أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - ما الوطن ؟















المزيد.....

ما الوطن ؟


منذر علي

الحوار المتمدن-العدد: 5589 - 2017 / 7 / 24 - 00:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


استوقفني سؤال في غاية الذكاء ، طرحته إحدى الأخوات: ما الوطن يا ترى؟ يا له من سؤال موجع ! نعم ما الوطن؟ نحن لا نسأل عادة هذا السؤال. فالناس يكتبون شعراً في الوطن ، ويتغنون بأمجاده الغابرة ، ويتطلعون إلى تحقيق عزته ...الخ ، ولكنهم لا يسألون مثل هذا السؤال، ولا يفكرون في الإجابة على مثل هذا السؤال . لماذا؟ ربما لأنهم يعيشون المبني دون أن يفكروا بالمعنى. تماماً كمن يعيش في بيت حتى لو كان خرباً ومشققاً ، فأنْه لا يشعر بحاجة لأنْ يسأل عن معنى البيت. ما الوطن إذن؟
الوطن كمشاعر حسية وكانتماء وكفكرة مجردة ، تنشأ مع الولادة والألفة والإقامة الدائمة والتربية الطويلة، والاندماج في البيئية الاجتماعية ، والتجربة الممتدة والمعقدة خلال مسيرة الإنسان. كما أنها تنشأ من مجرد الانتماء والألفة الطويلتين ، كأنْ يهاجر إنسان ما إلى وطن آخر، ويكتسب، مع الزمن، صفة المواطنة ، وينمو لديه، بعد تجربة طويلة وألفة ، إحساس بالكرامة ، فتنمو لديه مشاعر المواطنة تجاه الوطن الجديد الذي هاجر إليه واستضافه. وقد يكون الوطن مجرد مفهوم حسي بدائي ، وقد يتجاوز البعد الحسي، ويصبح مفهوماً مجرداً وعميقاً ، له معنى القداسة.
ولذلك، تتعدد معاني الوطن، بتعدد وعي الناس الذين يقطنون فيه. فالوطن عند بعضهم عبارة عن مربض ، كمربض البقر أو الغنم الذي تأوي إليه. وهنا يحاول الناس أنْ يصونوا مرابضهم ، كجماعات صغيرة ، و ينطحوا كل من يحاول الاقتراب من مرابضهم الخاصة في إطار الأرض الواحدة ، وخاصة حينما يشعرون أنَّ هناك ،من سكان المرابض الأخرى ، من يهدد كيانهم، سواء كان ذلك التهديد واقعاً أو متوهُماً ، وهم لا يمانعون ولا يرون تعارضاً في تقديم الولاء للقوى الخارجية التي من شأنها أن تدعمهم في "نطح" غيرهم في الداخل أو الفتك بهم. والمثال على ذلك إنَّ "أنصار الله" ( الحوثيين) حينما شَعَرُوا في مطلع 2014 بأنَّ الجماعات السلفية تهددهم في مرابضهم ، نطحوهم ، وأجبروهم على الخروج من دماج ، ثم دخلوا عمران وصنعاء ، ونطحوا كل من يخالفهم الرأي ، وامتدوا عبر تعز إلى عدن ، ونطحوا كل من كان يقف في طريقهم ،متكئين على الدعم الإيراني لفرض هيمنتهم الشاملة على المنطوحين.
كما شعرتْ بعض الجماعات القبلية، التي استحوذت على عدن والمحافظات الجنوبية ، بدعم سعودي وإماراتي ، بأنَّ أبناء تعز من العمال العاديين ، يهددونهم في مرابضهم ، فتم نطحهم بقوة ، وطردهم إلى تعز ، خلال 2016 و 2017، وعمل الشيء ذاته بعض زعماء المرابض في حضرموت ومناطق أخرى ، بل أنَّ بعضهم أستخدم الذبح والإحراق ، "بشكل حضاري" ، ضد البعض ، لمجرد أنهم ليسوا من ذات المنطقة، أو لأنهم من طائفة أخرى ، واستلذذت بعض الفئات السكانية، هنا أوهناك، بما يجري من قتل في مرابض الإطراف الأخرى ، سواء كان ذلك في صعدة ، من قبل العدوان السعودي ، ضد أهلنا في صعدة ، أو في تعز من قبل أنصار الله، أو في عدن من قبل بعض الجماعات القبلية ومن قبل داعش وأخواتها، وهنا لم يحركهم "العقل" وإنما حركتهم الحوافز الانتقامية البدائية ، والدفاع عن مرابضهم الحيوانية ، بعيداً عن أي مفهوم للوطن والوطنية.
والأمر لم يخلوا من طرافة، حينما تدخل أحد "المثقفين البارزين"، الذين درسوا القانون الدولي في جامعة السوربون - باريس، وتوقعنا منه أنْ يدين تلك الممارسات الهمجية ، أينما كانت، كما يقضي بذلك الضمير والشرف والعقل ، فإذا بنا نفاجأ باقتراح أشد همجية ، ويتلخص في ضرورة أنْ " تتخذ السلطة الشرعية والسلطات المحلية إجراءات مقيدة لمفهوم المواطنة المتساوية وحرية التوطين والحركة والتنقل بحرية بين الجنوب والشمال" و حصر الآخرين ، ووضعهم تحت الرقابة الدائمة من قبل عقال الحارات ( أنظر مقالة الدكتور محمد السقاف، المنشورة في عدن الغد: الأحد 26 فبراير 2017)، وهذا يعني نقل الصراع من كونه صراع بين زعماء المرابض إلى حرب أهلية طاحنة بين أبناء الشعب اليمني.
والوطن قد يتشكل عبر الاستيطان والألفة القائمة على الأوهام والخرافة كالأوهام الصهيونية، مثلاً ، التي ترى في فلسطين وطناً قومياً لليهود. ولذلك نرى اليهود ، المنتسبين للفكر الصهيوني، الذين ولدوا في أوربا وأمريكا ، يَفِدون إلى فلسطين تباعاً ويُوَطنون فيها ، ضد رغبة السكان الأصليين ، أصحاب الأرض ، من أبناء فلسطين، ويدافعون عن تلك الأرض التي يعتبرونها وطنهم وفقاً للمفهوم التوراتي الزائف.
والوطن عند رجل الدين "السني العقائدي" ، هو دار الإسلام ، وليس الإقليم الجغرافي الذي يقيم فيه. فتعز، مثلاً ، عند هؤلاء ليست أكثر أهمية من اسطنبول أو أسلام آباد أو كابول. و على الرغم من أنَّ الوطن لدي هذه الفئة، قائم على أساس "الأممية إسلامية" ، إلاَ أنها أممية طائفية ، تستثني الشيعة ، بفرقها المتعددة ، وكذا الأمر في ما يخص مواقف الشيعة تجاه السنة من قضية الوطن.
غير أنَّ مفهوم الوطن لدي البعض الآخر يتجاوز المربض والخرافة ، ويرتقي إلى الفكرة. فيكون ذلك الوطن هو الأرض والشعب المتجسد في دولة مستقلة أو شبه مستقلة، an autonomous´-or-semi-autonomous state ، معترف بها دولياً ، و تحكمها قوانين وأعراف ومؤسسات متعددة الوظائف، و يتشارك فيها الناس في الثقافة والقيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية ، والتقاليد والعادات والتاريخ المشترك ، واللغة أو اللغات ، والشعور بالأمن والأمان ، والإحساس الجماعي بالهوية الوطنية الواحدة ، المتميزة عن غيرها ، وليس بالضرورة المتفوقة على غيرها ، ويتشكل هذا المفهوم ، بشكل تدريجي ، منذ الولادة والتنشية الأولىPrimary socialisation ، و من خلال الانتماء، و التنشئة الثانية ، Secondary socialisation , ، التي تتم عبر التربية والتعليم ، والأعلام ، والاختلاط الاجتماعي، والحياة العملية ، والمعايشة التاريخية، فينشأ مع الزمن توافقاً عميقاً و تعايشاً بديعاً على الرغم من التنوع في التركيب الجيني ، و في الأمزجة، والتجارب الحياتية ، والرؤى الفكرية ، والمصالح الاجتماعية . وهنا يتجاوز الوطن ، بمعناه الإنساني ، مفهوم المربض الحسي لدي الحيوان الناطح، إلى الفكرة المجرة التي تجسد الحسي والمعنوي معاً، وهذا ينتج عن التنشئة وعملية الاندماج الاجتماعي، Social integration الطويلة .
وفي ظل هذا المفهوم للوطن ، يتشكل المواطن ، الذي يحرص على التوافق الداخلي مع غيره ، في مواجهة الأخطار الخارجية ، المحدقة بالوطن ، فيسعى للدفاع عن كيانه الجغرافي كله ، فلا يفرق بين منطقة وأخرى، أو بين جهة جغرافية وأخرى، أو بين جماعة سكانية وأخرى ، أو بين رجل وامرأة ، ويشعر أن له الحق في الإقامة في أي بقعة من أرض الوطن ، ويشعر بأن الوطن ، بقدر ما يسكنه ، كيانٌ راسخ في وجدانه، يستحق الذود عن كل ذرة من ترابه، وهذه هي أرقى المفاهيم لمعنى الوطن.
وفي بلادنا لم نصل ، بعد ، إلى هذا المستوى من الوعي بالوطن ، فمفهوم الوطن مازال لدي قطاع كبير من الشعب اليمني ، وربما العربي ، مفهوماً بدائياً ، ولذلك لا نستغرب عندما يتجاهل الناس القواسم العميقة المشتركة بين أجزاء الوطن ، ونراهم يتحدثون عن الجنوب، باعتباره متميزاً ومختلفاً عن الشمال ، وعن الشمال باعتباره متميزاً عن الجنوب، وعن مناطق وليس عن وطن، و عن " شعب تعز ، وشعب شبوه ، وشعب حضرموت ، وشعب صعدة وذمار " وليس عن شعب اليمن .
لقد أنجزت الثورة اليمنية ، سبتمبر وأكتوبر المجيدتين ، بعض التقدم على صعيد تعميق الهوية الوطنية ، ولكن هذا التقدم كان محدوداً للغاية ،حيث أخفقت النخب التي أعقبت الثورة في تحقيق الاندماج الاجتماعي ، . على أنَّ الأسوأ من كل ذلك ، هو أنَّ النخبة السياسية المهيمنة على مسرح السياسي اليوم ، لم تفشل فقط في الحفاظ على ملامح الهوية الوطنية اليمنية ، ولكنها حاولت ، أنْ تقنن legitimized المرابض المتخلفة والمختلفة ، وفتحت المجال أمام المهيمنين في تلك المرابض لتحكم نفسها بنفسها ، تحت وهمٍ أنها بذلك ستكبح " المركز المقدس" ، ولكن ما حدث ، هو أنها قوَّتْ المركز المقدس ، وأنشئت مراكز مقدسة جديدة ، وتكون بذلك قد فتحت صندوق باندورا ، فأنطلق منه كل الشرور لتعم "اليمن السعيد"!
وها نحن وبعد حوالي ستين عاماً على الثورة اليمنية ، بكل ما رافقها من نجاحات وإخفاقات و تضحيات جمة ، نحاول أنْ نلملم أشتات الوطن المهشم، من جديد ، ونحوله من مرابض للأبقار ، كما يريده المتخلفون وأعداء الشعب والحرية والوحدة والعدالة والتقدم، إلى وطن حقيقي ، يليق بالشعب اليمني العظيم ، الذي خانته نخبة الفاسدة ، أو خذلته ، بسبب جهلها وتخلفها.



#منذر_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى لا نفقد البوصلة تحت وقع المحنة!
- كيف نتجاوز التخلف؟
- الأميرُ الغِرُّ يغدو ملكاً!
- نداء عاجل: اليمن والطاعون القادم!
- اليمن والمخرج من المأزق القائم!
- آفاق الحرب والسلام في اليمن
- الورطة اليمنية والاستثمار في الموت!
- اليمن في خطر!
- مأزق شالري شابلن و ورطة الرئيس اليمني!
- اليمن من عبور المضيق إلى المتاهة !
- نجاح السفير اليمني في لندن يؤرق القوى المتخلفة!
- اليمن وضرورة فك الارتباط
- الدوافع الحقيقية للمنسحبين من المجلس الوطني في اليمن
- اليمن ومكر السياسة
- تأملات في المشهد اليمني


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - ما الوطن ؟