أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا - ماجد الشمري - تأملات حول(البلشفية)وتاريخها..















المزيد.....



تأملات حول(البلشفية)وتاريخها..


ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 5661 - 2017 / 10 / 6 - 23:51
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
    


مسكين دون كيشوت، لقد دفع ثمن الخطأالذي ارتكبه حينما تخيل أن الفروسية الجوالة يمكنها ان تتواجد في كافة الاشكال الاقتصادية للمجتمعات" ..
-ماركس-


قبل قرن كانت كلمة (بلشفي)كثيفة المعنى،ذات مدلول واضح ومعبر ومفهوم،اما اليوم فهي كلمة نافلة تفتقد الدلالة المطابقة،وفات اوان استخدامها كالالفظ الوحشية في اللغة والتي بطل استخدامها حديثا.ولكن رفاقنا(البلاشفة)الذين يقبعون في وادي الفوات الرمادي المهجور!ثابتون هناك،فالماضي مستقبلهم!والحاضر رجع وصدى لذلك الماضي لايحول ولايزول،ولله في خلقه شؤون!!!...
ليس تشفيا،وليس سخرية ،وايضا ليس نقدا بعد الفوات!.بل هو اشارة بالاصبع على موطن الداء المزمن،والعلة القارة في اذهان طيف واسع من متمركسي حقبة مضت وطواها تاريخ لايرحم المنهزم!.بين من يقر بالمرض ويسعى للشفاء والحركة،وبين من يعتبر مرضه قمة الصحة وتمام العافية،فيجد نفسه فجأة خارج الحياة والتاريخ،مكانه في المتاحف ورفوف الارشيف،مصلوبا على لوح الماضي المنجرف!.
"نحن البلاشفة" هذا هو الشعار المرفوع كأبتهال ديني موروث ،طالما ردده بابا الكرملين بخشوع مصطنع و متهافت ! ولازال مكررا تلوكه الافواه الهرمة الذابلة، وتتبادله فيما بينها كنوع من التقدير و كيل المديح المجاني المتبادل كانخاب!. و هو اللازمة الثابتة التي يتمسك بها المخضرمون ادعاءا وزعما شكليا دون مضمون او فعل. كعروة وثقى! ويرددها بعدهم دوما وبفخار أبله! البعض من الشيوعيين (البلاشفة) الشباب الجدد المتحمسين لرومانسية ثورية خطابية تمارس في المقاهي والنوادي و كنوستالجيا مريضة و رثة، وكترنيمة هدهدة و تخدير وتنويم لاتُمل .وبعد أن استلموا الشعلة المنطفئة من الرواد المحنطين!..
فلم يعد لدى المتكلسين دوغماتيا ما يقدموه للجماهير الكادحة سوى لغو الشعارات فاقدة الصلاحية. وتبجيل النصوص القدسية والاستشهاد بها كتعبير عن انتصار مزعوم في المناظرات والحوار، وأجترار الماضي (الكفاحي!) -هذا إن وجد ! وأحيانا يجري توهمه !- الذي ولى وطوته السنين ! و النواح على الاطلال و الخرائب الدارسة ، والعويل على الاحلام المبددة بالواقع المر والصادم. فقد خلت الجعبة المهترئة من كل جديد وحي ، ونابض بالحركة والفعل . ولم يبقى سوى الترهات و السفاسف !.لم يتعلموا شيئا مما سبق من تجارب مريرة و أخرى فاشلة ومغامرة ولا زالوا عند اطلالها وقوفا يسبحون بحمدها بأيمان السذج!، وكأنها النموذج التطبيقي الوحيد والدائم للمنهج الماركسي الثوري .تلك التجربة التي اساءت كثيرا بل ودمرت مفهوم التشريك الاقتصادي والاجتماعي ، ومبدأ الثورة العمالية لدرجة الابتذال والنبذ والتندر.
و مع كل وقائع و مظاهر الانهيار والافول المريرة، تراهم ، ما انفكوا عن المكابرة القديمة ،والعناد الصبياني الاهوج . معتقدين بأيمان مطلق :أن ما أنهار وثبت فشله ، هوما يجب تكراره ، وإعادة انتاجه و السعي من أجله كنمط وحيد فريد لبناء (الاشتراكية ) و بكل أهوال و مأساوية تلك التجربة الكارثية !..
وبالرغم من ان أحزابهم الكهفية الشائخة أمست دكاكين و صالونات للغو الثقافي والنشاط الاجتماعي الترفيهي و بعيدا عن كل فعل أو نضال سياسي لتغيير الواقع المنحط والفاسد ، و وسط الجماهير ، ومن اجل تنويرها وتثويرها ، وبذر الوعي ، ومحاربة الاستغلال والقهر والاضطهاد بكل أشكاله . ففعاليات تلك الاحزاب أقتصرت على المناسبات والاحتفالات الطقسية ، كالمهرجانات السنوية بذكرى التأسيس ، تأسيس الحزب-( وبعض تلك الاحزاب يمضي حثيثا و برتابة نحو الذكرى والاحتفال بمرور قرن على ذلك التأسيس!!) فأي قيمة لحزب سياسي يتحول الى مجرد متحف للتاريخ السياسي البائس؟! يقف في ذيل احزاب الاسلام السياسي ، ويتملقها لكسب الرضى والقبول . وأيضا المتاجرة بدماء الشهداء الزكية - التي ذهبت هدرا- كأيقونة مزايدة و مباهاة وأدعاء - وممارساتهم تتقاطع بحدة مع تضحيات أولئك الشهداء الخالدون وتاريخهم الناصع بالبذل والتفاني والايثار والصمود حتى الشهادة- أنهم يغفون على صدى السنين الحاكي لذكريات الامجاد والحقبة الذهبية التي انقرضت منذ عقود !- وكما تنظر الديانات من خلال معتنقيها و مريديها : المسيح،المخلص ..المنقذ ..المهدي.. المنتظر .. لتحقيق الفردوس السماوي !. ينتظر ايضا هؤلاء ( البلاشفة) "جودو" لأقامة اللجنة الارضية مبتهلين و منادين ياطالع الشجرة)!! ليملأ الارض قتلا وقمعا ، بعد أن امتلأت قتلا وقمعا !! .اما من تشرذموا في الشتات ووجودا الملاذ،واستراحة المحارب ذو السيف الخشبي!فهاهم عالة على (فائض القيمة!)الذي يطعمهم منه العدو الطبقي!!.
( نحن البلاشفة) ...شعار فارغ من المحتوى و دعاء غير مستجاب ! !. يذكرنا بدون كيشوت الذي تأسى و تألم له ماركس و تعاطف معه كفارس نبيل في عصر خسيس خلا من النبل والفروسية ، وقال عنه :"مسكين دون كيشوت، لقد دفع ثمن الخطأالذي ارتكبه حينما تخيل أن الفروسية الجوالة يمكنها ان تتواجد في كافة الاشكال الاقتصادية للمجتمعات" وهاهم الرفاق (البلاشفة ) الجدد يكررون الخطأ الدون كيشوتي نفسه ، معتبرين البلشفية صالحة لكل الازمنة والامكنة ، ولازالت تصلح كمشروع للثورة ، وكبنية تنظيمية حزبية و منهج وتكتيك للممارسة السياسية الثورية في العقد الثاني من الالفية الثالثة!! . مع الفارق بينهم وبين دون كيشوت ، ففي حين كان هو مثاليا رومانسيا مخلصا وصادقا في أوهامه و تصوراته ، ولم يعي تغير الظروف وتبدل الازمان وبؤس العالم الذي يعيش فيه ، نجد ان رفاقنا ( البلاشفة) هؤلاء يجلسون على أرائك بيوتهم المريحة كبرجوازيين متعفنين فقدوا كل صلة لهم بواقعهم الحي الذي يغلي فحياتهم لاتعدوا أعادة انتاج بيولوجي . ودعةبلهاء من الاستهلاك الخامل والتافه والرتيب ، ولاجديد لديهم ليقدموه ، سوى الحماس الساذج ، وترديد الجمل الثورية الجوفاء والمضحكة ، والاستشهاد برموز الفكر الثوري بمناسبة و بدون مناسبة!. أفواه مستهلكة ، وعقول متخشبة حمقاء وسط أسرهم التقليدية ويقطرون أنانية و عقد و أحقاد وجشع ولامبالاة ، لايعنيهم الخراب والبؤس الذي ترزح تحت ثقله شعوبهم ، طالما لايمسهم ذلك و بعيد عنهم . ولكنهم ساعة الفراغ من خصوصياتهم و كنوع من التسلية والترفيه ، وكسرا للسأم ، و رغبة في اللهو السياسي الممتع ، يجأرون بثرثرتهم الراديكالية الفجة ، والتي لا تحرك أو تهز سوى خيالهم الجامح بشطحاته و وعيهم الزائف ، محلقين في عوالم ثورات ذهنية مهلوسة ، وأحلام عصافير ، وفراديس طوبى بالغة النقاء والكمال!أنهم ( البلاشفة ) حقا!ولكن في زمن لا بلشفي ! !.وهم غير عقلانيين حتى في مايسمى ب(النقد والنقد الذاتي)فهو يتراوح كبندول!بين:جلد الذات انصياعا لاملاءات الاخ الكبير فيما مضى!وبينالتبرير الانتهازي للاخطاء المميتة،والاصرار على القناعات العقدية الآسنة!.
فالبلشفية أفلت و توارت منذ تسعة عقود ! . فقد تجمدت في صقيع الستالينية! فهل يطمحون الان لأستنباتها في صحراءهم القاحلة ؟!. دول ريعية ، وبيروقراطية هي الاكثر فسادا و تفسخا ، وطبقة فلاحية هي الاكثر جهلا و تخلفا ، حيث لابرجوازية سوى الشريحة الكمبورادورية التابعة والعبدة لمراكز الرأسمال المعولم! ولابروليتاريا هناك سوى تلك الفئات الكادحة المتشرذمة من الشغيلة الرثة ، والذين لايتمتعون بأدنى مستويات الوعي الطبقي في ظروف من التفسخ الاجتماعي و الانحطاط الثقافي- لقد تحدثت عن هؤلاء في مقال لي لمن يرغب في قراءته على الرابطhttp://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=373189- مكبلين ايديولوجيا بقيم وأعراف بطرياركية ، قبلية و دينية وطائفية و عرقية! فهل يحلم رفاقنا (البلاشفة ) بعودة التاريخ القهقرى ليعيد نفسه هازلا و كاريكاتيريا لحقبة مروعة و مؤلمة كان سقوطها محتوما ؟! العودة الى ذلك النموذج من البيروقراطية السوفياتية - العزيزة على قلوبهم !- والتي لم يرفع لا عامل ولا فلاح ولا جندي اصبعا واحدا للدفاع عنها ، لوكانت حقا دولتهم لهم و بهم وهم من يسيرها ويديرها ؟! لذلك انهارت بسهولة ودون مقاومة غير مأسوف عليها!!. تلك الارثذوكسية التي نهلوا من بركتها الراكدة ، وتلقنوا مبادئ( البلشفية ) المشوهة ، وعرفوا الشيوعية ليس من مصادرها في ادبيات ماركس ، بل من خلال كراريس الاوحد المسطحة والساذجة والقاطعة في دوغمائيتها، وحفظوها عن ظهر قلب من تلك الكتيبات والنصوص الباردة والضحلة والتي اورثتهم البلادة والتصلب ، فأصبحت لهم اناجيل ولوائح و وصايا لاهوتية بالغة القداسة و فوق التاريخ والنقد والمراجعة والتجديد والاضافة ! كاملة شاملة مطلقة تدور في فلكها عقول البشر . ومع أن البلشفية مفهوم حزبي تنظيمي ، وسياسي عملي ، ينتمي تاريخيا لماضي الحركة العمالية الثورية الروسية ، ويتعلق بالبنية التنظيمية والسياسية والفكرية والتي سادت في مرحلة من تاريخ الحركة الاشتراكية العمالية الثورية ، وبالذات من قبل حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي ، وأرسى أسسها وقواعدها لينين بكفاءة و جدارة قائد عمالي ثوري محترف و عبقري وعظيم. الا ان ( البلشفية) بعد وفاته تراجعت وجرى مسخها وتشويهها ، فتحجرت وأضمحلت ثم تلاشت ببطئ على يد البيروقراطية الستالينية على مدى اكثر من ستة عقود وهاهم تابعي التابعيين يصنمونها كعقيدة أكثر من دينية صالحة لكل زمكان وعابرة للتاريخ والجغرافيا كسنَّة و شريعة كونية لاقبلها ولا بعدها !
في اول استخدام وتداول لمفردة"البلشفيك"بدأ اولا اطلاقها كتسمية ونعت مميز لمجموعة لينين،كتعبير عن واقع حال،انبثق وتكرس في،وبعد المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي.وهو نتيجة،ومحصلة اجرائية،ترتبت اثر ظهور اكثرية بين المصوتين في المؤتمر على فقرة في النظام الداخلي التأسيسي للحزب،وبفارق صوتين!.رجحت كفة تلك الاغلبية ،لتتحول فيما بعد الى كيان،وهيئة جناحية داخل الحزب.توسعت ،وتطورت في سيرورتها التاريخية،ثم تضخمت بحمولتها التنظيمية،والسياسية،والايديولوجية،ومجمل مفاهيمها الفكرية،والتي استقرت لاحقا،وارتفت الى مستوى العقيدة التمامية المكتفية بذاتها،والمنفصلة،والمغايرة للجناح الآخر من الحزب بعد الانشقاق.لتعلن ولادة الحزب البلشفي.فاصبح كل ماهو خارجه موصوما بالمنشفية:ارتداد،تحريف،تذبذب،يمينية،تكتلية،هرطقة،الخ.وقادت بعد رحيل لينين الى التحريم والتجريم والادانة،ومن ثمة الى جدار التصفية الجسدية في العقدية الستالينية!وهذا لم يقتصر على المناشفة،بل تخطاهم الى داخل الحزب البلشفي نفسه.وهكذا دخلت جرثومة الاستبداد،والتبقرط،والسكولائية الى بنية الحزب البلشفي ليتحول من حزب ثوري مقدام،ومن طراز جديد،لمجموعة من اصلب،واكفأ،واندر المناضلين العماليين من اجل الثورة الاممية.ومن كونه خميرة لخبز المنظمات العمالية الجنينية،والتي كانت في طور التشكل في شتى اصقاع الارض.تحول ذلك العملاق الثوري،الى كورال من هتافين ومصفقين،وقطعان بائسة!وجوق من البيروقراطيين تمركز فوقهم الامين العام!.وبدأالتعفن والانحلال يدب في جسم الحزب بفعل،ونهج التعليمات الفوقية والاملاءات،واساليب التنفيذ الآلي دون مناقشة او نقد،والاوامرية القطعية كانت تنزل من المعصوم واجبة التفيذ والطاعة!واصبح الرفاق نسخ كوبي لااكثر،بعد ان افتقرت لكل تميز وابتكار ومبادرة.
واستشرت كسرطان خبيث الدعوة للانضباط وخنق كل صوت نشاز خارج الفهم الدوغماتي لوحدة الحزب كصوت واحد ينحدر من جبل الكرملين!والوصول الى العصمة البابوية!والتي قادت الى القمع الذاتي،والاستبداد،والتطهير المتعسف والتصفية لخيرة مناضلي الحزب من الحرس القديم.
ولم يعد هناك بعد ان سحقت الديمقراطية داخل الحزب-ناهيك عن الديمقراطية داخل المجتمع السوفياتي!-سوى كم هائل من الركام وسقط المتاع!من:انتهازيين،ووصوليين،وباحثين عن منافع ومغانم،ونهازو فرص،من مناشفة ركبوا قطار البلاشفة المنتصرين!وابرزهم فيشنسكي المنشفي القذر!والذي تبلشف وبات الجلاد القانوني لستالين كمدعي عام في المحاكم الصورية التي اعدمت رفاق لينين بتهم ملفقة وظالمة تعبيدا لطريق الامين العام نحو القيصرية الجديدة!!.وماكان عسل مصفى،امسى علقما وملح اجاج!!..
كان الخلاف في بدئه بسيطا وجزئيا،وكان طبيعيا وواردا وحيويا وجود صراعات داخل كل التنظيمات الحزبية الثورية،لديمومة الديمقراطية والاختلاف في وجهات النظر في صفوف الحزب.حتى لينين نفسه كان يقبل بالمعارضة،ويتقبل الاراء المخالفة لرأيه دون غضب داخل الحزب،وبين قادته.وكم من مرة وجد نفسه مع الاقلية،واحيانا وحيدا في رؤيته،ولكنه كان يملك القدرة على تبديل قناعات الاكثرية من رفاقه ليكسبهم الى صفه من خلال الحوار المنطقي والجدل المثمر،وشيئا من كاريزميته الباهرة..
ولكن مافرق حقا بين جناحي حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي الى(بلاشفة)و(مناشفة)ووصل الى حد القطيعة الكاملة والانفصال التام في عام1912كتداعيات ونتيجة لصراع محتدم وطويل امتد لعقد من السنين داخل الحزب،وبين اجنحة متعددة،استقطبت اخيرا الى جناحين رئيسين-بلاشفة،ومناشفة-هو بالدرجة الاولى،ذلك الميل الاساسي والسياسي الواضح لدى المناشفة للتعاون والتنسيق مع احزاب البرجوازية الليبرالية،ونحو العمل البرلماني،والشرعي،وسعيهم لاقامة التحالفات،ونبذهم وتنصلهم من الكفاح الثوري المسلح،والنشاط السياسي السري،كخط استراتيجي وتكتيك ثابت في اغلب ممارساتهم السياسية والحزبية.هذا مافرقهم عن رفاقهم البلاشفة بالتحديد،وليس القضايا التنظيمية او المركزية.هذا مادق الاسفين،ووسع الهوة بينهما.ففي الوقت الذي كان المناشفة يؤمنون بالتعاون الطبقي،والاصلاحية المتدرجة،والمهادنة الانتهازية!.
كان البلاشفة يرون العكس تماما.فهم يتحلون بالثورية الراديكالية،ويقرون بتنوع ومرونة اشكال النضال وتعددها،وحسب الظروف الملموسة،وتوازن القوى،ومايطرأمن مستجدات متغيرة وجديدة،ويتكيفون مع ذلك.واستنادهم دوما الى الجماهير العمالية والفلاحية الثورية.ولن ندخل بالتفاصيل الدقيقة للخلافات القديمة،او التي تفاقمت فيما بعد داخل الحزب،وتراكمت وادت في النهاية الى القطيعة الكاملة وشق الحزب،وحولته من حزب واحد الى حزبين منفصلين!.
ولكن بعد تصفية الكاديت،والبرجوازيين الليبراليين،والاشتراكيين الثوريين،والفوضويين،والمناشفة،وموت لينين،بدأ العد التنازلي لاضمحلال البلشفية كتوجه حزبي بيروقراطي احادي متصلب،رافضا بالمطلق لادنى مستويات الديمقراطية الضرورية داخل الحزب،تحت طائلة التحريم البات لاتفه اشكال المعارضة،لايسمح بالتعدد السياسي،والاختلاف الحزبي في الاراء!متقولبا الى استبداد بيروقراطي خانق،وكمنهج واستراتيجية(بلشفية)مشوهة ومتصلبة ومدعية!قطعت مع منهج لينين وفكره النير،اثر صعود ستالين لقمة الحزب كأمين عام،وبعد ان خلت الساحة الاجتماعية من الاعداء الطبقيين،اقتصاديا وسياسيا وفكريا الى حد ما،وباتت بلا حول ولاقوة.التفت ستالين الى عقر داره!الى داخل حزبه البلشفي،ليفتش عن،ويخلق اعداءه الوهميين-خصومه الفكريين والسياسين-فصنع منهم،من رفاق الامس!البلاشفة من الحرس القديم،اعدائه الخطرين!!.ليخلي اسطبله من تلك الخيول الجامحة والمتمردة والعصية على استبداده وبيروقراطيته،ورفضوا الاستسلام له-ولكن من المؤسف استسلام الكثير منهم وانهيارهم خوفا من بطشه وحرصا على حياتهم!!-لتفرده بالقرار والسلطة،وقمعه للاختلاف،لينهمر شلال الدم في موجات من التطهير المرعب والدموي!والذي طال ايضا حتى رموز الحركة الشيوعية الامميةمن احزاب وداخل الكومنرن!وكل من تطاول وخرج معارضا او رافضا لفرديته واستبداده البيروقراطي القيصري!!.
ولم تعد البرجوازية هي العدو الطبقي والرئيسي!بل بات العدو هو المنافس من الرفاق الشيوعيون(البلاشفة)كما يتوهم كل ديكتاتور،اولئك الرفاق الذين ناضلوا طوال حياتهم من اجل الثورة،وانتصار الطبقة العاملة في كفاحها السياسي من اجل تغيير النظام القيصري والغد الاشتراكي..
فبعد اختزال البروليتاريا وديكتاتوريتها الى الحزب البلشفي،واختصر الحزب باللجنة المركزية،ومن اللجنة المركزية الى مركزة القرار في الامانة العامة،ودكاتوريتها بشخص الامين العام الاوحد،والكلي العلم والقدرة في الادارة والقرار والسلطة!!.اصبحت كل معارضة او اختلاف،او حتى الشبهة بوجود اية وجهة نظر مغايرة ومخالفة لهوى ورغبة الاخ الكبير هي خيانة سافرة ومدانة!وارتداد وعمالة للامبرياليات ومخابراتها!تستحق التصفية والاعدام والاغتيال!وليس لها سوى السحق والموت!.هذا ماجرى على نطاق واسع ولسنوات من حملة مطاردة الساحرات واقامة المحارق!!.وما فرق البلشفية اللينينية عن الدوغماتية الستالينية هو نهر عميق من الدمع والدم!.وهذا بطبيعة الحال ديدن،ومآل ونهاية كل فكر وايديولوجيا ودين وسياسة تدخل دائرة الدوغما المغلقة وتنصب سريرها البروكستي لتصيد العابرين من طوال او قصار!! تتكلس كارثوذوكسية تمامية مستقيمة ومعصومة،وفوق كل نقد او سؤال لاتحول ولاتزول ولاتشيخ !!لتتقوقع بقالبها الاسمنتي والكل مارقون اذا لم يتطابق ذلك السرير او القالب مع حجمه ومقاسه!!.ولكن الواقع والتاريخ سرعان مايحكم عليها بالزوال والموت غير مأسوف عليها!!!....
سنجيب عن اين ومتى وكيف ولماذا(البلشفية)؟!وسنستعرض تأرخة مختزلة وسريعة لتاريخ وبداية وظروف استخدام تلك الكلمة الروسية(البلشفيك)والدالة على جماعة الاكثرية وتداولها وسيرورتها النهائية كجسم سياسي وتنظيمي وفكري للحزب البلشفي..
البلشفيك" تعني حرفيا ، الاكثرية باللغة الروسية ، واصطلاحيا و تاريخيا -تعني- مجموعة لينين التي ايدته و وقفت الى جانبه في المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي . ففي عام 1903 أنعقد المؤتمر الثاني للحزب في تموز من ذلك العام في بروكسل . وهو المؤتمر الذي اعتبر تأسيسا فعليا للحزب . فقد كان مؤتمر 1898 الاول الذي لم يضم اكثر من ثمانية أشخاص ، وأعتقلوا بعد المؤتمر بوقت قصير ، ولم يخلفوا شيئا سوى البيان الحماسي الذي كتبه بيتر ستروفه . فكادر التنظيم السري كان عليه الانتظار حتى عام 1903بالذات ليعاد تنظيمه بشكل أكثر فاعلية و عقلانية ونضالية ، وارتباطا بمركز الايسكرا ، حيث كانت الاتصالات المتبادلة متتابعة و مستمرة حافظت على لحمة التنظيم من التشتت . وبات الظرف مناسبا لتأسيس الحزب فعليا ، له نظام داخلي متماسك و واضح المعالم والحدود ، وبرنامجا ناضجا عمليا و ملموسا ، و لجنة مركزية منتخبة تقود التنظيم . أجتمع 44 مندوبا لهم حق التصويت و 14 لهم اصوات استشارية . أثيرت أثناء المؤتمر، مسألة النظام الداخلي للحزب في جلسة بكامل المندوبين - وهو اساس الخلاف - وكان فريق الايسكرا : لينين ، بيليخانوف ، مارتوف أكسلرود زاسوليش ، بوتريسوف و تروتسكي - الذي ضمه لينين للايسكرا رغم اعتراض بليخانوف الشديد- قد ناقش الموضوع قبيل انعقاد المؤتمر و كان هناك خلافا بين لينين و مارتوف ، فمشروع لينين نص على ما يلي " يكون عضوا في الحزب كل من يوافق على برنامجه ، ويقدم دعمه المادي ، ويشارك شخصيا في احدى اجهزته " . أما مشروع مارتوف فلم يكن يختلف عن مشروع لينين سوى في صيغة لينين " يشارك شخصيا في احدى اجهزته " في حين كانت صيغة مارتوف " تعاون شخصي ومنتظم و تحت اشراف احد أجهزة الحزب " وقد بدا الفارق بالغ الدقة ، وغير محسوس ، ولا يمكن فهمه ! ولكنه فرق شاسع في دلالته و مضامينه ، ويقرر مصير الحزب كحزب حقا . لأن صيغة لينين كانت ترمي الى بناء حزب من طراز جديد ، صلب البنيان ، ويتكون من اعضاء يناضلون بالفعل داخل صفوفه ، وفي منظماته السرية في الوقت الذي كان تحديد مارتوف يهدف الى تنظيم اكثر تراخياً واكثر جماهيرية و ليضم كل الذين يكتفون بمساعدة منظماته ماديا و معنويا ، دون ان يكونوا جزأ منه أو يعملوا فيه. وحين اصطدمت الصيغتان لم يكن الامر مهماً ، ومن الممكن التوافق على صيغة أكثر قبولا و مرونة . كان مارتوف مستعدا لسحب مشروعه ، فليس هناك مبرر للانقسام والتكتل داخل الحزب لمجرد اختلاف حول كلمتين مختلفتين في فقرة من نظامه الداخلي و مبادئه . ولكن عوامل عديدة ساهمت في توسيع الهوة . وزيادة الاستقطاب ، فقد كان هناك خلافات شخصية بصدد مشروع لينين لاعادة تنظيم هيئة تحرير الايسكرا ، تسببت في حدوث نوعا من الانزعاج والمرارة لدى بعض القادة الاساسيين . فقد كان مارتوف وتروتسكي وأخرين ، يأخذون على لينين قساوته و ميله للسلطة كما يرون . لكن لينين من طرفه لم يكن يفهم : كيف يمكن توجيه اتهام إليه بهذا الشأن لمجرد اقتراحه القابل للتطبيق والضروري لاعادة تنظيم هيئة الايسكرا ؟! بدأت كل الاطراف المتنازعة مستفزة واهتز التوازن و أصبح كل طرف يشم رائحة المكيدة والتأمر لدى الطرف الاخر ! و أخذ كل واحد بتحريك خصومات شبه منسية
وتافهة لتجعل منها اشارات تنطوي على كثير من المعاني والنتائج . وجاءت قضية النظام الداخلي بثقلها لتزيد الطين بلة . فلم يعد هناك مجالا للتوفيق أو التنازلات بين الصيغ المختلفة ، والاتفاق على مشروع واحد يوافق عليه الجميع ، بل كان الامر على العكس - فكل صاحب مشروع كان يندفع لاستخراج اكثر مرامي مشروعه خفاءا عن طريق توضيحها والدفاع عنها ، والتشديد على الفروق فيما بينها لاقناع المندوبين الاخرين ، والتأكيد على الفجوة التي لايمكن تقريبها أو تجسيرها . هكذا بدا الصديقان و الرفيقان الاكثر تقاربا و أرتباطا : لينين ومارتوف يتواجهان كعدوين ، فكلاهما كان غاضبا ومحتدا ، وايضا كل منهما كان في قرارة نفسه يبدوا مندهشا لغرابة سلوكه وتصلبه ! إلا انه لا هذا ولا ذاك كان راغبا بالتوقف والعودة الى الوفاق والمرونة . وقد انعكس موقف القادة على المندوبين ، وانقسم المؤتمر الى كتلتين ! و بدلا من ان يخلق المؤتمر حزبا واحدا ولد حزبا برأسين ! بعد المؤتمر بوقت قصير كتب لينين الى بوتريسوف قائلا " الان أطرح على نفسي السؤال التالي: " لماذا واجه بعضنا بعضا كأعداء الداء ؟ حين اتذكر احداث هذا المؤتمر والانطباعات عنه أعي اني تصرفت غالبا تحت تأثير الغضب و"ببلاهة" و أنا مستعد للاعتراف بخطأي أمام اي كان ، واذا امكن اطلاق تسمية خطأ على شيئ تسبب به الجو و ردود الفعل والاجابات السريعة والصراعات ، الخ ".وحول نفس تلك المادة الشهيرة من النظام الداخلي،قال لينين نفسه:"اود ان استجيب لهذا النداء عن طيب خاطر(اي التوصل الى اتفاق مع"المناشفة")لانني لااعتبر مطلقا ان خلافاتنا حيوية الى درجة ان تصير مسألة حياة او موت للحزب.علينا بالتأكيد الانهلك بسبب مادة غير موفقة للنظام الاساسي للحزب".* . كان بليخانوف الذي سيصبح ألد اعداء الثورة البلشفية يقف الى جانب لينين ، أما تروتسكي فكان الخصم الاكثر طيشا وحماقة واندفاعا ضد لينين ، فقد اتهمه بأنه يسعى الى تشكيل حلقة مقفلة من المتأمرين لا حزبا للطبقة العاملة ! وكانت حجج تروتسكي : أن الاشتراكية لا تقوم إلا على الثقة بالعاطفة الطبقية للشغيلة ، وعلى تمكنهم من فهم رسالتهم التاريخية ، فلماذا لا يفتح لهم الحزب ابوابه على مصراعيها ؟! كما اوحى بذلك مارتوف ! وقد فوجئ لينين برؤية " هراوته" تنقلب ضده - كان يطلق على تروتسكي " هراوة لينين" - فقام بعدة محاولات لانتزاع تروتسكي من مجموعة مارتوف و كان خلال اجتماعه به مرنا ومتجاوبا ، ويطمح لاقناعه ، مؤكدا له ان يدفع بالنقاش نحو حافة الابهام واللبس ، ويعجز عن فهم الفروق لقلة تجربته و عاطفيته ، فقد قال له :" اننا نجد الارتباك والتردد والانتهازية داخل صفوف الطبقة العاملة ايضا ، فإذا كان الحزب يفتح ابوابه الى الحد الذي اقترحه مارتوف فهو يسمح بأن تدخل صفوفه عناصر ضعف و ينبغي لاعضاء الحزب ان يشكلوا طليعة البروليتاريا و صب ، عناصرها الاشد وعيا والاكثر شجاعة لمهماتهم " الطبقية" . على الحزب ان يقود الطبقة العاملة لا أن يكون الطبقة العاملة " - كان لينين محقا في منطقه وحجته- .حصل مشروع مارتوف في البداية على الاغلبية ، ولكن هذه الاغلبية كانت مستندة على البوند والاقتصاديين، والذين بعد ان هزمتهم مجموعة الايسكرا كانوا على وشك مغادرة المؤتمر والانفصال عن الحزب . بعد رحيلهم قدم لينين مشروعه لاعادة تنظيم هيئة الايسكرا ، وقدم تروتسكي اقتراحا بتثبيت اعضاء الفريق القديم كأعضاء في الهيئة الا ان لينين انتصر هذه المرة بأغلبية صوتين ، وبالاكثرية نفسها انتخب المؤتمر مرشحي لينين للجنة المركزية و هكذا اخذ انصار لينين ولأول مرة أسم البلاشفة أي جماعة ( الاكثرية) و خصومه اسم المناشفة اي جماعة ( الاقلية)..
ا ثارت جرأة لينين على ازاحة زاسوليتش، و اكسلرود ، من هيئة تحرير الايسكرا صدمة لدى قادة " الاقلية" المناشفة فأعلنوا مقاطعة الايسكرا ، واللجنة المركزية المنتخبة حديثا ثم استقال مارتوف من هيئة التحرير . الامر الذي اثار احتجاج لينين عادا سلوكا مثل هذا نوعا من الفوضوية و غير المقبول ابدا . فلينين كان عازما على تقوية وتمتين الاجهزة الوليدة والمنتخبة حديثا . فأعلن باصرار :" مع انه تم انتخاب هذه الاجهزة بأغلبية ضعيفة الاانها تشكل مع ذلك القيادة الشرعية ، وفي اي منظمة ديموقراطية ، تكون الاكثرية مهما كانت ضعيفة اساس السلطة الدستورية " وانتهى المؤتمر بصخب ولغط . ورغم الانقسام العرضي في مظهره ، الا انه كان الاصل في سيرورة طويلة من التباعد والتمايز والفرقة ، واتساع شقة الخلاف بأتجاه اللاعودة بعد عقد من الزمن . هذه كانت البداية التاريخية لما اصطلح عليه ب " البلشفية" والذي اخذ يزداد تشابكا وتعقيدا ، وحسب الظروف السياسية المضطربة والمستجدة ، و مواقف كلا المجموعتين ( البلاشفة- المناشفة) منها. ..أثناء الحرب الروسية اليابانية عام 1904كانت روسيا تغلي بارهاصات الثورة من اضطرابات عمالية و طلابية و تظاهرات ، ولكن ذلك لم يعجب البرجوازيين الليبراليين. فشنوا هجوما من خلال "الزيمستفوات" والتي كانت تشكل القاعدة السياسية لنفوذهم . فوقف المناشفة الى جانبهم و طالبوا بدعمهم ، في حين كان البلاشفة قد وقفوا جذريا ضد اي تقارب مع الليبراليين . لكن مع ذلك خاض البلاشفة والمناشفة النضال سوية وجنبا الى جنب و تحت نفس الشعارات ، واندمجت لجان الحزب تلقائيا اثناء ثورة 1905الفاشلة . وبعد هزيمة الثورة كان لينين كمارتوف يعتقدان معا ، ان خصوماتهم ثانوية ولاتعدو مجرد زوابع في فناجين شاي الهجرة-على حد وصف ستالين-. وكانت النقاشات حول صلاحية اللجنة المركزية ، وشروط الانتساب للحزب مبررة جدا بالنسبة لمنظمة سرية نامية فعندما خرج الحزب الى العلنية و للمرة الاولى أثناء ثورة 1905كان في وسع اعضاءه ان يصوتوا و ينتخبوا اجهزتهم القيادية دون خوف من الاوخرانا !. و كان لينين شأنه شأن مارتوف لا يرغب الا ان تنتخب القيادة اللجان لا أن تعين من فوق . وكان البلاشفة يعتقدون أن البرجوازية عاجزة عن قيادة الثورة في مرحلتها الديموقراطية البرجوازية وأن على البروليتاريا الصناعية أن تضطلع بهذا الدور لانجاز تلك الثورة . في حين كان المناشفة على خلاف ذلك ، يزعمون ان روسيا المتخلفة " غير ناضجة" للاشتراكية ، وان على الطبقة العاملة الاكتفاء بمساعدة البرجوازية ، ودعمها لاستلام السلطة . في أيار 1907 انعقد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي - والحزب البولوني والليتواني اللذان عادا الى الحزب الام . وكان لينين على رأس المجموعة البلشفية الثورية ، في حين كان مارتوف يقود مجموعته المنشفية الاصلاحية . خلقت ردة ستولبين عام1907 صعوبات قاهرة امام الحركة الثورية في روسيا،وفاقمت من الخلافات في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي ،فقد انحسر النشاط الشرعي للحزب من خلال ما اسماه لينين(قانون الانتخابات الاكثر رجعية في اوربا) لذا اصبحت اساليب العمل السري هي الوحيدة المتاحة والممكنة والمهمة للتعويض عن النشاط العلني،بسبب القيود المفروضة من النظام القيصري القمعي.لكن الجناح المنشفي كان يميل للتكيف مع مطالب الردة الرجعية،وتجنب النشاط السري لصالح العمل البرلماني الاكثر جاذبية وخنوعا.وفي عام1909 عرض لينين تحالفا مع كتلة بليخانوف والمناشفة"المؤيدين للحزب" دون جدوى فقد رفضوا العرض..وفي عام 1910 أجتمع في باريس قادة الكتلتين في مؤتمر تداولي ، وحاولوا فيه و للمرة الاخيرة تجاوز الخلافات و من الجانبين كان هناك من يدفع بأتجاه القطيعة ، ويعمل على تعميق الفجوة بين الجناحين . ولكن المعتدلين من كلا الطرفين - البلاشفة والمناشفة- هم من انتصر في البداية . وكان رجال الوفاق من البلاشفة هم: ريكوف وسوكولينكوف و لوزوفسكي و كامينيف. ومن الجانب الاخر جعل تروتسكي من نفسه رجل الوحدة والوفاق - وافشل مارتوف . و وافق التكتلان على حل منظمتيهما والاندماج ليتخلص كل طرف من متطرفيه ، المناشفة من تصفويهم ، والبلاشفة من مقاطعيهم . ولكن سرعان ما فشلت تلك المصالحة نتيجة للتصلب المنشفي ، ورفضهم لحلهم كتلتهم ، اما لينين من جانبه فقد وفى بالتزامه و طرد المقاطعين الرئيسيين: بوغدانوف ، و لوناتشارسكي . فالمناشفة وجدوا ان طرد الذين وقفوا بوجه النضال السري ، كان يعني القضاء على نفوذهم و لان الغالبية المنشفية منهم كانت تصفوية ! فبدت المسألة على النحو التالي : من عارضوا العمل السري لامكان لهم في الحزب ، والذي يتوقف مستقبله على هذا الشكل الفعال من النضال والعمل الحزبي . هذا ما قاله البلاشفة . اما المناشفة على الاقل الذين كانوا مناهضين للتصفوية ، فكانوا يقولون بأنه على الحزب ان يسمح ببقاء اختلافات في الرأي داخله . لكن لينين المتقبل من حيث المبدأ بوجود معاضة داخل الحزب رفض التساهل بشأن هذا الخلاف الخاص ولان معارضي العمل السري لايمكن ان يكونوا مناضلين سريين جيدين . في الواقع ، كان هذا الامر صراعا مكشوفا بين انصار الانضباط والمركزية و المدافعين عن حق المعارضة والاختلاف . - وهذا الامر الذي سيتطور فيما بعد وفي الحقبة البيروقراطية الى سيف مصلت على رقاب ادنى اختلاف او معارضة داخل الحزب !- . وقد انحاز تروتسكي -مخطئا- ضد الاولين ، وكان هذا هو اللامنطقي في موقفه ، ففي الوقت الذي كان يسعى من اجل الوحدة! زاد موقفه هذا من حدة الانقسام ، والذي يتحمل المناشفة بالكامل تبعته ، ومسؤوليتهم عن الانشقاق القادم . فقد كان المناشفة ينادون بالتحالف مع الليبراليين ضد المعارضين لمثل هذا النوع من التحالف . نظر البلاشفة الى تروتسكي كأكثر من معارض ، بل عدوا غير شريف ، وايضا اعتبره المناشفة حليفا غير موثوق به ، وقريبا جدا من البلاشفة!. شن تروتسكي اثر ذلك حملة في الصحافة الالمانية الاشتراكية ، مؤكدا : أنه ما من احد من المهاجرين يمثل حقا وحدة الحركة الثورية الروسية ، والتي كانت ترغب وبالحاح من اجل وحدة الحزب . ويؤلمها كثيرا خصومات القادة في المنفى . كان هذا هو الرأي السائد لدى المناضلين السريين داخل روسيا ، فحتى ستالين كان يحمل توجها شبيها بذلك و ، يروج له في القوقاز . كانت النقطة الرئيسية لخلاف لينين مع المناشفة، وبعد المؤتمر التوحيدي في ستوكهولم و طوال الفترة التي سبقت ثورة شباط 1917هو ضرورة التمسك بالحركة العمالية الثورية بعيدا عن أي تحالف مع البرجوازية واحزابها . وقد انتقد لينين مرارا المناشفة على اصرارهم الاحمق بالتمسك بالشرعية البرلمانية و توهمهم بامكانية استفادة الماركسيين من البرلمان ، وقد وجه لينين نقدا مريرا وعاب على بليخانوف رفضه الجبان و خوفه من الكفاح المسلح . هذا ما وسع الهوة بين البلاشفة و المناشفة .فقد كانت الخلافات تتضخم ككرة الثلج التي ستشطر الحزب الى حزبين!
بعد الردة الرجعية الستولبينية ، وكمقابل للتصفويين (المناشفة) ، ساد في جناح ( البلاشفة) المزاج اليساري المتطرف. و وجد لينين نفسه - أقلية- أمام (البلاشفة) المتطرفين ( المقاطعين) والذين رفضوا الاعتراف بأن المد الثوري انحسر جدا وأخذ في التراجع . وقد عبر هذا الموقف عن نفسه في نزعة المقاطعة البلشفية الانعزالية . أي الرفض التام للمشاركة في الانتخابات والعمل في( الدوما) البرلمان. وقد انهكت الحزب تلك الصراعات التكتلية ، وخلقت ميلا لدى الاطراف المتنازعة نحو التوفيق والتقارب . وكان تروتسكي يمثل ذلك الاتجاه الوحدوي و يسعى جاهدا لتحقيق ذلك ، حيث كان لهذا التيار أنصار و مؤيدين في كلا الجناحين .. ورغم نجاح تروتسكي في تأمين أجتماع لقادة جميع الكتل في محاولته لطرد كل من " التصفويين" المناشفة و " المقاطعين " البلاشفة . إلا انه لم يفلح في استعادة وحدة الحزب . وقد استمر لينين حتى عام 1917 " يحلم بتحالف مع مارتوف مدركا للقيمة التي يمكن لذلك التحالف ان يكونها" وفقا للوناتشارسكي . وقد اثبتت حيثيات الوقائع خطأ لينين و تروتسكي بأي امكانية لاعادة وحدة الحزب من جديد .. ولم الشمل ثانية .
في عام 1912 حلت نهاية عشر سنوات من الصراع والخلاف والانقسام ، وخيم شبح الانفصال على حزب منقسم على ذاته منذ المؤتمر الثاني عام 1903 . وشارف حلم لينين، بحزب موحد منسجم في توحده ، شديد الانضباط والمركزية ، فولاذي البناء . ذلك الحلم الذي كافح من اجله لسنوات على التحقيق : كتلة صوانية من الثوريين الاشداء المنضبطين ... تنظيم ممركز ... ومن طراز جديد . اعلن لينين في مؤتمر براغ التداولي عام1912 : ان التكتل البلشفي هو الحزب ، الحزب البلشفي الروسي . وتجمع المناشفة و مجموعة من الحلقات الصغيرة من البلاشفة بقيادة بليخانوف في لجنة تنظيمية ، وكمحاولة لافشال مسعى لينين للانفراد بالحزب ، لكنهم لم ينجحوا في ذلك . أصبح بأمكان الاشتراكيين بعد انتعاش الظروف السياسية ، واصدار الصحف والنشر بشكل علني في بطرسبورغ . فقد انتحل البلاشفة أسم صحيفة تروتسكي ( البرافدا) الفينوية ، واصدروا العدد الاول . وكان المناشفة يصدرون صحيفة لوش ( الشعلة) . فقد تغير الوضع السياسي نسبيا في روسيا ، وانتهت سنوات القمع والثورة المضادة ، وتلاشى الارهاب والخوف . و بدأت الحركة العمالية الثورية في النمو و التصاعد والامتداد وانخرط في النضال النقابي ، والاحزاب الاشتراكية السرية ومن مختلف المشارب جحافل من ألاف العمال الثوريين داخل روسيا . كما جرى المزج بين العمل الحزبي السري والعمل التعبوي والدعائي العلني الشرعي . وكان انصار لينين يسيطرون على مجمل التنظيم السري الاشتراكي الديمقراطي ، في حين كانت التنظيمات المنشفية شبه كسيحة و نشاطها محدودا ومقتصراً على مجموعات ضعيفة سياسيا و منعزلة . رفض اللينينيون حضور مؤتمر تداولي في فيينا حيث أجتمع المناشفة والبلاشفة المتطرفون والمقاطعون و البوند ، ومجموعة تروتسكي ، ليشكلوا ماعرف في حوليات الاشتراكية الروسية ب ( كتلة أب) وكان تروتسكي الناطق الرسمي لتلك الكتلة ، وبذل جهده للتنديد بلينين و " عمله الانقسامي" في الوقت الذي كان فيه لينين واضحا وصريحا و يقر بعلانية و دون وجل ، نيته في اعتبار البلاشفة هم وحدهم من يمثل شرعية " الحزب" و قوامه . كان المناشفة يستخدمون تكتيك ألقاء تبعة المسؤولية عن الانقسام ، وعلة الانشقاق على عاتق لينين وفي حين كانوا هم انفسهم أشد رغبة و حماسة مضمرة للانشقاق والتباعد. ويقف على رأسهم : بليخانوف ، ومارتوف ، و اكسلرود ، ودان . و طوال تلك السنوات الاربعة عشر من عام 1903 حتى عام 1917 كان الرأي السائد داخل حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي و مناضليه السريين داخل روسيا مختلفا عن تناحر القيادات في الخارج -في ما يتعلق بجناحي الحزب ، من مناشفة ، وبلاشفة - معتبرا ذلك مصدرا للازعاج و التخبط وألم وكابوس لا لزوم له ، ولا يصب في مصلحة النضال العمالي من توحد واهداف مشتركة ولم يكن ذلك الا نتيجة و حصيلة لاجواء الخلافات والصراعات الشخصية المسمومة بين قيادات المنفيين في الخارج .
أثارت النزعة التوفيقية المبتذلة لستالين و اورجدنيكيدزه و هيئة تحرير البرافدا ، الحنق و الغضب لدى لينين ، وغيرهم من البلاشفة العمليين، والتي برزت في اكثر اشكالها فضاضة وانتهازية ، والتي كان يحركها الجهل واللامبالاة تجاه القضايا العميقة والخطيرة . فخلال انتخابات 1912 كتب لينين الى هيئة تحرير البرافدا قائلا: " برافدا تتصرف الان وفي وقت الانتخابات مثل خادمة عجوز كسولة ، " برافدا" لاتعرف كيف تحارب ، انها لاتهاجم انها لاتنتقد الكاديت او التصفويين " . ولم يكن مرض التوفيقية مقتصرا على البرافدا فقط ففي تلك الانتخابات التي جرت عام 1912 تم انتخاب ستة نواب بلاشفة في المناطق العمالية ، وقد حذر لينين جميع الستة المنتخبين من الوقوع تحت تأثير النواب المناشفة ، قائلا:" اذا كان جميع الستة من المناطق العمالية ، فأنه يجب عليهم ان لايخضعوا بصمت للسيبيريين( اي المثقفين- المناشفة) يجب على الستة ان يخرجوا بأحتجاج واضح جدا أذا ماتم التحكم فيهم " . و بدلا من ذلك شكل النواب البلاشفة " كتلة موحدة" مع "السيبيريين " و اصدروا بيانا مشتركا نُشر في البرافدا يدعو الى وحدة جميع الاشتراكيين الديمقراطيين ، وقد وضع اربعة من البلاشفة اسمائهم الى جانب غوركي كمساهمين في " لوش" و دمج " برافدا" مع جريدة التصفويين " لوش" . وذهبت احتجاجات لينين أدراج الرياح . وقد قال لينين :" يجب علينا ان نزرع هيئة تحرير خاصة بنا في " برافدا" و نطرد هيئة التحرير الحالية - ستالين احدهم !!- أن الامور الان في حالة سيئة جدا . وان عدم وجود حملة من اجل الوحدة من تحت أمر غبي وحقير وهل يمكنكم ان تسموا مثل هؤلاء الناس محررين ؟أنهم ليسوا رجالا بل رقاعا رثة وهم يضرون بالقضية "!! كانت هذه لغة لينين التي استخدمها ليس لمهاجمة تروتسكي أو المناشفة ، بل التوفيقيين اتباع المناشفة داخل منظمته البلشفية ، وهيئة تحرير صحيفته الخاصة بحزبه البلشفي !!.. اولئك الاسلاف للبلشفيين الاحفاد الجدد!!.
و بحلول الحرب العالمية الاولى عام 1914 تلاشت الخلافات القديمة ، باستقلال البلاشفة في حزب واحد هو الحزب البلشفي الروسي، لتحل بدلها خلافات أخرى جديدة.
كان لينين ، وحتى بعد القطيعة الكاملة مع المناشفة، يرغب حقا وبأخلاص في التصالح مع مارتوف ، رفيقه وصديق عمره. لقد كتب في صحيفة " غولوس" التي كان يصدرها مارتوف في باريس ، قائلا : " ان غولوس الصادرة في باريس هي الان افضل جريدة اشتراكية في اوربا ، واذا كنت وقفت في وجه مارتوف احيانا كثيرة جدا و بعنف شديد فعلي ان اقول بالشكل الاكثر حزما انه يفعل اليوم ما على الاشتراكي الديمقراطي ان يفعله بالضبط" .
انه نبل الثوري المتسامي على العواطف الانانية الضحلة والاحقاد ، هو الذي كان ينطق بلسان لينين!. وقد رد مؤسس المنشفية على لينين وبالحرارة والصدق ذاته ، وحيا ظهور جريدة " الاشتراكي الديمقراطي" التي كان يصدرها لينين ، و وافقه على ان النزاعات القديمة فقدت كل معنى . الا ان الاحداث القادمة اثبتت عكس ذلك تماما ،وذبلت امال الوفاق!. وأن المصالحة أضحت أمر بعيد المنال ، بل مستحيلا.. في عام 1915 أُفْتُتِحَ في زيمرفالد مؤتمرا تداوليا أمميا للاشتراكيين الاوربيين . وهو الاول منذ اعلان الحرب . ضم 83مندوبا من 11بلدا متحاربا و حياديا . لتأكيد تضامنهم الاممي ضد الحرب ، وصعود النزعة الشوفينية التي اخذ يعلو صوتها بين الامم المتحاربة . وقد مثل لينين البلاشفة في هذا المؤتمر ، ومثل اكسلرود المناشفة . كان هذا المؤتمر أرهاصا و خطوة بأتجاه الاممية الثالثة القادمة ، وبعد ان بانت علامات الاحتضار على الاممية الثانية وبعد ان اصيبت بمرض الوطنية والدفاعية. وفي نهاية نفس العام دب الشقاق والضعف في مجموعة زيمرفالد ، فقد كانت الاقلية اللينينية تنأى بعيدا عن الاشتراكيين المسالمين والوسطيين أنصار الاعتدال والوطنية . وتعرضت عناصر الحركة الاكثر أممية للاضطهاد من قبل الحكومات المتحاربة، وبدعم من الاشتراكيين الوطنيين، فسحق بعض قيادييها ، وارسلت البعض الاخر الى الخنادق . وكان سلوك المناشفة داخل الدوما بالغ النذالة لوقوفهم مع الحرب الوطنية ، وأما البلاشفة ، فقد حُكم عليهم و أُرسلوا الى المنفى السيبيري !..
لقد سعى لينين و بهمة جبارة لبناء حزب ماركسي مركزي و منضبط و مستقر تنظيميا وسياسيا ً، ومن اجل بناءه بناءامتينا أضطر في عدة مناسبات لمحاربة نفس ذلك الجهاز الذي كافح من اجل تأسيسه و أدامته . لقد كانت مواقف البلاشفة القدماء بعد ثورة شباط الديمقراطية البرجوازية عام 1917 قريبة من مواقفهم الفاضحة عام 1912 . فقد دافع الحرس القديم من البلاشفة أمثال : ستالين و كامنيف و زينوفيف و غيرهم من البلاشفة المخلصين للينين عام1917 عن تقديم الدعم لحكومة كيرنسكي، والدعوة للوحدة مع المناشفة ، أي ببساطة التخلي عن الماركسية الثورية ، والانتقال الى صف الديمقراطية البرجوازية الاكثر ابتذالا و ميوعة . وهؤلاء هم ( البلاشفة) الذين ناضل لينين طوال حياته ، وبصبر لاينفذ من أجل تثقيفهم و أعدادهم كبلاشفة ، ولكن لم ينجح اي منهم في امتحان الاحداث عشية انتفاضة اكتوبر المجيدة. فقد كان موقفهم قبل وصول لينين في ابريل و تروتسكي في ايار ، متناقضا بحدة مع كل التعليمات التي كان لينين يرسلها من المنفى في فترة الحرب . وكمثال على ذلك فقد دعت صحيفة البرافدا جريدة ( البلاشفة) والتي كانت تحت ادارة كل من: كامينيف، وستالين : الى الدفاع عن الجمهورية الديمقراطية البرجوازية !!. وحتى وهو في المنفى قبل العودة ، كتب لينين مرارا وتكرارا ، وهو في منتهى القلق والغضب الى بتروغراد مطالبا بالقطع السياسي مع البرجوازية و نبذ سياسة الدفاع عن الوطن . ففي 6 مارس1917 ابرق لينين من ستوكهولم قائلا : " تكتيكنا هو عدم الثقة مطلقا ، وعدم تقديم اي دعم للحكومة الجديدة و الارتياب في كيرنسكي على وجه الخصوص ، وتسليح البروليتاريا هو الضمانة الوحيدة ، و اجراء انتخابات فورية لمجلس الدوما في بتروغراد ، ولا للتقارب مع الاحزاب الاخرى" . و يوم 17 مارس ايضا كتب يقول : " سيجلب حزبنا العار لنفسه الى الابد و سيقتل نفسه سياسيا اذا ما شارك في مثل هذا الخداع سأختار الانشقاق. الفوري عن اي شخص داخل حزبنا بدلا من الاستسلام لنزعة الاشتراكية الوطنية". كانت هذه الكلمات تحذيرا موجها لكامينيف و ستالين اللذان استمرا على مواقفهما رغم رفض قواعد العمال المناضلين ، والذين استقال بعضهم من الحزب اشمئزازا من استسلام القادة !! هؤلاء هم البلاشفة الذين يفخر بالانتساب اليهم وتطويبهم نحو القداسة ! الدونكيشوتيون الجدد. حيث جرى تنزيههم عن الخطأ والانحراف و كرست عصمتهم في الكمال ، ورفعتهم عن الهفوات الخطيرة والزلات المميتة . وعندما وصل لينين في ٣ نيسان الى بيلو أوستروف قال" ماهذا الذي تكتبونه في البرافدا !! تمكنا من قراءة بعض الاعداد وقد أنبناكم عليها " . وانتقد كامينيف على مقالاته التي نشرت في البرافدا ، والتي تؤيد فعلا الحكومة المؤقتة ، وانتقده ايضا على موقفه من الحرب الذي قاده الى الدفاعية !! كان ستالين جزاءا من هذا التيار الذيلي البلشفي المؤيد لكيرنسكي ، ولكنه بعد عدة سنوات سيستخدم تلك المواقف الانتهازية،والتي كان ضمنها!! ضد رفاقه كمواقف برسم الادانة والتجريم والتخوين - دون ان يشمله ذلك- فقد بات بعد موت لينين اكثر لينينية من لينين . و نصب سريره في الكرملن ليقيس احجام البلاشفة وفق قياساته وفهمه القاصرو تصوره هو للماركسية وأفكار لينين و أقيم صرح للاسطورة وارتفع بنيانهافوق اجساد وجماجم الرفاق البلاشفة!
الان.... ونحن نقترب من عتبة الختام و نهاية تداعيات وتأملات شجننا وشجوننا ! وأدراكنا الفوات بعد الفوات وبعد ان انهينا مقاربتنا وجردنا السريع والمختصر لتاريخ البلشفية، وسلطنا بعض الضوء على جانب من اهم مفاصل و محطات السيرورة العسيرة والشاقة لانشطار وانشقاق حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي حتى بلوغه الانفصال الكامل . فماذا تبقى من تلك البلشفية العتيدة ، كواقع حاضر وملموس؟!. لم يبق مايستحق الذكر سوى المادة التاريخية من حوليات و وثائق تنفع المؤرخين في بحث ودراسة تاريخ ذلك الحزب والحركة العمالية الثورية الروسية . والتحولات والصراعات والانقسامات وما صاحبها من تعدد وتباين تلك التنظيمات وأسمائها ، وفي ما يتعلق بالحزب ، فقد قطع شوطا من: جماعة تحرير العمل .. الى حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي .. ثم الحزب البلشفي .. والحزب الشيوعي الروسي(البلشفيك) .. واخير الحزب الشيوعي السوفيتي. وبعد انتصاره في أنتفاضة أكتوبر المجيدة و أنفراده بالسلطة وقمعه لكل الاحزاب: مناشفة وأشتراكيين ثوريين ، وفوضويين وليبراليين ، و وطنيين ، وبوند ، وأقتصاديين ، وغيرهم من التنظيمات والمنظمات وبعد ان اصابها التفسخ والانحلال.و بعد ان هاجر منهم من هاجر! وأنظم للبلاشفة من انظم! والتحق بالثورة المضادة والبيض من التحق! وتقاعد عن النشاط السياسي من تقاعد ! ليسيطر البلاشفة على السلطة والمجتمع الروسي بشكل محكم ودائم .لينفرد الحزب الواحد في التهام السلطة،واضمحلت تلك الديمقراطية التي ارساها لينين داخل الحزب، ليعقبه العد التنازلي لانحطاط و تبقرط و تفسخ الحزب بعد وفاة لينين ، واستشراء الصراعات والخلافات الايديولوجية و السياسية بين معارضة و مولاة ، بين الاحادية والكلانية ، وبين الاراء ووجهات النظر المختلفة المدانة وبحجة تأثيم المختلف ! . ليتربع بعدها الجمود والتحجر البيروقراطي الستاليني مهيمنا وخانقا لكل صوت او مبادرة ! و منهج التطهير و حملات التصفية الدموية التي طالت أغلب الجيل الاول من البلاشفة ،وجزءا كبير من الجيل الثاني. و بعد بدعة التعايش السلمي مع الامبريالية وتقاسم النفوذ العالمي ، وتقسيم الاسلاب و بعد الاطروحة البائسة عن" التطور اللارأسمالي" كدمغة وماركة لانظمة العالم الثالث الفتية التي خرجت حديثا من ربقة الاستعمار و هي ضائعة بين التبعية للمتروبولات والتحرر المشوه والجزئي! وبعد تخلي الرفاق الروس عن الاحزاب الشيوعية المحلية و تركها لقمة سائغة في افواه الرجعيات والفاشيات والشوفينيات من انقلابيين وجنرالات ! العراق 63 واندونيسيا 65 والسودان 71 والتشيلي 73 الخ . والدعوات المشبوهة لحل الاحزاب الشيوعية والانضمام لاحزاب السلطة الفاشية ،في مصر والعراق!.. كل هذا حتى الوصول الى الانهيار المحتوم لبلد اكتوبر و عودة الرأسمالية المشوهة ، ولكن الظافرة الى روسيا وأيتامها في الكتلة الشرقية و كمصير واحد مشترك ! وكان هذا المآل حتميا لان تلك الانظمة لم تكن (اشتراكية)حقا!بل مسوخ بيروقراطية ارتكزت على القمع والهوس الامني،وغياب الديمقراطية والحريات ! سؤالنا الان: ماذا تبقى من تلك المآثر المزعومة التي ذهبت مع الريح؟! أطلال دارسة ! واشباح تحوم ! و ذكريات محبطة ! و نوستاليجيا مريضة ! و خيبات متناسلة !وارتدادات فكرية وسياسية مهولة ومدوية،تركت ارض النضال من اجل عالم افضل خرابا يبابا،وفوضى عارمةفي الواقع والفكر!هذا ماتبقى! فلماذا يخرج علينا سلفيو الفوات الستاليني اليوم مروجين للبلشفية الميتة ؟! أملين باعادتها للحياة و بعد تسع عقود من التحنيط والدفن !نابشين الرمم ! . وما معنى ذلك التبجح الاهوج والاحمق ل " بلاشفة الفوات" ؟! بتفاخرهم الطاووسي ! وترنيماتهم اليومية المغناة كلحن جنائزي عن ( ستالين الذي حول الاتحاد السوفيتي من المحراث الخشبي الى المحراث الفضائي ! وغير ذلك من ترهات)!! و لكنهم لا يتكلمون ابدا ولا يتحدثون عن: مصائر تلك الملايين من الفلاحين الذين انتزعوا من محاريثم ليساقوا كالعبيد الى معسكرات الغولاغ ! ولا يعنيهم وتهتز ضمائرهم - ان كانت لهم ضمائر !- عن العمال الروس الشيوعيين الذين سحبوا من مصانعهم بذل وهوان ، ليتعفنوا في معتقلات ياغودا و يوجوف و بيريا !! . وغيرهم من ( البلاشفة الثوريين) ! . البلاشفة المزيفون الادعياء الجدد لايهمهم مصير الانسان بقدر ما يهمهم الانجاز الاقتصادي المزعوم . والتنافس في الانتاجية الخاسرة مع الرأسمالية في سباق محموم أنتهى بالهزيمة!فالانسان ذلك الرأسمال الاغلى في الوجود حسب كارل ماركس، وغاية الغايات لا يعدو كما مهملا و وسيلة حقيرة ! فليسحق و يموت الملايين من العمال والفلاحين من اجل الطوبى الاشتراكية الزائفة ! الذي كان بالاحرى جحيما ورعبا و ارهاب ! وكما في اللاهوت الانسان من اجل الله ! كذلك لدى ( بلاشفة الفوات ) الانسان وسيلة لتعبيد الطريق الى الفردوس الجهنمي! المسرنمون ...الحالمون ... تقودهم رغباتهم واهوائهم المريضة ، معتقدين بأمكانية اعادة انتاج ما سلف من نهج كلاسيكي ميت! وطرائق ماضوية قامعة و قاهرة للشعوب . عفى عليها الزمن و طمرها غير مأسوف عليها !. و هالة الدوغمائية التي فقدت صلاحيتها في زمنها وبيئتها ، ناهيك عن الزمكان الحاضر ! ها هم يسوقون لنا الان بعبثية ولا معقول وفي العقد الثاني من الالفية الثالثة تلك الدوغماتية القاتلة كدين صالح لكل مكان و زمان !!. من كل الدروس التي مروا بها لم يتعظوا ويأخذوا درسا كديناصورات تحاول مقاومة الفناء الحتمي دون جدوى فقد ذهب العصر الالفي السعيد بأم عمر ! فلا رجعت ولا رجع الحمار! وهاهم يولولون نادبين اطلالهم و يبكون ماضيهم الذهبي المضاع والذي ليس قبله او بعده من شيء ! وكما تقدس الاديان زمن بدء الوحي وعهد الاباء والرسالات الاولى ، والتي هي خير الازمنة ليعقبها الانحطاذ والتدهور ! كذلك يغرق البلشفيون الجدد في مستنقع القداسة ، وماضيهم المتكلس هو ( كعبتهم) وهم حجيجها المحترفون ! هناك تقف تلك البرهة المتجلدة الخالدة التي وقف فيها التاريخ باكيا فردوسه المفقود ! تلك اللحظة التي كان فيها التاريخ سخيا كريما ، لاسواها.. ولا غيرها.. ولاقبلها ..ولا بعدها!، كزمن جوهري في عودة الزمن الى اوله ، اي الى ماضيه المتفرد والنموذج لمستقبله، كزمن الاصالة دائريا كزمن الاسطورة !..هكذا اذا .. التاريخ لا يتقدم ! بل يدور في حلقة مفرغة او يتوقف جامدا مذهولا او يعود القهقري على عقبيه بحنين عذب الى وادي الفوات ! فالماضي هو ذروة التاريخ وغايته ! وما الحاضر سوى العيش مع اشباح واخيلة ذاك الماضي المبهر!. واجترار تلك الانتصارات الدونكيشوتية المزعومة ! فلا قيمة هناك او وجود لشيء اسمه الجدلية او لحراك الواقع و مخاض التغيير والصيرورة !.
يقول لينين ، وكانه يتنبأ " اننا ننظر الى نظرية ماركس في كل الاحوال ليس كنظرية مغلقة غير قابلة للمس. أننا بالعكس من ذلك ، مقتنعون بانها وضعت اسس العلم الذي ينبغي على الاشتراكيين تطويره في كل الاتجاهات ، فيما لو ارادوا ان لا يبقوا في مؤخرة الحياة " يالها من نبؤة تدين بجزم حقا كل من جعل من العلم طائفة دينية! كهنوت و رهبنة متصلبة في عقيدتها الارثوذكسية التي لاتعرف( كل الاتجاهات) بل اتجاه واحد أحادي و كل ماسوى ذلك هو في (ايمانها ) أنحراف أو مروق او ارتداد أو خيانة أو كفر أو عمالة الخ . لقد اختار البلاشفة الاجداد ولاحفادهم اليوم ان يكونوا لا خارج الحياة فحسب بل خارج التاريخ بعد ان تخلى عنهم وخرجوا منه مندحرين !.. ان رفاقنا الاعزاء كأهل الكهف الذين استيقظوا بعد دهر فوجدوا ان" ورقهم" لا يصلح لشراء اي شيء من السوق ، فهو خارج التداول ؟. هناك مسرحية للكاتب الشيوعي الامريكي كليفورد اوديتس- الذي اراد الحزب الشيوعي الامريكي خنقه باصوليته واملاءاته،و دجنته الرأسمالية، وحطمته هوليوود - بعنوان : بأنتظار (اليسار) ليفتي . ليفتي الذي تأخر ولم يأتي! وبلاشفة الفوات سيكون عليهم الترنم والنوم لدهر اخر مضاعف ، واكثر من رقاد اهل الكهف ، وبانتظار طويل لل " ليفتي" لابد من الكثيرمن ال" خفتي" !!.وحين يستيقظون - هذا اذا استيقظوا ! - سيجدون من جديد ان "ورقهم " لم يعد نافعا او متداولا في كل الاسواق ! حينها عليهم اما ان يغيروا او يطوروا " ورقهم" بكل الاتجاهات و يخرجوا من جلودهم اليابسة ومن انغلاقهم العقيم، ودوغمائيتهم العمياء ، ويتكيفوا مع واقعهم و حاضرهم ، ويبدلوا ( نقدهم ) ليصلح للتداول والتعامل والصلاحية في السوق الاجتماعي ، أما هذا او يعودوا من جديد الى كهفهم الماضوي الذي ما ملكوا ، ولن يملكوا سواه . حينها سيكون رقادا ابديا بلا عودة ، ليقال ساعتها. وداعا... بلاشفة الفوات!!.
.......................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...



#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعقيب على مقال(صناعة الانسان والمواطن عن طريق الهندسة الاجتم ...
- كتاب:تاريخ الحزب الشيوعي الروسي(بلشفيك)-المنهج المختصر/ بين ...
- العمال والثقافة البروليتارية...رؤية تروتسكي للادب والثورة.
- تطور مفهوم الطبقة العاملة لدى ماركس من طبقة بذاتها الى طبقة ...
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(كامل).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(10).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(9).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(8).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(7).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(6).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(5).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(4).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(3).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(2).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(1).
- تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا....(كامل).
- تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(4).
- تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(3).
- تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(2).
- تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(1).


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الإنسان يصنع مصيره: الثورة الروسية بعيون جرامشي / أنطونيو جرامشي
- هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات ... / عبد الرحمان النوضة
- بابلو ميراندا* : ثورة أكتوبر والحزب الثوري للبروليتاريا / مرتضى العبيدي
- الحركة العمالية العالمية في ظل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر / عبد السلام أديب
- سلطان غالييف: الوجه الإسلامي للثورة الشيوعية / سفيان البالي
- اشتراكية دون وفرة: سيناريو أناركي للثورة البلشفية / سامح سعيد عبود
- أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول) / علاء سند بريك هنيدي
- شروط الأزمة الثّوريّة في روسيا والتّصدّي للتّيّارات الانتهاز ... / ابراهيم العثماني
- نساء روسيا ١٩١٧ في أعين المؤرّخين ال ... / وسام سعادة
- النساء في الثورة الروسية عن العمل والحرية والحب / سنثيا كريشاتي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا - ماجد الشمري - تأملات حول(البلشفية)وتاريخها..