناء الثورة. و تصدير الثورة إن كان يراد لها التصدير لا بالحرب و إنما بإشاعة المبادئ و دعم معتنقيها. و إن وقعت حرب, فهناك تفانٍ مطلق لتحقيق النصر.
18. لا يملك اليعاقبة عقد نقص اتجاه الآخر. لا يقارن اليعقوبي نفسه مع الآخرين, فهو موجود بذاته, و مثله الأعلى هو ذاته الأفضل, وطنه الأفضل.
19. إن القيم اليعقوبية هي قيم مدنية و مدينية. و ليس ذلك تحقيراً للريف, بل إن الريف حليف متساوٍ مع المدينة, و العديد من اليعاقبة من الريف. إن التعبئة الثورية الأسرع لا يمكن لها إلا أن تحصل في المدينة, و إن النخب الثورية بأغلبها تأخذ المدينة مركزاً لها لحشد الثوار, و لا ينجح عادة في هذا إلا من يعرف بقيم أهل المدينة و يدرك كيفية مخاطبتهم و التعاطي معهم, لذلك يرتكز الفكر اليعقوبي على المدينة. أما السلطة, فأيضاً مركزها في المدينة أو العاصمة, و توزيع الموارد مركزه المدينة, فيما استخراج الموارد مصدره الريف. ليس المقصود هنا على الإطلاق أن الريف مهمش من قبل اليعاقبة, بل المقصود أن القيم السياسية تعكس قيم أبناء المدن أكثر من عكسها أبناء الريف. باختصار, الوحدة الأساسية للتجمع الديمغرافي محكومة بمعيار تنازلي ( يبدأ بالمدينة الكبرى و ينتهي بالقرية الأصغر) لا تصاعدي.
20. الإنسان و الثورة غايات واجبة أخلاقياً. إلا أنه من المبرر لبلوغ هذه الغايات استخدام أخلاقيات براغماتية. مثلاً, كما تقول نظرية الألعاب: البدء بافتراض النية الحسنة للغير, ثم محاكاة سلوك الغير, فإن تعاونوا تعاونا, و إن أرهبونا أرهبناهم, و إن حاربونا حاربناهم.

(1) نادي سياسي ثوري(حزب سياسي بلغة اليوم) إبان الثورة الفرنسية, كان قد قاد الثورة حتى عام 1794. صاغ اليعاقبة شعار الثورة الفرنسية "الحرية, المساواة, الإخاء", و دفعوا بإعلان حقوق الإنسان, فصل الدين عن الدولة, إلغاء العبودية, إعطاء حقوق الإنتخاب للجميع, و توظيف الديمقراطية المباشرة. يتجادل النقاد حيال تطرف اليعاقبة و دمويتهم مع خصومهم.

Haidt, J. (2012). The righteous mind: Why good people are divided by politics and religion. Vintage. Chicago *


موقع مدونتي:
https://aminnoorblog.wordpress.com



#أمين_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحراك النسوي, نقده, و ما يتوجب عليه (2)
- الحراك النسوي, نقده, و ما يتوجب عليه (1)
- بسام طيبي و نقده للقومية العربية
- الصور الذهنية المؤدلجة في عقل الفرد السوري: نظرة معرفية
- الثورة الدينية المضادة، حزب البعث، و العداء للكلمة و الحرية
- الدين و الثورة
- حلب: نهاية حقوق الإنسان
- الاختناق
- -جهاد النكاح- كذبة و تسخيف للقضية و الكفاح العلماني
- الهوية و الماضي
- الهوية و ظاهرة خلع الحجاب
- سوريون و لسنا عرباً
- أين أودت الثورة السورية الجيل الأول من شبابها
- أسوء أجيال مرت على سوريا و العرب
- أخلاقيات المصورين الإغاثيين
- اكتئابات شباب بلا شمس
- قصة وجودية قصيرة تنتقد سوريي المهجر بعنوان -عبد القادر السور ...
- الثورة السورية و استحقاق ثوراها للحضارة بشجاعة أو الجبن و خس ...
- نظرة توفيقية بين التيار الإلحادي و الإسلام العربي
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أمين نور - مدخل إلى اليعقوبية الثورية السورية