أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - زهير الخويلدي - أصوات فكرية عريقة عن تربية فلسفية جديدة















المزيد.....

أصوات فكرية عريقة عن تربية فلسفية جديدة


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 5677 - 2017 / 10 / 23 - 14:23
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


" انه لو ساءت حال صانعي الأحذية ، ولم يعودوا كذلك إلا بالاسم، لما كانت العاقبة وخيمة على الدولة، أما إذا لم يعد حراس القوانين والدولة حماة لها إلا بالاسم لجرأ على الدولة كلها خراب لا يعوض. إذ أن نظام الدولة وسعادتها إنما يتوقف عليهم وحدهم."1

يحتل سقراط (399-470) قبل الميلاد مكانة استثنائية في تاريخ التربية وذلك لما كان قد اتصف به من تواضع علمي وخاصة إقراره من جهة بأن كل ما يعرفه هو أنه لا يعرف شيئا مع تلازم ذلك مع أمره القطعي بأن يعرف نفسه بنفسه من جهة أخرى وهو ما مثل مفارقة في العملية البيداغوجية برمتها: إذا كان غير متأكد من صحة ما يعرفه ومن مطابقته مع عالم الحقيقة ولا يملك مؤيدات تجريبية حوله فإنه لا يملك أي شيء يمكن تعلميه ولا يستحق أن يكون مرسلا للمعرفة ولا مختصا في الدراسات التاريخية.
زد على ذلك امتلاك كل امرئ معرفة سابقة حصل عليها بصورة فطرية في الناس قبل حلولها في البدن وهذا الأمر يكون بصورة أقل لدى الأطفال والعوام والمرضى وبالتالي قد لا يحتاج إلى معلم خارجي وإنما يمارس الاستبطان أو العودة إلى الذات وعليه أن يتقن فن التوليد الذي يعيد الحياة إلى الأفكار التي كان يعلمها في العالم الأبدي قبل السقوط في العالم الأرضي وعليه ممارسة التهكم والسخرية من الآراء.
بهذا المعنى إن توليد الأفكار من الأنفس هو بمثابة استخراج الحقائق التي يحملها الكل بصورة بديهية منذ ميلاده وان فن التوليد هو صفة من صفات الآلهة مايا التي تلد الكائنات من عناصر سابقة التكوين2 . لقد كان رهان سقراط الأول هو التعويل على الذات في عملية البحث عن الحقيقة والانغماس في تعلم الحكمة بدل البقاء في مستوى النية والادعاء على المستوى النظري وجعل تفادي الزيف هو الشرط الذي يسبق كل عملية إدراكية تصل إلى المعرفة اليقينية واكتشاف العلم الحقيقي بعد تنقية الذهن من الظن.
لقد ناضل سقراط ضد بيداغوجيا الإكراه التي أتاح لدوائر النفوذ القيام بأعمال غليظة تتصف باللاّتسامح وسعى بكل ما أوتي من جهد إلى تأسيس بيداغوجيا الجهل الحكيم وفن التعلم الذاتي وترك رسالة التفلسف الحر والوفاء المطلق للحقيقة والالتزام بالمبدأ والتمسك بالتعاليم الفلسفية التي لا تتحرج من التدخل في الشأن العام بغية إصلاح أحوال الناس ومساعدتهم على احترام القوانين وإتباع العقل وصيانة المدينة.
بيد أن أفلاطون (347-427) تجاوز الفن المستلهم من مهنة الأم في التوليد نحو بناء فن الجدل بالحوار العقلاني واللغة المفاهيمية والتصورات العامة من خلال حضور أطراف ثلاث من الناس وهم المشاركين في الحوار والمتفرجين على النقاش العمومي في الأغورا أو الساحة والحكام الذين ينظمونه وفق قواعد3 .
لقد توزع فن الحوار بين طرح الأسئلة على المتعلم ومساعدته على اكتشاف الأجوبة بنفسه عبر معارفه.
غير أن العامي ينتهي في الغالب إلى أجوبة خاطئة يستقيها من المعرفة اليومية والحس المشترك ويحتاج إلى تجربة تطهيرية لكي يتخلص منها ويفرغ من ذهنه من الأوهام ويتحسس السبيل نحو الوعي بالذات.
على خلاف السفسطائيين تبني أفلاطون وجهة نظر وجود الحقيقة من حيث واقع مفارق ومطلق يتحرك ضمن العالم الإلهي وجعل من نظرية التربية المثالية طريقة عملية تهدف نحو الكشف عن هذا الواقع.
لقد كان برنامج الأكاديمية ، التي اعتزم أفلاطون تشييدها دون جدوى من ذلك، يتضمن منح المرء صفة الإنسان الكامل عندما يبلغ عامه الخمسين وبعد أن يخضع لعدد من التمارين الشاقة والحصص المتعاقبة ويتعلم بالتجارب ويزود بالتقنيات ويختبر ملكاته ويروض من طرف باحث عن الحقيقة في مدينة مثالية.
يتعلق الأمر بتكوين مواطنين لهم القدرة على إدارة الشأن العام ويضعون أنفسهم في خدمة النظام السياسي وتشييد جمهورية تربط بين نظرية المثل والنسق التربوي الحقيقي ضمن نظرية النظام السياسي الأفضل. لقد أقام فلسفته التربوية على جملة المبادئ التالية: "الرجل الصالح هو الذي يحتمل الأذى، لكنه لا يرتكبه. وبالتالي إن القليل من العلم مع العمل به أنفع من كثير من العلم مع قلة العمل به... لكن لا يتطلب الأمر سرعة العمل بل تجويده لأن الناس لا يسألونك في كم فرغت منه بل ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعه".
لقد ولدت علوم التربية ضمن إطار تشكل السياق الاجتماعي ولكي تستجيب لانتظار الوسط الحضري ويحقق حاجيات الجسم السياسي الذي تشكل في فترة متأخرة ويتيح للقيم والممارسات الديمقراطية الانتشار والترسّخ ويساعد الناس لاكتساب المواطنة عبر آليات الحوار العقلاني وتشجيع حلقات النقاش العمومي.
لقد ظهر منذ البداية اتجاهان متعارضان:
الاتجاه الأول براغماتي اعتمد بالأساس على السفسطة وتعامل مع التعليم من حيث هي حرفة ومثله بروتاغوراس الذي رفض أن يهدف التعليم إلى بلوغ الحقيقة ضمن شروط محددة وحرصه في معرفة الكيفية التي يكون بها المرء ناجعا في أفعاله وأقواله ، وبعبارة أخرى إتقان فن الإقناع بواسطة الخطابة.
الاتجاه الثاني فلسفي اتخذ من العقل وسيلة أساسية للتمييز بين المحسوس والمعقول وبين الظن واليقين وأسس للمواطن الأرستقراطي في أثينا بعد خوض تجارب سياسية فاشلة أكاديمية تربوية تمثل مدرسة عليا ومركز بحث وتعلم الكل عن طريق المحاورات حول جميع المواضيع التي تهم الحياة وماقبلها ومابعدها. ما يجدر الانتباه إليه في هذا المقام أن " التربية هي واحدة من الأنشطة الأكثر أساسية والأكثر ضرورية بالنسبة للمجتمع البشري"4 ، عرفها الإغريق واعتنى بها غيرهم من الأمم وخاض فيها الفلاسفة العرب. فقد ذكر ابن مسكويه حول تأديب الأحداث والصبيان خاصة أن العقل من بين القوى التي تظهر للإنسان فيحدث له الشوق إلى تمييز الأفعال الإنسانية خاصة أولا أولا، حتي يصير إلى كماله في هذا التمييز"5 ، ثم يضيف في دستور تهذيب الأطفال ما يلي:"فالأولى بمثل هذه النفس أن تنبه أبدا على حب الكرامة"6 .
بيد أن ابن الجزار القيروان في سياسة الصبيان وتدبيرهم رفض التنشئة عن طريق الإهمال في صبيان وتركهم يعتادون على صاحب الطبع المذموم ولقد ركز على اثر الأخلاق في تهذيب الطباع بقوله " فمن عود ابنه الأدب والأفعال الحميدة والمذاهب الجميلة في الصغر حاز بذلك الفضيلة ونال المحبة والكرامة وبلغ غاية السعادة ومن ترك فعل ذلك وتخلى عن العناية به هاداه ذلك إلى عظيم النقص والخساسة"7 .
من جهة أخرى رفض عبد الرحمان ابن خلدون في المقدمة التربية بالإكراه والعسف وذلك لما يخلفه في نفوس المتعلمين من إذلال وضعف ولما يكرسه من حكم جائر وسياسة متسلطة وفي المقابل دعا إلى التربية من خلال الحرية واللين والمسايسة والإقناع وذلك لما يثمره في النفوس من ثقة وإقبال ومحبة.
" من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر، وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه الى الكسل، وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقا، وفسدت معاني الانسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى انسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين"8 . إذا جاز الحديث عن فلسفة تربية في حضارة إقرأ فإنها تدور في فلك الاحتذاء والاقتداء والأسوة والإبداع وتنفر من العنف والهذر والتقليد والنقل وتكون قريبة من حسن الأدب والفضائل والشيم وبعيدة عن الرذائل والبحث عن الجاه والمجد والمال. لكن ماهي الدروس التي يمكن استخلاصها من مساءلة التربية من جهة حدها المنطقي وماهيتها الميتافيزيقية؟
الإحالات والهوامش:
[1] أفلاطون، الجمهورية ، ترجمة فؤاد زكريا، دار الوفاء ، الإسكندرية ، مصر، طبعة 2004، ص 288
[2] Maïa, maieutiké, art maïeutique
[3] Platon, Théétète, « Mon art d’accoucher a toutes les propriétés de celui des sages-femmes…ceux qui me fréquentent donnent pour commencer l’impression d’être ignorants de moi, ils n’ont jamais rien appris, mais c’est de leur propre fonds qu’ils ont fait nombre de belles découvertes, par eux-mêmes enfantées ».
[4] Hanna Arendt, crise de la culture, Arendt (Hanna), la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, traduit de Patrick lévy, édition Gallimard, Paris, 1972,p238.
[5] مسكويه (أبو علي)، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، مكتبة الحياة، بيروت، لبنان ،طبعة 1901، ص69.
[6] مسكويه (أبو علي)، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، مرجع مذكور، ص70.
[7] ابن الجزار القيرواني، سياسة الصبيان وتدبيرهم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، طبعة 1984، صص135- 136.
[8] ابن خلدون (عبد الرحمان)، المقدمة، فصل في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم، تحقيق سعيد محمود عقيل، دار الجيل، بيروت، طبعة أولى، 2005، ص597.
المصادر والمراجع:
أفلاطون، الجمهورية ، ترجمة فؤاد زكريا، دار الوفاء ، الإسكندرية ، مصر، طبعة 2004،
ابن خلدون (عبد الرحمان)، المقدمة، فصل في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم، تحقيق سعيد محمود عقيل، دار الجيل، بيروت، طبعة أولى، 2005،
ابن الجزار القيرواني، سياسة الصبيان وتدبيرهم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، طبعة 1984،
مسكويه (أبو علي)، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، مكتبة الحياة، بيروت، لبنان ،طبعة 1901،
Hanna Arendt, crise de la culture, Arendt (Hanna), la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, traduit de Patrick lévy, édition Gallimard, Paris, 1972,



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطياف ثورة 1917 واستذكار زمانية الوجود السوفياتي
- تزايد هجرة الشباب في ظل تعثر الحل التنموي
- عبور ثورة تشي جيفارا نحو الأممية
- علامة استمرار الدمقرطة هي قوة المشاركة وحرية الفعل
- اليسار الاجتماعي: فكرة ثورية ذات طموح اندماجي
- تشريح أصول الفكر العربي الإسلامي
- تاريخ الفلسفة مجرد تأريخ لميلاد المفاهيم وهجرتها
- حكمة الحد الأوسط في نظرية أرسطو
- التساؤل عن الإنية والبيذاتية عند هيدجر وسارتر وكيركجارد
- الأزمة المالية تعرقل مسار التنمية الاقتصادية
- الحقيقة السياسية للدولة المدنية في الوضع الجمهوري
- جهد التفلسف بماهو تمرين في الترجمة
- سفر فلسفي صوب الإقامة في عين الذات
- التربية على الثقافة والإبداع عند أنطونيو غرامشي
- إشكالية الخطاب بين الموروث والوافد والمبكتر
- الفلسفة التطبيقية بين قوانين الفكر وقواعد العمل
- فك الارتباط بين التفكير الماورائي والتصورات التيولوجية
- مبادئ العدالة من منظور نفعي عند ستورات ميل
- شروط الإبداع الخالص
- كتابة التاريخ بين المفرد والجمعي


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - زهير الخويلدي - أصوات فكرية عريقة عن تربية فلسفية جديدة