أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عادل الامين - مقالات سودانية:(1) في ذكرى الحسين عليه السلام..















المزيد.....


مقالات سودانية:(1) في ذكرى الحسين عليه السلام..


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 5662 - 2017 / 10 / 7 - 12:50
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


دكتور عمر القراي
حزب (التحرير) وصيحات (التكفير) !!
ان من أهم النتائج غير المباشرة لإتفاقية السلام ، انها اثارت حواراً واسعاً ، في الداخل وفي المهاجر. ولقد كشف هذا الحوار ، وسيكشف ، للشعب المستوى الحقيقي ، لمن يتصدرون باسمه ، دون مسؤولية ، مواقع القيادة، ويدعون دون كفاءة ، توجيه الرأي العام ، في هذه المرحلة الهامة من مراحل تاريخنا السياسي ..
فلقد عبر بعض المسؤولين في الحكومة ، والمستشارين فيها ، في استحياء وتردد ، عن اصرارهم على شعاراتهم القديمة ، التي كانت السبب الاساسي ، فيما حاق بالبلاد من دمار. وكأن الاتفاق قد حدث على حين غرة ، فأوقعهم فيما لا يريدون ، أو كأنه تم بضغوط لا يملكون مقاومتها ، فاظهروا الرضا وابطنوا السخط !! فقد هاجم د. قطبي المهدي مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية د. قرنق في لقاء عام واصفاً له بانه ( يسعى لطمس الهوية العربية والاسلامية بدعم أجنبي ).[1] كما ذكر د. امين حسن عمر، عضو وفد الحكومة المفاوض ، ومسؤول الاذاعة والتلفزيون ان الحركة لن تحصل على حقائب بوزارات هامة كالدفاع والطاقة والداخلية ، لانه لم تتوفر لدى الحكومة ثقة تامة بالحركة!![2]
على ان موقف اعضاء الجبهة على غرابته ، وما يمكن ان يسببه من تعويق للاتفاق ، مفهوم ومقدر ، وهو يتطلب من الجناح الذي تبنى الاتفاق ، المزيد من الجدّية ، في مواجهة الفصائل المناوءة ، التي تسعى الى التخذيل والتراجع ونقض العهود ، والتي تركت تفاصيل الاتفاقية خلف ظهرها ، وولت تصرخ بشعارات الهوس الديني ، وكأنها في برنامج (في ساحات الفداء ) سئ الذكر !!
ولكن الموقف غير المفهوم ، هو موقف بعض المثقفين ، الذين صمتوا عن السياسة دهراً ، وضربوا عما كان يحدث من حرب ودمار صفحاً ، ولم يكتبوا عن فشل الحكومات المتعاقبة ، في ايقاف نزيف الدم ، ولا عن الفساد والقمع والمتاجرة باسم الدين ، وما آل اليه امر الوطن من تمزق بسبب سياسات حكومة الجبهة الرعناء .. ثم ظهروا فجأة ، الآن بعد توقيع اتفاقية السلام ، ينقدون الاتفاقية ، ويهاجمون رموز الحركة الشعبية ، من أمثال د. منصور خالد ، في محاولة يائسة لتشويه سمعة الرجل ، ومن وراءها موقفه الناصع ، كمثقف شمالي ، تجاوز كل اطر التخلف ، والتمزق وانحاز الى الحركة الشعبية ، من اجل سودان جديد ..
ومجموعات أخرى من الجماعات والمؤسسات الاسلامية ، سقطت في مواقف ، تستدرالرثاء والشفقة لشدة ما تنوء به من التناقضات ، والالتواءات ، والتخبط .. فقد خرج علينا من يسمون انفسهم علماء السودان ، قبل فترة ببيان ركيك ، يوافق على مضض ، بان لا تطبق الشريعة على غير المسلمين بالعاصمة ، على ان لا يترنح احدهم اذا شرب الخمر !! وكأن الشريعة ، يمكن ان تقبل وجود الخمر ولكنها فقط ترفض الترنح !! وأسوأ من هؤلاء ، جماعة الوهابية التي وزعت بياناً ، تدعو فيه لقتال اعضاء الحركة الشعبية في الخرطوم ، بزعم ان افراد منهم خلعوا حجاب فتاة مسلمة !! وكأن الشريعة تقبل ايقاف ما كانوا يسمونه جهاداً بسبب اتفاقية السلام ، ولكنها تعلن الحرب على حركة كاملة اذا نزع ثلاثة مشتبه فيهم حجاب فتاة !!
وفي اطار هذه الدعاوى المتخلفة ، المعلية من شأن التهوس ، والتعصب ، والعنف ، يجئ بيان حزب التحرير ليتوج هذا التخبط ، والجهل بالدين ، وبواقع الحياة ، في بلد كالسودان متعدد الاعراق والاعراف والمعتقدات والثقافات .
يقول البيان ( وقعت الحكومة السودانية ومتمردو جنوب السودان بنيفاشا ليلية الخميس 27/5/2004 ثلاث اتفاقيات اطارية تتعلق بنسب تقسيم السلطة التشريعية والتنفيذية – بين الحكومة والمتمردين وبعض القوى السياسية – في المركز ومناطق الجنوب وجنوب النيل الازرق وجبال النوبة ، كما نصت الاتفاقيات على إعطاء منطقة ابيي حكماً ذاتياً يعقبه استفتاء يحدد هل تتبع للشمال أم الجنوب.
ان فكرة تقسيم السلطة التشريعية والتنفيذية باقتسام مقاعد البرلمان والحقائب الوزاية فكرة غريبة عن المسلمين لا تمت الى الاسلام بصلة ، بل هي من افكار الحضارة الغربية ، حضارة فصل الدين عن الدولة ...) [3]
فهل المشكلة هي تقسيم الحقائب ، أم ان وجود مبدأ فصل السلطات نفسه مرفوض لدى حزب التحرير لانه لم يطبق في الماضي ، بواسطة المسلمين الأوائل ؟ ألم يدع حزب لتحرير لاعادة نظام الخلافة ؟ بلى !! فقد جاء في نفس البيان ( لقد آن الاوان لتتطلعوا بحق الى الخلافة الراشدة وتدركوا انها خلاصكم وعزكم ونهضتكم ومنعتكم )[4] !! وليس في نظام الخلافة فصل للسلطات فالخليفة بيدة السلطة التنفيذية ، والسلطة القضائية ، والسلطة التشريعية المقيدة بنصوص الكتاب والسنة . فاذا كان هذا الحزب الذي يسمي نفسه حزب ( التحرير) لا يؤمن بفصل السلطات ، ويفضل تكريس السلطة في فرد واحد ، فكيف يدعو الى الحرية ، ولمن سوف يحقق هذا (التحرير) المزعوم ؟!
على ان حزب التحرير ينقصه الصدق ، وليس مع الكذب دين .. والا لماذا اعتبر حكومة البشير، بخير، ولم ير فيها ما يخالف الشريعة ، الا موافقتها على اقتسام مقاعد البرلمان ، والحقائب الوزارية مع الحركة الشعبية ؟ أليس في مجرد وجود برلمان يقوم بوضع تشاريع ، مفارقة للدين كما يفهمه حزب التحرير؟ ألم يقل حزب التحرير، في هذا البيان ، الذي بين أيدينا ( ان السلطة في الاسلام انما هي لتنفيذ الاحكام الشرعية على الناس لا لتشريع الاحكام لأن المشرع هو الله سبحانه وتعالى )[5] ؟! فإن التبست هذه على حزب التحرير، فهل يخفى عليه ان حكومة البشير جاءت بانقلاب ، واغتصبت السلطة بغير رضا الشعب ، فهي أذن لا تمثل حكومة الخلافة الراشدة التي يدعو اليها ؟ أم ترى ان حزب التحرير، لا يفرق بين الحاكم والخليفة ، فهو يعتبر كل حاكم خليفة ؟ ولذا قال ( أما سلطة تنفيذ الاحكام فهي مسئولية وامانة ... وهي شرعاً للأمة تخولها للحاكم أي الخليفة بعقد البيعة )[6] !!
أن من اكبر المفارقات الدينية ، لحزب التحرير، انه يعتبر ان الخلافة الاسلامية مستمرة منذ عهد الخلفاء الراشدين ، وحتى الامبراطورية العثمانية !! ويرى ان القضاء على الدولة العثمانية ، قضاء على الخلافة الاسلامية . يقول عبد القديم زلوم ، أحد قادة حزب التحرير (وكانت انجلترا قد حاولت عن طريق عميلها عبد العزيز بن محمد بن سعود ضرب الدولة الاسلامية من الداخل وقد وجد الوهابية كيان داخل الدولة الاسلامية بزعامة محمد بن سعود ثم ابنه عبد العزيز فامدتهم انجلترا بالسلاح والمال واندفعوا على اساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الاسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة . أي رفعوا الجيش في وجه الخليفة ، وقاتلوا الجيش الاسلامي جيش امير المؤمنين بتحريض من الانجليز وامداد منهم ). [7]
فعلى الرغم من تخلف الوهابية ، وفسادهم ، وعمالتهم للاستعمار، الا انهم لم يحاربوا خليفة المسلمين ولم يعترضوا على الخلافة الاسلامية ، وانما حاربوا الامبراطورية العثمانية ، التي لم تكن تمثل الا الاحتلال التركي الغاشم . فقد اوقفوا زحف الاتراك على جزيرة العرب ، التي كان الاتراك يريدون ان يسيطروا عليها ، من ضمن احتلالهم للدول العربية .. ولقد اتفق محمد بن سعود ومحمد ابن عبد الوهاب ، لنزع الجزيرة من الاتراك ، لا ليردوها لاصحابها ، وانما ليسيطروا عليها ، وقد خاضوا حروباً قتلوا فيها مئات المسلمين ، حتى ضموا الحجاز، وغيروا اسمه الى اسمهم ، اشارة الى انه من املاكهم ، فأصبح يعرف حتى اليوم بالسعودية ، نسبة الى آل سعود . فالحرب بين الوهابية والاتراك لا علاقة لها بالاسلام ، او الخلافة ، وانما هي نزاع على السلطة والنفوذ ، يدفعه الطمع وتوجهه المصلحة .
وأمير المؤمنين ، الذي يأسى زعيم حزب التحرير على محاربته ، انما هو السلطان عبد الحميد العثماني ، الذي ورث الحكم مت آبائه ، واشتهر بالظلم والفساد ، حتى قال فيه الشاعر حافظ ابراهيم
لا رعى الله عهدها من جدود كيف امسيت يا ابن عبد المجيد
مشبع الحوت من لحوم البرايا ومجيع الجنود تحت البنود
إن نظام الخلافة الاسلامية ، انتهى عملياً حين نازع معاوية ابن ابي سفيان ، على بن ابي طالب رضي الله عنه ثم انتصر عليه ، واخذ البيعة من بعده لابنه يزيد قبل وفاته ، وبذلك حول الامر الى ملك متوارث ، فرضه بالقوة ، مصداقاً للنبوة الكريمة ( الخلافة ثلاثون عاما ثم تصبح ملكاً عضوضا) . . واوصى معاوية يزيداً ، بان يقتل من يعتقد انهم لن يخضعوا له ، مثل الامام الحسين بن علي ، وعبد الله بن ابن الزبير. فجرد جيشاً ضخماً ، ذكر بعض المؤرخين بان عدده تجاوز العشرة آلاف ، اعترض الامام الحسين وهو في طريقه للعراق . ولم يكن مع الامام الحسين رضي الله عنه ، الا إثنين وسبعين رجلاً من آل البيت ، ومعهم النساء والاطفال . فحاصرهم جيش يزيد ، بقيادة عبيد الله بن زياد ومنعهم الماء ، وابى عليهم ان يرجعوا بالنساء والاطفال ، ثم هاجم الامام ومن معه واوسعوهم قتلا ، في ابشع مجزرة عرفها التاريخ الاسلامي بواقعة كربلاء . وبعد ان قتل آل البيت ، جزت رؤوسهم ، وفيها رأس الامام الحسين ، وحملت ليزيد في دمشق فالقى رأس الحسين على الارض ، واخذ يتلاعب به بقضيب كان في يده. وسبيت النساء وارسلن الى دمشق وفيهم زينب بنت فاطمة بنت رسول الله. [8]
وحين سمع يزيد ، بان أهل المدينة خلعوا بيعته ، ارسل اليهم جيشاً ضخماً ، واوصى قائد جيشه مسلم بن عقبة بقوله (ادع القوم ثلاثاً فان اجابوك والا فقاتلهم فاذا ظهرت عليها فابحها ثلاثاً فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند فاذا مضت الثلاث فاكفف عن لناس) . ولقد نفذ القائد الوصية ، حين انتصر على أهل المدينة ، في واقعة الحرة ، فاستباح مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام . ولقد ذكر الرواة انه قتل فيها أربعة ألف مسلم ، واغتصبت الف فتاة مسلمة بكر. ولم يكتف قائد يزيد بذلك ، بل اخذ البيعة من اهل المدينة ، على انهم عبيد ليزيد ، يفعل فيهم ، وفي اموالهم، ونسائهم، ما يشاء . ورفض جماعةهذه البيعة المنكرة ، وقالوا بل نبايع على كتاب الله وسنة رسوله ، فضرب مسلم بن عقبة اعناقهم .[9] ويروي الرواة ن خبر واقعة الحرة ، عندما بلغ يزيداً أنشد يقول :
ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
حين حطت بقباء رحلها واستمر القتل في عبد الاشل[10]
فهل يعتبر يزيد خليفة ، ويعتبر نظام حكمه ، من ضمن الخلافة الاسلامية ، بعد ان قتل المسلمين واستباح دماءهم ، واعراضهم ، وسبى بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ان انشد الشعر يعلن انه بهذه الواقعة ينتقم لمشركي مكة ، الذي هزموا في موقعة بدر ، ينتقم لهم من انصار النبي صلى الله عليه وسلم من الخزرج؟!
ولقد أعقب يزيد عدداً من حكام بني امية ، اشتهروا بالفسوق ، ومعاقرة الخمر ، والمجون واقتناء الجواري والغلمان .[11] ومن هؤلاء الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الذي رمى المصحف بالنبال حتى مزقه وقال :
تهدد كل جبار عنيد فها انا ذا جبار عنيد
اذا وافيت ربك يوم حشر فقل يارب مزقني الوليد[12]
وكان من صلح من بني أمية ، يفسد بعد ان يؤول له الامر . فانه قد روي عن جد الوليد ما ذكره ابن عائشة قال : أفضى الامر الى عبد الملك بن مروان ، والمصحف في حجره ، فأطبقه وقال : هذا آخر العهد بك. [13] وعبد الملك ، هو الذي كان من ولاته الحجاج بن يوسف ، الذي اشتهر بالظلم والعسف . ولم يستثن الرواة من بني امية الا عمر بن عبد العزيز الذي كان الوليد قد اعقبه فافسد ما اصلحه . فهل يعتبر حزب التحرير ان حكام بني أمية ، كانوا خلفاء مسلمين ، وان عهدهم يعتبر من ضمن الخلافة الاسلامية ، التي يتوجب على المسلمين احترامها؟ وحين يوزع بياناً في السودان في القرن الواحد والعشرين ، يدعو فيه الى عودة الخلافة ، الا تجعله هذه النماذج يتردد في هذه الدعوة ؟
ولم يكن العباسيون احسن حالاً من بني أمية ، فكما بطش الامويون بآل البيت بطش بهم العباسيون . فقد اعتلى ابو العباس السفاح المنبر في اول خطبة له ، وقال انا السفاح المبيح !! وكان من اول قراراته ، كما ذكر الرواة ، ان أمر بنبش قبور بني أمية . فنبش قبر معاوية بن ابي سفيان ، فلم يجدوا فيه الا خيطاً مثل الهباء ، ونبش قبر يزيد بن معاوية ، فوجدوا فيه حطاماً كالرماد. ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا جمجمته . وكان لا يوجد الا العضو بعد العضو الا هشام بن عبد الملك ، فانه وجد صحيحاً لم يبل منه الا ارنبة انفه. فامر السفاح بضربه بالسياط ، وصلبه ، وحرقه ثم تذريته في الريح .[14] فهل هذا خليفة المسلمين أم انه سفاح كما سمّى نفسه ؟!
ولقد اشتهر العباسيون بالمكايد ، والنزاع بين الخلفاء واتباعهم ، فكان الحاكم يوقع ببطانته فيقتلهم ، كما حدث من هارون الرشيد للبرامكة ، كما اشتد الصراع بين ابناء العرب وابناء الموالي ، فاضافوا الى الصراع السياسي ، السلطوي ، بعداً عنصرياً سيئاً .. ولم يخل عهد العباسيين من الفسق و الفجور ، فقد روي ان الخليفة المتوكل كان له اربعة الف جارية !![15]
هذه نماذج لرجال ادعوا الخلافة ، واستغلوا الدين لاغراض نفوسهم ، فاذا كان حزب التحرير يوافق على فساد هذه الانظمة ، ولا يعتبرها خلافة اسلامية ، فما الذي يعصم الآن من تكرارها لو عادت الخلافة ؟ ألم يحدث الظلم والفشل ، في كافة محاولات تطبيق الشريعة في ايران ، وباكستان والسودان ، على عهد نميري ثم على عهد البشير ؟! أم ان حزب التحرير يزعم ان لدية من هم في قامة ابوبكر وعمر رضي الله عنهما ، حتى يعيد لنا الخلافة الراشدة ؟
أما نحن ، فان اعتراضنا على نظام الخلافة ، اعتراض جوهري ، حتى لو كان هنالك من هم في قامة الاصحاب .. وذلك لان نظام الخلافة تشريع مرحلي ، ناسب البشرية في القرن السابع الميلادي ، ولكنه لا يناسب البشرية اليوم . فبينما تقوم الخلافة على فروع القرآن ، من قوله تعالي ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليط القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله) ، تقوم الديمقراطية على اصول القرآن ، من قوله تعالى ( فذكر انما انت مذكر * لست عليهم بمسيطر) .. فهذه الآية نهت النبي صلى الله عليه وسلم ، على كمال خلقه ، من السيطرة على الناس ، فدلت بانه ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين ، ولهذا فان واجب المسلمين ، هو ان ينشئوا النظام الذي يرفع السيطرة عن كل فرد وذلك لا يتأتى الا باشراك الناس في حكم انفسهم ، عبر مؤسسات تعبر عن مصالحهم ، الامر الذي لا يحقق الا بالديمقراطية .. والسبب في ان الديمقراطية من الاصول ، وان الخلافة من الفروع ، هو ان الديمقراطية اقرب الى تحقيق العدل ، بما تقلل من فرص التحيز، بتوزيع السلطات ، حيث ان الجماعة مظنة الرشد اكثر من الفرد .. وان توزيع السلطات يوازن بينها، وان الشعب صاحب المصلحة الحقيقية ، اقدر على رعاية مصلحته ، لو اعطي حق المشاركة في حكم نفسه بنفسه.
كما انه في اصل النشأة ، فان الناس متساوون ، فلا يجوز ان يحكم فرد ، وتحرم الجماعة من حق المشاركة .. ان عدم اشراك الناس في حكم انفسهم ، ظلم لا يرضاه الله الا اذا كان المجتمع لا يطيق افضل منه ، ومن هنا نسخت الفروع التي تحوي الخلافة ، الاصول التي تحوي الديمقراطية في القرن السابع الميلادي ، حين كان المجتمع يقوم عرفه على الحروب ، ولم يتطلع بعد للسلام أو لحقوق الانسان ..
ان الديمقراطية ، كمفهوم حديث ، لم تكن موجودة في الماضي ، وانما برزت ، وتطورت من تجارب الشعوب.. ولكنها من العرف الصالح ، ولقد دعانا القرآن الى اتباع العرف ، في قوله تعالى (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) .. ولقد ذكرنا حزب التحرير بالآية ( يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول و اولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلاً ) .. ولكن طاعة الله والرسول ، لواتقنت ، وقبلت من الله لكانت لها ثمرة هي العلم ، على قاعدة (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) .. ومن العلم ، تجئ المعرفة بحقائق ديننا وبواقع حياتنا ، وبالقدرة على التوفيق بينهما ..
ونحن حين ندعو الى آيات الاصول ، التي تحوي الديمقراطية ، نكون قداستجبنا الى الآية ، و رددنا الامر الى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن حياته قد كانت سمتاً عالياً ، من العزوف عن السيطرة على الاخرين ، ونسقاً رفيعاً من الزهد، والتواضع والعيش الكفاف.. وانما بالتربية على سنة النبي الكريم ، يجئ الفرد الديمقراطي ، الذي لا يضيق بمختلف الافكار، ومختلف انماط السلوك ، ومن اجل انجاب الفرد الحر، تمت الدعوة الى طريق محمد صلى الله عليه وسلم .. وهذه التربية هي ما يمكن ان يضيفه الاسلام ، لهيكل الديمقراطية الغربية ، فينفخ الروح في مؤسساتها ، ويحفظها من الزلل ، الذي تعاني منه اليوم ،رغم تقدمها على نظام الخلافة ..
ان الدعوة الى اعادة نظام الخلافة الاسلامية اليوم ، دعوة جاهلة ومغرضة .. اما جهلها فيتمثل في عدم معرفتها بان الخلافة تناقض جوهر الدين ، ولا تناسب قامة العصر. واما غرضها فيتمثل في السعي للسيطرة على الناس ، باسم الدين ، واستغلالهم لتحقيق مصالح دنيوية ضيقة ، وارهابهم بالعقوبات الرادعة ،حتى يستكينوا وبستسلموا .. فاذا وضح هذا ، فان الواجب الديني اليوم ،هو رفض نظام الخلافة ، ومقاومة تطبيقه ، والدعوة الى الديمقراطية ، وهو لحسن التوفيق الواجب الانساني أيضاً..
ومما يدل على ان حزب التحرير يعيش خارج العصر ، صيحات التكفير التي يطلقها هنا وهناك ، ومن ذلك مثلاً، قوله ( ان هذا الغرب الكافر في سعيه لتنفيذ مخططه انما يقوده حقده على الاسلام والمسلمين وادراكه انه ما من امة تستطيع ان تشدخ يافوخه فتقضي على باطله وتقصيه من حلبة الصراع الدولي وتطارده في عقر داره لتطهر الارض من باطله غيرهذه الامة الاسلامية )!!
فأين هي امة الاسلام ؟ ومن هم عملاء الغرب واذنابه ومنفذي توجيهاته غير الزعماء العرب المسلمين ؟
ان الاسلام غائب اليوم ، ولا وجود له الا في المصحف . ولقد ادركتنا النذارة النبوية (يوشك ان تداعى عليكم الامم كتداعي الاكلة على قصعتها ، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله . قال: بل انتم يومئذ كثيرولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم) !! ولهذا لا بد من بعث جديد ، ولا يكون هذا بصيحات التكفير، والتشنج ، وانما بالفهم الذي يستطيع ان يضمن جقوق الانسان ، لأن جوهر الدين هو تحقيق كرامة الانسان .. والشريعة الاسلامية ، كنظام سياسي ، لا تحقق كرامة الانسان اليوم ، لانها تقوم على الخلافة ، ولا بد من الديمقراطية لتوفر هذه الكرامة. والشريعة الاسلامية كنظام اقتصادي ، لا تحقق كرامة الانسان ، لانها تقوم على نظام الصدقة ، الذي عف عنه النبي صلى الله عليه وسلم ومنع عنه آل بيته فقال (الصدقة اوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد ولا لآل محمد) !! وانما تتحق الكرامة بالاشتراكية ، حيث للمواطن حق لا صدقة . والشريعة كنظام اجتماعي لا تحقق كرامة الانسان ، لانها قامت على تفضيل المسلم على غير المسلم ، والرجل على المرأة ، ولا تتحقق الكرامة الا بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات ..
لهذا دعا الاستاذ محمود محمد طه ، الى تطوير التشريع الاسلامي ، بالانتقال من فروع القرآن الى اصوله ، حتى ننتقل من نظام الخلافة الى الديمقراطية ، ومن الصدقة الى الاشتراكية ومن التمييز الى المساواة ، نزولاً عند قوله جل من قائل (واتبعوا أحسن ما انزل اليكم من ريكم من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون) .. فاذا حققنا ارفع ما انزل لنا الله من ديننا ، واقمنا عليه نموذج دولتنا، فاننا لا نحتاج لان نكفر الغرب ، او نقاتله ، وانما نستطيع ان نغريه ليتبع النموذج الاكمل ، الذي لن يكون للبشرية جمعاء ، عنه مندوحة ..
عمر القراي
- جريدة البيان الاماراتية 8/6/2004[1]
- الشرق الاوسط 9/6/2004[2]
- بيان حزب التحرير بتاريخ 31 /5/2004[3]
- المصدر السابق .[4]
-المصدر السابق[5]
- المصدر السابق[6]
- عبد القديم زلوم : كيف هدمت الخلافة . اصدارات حزب التحرير 1963 .[7]
- طه حسين : الفتنة الكبرى 2 ص 240 .[8]
- راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي –الجزء الثاني ص 122 وما بعدها وتاريخ الطبري الجزء الثالث ص335 وما بعدها.[9]
- ابن كثير : البداية والنهاية –المجلد الرابع الجزء الثامن ص 235[10]
- راجع كتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني .[11]
- راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 350 وماب عدها[12]
- المصدر السابق ص 217[13]
راجع الكامل لابن الاثير[14]
- تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 349- 350[15]



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما على النظام وما على المعارضة وما على الشعب
- حتى تكتمل الصورة
- الحراك الشمالي السوداني:اقليم كوش
- السودان والامارات بين عصرين
- عودة الاخ دينق
- سيرة مدينة: جونقا وعودة التتار -الامريكيين-
- قصة امريكية
- السودان في جحر الضب الخرب
- ايام زمان...هل يرجعن ؟؟!!
- العنكبوت الحكيم
- اليمن ومقاربات حول القرار 2216
- الارهاب ونزعة التطهير في الانسان
- اصلاح الامم المتحدة
- الجندي الحافي...فصل من رواية
- ازمة الفدرالية المزمنة في السودان !!!
- السودان موسم الهجرة الى الديمقراطية
- إسرائيل والبنك الدولي وأساطير الأولين
- اليمن والخليج وسودانيو-ديمقراطية وست منستر-..!!
- عاصفة الحزم والخليجي 24
- السودان وعاصفة الحزم التي نقضت غزلها


المزيد.....




- مبنى قديم تجمّد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرو ...
- خبير يشرح كيف حدثت كارثة جسر بالتيمور بجهاز محاكاة من داخل س ...
- بيان من الخارجية السعودية ردا على تدابير محكمة العدل الدولية ...
- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عادل الامين - مقالات سودانية:(1) في ذكرى الحسين عليه السلام..