أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ايت بود محمد -   مفهوم الدولة - الأمة بين الفكر السياسي الحديث والسياسة الشرعية















المزيد.....



  مفهوم الدولة - الأمة بين الفكر السياسي الحديث والسياسة الشرعية


ايت بود محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5506 - 2017 / 4 / 29 - 04:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


 
  مفهوم الدولة - الأمة بين الفكر السياسي الحديث والسياسة الشرعية




ايت بود محمد
باحث في القانون الدستوري و علم السياسية
 
 
شكل مفهوم الدولة للإنسان على الدوام الهاجس الذي يلازمه في حياته الشخصية، في علاقاته مع الآخرين، وأوضاعه الخاصة والعامة، بحيث يجدها أينما ولى وجهه، ولقد تساءل الكثير من الفلاسفة والمفكرين عن ماهية الدولة، هل تشكل كيانا ماديا ، أم هي مجرد شيء معنوي نشعر به دون أن نستطيع تحديده ،ولان الدولة على هذا القدر من الأهمية فمن الطبيعي أن تكون موضوع جدل بين مدارس الفكر وتياراته، وعلى هذا الأساس فقد انبثق مفهوم الدولة في الفكر السياسي الغربي عبر محطات تاريخية ، رافقها تبلور مجموعة من النظريات تراوحت بين المرجعية المثالية و المرجعية المادية .
فكيف تبلور مفهوم الدولة -الأمة في الفكر السياسي الغربي ، وماهي أهم النظريات التي أطرته ، وكيف تبلور هذا المفهوم في الفكر السياسي العربي والاسلامي ؟
سأحاول الاجابة على الآشكال الذي يطرحه السؤال الآنف من خلال التصميم التالي :
مفهوم الدولة-الأمة سأتناول ثم (المطلب الأول ) الأمة في الفكر السياسي الغربي-سوف أتطرق الى مفهوم الدولة
وفي خطاب حركات الاٍسلام السياسي ( المطلب الثاني ) في الفكر العربي والاٍسلامي  
المطلب الأول : مفهوم الدولة - الأمة في الفكر السياسي الغربي.
لابد من الإشارة إلى أن مفهوم الدولة- الأمةEtat-Nation- لم يتبلور إلا من خلال تطور مفهوم الدولة في حد ذاته ، وإبراز كل الإشكاليات المرتبطة به ، وهكذا فقد شهد مفهوم الدولة في الغرب تطورا من خلال عدة مقاربات ، خاصة في علمي الاجتماع و السياسية ، وبغية رصد تطور المفهوم ، والنتائج السياسية ، والقانونية ، والموضوعية المرتبطة به ، لابد من إلقاء نظرة ، على نظريات الدولة .
الفقرة الأولى : نظريات الدولـــة
أولا :  النظرية الثيوقراطية :
تعتبر الدولة مؤسسة إلهية والسلطة فيها سلطة الله، من خلال المماهاة بين الإله والدولة والحاكم ، وإضفاء طابع القداسة على الحاكم ، عبر تأكيد وجوب احترامه وعدم محاسبته او مساءلته ،والتأكيد على علوية إرادته وسموها عن إرادات المحكومين ، حيث وجوب طاعة الحاكم والامتثال لإرادته وعدم الاعتراض على أعماله لان القيام بغير هذا يعتبر مساسا بإرادة الله مصدر الدولة والسلطة وخروجا عن أوامره.
هذه النظرة الثيوقراطية نابعة من رؤية مسيحية للدولة في ق 18، فقد أورد لويس الرابع عشر ضمن مذكراته:" السلطة تؤول للملوك بتفويض من العناية الإلهية ، فالله لا الشعب هو مصدر السلطة ولا يسأل الملوك عن مباشرة سلطاتهم إلا أمام الله الذي خولهم إياها .." كما تضمن مرسوم لويس 15 سنة 1770 :" إننا لانتلقى تاجنا إلا من الله..والحق بوضع القوانين يعود إلينا وحدنا..بدون مشورة او إشراك احد..".
وعلى الرغم من أن الملكيات الأوروبية Les Monarchies -Européennes كانت تستند في حكمها على الحق الإلهي، فان ذلك لم يكن إلا نتيجة للتراكم النظري الذي كان يعضد ذلك الطرح ويقويه، تجسد في رواد دافعوا عن هذه النظرية خاصة منهم القديس توماس الاكويني وجوزيف دي مستر- ودوبونالد- وبعدهم بوسيه ، الذي شدد على أن الملكية مقدسة، وان الاعتداء على شخص الملك كفر، "ومادام الله هو كل شي في عالمنا فان الله هو كل شيء في الدولة، بل إن الدولة ذاتها سلطتها أسمى من القوانين ، والملك غير ملزم بتقديم أي حساب ".
إلا انه إذا كان الحكم في القرون الوسطى في أوربا كان يرتكز على نظرية الحق الإلهي فان تاريخ الدولة الإسلامية لم يشذ عن هذا المنطق،على أن الفرق يكمن في انه لايستند هنا على الميتافيزيقيا والغيب بل على الشريعة،وهكذا فالأمويون أصلوا نظرية الحق الإلهي بناء على نظرية عثمان بن عفان الذي اعتبر الخلافة قميصا فمصه إياه الله،عندما قال للوفد الذي جاء من مصر 566 م لمطالبته بالتنحي عن الخلافة نتيجة سخط الناس من كل بقاع الدولة على انتشار الفساد بين عماله وولاته :" والله لن انزع قميصا قمصنيه الله " ،كما أن ذلك يتجلى بوضوح في قول معاوية :" الأرض لله وأنا خليفة الله ، وما أخذت فلي ، وما تركت للناس فبالفضل مني ."
غير أن زمن النظرية الثيوقراطية ولى أمام اندفاع المجتمعات الغربية في الحداثة والعقلانية ، وتقعيد الحكم على أسس ديمقراطية.[1]
ثانيا : النظرية العقدية :
 أسس هذه النظرية كل من (جون جاك روسو- توماس هويس –وجون لوك ) وتقوم على أسس هي : الحقوق الطبيعية ـ حق المقاومةـ الإرادة العامة.
انطلق جون لوكJean Look- من الحالة الطبيعية ليؤسس للحقوق الطبيعية التي اعتبرها لازمة للإنسان، بيد أن هذه الحقوق الفطرية لايمكن بأي حال المساس بها إلا عبر توافق بين الحاكم والمحكوم ، بموجبه يتنازل المحكوم للحاكم عن بعض حريته ، في حين يتنازل الحاكم للمحكوم عن بعض صلاحياته ، لعل أبرزها بالنسبة لجون لوك حق المقاومة والاحتجاج ، ليكون بذلك جون لوك أول من أسس لمبدأ المعارضة السياسية في الفكر السياسي الحديث ،غير أن توماس هوبزThomas Hops- الذي خشي كثيرا من تفاقم الحقوق الطبيعية على حساب الحقوق الجماعية ، ارتأى أن يبتكر شيئا اسماه الإرادة العامة ، قام بتشخيصها في كتابه " اللفياتان " هذه الإرادة العامة لن تكون سوى سلطة الدولة ، التي يجب أن تحد من شطط الحقوق الطبيعية ، وإلا سقط الكل في حالة صراع ضد الكل ، هذه الإرادة العامة ، انطلق منها جون جاك ر وسوJean jack Reseau- ليؤسس لتعاقد سياسي بين الحاكم والمحكوم ، لن يكون برأيه سوى العقد الاجتماعي ، وهو توافق بين الحاكم و المحكوم على أسس ومبادئ معينة ، يتم بموجبها ضبط عملية مزاولة السلطة من طرف الحاكم دون أن يثير ذلك للمحكوم أي شكل من إشكال عدم الرضى.
ثالثا : النظريات القانونية :
 انبثقت هذه النظريات من محاولة مجموعة من الفلاسفة والمفكرين نقد اللبرالية الكلاسيكية ،في النصف الأخير من القرن 19، فقد اعتبر هانس كلسنHans Kilsen- الدولة نظام قانوني ،أي نظام تسلسلي للقواعد القانونية ، بناء على قاعدة تراتبية القوانين التي تنص على ضرورة احترام القاعدة الأدنى للأعلى ، إلى أن نصل إلى الأسمى وهو الدستور.هذه التراتبية تنشأ من قدرة المجتمع على إنشاء إرادة عامة تخصه مبنية على احترام القواعد القانونية الموضوعة من طرفه ،أي انه صاحب السيادة في إعطاء الشكل القانوني للدولة، هذه الأخيرة سوف تنتقل لدى جورج بيرديو-George Burdeau لتصبح حقيقة حين تتم مأسستها ،وتنظم سلطاتها ، وتخضعها لمبادئ وقواعد دستورية محددة، قارة وواضحة ، بمعنى الربط بين الدولة والشرعية الدستورية، وهو نفس التوجه الذي دافع عنه كاري دومالبرغ Cari-de-Malbourg- من خلال إثباته على أن نشأة الدولة تتطابق مع وضع أول دستور لها. واعتبر موريس هوريو-Mauris Hauriou الدولة جهازا اجتماعيا مترابطا، تهدف إلى تحقيق نظام اجتماعي وسياسي،أي أن الدولة لن تبقى مجرد رابط قانوني بحث ، بل تهدف من خلال إرساء أسسها على القواعد القانونية ، وبناء الشرعية الدستورية إلى خلق الترابط والانسجام الاجتماعيين ، يبقى أن السمة الأساسية التي ميزت النظريات القانونية على مدى انتشارها ارتكازها على المبادئ الآتية : القانون ـ الإرادة ـ التوافق أي رضى المحكومين.
رابعا : الأيديولوجية الاشتراكية :
تأسيس الفكر الاشتراكي على مفهومي:" المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ". و في الفكر الماركسي الدولة ظاهرة مستحدثة،باعتبار أن الأصل هو المشاعة البدائية ، وتؤكد النظرية الاشتراكية في جميع تجلياتها على أن المشاعة البدائية، حيث غياب الملكية الخاصة وانعدام الفوارق الاجتماعية ، مطابقة للحظة تحقيق الاشتراكية ، بيد أن أصل تعاسة الإنسان هو ظهور الملكية الخاصة . والدولة عند لويس التو سيرLuis Althusser- جهاز فوقي / أداة أيديولوجية تتمكن عبر مؤسسات العائلة والمدرسة والإعلام والثقافة والأحزاب والدين ، من المحافظة على مكانتها وتركيز سيطرتها دون اللجوء بالضرورة إلى وسائل العنف والقوة والقمع. أما نيكوس بولونتزاس فيعتبر " الدولة في الأيديولوجية الليبرالية بنية فوقية تابعة لنمط الإنتاج السائد، إطار لإدارة الصراع بين الطبقات، وإطار لتحقيق قدر من التوافق بين المصالح المتصارعة والمتناقضة، عكس الدولة الاشتراكية التي يجب أن تسعى لمحو الفوارق الطبقية ، والقضاء على الملكية الخاصة ، أي الانتقال إلى لحظة تحقيق الشيوعية ، وانمحاء الدولة من الوجود".بيد أن لا التراتبية القانونية ، ولا الشرعية الدستورية ولا الترابط الاجتماعي المفضي إلى تأسيس الدولة السيدةL’Etat Souveraine في الفكر الليبرالي ، باستطاعتها تخليص البشرية من البؤس والتعاسة. [2]
الفقرة الثانية : خصائص مفهوم الدولة في النظريات القانونية :
وعلى هذا الأساس لابد من إلقاء نظرة على خصائص الدولة حسب أنصار النظريات القانونية والتي تتجلى في : الشخصية القانونية ـ السيادة ـ السلطة ،وهي رؤية تلتقي مع رؤى فقهاء القانون الدستوري بحيث يرى اغلبهم أن : الدولة تشخيص قانوني للأمة ، بحيث أن الشخصية القانونية تعني : أهلية اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات ، بحيث تصبح الدولة كائنا اعتباريا له حقوق وعليه واجبات، تكون نتيجة ذلك أن الدولة لابد أن تتوفر على سلطة من ابرز سماتها أنها وحيدة ـ فعلية، وهو ما يرمز إلى التمتع بالسيادة، تكون نتيجته الحتمية أن الدولة شخص اعتباري.
إلا أن ديجي- Duguit ،وهو لايرى ضرورة لذلك ،ينفي صفة الشخصية القانونية للدولة ، معتبرا الدولة ظاهرة اجتماعية ناجمة عن انقسام الأفراد وتوزعهم إلى حكام ومحكومين، لكن كيف يمكن التمييز بين التصرفات التي يقوم بها الحكام باسم الدولة ، والتصرفات الشخصية إذا أنكرنا الشخصية القانونية؟، مما يسقطنا في الغموض والغلط وصعوبة تحديد المسؤوليات في حين أن السيادة تستوجب وجود سلطة آمرة ، تتوفر لها وسائل الإكراه ، وتحوز على الشرعية ، كما يرى لافريير La Ferrière :" توجد في كل دولة قوة آمرة متفوقة مفروضة على جميع العناصر في المجتمع ، تمتلك وسائل القسر الضرورية لضمان تنفيذ أوامرها". كما أن ضرورة وجود السلطة العامة هو الذي يجعل مفهوم الدولة – الأمة يتشكل من خلال جعل، وبالضرورة، الدولة تكتسب الشرعية في إطار تبادل للأدوار مع الأمة التي تجد نفسها في النهاية ، حيال سلطة عامة حائزة على شرعيتها ، لامناص من الالتزام بمقتضياتها ، وهذا ماقام ايزمانEisman- بالتأصيل له، الذي يجعل مفهوم امة- دولة هو توافر السلطة العامة التي تعلو إرادات الأفراد وأعضاء هذه الأمة، ولا توجد سلطة تخضعها لها، ويركز كاري دومالبرغCari-de-MalBourg- على الفحوى السلبي للسيادة ، إذ يخشى أن يؤدي مفهوم السيادة كما صاغه ايزمانEisman- إلى نوع من التضخم في ادوار الدولة على حساب حقوق الجماعة ، وهو ما حذا به أن يقدم تعريفا للدولة، للحد من خلاله من هيمنة الدولة على الحرية العامة: "الدولة جماعة من الناس يقيمون فوق أرضهم الخاصة ، ويملكون تنظيما ينجم عنه في العلاقات بين الأفراد سلطة متفوقة في العمل والأمر والقسر".وبالرغم من أن كل من لي فيرLe fur-- ج دابانGeorge Dabban- يبدوان غير مستعدان بالتمام لتقبل فكرة الدولة كما يقدمها ايزمانEisman- ، بحيث شاب تعريفه للدولة التباس بين مفهوم الدولة وجماعة الناس، بحيث لاتبدو جليا أسس هذه العلاقة الملتبسة ، إلا أنهما لايشذان عن نفس الرأي فيما يخص السلطة العامة.
فما هو مفهوم السلطة العامة-Le Pouvoir Publique ؟ وما هو مفهوم السيادة- Souveraineté ؟
أولا : مفهوم السلطة العامة
مفهوم قديم وشائع في الفكر السياسي الغربي، فمفهوم السلطة العامة-Le Pouvoir Publique ، كان يراد به في الفكر الإغريقي ، تلك الصلاحيات التي كان الشعب ، يفوضها للحاكم ، من خلال المجالس الشعبية ،عن طريق الاقتراع العام، بيد انه لايمكن للشعب أن ينهض بمجموعه بأعباء الدولة ، فيفوض بعض الصلاحيات للحاكم ، ليرى ماهو مناسب لتدبير أمور الشعب ، أي انبثاقها عن المجالس الشعبية،واكتسابها لشرعية عموم الشعب ، وتناولها للشؤون العامة ، التي تريد الضبط والتنظيم، وخدمة المصلحة العامة.
ثانيا : السيادة-La Souveraineté
مفهوم حديث ناجم عن شرط تأسيس الدولة القومية الحديثة، في القرن 19 ، ج يودان قام بتأصيل مفهوم السيادة واغناء مضمونه الفكري في مؤلفه (ستة كتب عن الجمهورية 1576) ، وهي تعني سلطة وضع القوانين وإلغائها التي تتمتع بها الدولة دون غيرها من الأفراد والجماعات الأخرى المكونة لها ، هذه الفكرة تتقاطع مع فكرة –دبجي-Duguit من خلال نظرية التضامن الاجتماعي التي نادى بها أي أن وظيفة الدولة وظيفة قانونية، تنبثق عن أن حاجة الفرد إلى الجماعة يجعل الدولة ،مالم تخل بهذا الشرط، في دائرة الشرعية. وخضوع الدولة للقانون يراد به بالدرجة الأولى توفرها على دستور مكتوب يضبط السلطة، ووجود قضاء متمتع بالاستقلالية والحياد والنزاهة.
وهو يربط بين السيادة والشرعية ، يثار التساؤل التالي : ماعلاقة السيادة بمبدأ المشروعية ؟ فالسيادة أصلا يجب أن تتوفر على المشروعية من خلال حصول الحاكم على صلاحياته من الشعب ، إذن أين يكمن الإشكال في هذه السيادة مادامت منبثقة عن إرادة الشعب؟
لربط علاقة السيادة بمبدأي : الشرعية-Légitimité – المشروعية-Légalité ،لابد من التأكد من مدى مطابقة أعمال الدولة للدستور او للفلسفة التي تأسست عليها، كما يؤكد على ذلك ماكس فيبرMax weber الذي يعتبر أول من قام بتأصيل مفهوم المشروعية في علم الاجتماع و السياسة ، من خلال تركيزه في نظرية الحقوق الفردية على 3 أنماط من المشروعية :1- التقليدية او التاريخية ـ 2-الإلهامية او الكاريزمية ـ3- العقلانية.[3]
لقد تبلور مفهوم الدولة- الأمة في أوربا من خلال التراكم النظري/ الفلسفي و الحراك السياسي الذي كانت تشهده الساحة الأوربية في القرون الوسطى ، فالعودة إلى الثرات الفكري الإغريقي ، والقانون الروماني ، وضع موضع تساؤل العديد من الأشياء ، لعل أهمها بالنسبة إلينا هو مفهوم الدولة ، وعلاقتها بمحيطها ، بالدين ، بالمجتمع/ الأمة، بالمؤسسات ، بالأخلاق ، تمت أجرأة هذه العلاقات في إطار نظري ، وتطبيقي ، كان محصلته النهائية ، انبثاق الدولة القومية في القرن 19 ، لتدخل أوربا بعد ذلك في عهد جديد ، عهد إرساء الديمقراطية والحقوق الفردية .فماهي مقومات الديمقراطية ؟
ثالثا : مقومات الديمقراطية :
بعد مخاض فكري عسير ، وتقلبات سياسية عصيبة ،التي شهدتها الساحة الأوروبية في القرون الوسطى، بين مختلف الأقطاب التي كانت تشكل خلفية الصراع السياسي / الأيديولوجي، والفكري : الكنيسة، والموناركيات-Les Monarchies ،الإقطاع ، والجماعات الرافضة للهيمنة باسم الدين، او باسم الدولة، الليبرالية المشكلة من أصحاب رؤوس الأموال الجدد، التي تنامت أموالهم على حساب الفئات البائسة، والأكثر بؤسا، انطلقت الجاكريات- - Les Jakeries(ثورة صغيرة نظمها سكان حي في باريس(Ile de France))- نسبة إلى جاك وهو أكثر الأسماء شعبية، ثم في عام 1548 اندلعت في لاجوين ثورة اجتاحت جنوب فرنسا كله) لتشكل الأساس الذي انطلقت منه الثورات الكبرى الأكثر عنفا،والأعمق أثرا في التاريخ الأوروبي، والغربي بصفة عامة ( الثورة الفرنسية 1789- الثورة الامريكية1776) ، والإعلانات المنبثقة عنها:( إعلان حقوق الإنسان والمواطن... ) لتؤسس لمفاهيم جديدة في تاريخ الفكر السياسي الحديث ، لعل ابرز هذه المفاهيم هي مفهوم دولة القانون ، ومفهوم المواطنة، كأبرز تجليات الديمقراطية الليبرالية،المتأثرة بالفكر المادي، التي تشكلت أهم مقوماتها الأساسية في الدولة القومية السيدة والحديثة في أوربا، فما هي تجليات مفهوم دولة القانون ومفهوم المواطنة ؟ وماهي مراحل صياغتهما في الفكر السياسي الحديث؟
1-دولة القانون
لابد في البداية إلى التذكير باختلاف المدرسة الألمانية والفرنسية في تحديد مفهوم دولة القانون، وذلك نظرا لاختلاف التجربتين أخذا بعين الاعتبار التراث السياسي، للمدرستين كل واحدة على حدة، بيد أن التجربة الفرنسية مع الحكم الملكي المطلق في عهد لويس 14، زادت من تعميق المفهوم في الكتابات السياسية الفرنسية،بحيث تم تحديد مفهوم دولة القانون حسب المدرسة الفرنسية باعتبار القانون أداة للتنظيم العقلاني للدولة للتمييز بين دولة القانون - Etat de Droit والدولة البوليسيةEtat de Police-، هذه الأخيرة تنهض على حسن فعل الأمير، فإذا كانت دولة القانون تفترض سمو القانون المفضي إلى احترام القواعد القانونية من طرف الدولة والمواطن على حد سواء، وبالتالي احترام الشرعية القانونية، مما يجعل في النهاية من دولة القانون، إطارا دستوريا لجعل القانون في خدمة المواطن، فان الدولة البوليسية على العكس من ذلك تجعل من القانون وسيلة للهيمنة، ومصادرة حقوق المواطن، أي إطارا للضبط والتنظيم فحسب،وهكذا فدولة القانون التي تفترض أن الدولة ليست دولة محكومة بالقانون وحسب بل خاضعة له.
سعى لاباند- Laband و دومالبرغ-De-Mal-Bourg إلى مقاربة هذا المفهوم في المدرسة الألمانية، من خلال التأكيد على أن الدولة نظام قانوني تراتبي لتقييد سلطة الملكية المطلقة ،و بالاستناد إلى ارث مؤسسي – الثورة الفرنسيةــ مع ما أتت به من قيم ومبادئ خولت الفرنسيين، وبعدهم الألمان، إطارا مرجعيا لإعادة صياغة مشروعية الدولة والسلطة وتجديد العلاقة بين الحكام والمحكومين ، انه مفهوم الأمةNation – صاحبة السيادة ومصدر القوانين والتشريعات . تلتئم عناصر هذه التراتبية التي هي: الحقوق الطبيعية- إعلان حقوق الإنسان والمواطن ـ الدستور- القوانين والقواعد الأدنى منه درجة.لتشكل القاعدة الصلبة لدولة القانون، التي أضحت تشكل الضمانة الأساسية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، لابد من الإشارة هنا إلى إبراز التناقض الحاصل بين مفهومي الدولة القانونية، التي تعتبر القانون وسيلة للضبط والتنظيم، ودولة القانون، التي تعتبر القانون في خدمة المواطن، الشيء الذي يجعل الدولة القانونية اقرب إلى الدولة البوليسية، ومن اجل حماية دولة القانون من الانحراف نحو الدولة القانونية، أكد كاري دومالبرغ-Cari-De-Malbourg على ضرورة تقييد الدولة بالقانون، هوريو-Hauriou: يعتبر أن ذلك يبدأ مع مأسسة الدولة وربط أجهزتها بمجموعة من القواعد والأحكام المنظمة لها. [4 ]
وبالرغم من الاختلاف الفقهي/ القانوني، والفكري، الذي طغى على مقاربة مفهوم دولة القانون بين أنصار نظرية السيادة الوطنية وأنصار السيادة الشعبية، من حيث سعي أنصار السيادة الشعبية إلى إدخال البعد الديمقراطي في مقاربة العلاقة بين الدولة والقانون ، باعتبار روسوResseau- وهو من أنصار السيادة الشعبية،يرى أن القانون تعبير عن الإرادة العامة الذي يقود إلى تأسيس المشروعية،فكيف تتجلى أوجه الاختلاف بين أنصار السيادة الشعبية والسيادة الوطنية؟ وما هي ملامح المفهومين؟ والى ماذا يفضي ربط الدولة بالإرادة العامة؟ لاشك، وكما يرى ذلك أنصار السيادة الشعبية، سيفضي إلى الربط بين الدولة والأمة. [5]
أ-مرحلة الربط بين الدولة والأمة
اتسمت هذه المرحلة بإعادة تأسيس مفهوم دولة القانون وربطه بإشكالية الديمقراطية، ليصبح المفهوم ضمانة نظرية لإعادة تقويم دور المجالس النيابية –بالتشديد على دور الرقابة الدستورية والقانونية، متيحا الفرصة لإبراز الديمقراطية كأساس لتقعيد مفهوم:" دولة القانون".
ب- المرجعية العربية-الإسلامية
إذا كان الغرب، وذلك من خلال فصل الدين عن الدولة، قد استطاع التوصل إلى جعل العلاقة بين السياسة والقانون والدين والأخلاق، واضحة بحيث تضطلع الدولة بمهمات التنظيم والضبط بعيدا عن التأثير الديني والأخلاقي كما أكد على ذلك مكيافيللي من خلال تناوله للعلاقة بين السياسة والأخلاق، خاصة في كتابه ( الأمير-Le Prince )، بحيث عمد إلى رسم مسافة فاصلة بين السياسة والأخلاق، وهو بذلك عكس مايتوهم بعض الناس الذين يربطون بين مكيافيللي وسياسة الكيل بمكيالين ، او المقولة الشهيرة" الغاية تبرر الوسيلة " وهو التعبير الأكثر ابتذالا للمكيافيللية،فاني اعتقد أن هؤلاء الناس لم يفهموا مكيافيللي جيدا، الذي لم يقم سوى، بنقل الواقع بأمانة علمية، وحدس صادق، بحيث انه في الواقع ، وهذه للأسف حقيقة مرة ، لامجال لتوهم أية علاقة محتملة بين السياسة والأخلاق، فان الفقهاء في الشرق لايزالون يؤمنون بوجود تراتبية بين القانون المستمد من الشريعة والدولة المؤسسة على خدمة القواعد النابعة من القران والسنة والإجماع ، لذا فدولة القانون لن تكون سوى دولة الشريعة التي يجب أن يخضع لها الجميع أفرادا وجماعات وهيئات.هذه الدولة مؤهلة دائما لتطبيق القواعد الأسمى التي تعلو ما دونها من القواعد الموضوعة من طرف الإنسان، النتيجة هي أن تعظيم السلطة وتمجيد ممارسيها أمر أساسي بتأويل هؤلاء الفقهاء ، طالما أن الحاكم المطبق للشريعة هو أكثر المؤهلين لقيادة الأمة وتوجيهها، مما ينجم عنه استحالة المطالبة او الاحتجاج او التمرد، إذ أن كل سلوك من هذا القبيل يعتبر عملا غير شرعي في الدولة الإسلامية وذلك درءا لخطر الفتنة الداخلية. ( مع أن تاريخ الإسلام مليء بالثورات والمتمردات، والفتن، والحروب على السلطة).
هذا التأويل يشكل المصدر الأساسي للتقعيد في تأسيس العلاقة بين الدولة والقانون والدين، في مجمل الدول الإسلامية ،وبغض النظر عن مشروعية المقارنة او عدمها، يكفي القول أنها توضح لنا حدود الفكر السياسي الإسلامي الذي ظل عاجزا،نتيجة خلطه بين مجالات السياسة والأخلاق والدين،عن خلق نظرية للدولة، وان ظهرت بعض المحاولات على صعيد النظر والتفكير ، كمحاولة على عبد الرازق في مصر 1925 والمفكر السوداني محمود محمود طه، و المفكرين ناصر حامد ابوزيد و محمد أركون قي الآونة الأخيرة، ممن يعتبرون حداثيين ، غير أن هذه المحاولات لاقت اعتراضات كثيرة من لدن الفقهاء ، بحيث يبدو النقاش حول علاقة الدولة والقانون والدين، من اعقد الإشكاليات في الفكر السياسي الإسلامي.
2- المواطنة
المفهوم :مبدأ دستوري ذي مضمون مشخص ومضمون يرجع إلى العهد الحديث ، يختلف عن المعنى الذي أورده أرسطو في كتاب ( في السياسة) :" بما أن الدولة تتألف من أفراد نظير أي شيء آخر ..يتضح لنا انه ينبغي قبل كل شيء أن نبحث عن المواطن..ومن ثم علينا أن نستقصي من يجب أن ندعوه مواطنا، ومن هو المواطن. معتبرا أن المواطن بالنسبة له هو من يشارك في القضاء والسلطة.فكيف تمت مقاربة مبدأ المواطنة في الفكر السياسي الحديث؟ وعلى أية أسس؟
في سيرة بناء الدولة القومية الحديثة تعتبر المشاركة السياسية
وحكم القانون جزء من مجموعة سياسية مؤسسة على رابطة الإحساس بالعيش الجماعي والانتماء المشترك، إلى دولة-امةEtat-Nation- ، اللافت للنظر أن هذه الفكرة،تفتقت في ظل النظام الملكي – الملكية المطلقة في انكلترا.
غير انه في عصر النهضة- La Renaissance – ساهم الإصلاح البروتستنتي، الحروب الأهلية، السياسية و الدينية، التي اجتاحت فرنسا وانكلترا في النصف الأول من القرن السادس عشر، و مكيافيللي :بواسطة الوضوح القاطع الذي فصل به بين السياسة والأخلاق،في تشكل هذا المبدأ، كانت هذه البلورة أشبه بولادة قيصرية، بحيث لاأحد من الاثنين، وهما من أقطاب الإصلاح البروتستنتي، لوثرLuther- وكالفنkalven- : لم يستطيعا تجنب اقتراح مذهب للدولة الحديثة يكون فيه خدمة الدين الحقيقي ، لمناهضة كاثوليك الملكية،ولوعلى حساب تضخم جهاز الدولة كما نظر لذلك كل من جون يودانJean Bodin- في كتابة "الجمهورية- la République" وتوماس هويسThomas Hops- في كتابه "اللفياتان" وجوب بناء مذهب السيادة، النتيجة أن مذهب السيادة قدم الدعم للملكية المطلقة.
من المؤكد أن المرحلة التالية لن تكون أسهل بالنسبة للملكيات المطلقة التي استطاعت بفضل الإصلاح البروتستانتي أن تتخلص من هيمنة الكنيسة الكاثوليكية على الحقل الديني، لتعمل على ترسيخ الحكم المطلق المستند إلى نظرية الحق الإلهي، صدر بيان في "العبودية المختارة" لصاحبه أتين دي لابويسيه-Atin de la Buisset، ليضع تحت رحمة النقد اللاذع، كل أنماط الاستبداد السياسي، أعقبه كتاب"مدينة اليوتوبيا" لتوماس مورThomas Moore-، لتنفتح أوربا على عهد جديد، هو عهد انتشار تيارات الحداثة.
يعتبر بيير بيرديوPierre Bureau- أن الإنسان كائن حي معرض للموت ، هذه هي النهاية التي لايمكن أن تكون غاية ومرمى ، انه موجود لا مبرر لوجوده والمجتمع هو وحده الذي يزوده بدرجات متفاوت بما يبرر وجوده، هذا بالضبط هو ماسعت التيارات الحداثية في أوروبا في القرن 19 من اجل ترسيخه في الفكر السياسي أولا ، ثم في الممارسة السياسية بعد ذلك.
كان من ابرز نتائج الرخاء الذي ساد أوروبا في القرن 16 ماسمي بعصر النهضة-La Renaissance ، فقد أدى تبرير الربا من طرف القساوسة إلى نشوء المصارف و ازدهار التجارة،ترتبت عنه نتيجة عكسية هي موالاة التجار للكنسية لتأجيج الصراع بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية الذي انتهى بانتصار الأخيرة، بحيث عمدت عبر تحيينها للقانون الروماني، إلى توطيد دعائم سلطتها، أضف إلى ذلك أن دعاة الإصلاح الديني، خاصة لوثرLuther- في ألمانيا وكالفنKalven- في انجلترا ومن خلال العودة إلى النظريات الارسطوطاليسية، المدرسة الرواقية، سعوا بدورهم، وبدون أن يكون لهم خيار ، إلى توطيد دعائم الحكم الملكي المطلق في كل من فرنسا وانجلترا ،وقد ساهم منظرو الموناركيات الدينية خاصة توماس الاكويني- ودي مستر-عبر انتصارهم لنظرية الحق الإلهي إلى ظهور فكرة السيادة الشعبية بفضل تطبيق قواعد القانون الروماني على المتجسديات/ الإقطاعيات،انتهى القرن 18 بسيادة النظريات المثالية، كان من ابرز الفلاسفة الذين ساهموا في تطور الفكر السياسي في أوربا : ديكارت- ميلوبونتي- روسو- توماس هويس- جون لوك- مونتسكيو.
ساعدت التجارة على ظهور طبقة رجال الأعمال/ البورجوازية الفاحشة التي ساهمت من خلال التحالف مع النبلاء والأساقفة في انهيار الإقطاع و ظهور الدولة الوطنية/ القومية وانتشار الأفكار الإنسانية-Humanisme في نهاية القرن 18، وأدت الحروب الدينية – السياسية إلى نتائج هيكلية عميقة في المجتمع الأوروبي، بحيث انمحت بشكل نهائي مع نهاية القرن 18 ملامح المجتمع القروسطي، وظهرت ملامح مجتمع جديد.
أدت نتائج الاكتشافات العلمية في بداية القرن 19، خاصة نظرية داروين، وانتشار النظريات الفلسفية المادية، التي قامت بتحيين مبادئ هيراقليطس ، خاصة المادية التاريخية لكارل ماركس ، والمادية الديالكتيكية لهيجل، إلى انبثاق الدولة القومية ، وكل المفاهيم المرتبطة بها: المواطنة- دولة القانون- الديمقراطية- الحقوق والحريات الفردية، تم في نهاية القرن 19 نشوء مجتمع الانخراط في الحداثة- La Modernité .[6]
فهل دخل العرب والمسلمون فعلا، في عصر الجدلية -Le Dialectique- بين الدين والدولة؟ هل طورا فكرا سياسيا باستطاعته الشروع في وضع الميكانيزمات النظرية،لمشروع الدولة- الأمة، وما يرتبط بذلك في المرحلة الراهنة، من معضلات سياسية- اجتماعية- واقتصادية؟ لنلقي نظرة على مفهوم الدولة- الأمة في الفكر الإسلامي ثم في خطاب الحركات الإسلامية، ثم نحاول الاستنتاج.
المطلب الثاني : مفهوم الدولة –الأمة، في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي وخطاب الحركات الإسلامية :
أولا- تاريخ الفكر السياسي الإسلامي
 
يكتسي موضوع علاقة الدين بالدولة في الإسلام ،في الآونة الأخيرة، اهتماما بالغا،علاوة على كونه من المواضيع الحساسة جدا، بالنظر إلى الإشكاليات العويصة المرتبطة به في العصر الراهن،فإذا كان الساسة او الحكام ، ورجال الإعلام، والفاعلين السياسيين،ورجال الفكر ،ورجال الدين، لم يستطيعوا لحد الآن تجاوز عتبة التشخيص، من حيث ربطهم لنظرية الدولة في الإسلام بأصول السياسة الشرعية،فإنهم لا يزالوا يراوحون منطق الوصف، مندهشين حيال الصدمة التي خلفتها الحداثة الغربية للمسلمين في العصر الحديث، تلك الصدمة التي أفرزت ظواهر اجتماعية بنيوية،حركات سياسية معارضة، تتفق كلها حول مضمون " الإسلام هو الحل" ، قوامها الرئيسي جيل من الشباب ساخط على الأوضاع القائمة،متدني المستويات الثقافية في الغالب، يندفع تجاه الاصطدام بالأنظمة الحاكمة، رافضا للحداثة الغربية،منتقدا اياها، دونما امتلاك لرؤية اجتماعية واقتصادية وسياسية تطرح بديلا للوضع الراهن،يتسق ويتجاوب مع طموحات الجماهير التي تعاني من واقع التخلف، والجهل،والفقر،هذا الرفض للآخر، وهذا الانسحاب من غمار الحياة الواقعية، للارتكاس في شرنقة الماضي "المزدهر"، ماضي الخلافة، والعزة، والتقدم، يدفعنا لنطرح تساؤلا حول الشكل الذي تمت به صياغة نظرية الدولة في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي أولا ثم في خطاب الحركات الإسلامية ثانيا. ( لابد من الإشارة هنا، إلى صعوبة تحديد مفهوم الفكر السياسي الإسلامي، ومدى علاقته بالسياسة الشرعية، والآداب السلطانية،إذ يصعب في الحقيقة الحديث عن فكر سياسي إسلامي،بالمعني الذي نجده في تاريخ الفكر السياسي الغربي،فتكاثر الآداب السلطانية،أمر لم يكن يرضي الفقهاء الذين كانوا يرفضون هذا النوع من الكتابات السياسية،لأنها أصبحت تزاحم الشريعة، وهذا ما دفع احد الفقهاء الحنبلية المتشددين، وهو ابن تيمية، إلى تأليف كتابه:" السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية"،من هذه الزاوية يمكن فقط ،الحديث عن نظريات سياسية متباينة).
لم ترتكز نظرية الدولة السياسية في شكلها التقليدي على الفصل بين الدين والدولة،وتوضح التجربة التاريخية للمسلمين تركيز السلطة بأيدي" السلطة الزمنية السياسية"وكان الخليفة أميرا للمومنين ،وخليفة للنبي، يعهد إليه باقامةالعدل،وتطبيق أحكام الشريعة،بيد أن الهدف هو الحفاظ على الشريعة وفرض الالتزام بها،وتمسك السلفيون بفكرة الحاكمية لله" الله وحده هو الحاكم ومصدر كل السلطات"وهكذا لاتعترف هذه النظرية التقليدية بالفصل بين الدين والدولة،بحيث يصبح أعضاء جماعة المسلمين الذين تتشكل منهم ( الأمة) رعايا وعبيد الله،وقوانينهم مقدسة،وممتلكات المسلمين ملك الله،وبصبح جيشهم،جيش الرحمن،وأعداؤهم ،أعداء الله.وتأتي الحاجة لحاكم دنيوي للحفاظ على الشريعة" ويصبح دوره جزءا من المصير المقدر للبشرية"حاكم واحد يتولى إدارة شؤون المسلمين، وتعتبر طاعته واجبا دينيا ملزما.
واجهت "الأمة" الإسلامية بعد وفاة النبي 632م ثلاث أزمات، لعدم ترتيب وتحديد خليفة الرسول،وأثرت هذه الأزمات تأثيرا عميقا في الفرضيات التقليدية المتعلقة بالعلاقة بين الدين والدولة.
الأولى: ظهور الصراع بين المهاجرين والأنصار،عندما أصرت كل جماعة على حقها في تنصيب خليفة الرسول من بين بطونها( حادثة سقيفة بني ساعدة).
الثانية: نشوب حرب أهلية بين علي بن عم النبي، وزوج ابنته من جانب،
وعائشة زوج النبي ( موقعة الجمل) ،ومعاوية بن أبي سفيان الوالي على الشام( سوريا حاليا)،( موقعة صفين) من جانب آخر.
الثالثة:إعلان زعماء القبائل الاستقلال عن الخليفة، أبي بكر، وامتناعهم عن دفع الزكاة له، بدعوى أن الزكاة كانوا يدفعونها للنبي، وأنهم لم يبقوا قادرين على دفع "ضريبة" يقتطعها منهم الخليفة قسرا، لملء خزائن، الفئة الحاكمة في المدينة!
أدت هذه التطورات إلى تشرذم المسلمين، وظهور الفرق الكلامية ،
( المعتزلة والاشاعرة)، حيث مارست هذه الفرق المنشقة، تأثيرا مباشرا على مفهوم الحاكم وشكل الدولة، وظهرت عدة نظريات سياسية تتفق كلها على أن هدف الحكومة الإسلامية هو الحفاظ على الشريعة وفرض مبادئها، وركزت على الحاكم وكيفية اختياره،واستخدمت الدين والرموز الدينية لتبرير وضعية ومكانة الحاكم ،واختلفت في النهاية بين تأييد حاكم وإدانة آخر.هذا الواقع، لم يكن الفقهاء ليرضوا به، ولا ليتقبلوه، لأنه يمس بشكل مباشر أسس وظيفتهم الدينية ، كحراس للشريعة، وهكذا استماتوا حتى آخر القرن الرابع الهجري، من اجل الحفاظ على مكانتهم ، ساعين إلى التنظير لدولة الشريعة "الطوباوية" التي لم تتحقق يوما على ارض الواقع
ثانيا : خطاب الإسلام السياسي : [7]
1- مفهوم الأمة
رب سائل يطرح السؤال الآتي : أية علاقة بين عنوان المقالة { مفهوم الدولة –الأمة بين الفكر السياسي الحديث والسياسة الشرعية } مع نظريات الدولة في فكر الاٍسلام السياسي ؟ لعل الجواب ليس سهلا بطبيعة الحال ، لكن يمكن الاٍجابة تكمن في كون الاٍسلام السياسي يعتمد في تصوراته ومرتكزاته النظرية بشكل كبير على السياسة الشرعية ، فهو يدعي أنه يرغب في اٍعادة تأسيس الحكم الراشد أي الخلافة على منهاج النبوة ، بتعبير عبد السلام ياسين مؤسس جماعة العدل والاٍحسان ، انطلاقا من التراث الفقهي والنظري والسياسي الذي تؤطر السياسة الشرعية معظمه ، لذا فاٍن الاٍرتكاز على نظرية الدولة أو مفهوم الدولة أو الخلافة لدى حركات الاٍسلام السياسي ، يعتبر مدخلا أساسيا في فهم مفهوم الدولة – الأمة في السياسة الشرعية.
يقتضي مفهوم الجماعة ـ الإمامة عند عبد السلام ياسين، أن الجماعة المؤمنة الصادقة هي التي تحقق الدولة/ دولة الشريعة على أساس الدعوة، والجهاد، والتربية، كتابي: ( الإسلام بين الدعوة والدولة-
المنهاج النبوي، تربية وتنظيما وزحفا) ،لايبدو هنا أن مفهوم الجهاد مفهوم فضفاض وحسب بل وملتبس أيضا ، خاصة وان الفقهاء قد حددوا شروطه التي تعتبر من الثوابت،أهم هذه الشروط، حسب الأصوليين، أن يأمر به الأمير، مما يقتضي وجود دولة، ورئيس لهذه الدولة يقرر باسم " الأمة" متى يجب ومتى لا يجب الجهاد، غير انه حسب عبد السلام ياسين فان الزحف للاستيلاء على السلطة أمر ضروري، ويتخذ معنيين : الزحف المادي، "الذي قد يعني استعمال القوة،حتى لانقول العنف" – والانتشار الفكري في الطبقات الشعبية ،(طبقا لنظرية بقعة الزيت كما نظر لها حسن الترابي في السودان ).
ويقتضي مفهوم الأمة، أن هذه الأخيرة تعيش مرحلة فتنة عند عبد السلام ياسين ،الأمة كافرة عند السلفية الراديكالية، لأنها والت الغرب الكافر،ولأنها لا تطبق شرع الله، عند الأول هي مجرد امة العصبيات والقوميات المتخلفة اقتصاديا اجتماعيا وسياسيا،وتتحمل المسؤولية الطبقة الحاكمة التي تحكم بعقلية غير عقلية المؤمن الشاهد بالقسط ،الذي يتحلى بأخلاق المسلم الحقيقي،من جهة، الحامل للدعوة، أي لمشروع الدولة الإسلامية، والمجاهد من اجل أن يتحقق هذا المشروع، من جهة أخرى ،الدعوة تقتضي بدورها أن الحل يكمن في إصلاح الأمة، عن طريق التربية وفق المنهاج النبوي الذي وضعه عبد السلام ياسين لهذه الغاية . هذه الطليعة هي القمنة بتغيير واختيار الأسلوب الأنجع اقتصاديا وسياسيا، هذه الأمة الناشئة لها مميزات من أبرزها : السمت السياسي – التؤدة إزاء العنف- الاقتصاد بين من أعماهم التكاثر- القيادة، ويلزمها قائد مجاهد، مخلص، متعلم، وقابل للنقد، ويعطينا عبد السلام ياسين نموذجين للقادة، يمكن أن يشكلا النموذج الذي يجب أن يحتذى من طرف القائد المسلم:
- ماوتسي تونغ : يتصف بأوصاف الضعاف يأكل ويأكلون وينفق كما ينفقون .
- نموذج عمر بن عبد العزيز ( التوبة العمرية).
ولهذا فان نشوء امة المسلمين على النمو الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والشهادة بالقسط بين الناس ، تقتضي وجود رجال تتوفر فيهم شروط معينة ، حسب عبد السلام ياسين، لاتفرق بين ماهو دنيوي وبين ماهو أخروي، مفهوم الأمة عند كمال شكري مؤسس التكفير والهجرة في مصر، يقوم على مرتكزين: أن الأمة طالما هي مبتعدة عن الشرع،يقتضي ذلك تكفيرها أولا،ثم هجر ها، وعدم مخالطتها ثانيا، ما يعطي الحق للفرقة الناجية، التي يتكون منها أعضاء هذه الجماعة، في الجهاد ضد هذه الأمة الكافرة، حكاما ومحكومين، وذلك لتطبيق شرع الله في الأرض.
2- مفهوم الدولة- الامة
لازمة الدين والدولة،في خطاب الحركات الإسلامية، تقتضي حكم الرجل الصالح، بيد أن التفريق بين الدولة والدين خاصية لائكيه رجعية جاهلية، حسب عبد السلام ياسين، رجل الدولة مؤمن لديه الإرادة السياسية،والدولة هنا، تصبح دولة لأمة القران والسلطان،ولتأسيس هذه الدولة لابد من الجماعة المؤمنة المخلصة،من هنا يمكننا أن نستشف، أن لامجال للحديث عن مفهوم الدولة- الأمة، كما يطرحه الفكر السياسي الغربي، لان مفهوم الدولة هنا، يقابله مفهوم جماعة المؤمنين، الذين تتشكل منهم الأمة المقتصدة، امة المؤمنين الشاهدين بالقسط،يربطها رابط الأخوة والتعاون، وذلك كله يصب في غاية مثلى هي تحقيق العمران الأخوي، او عمارة الأرض، او صناعة الحياة حسب منير شفيق،الذي يفضي إلى تحقيق نظرية الاستخلاف في الأرض، بيد أن المسلمين هم أولى الأمم بتحقيق هذا القدر الإلهي.
ولتحقيق غاية الاستخلاف في الأرض لا بد من جماعة للمؤمنين،تقوم على نظرية الإمامة، هذه الأخيرة ضد الرئاسة،الأولى تحتكم إلى الشورى، وهذه تستلزم جمع الشقين الدنيوي والأخروي في كفة واحدة،بحيث يضطلع الإمام الذي هو في نفس الوقت، إمام الجماعة، وقائد "الدولة"بمهمات القيادة الجهادية، وتطبيق الشورى، وتطبيق النص القرآني، والجهاد موكول إلى الجماعة وسط الأمة الذي يقتضي الاستمرار في حمل الدعوة إلى العالمين، ويرجع إلى خصال ثلاث :
البذل – العلم- العمل.
يركز عبد السلام ياسين على مفهوم التربية، لتحقيق الصفوة المؤمنة التي سوف تنهض بمهمات الجهاد لتحقيق المشروع الإسلامي،بينما يركز الألباني على ما اسماه" التربية والتصفية" أي تأهيل الصفوة بواسطة التربية، هذه الأخيرة سوف تنهض بمهمات الجهاد لتأسيس الجماعة الإسلامية، التي ستؤول في النهاية إلى الخلافة، فالإسلاميون لايؤمنون بمشروع الدولة الوطنية، او القومية، مما يشكل تناقضا كبيرا، مع مفهوم الدولة القومية كما تمت صياغته في الفكر السياسي الغربي،هذه التربية تتخذ أشكالا ثلاث : تربية الروح- العقل- الجسد (وهنا يتقاطع مفهوم التربية عند عبد السلام ياسين مع مفهوم التربية لدى أفلاطون في الجمهورية، مع انه لامجال للمقارنة بين الفكر السياسي الإغريقي،وخطاب الإسلام السياسي ).
فكيف يمكن للجماعة المؤمنة، أن تحقق العدل والمساواة بين أفرادها ؟ يتم ذلك بواسطة مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يكتسي أهمية بالغة في" دولة الشريعة" ، بحيث لن يبقى الأمر مقتصرا على القيادة، وحسب ، بل على الكل أن يتضافروا ، حكاما ومحكومين، للاضطلاع بهذه المهمة،كل من موقعه،وحسب طاقته، وهكذا تتضافر الدعوة، والتربية، لتحقيق مجتمع العدل والشورى، الذي سيحل محل الدولة الحالية ، التي هي دولة استبداد وتخلف وفتنة،هذه الدولة المأمولة لن تكون سوى دولة العدل، والشورى، والعمران ، ثلاث مفاهيم لثلاث شروط:الشرط السياسي- الشرط الاجتماعي- الشرط الاقتصادي، تتحقق كلها في دولة الشورى، وهكذا فالدولة الوطنية عند ياسين : دولة فتنويه فاسدة يجب أن تحل محلها الدولة/ الأمة،التي سوف تحقق الخلافة على منهاج النبوة، الدولة الحالية تعرف حالة الجبر أي اغتصاب السلطة من أهلها، وهو تعبير شيعي يعني اغتصاب بني أمية للخلافة من آل البيت، وجند الله منوط بهم إعادة الأمور إلى نصابها عن طريق القومة ،التي تستدعي ممارسة ميدانية للسياسة لمزاحمة العلمانيين وتحقيق الزحف للاستيلاء على الحكم وبناء الدولة الإسلامية.
يعني مفهوم القومة عند ياسين:" القوة او وضع يد التنفيذ في مواضعها الشرعية، أي تغيير جذري للأمة ينقلها إلى الأمن والقوة في ظل الإسلام، والقومة مصطلح مأخوذ من الثرات التاريخي الإسلامي عكس الثورة التي تعتمد أسلوب العنف وسفك الدماء، في حين تسعى القومة إلى السلم". غير أن السلفيين الراديكاليين، يرون أن التغيير يجب أن يكون بواسطة "الجهاد" أي بالقوة والعنف.
والقومة ترتكز على ميثاق جماعة المسلمين، الذي يجب أن تلتف حوله جميع الفعاليات على الصعيد القطري، خطوة نحو بناء الدولة المأمولة،نلاحظ هنا تأثرا واضحا لياسين بنظرية ولاية الفقيه الإيرانية عند الخميني، الذي كان يرى أن مؤسسة الدعوة أي مؤسسة مرشد الثورة والعلماء هم الذين يراقبون الدولة ، أي مراقبة الدعوة للدولة وليس العكس.
أما لدى حركة التوحيد والإصلاح، فان أزمة الدولة الإسلامية الحالية هي أزمة حضارية، ( العماري – محمد يتيم) النتيجة : صدام ومسالة احتواء حضاري، لذا فالغرب يتربص بالامةالاسلامية، للقضاء على مقوماتها،وطمس هويتها، تمهيدا لاحتوائها، واستيعابها في إطار حضارته المادية البهيمية، مما يتعين معه، بذل قصارى الجهد، من طرف الأمة ، للوقوف ضد هذه المخططات التي تسعى من ورائها الدوائر الاستخباراتية الغربية، إلى القضاء على المقومات الإسلامية ، والإجهاز على الإسلام،" كدين صار يشكل بديلا أيديولوجيا، للأيديولوجية اللبرالية"،هذا الكلام قد يحتمل جانبا من الصواب، من حيث كون الإسلام يشكل الدين القابل للتوظيف الأيديولوجي بين كل الأديان السماوية، يتقاطع مع رأي محمد سبيلا ،حول مسألة استطاعة اليابان،ودول جنوب شرق آسيا، خوض غمار الحداثة ، بحيث يرى أن الديانة البوذية، هي في العمق ديانة طقوسية تقوم على تجسيد الإله، مما يقربها عبر هذا التجسيد من الفلسفة المادية، التي تقوم عليها الحضارة الغربية، في حين يحمل الإسلام تصورا مختلفا للكون والإنسان، وهو دين روحاني، يشتمل على شريعة، أي قانون الهي.
3-الإسلام السياسي وإشكالية الحداثة
في كتاب صدر باللغة الفرنسية تحت عنوان :"Islamiser la Modernité" ( أسلمة الحداثة ) لعبد السلام ياسين،يؤكد على الجذور الغربية، العلمانية، للحداثة، بيد أن الغاية، من مقاربته:" أسلمة الحداثة" هي إسماع الخطاب القرآني لعالم يتخبط في العنف،وإسهام في حل إشكال الانفتاح على الكون و المصالحة مع الدين، وينطلق ياسين من تعريف الحداثة حسب عالم الاجتماع الفرنسي "ألان تورين" في كتابه نقد الحداثة :
" هي نقد صارم للتقاليد والتراث وفتح لجميع الحدود أمام الأفكار والبضائع والمعارف واختراق لكل الحواجز ، خضوع للقانون الطبيعي الصادر عن العقل وتقديس للمجتمع بماهو نتاج لهذا القانون ، صراع العقلانية ضد اللا عقل وثورة مستمرة ضدجميع التقاليد المعاكسة للاستنارة " ، ليصوغ نظريته" اسلمة الحداثة" التي تريد من خلالها، استيراد الحداثة الغربية مجتزأة من سياقها التاريخي والفلسفي، وهذا شأن الإسلاميين جميعا، إنهم يعتقدون ، أن بالإمكان ، استنساخ الحداثة الغربية، دون اخذ أسسها الفلسفية، التي تقوم حسب زعمهم على اللائكية ونبذ الدين، فالإسلام السياسي، يرى أن الحداثة ثورة ضد المقدس الإلهي وضد الإسلام، مما يفسر حسب رأيهم نظرية صدام الحضارات. مجتمع الحداثة عند ياسين، منشغل بحياته عن نفسه ومصيره، انه مجتمع الفر دانية المطلقة، اما مجتمع مابعد الحداثة، فهو مجتمع مابعد الأخلاق. السؤال المركزي بالنسبة لياسين هو : هل يستطيع الإسلام أن يحمل راية العلم والاستنارة دون أن يفقد جوهره، ذلك يقتضي من المسلمين اخذ الحداثة بشروطهم هم ، أي توظيف وسائلها وأهدافها في خدمة الإسلام.
يقول اولفييه روا : الإسلاميون يتفقون جميعا على أن السلطة السياسية ضرورية مادامت المواعظ لاتكفي لوحدها لإقامة الإصلاحات التي يسعى إليها الإسلام. فهل يملك هؤلاء تصورا واضحا لمشروع قيام هذه السلطة ؟ وماهي الأسس والمقومات التي يقوم عليها تصورهم لسلطة سياسية، والدولة كجهاز مالك لهذه السلطة ؟ ماهو البديل غير الرجوع إلى الثرات ؟ لابد من الإشارة إلى انقسام الإسلاميين منذ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين في مصر، في العشرينيات من القرن الماضي،من اجل تطبيق "المشروع الإسلامي" بين :
-أصحاب النظرية الترقبية: التي تعني،الانخراط في العمل السياسي،وفق مقتضيات العملية السياسية، في ظل الحكومات الحالية، وترقب الفرصة، للاستيلاء على السلطة، ومن ثمة الشروع في تطبيق المشروع الإسلامي،نموذج : ( العدالة والتنمية- الإخوان المسلمين- العدالة والتنمية في تركيا- السلفيون في الكويت)،او ممارسة المعارضة السياسية السلمية لتلك الحكومات،والانتشار في الطبقات الشعبية، للوصول إلى السلطة عن طريق "القومة" التي لا تعني شيئا غير العصيان المدني في الاصطلاح المعاصر،نموذج:( العدل والإحسان).
-أصحاب النظرية الاقتحامية: التي تعني اخذ زمام المبادرة،ومواجهة الحكومات الحالية، من موقع المعارضة الراديكالية، وذلك بالجهاد ضدها، لقطع الصلة بينها وبين الغرب ، بحكم أنها كافرة، لأنها لاتطبق شرع الله،( تنظيم القاعدة- السلفية الجهادية- الجماعات المسلحة بالجزائر GIA-MIA—- الجهاد الإسلامي في مصر ).
إن الخيط الناظم لخطاب الإسلام السياسي هو غياب الاجرأة وعدم اتضاح الرؤية فيما يرجع إلى نموذج واضح او برنامج واضح للدولة المأمولة دون الحديث عن أجرأة الحقوق الفردية والجماعية والية صيانتها ،و غياب آلية تدبير التعدد الثقافي واللغوي والسياسي في الدولة المأمولة ، والضمانة الرئيسية لتدبير الاختلاف ،وتوزيع السلطة، والثروة، والمؤسسات، مما يسقط هذا الخطاب في التناقض،واللبس،وعدم الوضوح، فالإسلاميون لايملكون تصورا واضحا لمشروع الدولة والأمة الذي ينادون به، وجميع أفكارهم تدور حول يوتوبيا الخلافة والنظرة الماضوية للتغيير،مايجعل التفكير في مسألة الدولة في فكر الإسلام السياسي إذا جاز نعته كذلك ، يتسم بغياب الواقعية ، مما أدى إلى غياب "نظرية للدولة" ،كما أن السياسة الشرعية من خلال مؤلفاتها لاستند إلى الواقعية في التحليل، بل تنصرف موضوعاتها إلى الحديث عن مقاصد الشريعة، وإسلام السلف الصالح الذي يجب أن يطبقه المسلمون في العصر الراهن، في شكل الحديث عن نظريات سابحة في المطلق ، تفتقد إلى النسبية والعقلانية.
 
[email protected]
الهوامش:
[1]-جان جاك شوفالييه- تاريخ الفكر السياسي- ترجمة محمد عرب صاصيلا- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع-الطبعة الثانية 1993.
[2]-أمحمد مالكي-الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية-المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش-الطبعة الأولى 2001.
[3]-أيمن الياسيني- الإسلام والدولة- حالة المملكة العربية السعودية- مطبعة النجاح الجديدة- الطبعة الثانية 1999.
[4] -بيير بورديو- الرمز والسلطة- ترجمة عبد السلام بنعبد العالي-دار توبقال للنشر- الطبعة الثانية 1990.
[5] -مجموعة من الطلبة الباحثين-بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في علم السياسة والقانون الدستوري المقارن- سوسيو لوجيا التحولات السياسية في دول المغرب العربي- مفهوم الامة والدولة عند الحركات الإسلامية في المغرب- جامعة القاضي عياض- مراكش2000-2001.
[6] - جان جاك روسو - في العقد الاٍجتماعي أو مبادئ القانون السياسي - فضاء الفن والثقافة - 18 شارع الحرية - رقم 02 المحمدية
[7] - الكنبوري ادريس- الاسلاميون بين الدين والسلطة - مكر التاريخ وتيه السياسة -طوب بريس - رقم 12 زنقة كلكوتة - المحيط - الرباط.



#ايت_بود_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ايت بود محمد -   مفهوم الدولة - الأمة بين الفكر السياسي الحديث والسياسة الشرعية