أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - تحصين سياسات الاباتهايد















المزيد.....


تحصين سياسات الاباتهايد


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 5504 - 2017 / 4 / 27 - 11:59
المحور: القضية الفلسطينية
    


تحصين سياسات الأبارتهايد
تجريف همجي عبر مئة عام-8
في العام 1953 تشكلت في عهد إدارة أيزنهاور اللجنة الصهيونية الأميركية للشئون العامة، ثم غيرت اسمها إلى لجنة الشئون العامة الأميركية –الإسرائيلية (إيباك) . أخذت تمارس الضغوط (اللوبي) لصالح إصدار قرارات في الولايات المتحدة تخدم إسرائيل. بات اللوبي مصطلحا يتضمن وجود كيان يعمل بشكل منظم في ممارسة الضغوط الوظيفية، وذلك من اجل دفع وتوجيه مراكز صنع القرار واتخاذه في الاتجاه الذي يخدم ويلبي مصالح هذا الكيان. ضم الكيان شخصيات صهيونية واخرى أميركية متعاطفة مع الصهيونية من الحزبين الرئيسين.
تطور نشاط ايباك وأخذ يتخذ أشكالا أكثر تأثيرا في السياسات الأميركية تجاه بلدان الشرق الأوسط. شرع يدرب الشبان الصهاينة من الولايات المتحدة على العمل السياسي ويدخلهم في الحزبين الرئيسين، حتى وصلوا مراكز قيادية وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ. كما أوصل إيباك العشرات من المسيحيين الأصوليين إلى مجلسي الكونغرس، حتى بلغت نسبتهم الخمسين بالمائة من عضوية الكونغرس.
طور إيباك نظام المال السياسي ، لكي يقصر الهيئات التمثيلية على من يدعمون إسرائيل وسياساتها، ويحول بالنتيجة دون وصول متعاطفين مع الحقوق الفلسطينية إلى العيئات التشريعيةز وبالفعل تمكن اللوبي الإسرائيلي من إبعاد من تعاطفوا مع الفلسطينيين والعرب واسقطهم في الانتخابات؛ وجند اصحاب السوابق والفضائح عن طريق الابتزاز في خدمة الأهداف الصهيونية. تغلغل أعضاء إيباك في مخنلف دوائر الدولة ذات النفوذ ، بالفعل سيطر إيباك على الدولة العميقة ؛ وسيطرعلى اجهزة القضاء وشغل رئيس إيباك ذات مرة منصب رئيس المحكمة العليا قي الولايات المتحدة.
اخذ أعضاء إيباك يتغلغلون في الجامعات ومراكز الأبحاث والميديا الرئيسة. شكل دانيال بايبس لجان تجسس في مختلف الجامعات لرصد ما دعاه نقل الأخبار الكاذبة عن الشرق الأوسط "كأن يدعي أن إسرائيل تضطهد الفلسطينيين". وشن ديرشوفيتش هجوما على دكتور فينكلستين وتدخل مباشرة لدى جامعته لمنع ترقيته إلى مرتبة الأستاذية(بروفيسور). ولحقت اضطهادات بعدد آخر من الكاديميين المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني. الصهيونية والامبريالية يزدرون الديمقراطية ، ولا يقرون للرأي المخالف بأحقية في الوجود، ولا يقبلون الرأي المحايد. من ليس معنا فهو ضدنا. منذ بزغت حركة عدم الانحياز اعتبرت توجها سياسيا لاأخلاقيا . تتكشف ممارساتهم السياسية عن رفض ممثلي الاحتكارات للديمقراطية في أبسط تجلياتها – الرأي والرأي الآخر؛ لا يقرون بحق الرأي الاخر في التعبير عن نفسه ولا يتسامحون مع انتقاد، أو يدخلون في حوار. صاغت الصهيونية تهمة اللاسامية واليهودي كاره نفسه لكل من ينتقد سياسات إسرائيل. يتماهي مع الصهيونية اليمين الأميركي الجديد من أنصار المسيحية الأصولية والمحافظون الجدد والليبراليون الجدد، وكلهم متداخلون مع بعضهم البعضفي نسيج اجتماعي -سياسي.

طال التحريض داخل الولايات المتحدة كل من ينتقد سياسة إسرائيل. ولعل تشومسكي يختزل في مقابلة صحفية ما يطال اصحاب الضمائر في الولايات المتحدة وخارجها. يقول تشومسكي في المقابلة:حتى في جامعتي كنت مضطرا، وإلى ما قبل ربما عشر سنين، لاستدعاء الشرطة لحراستي إذا ما ألقيت خطابا حول إسرائيل – الفلسطينيينن . والآن لم يعد ذلك قائما , حدث تغير كبير ، ونفس الأمر في مدينة ليكسينغتون بولاية ما ساسوسيتش، حيث أقيم. لم يكن بمقدوري السير من نادي الكلية إلى الأقسام الأخرى من الحرم الجامعي، والسبب ان الشرطة تلقت عددا ضخما من رسائل التهديد، ويريدون منع حدوث اغتيالات داخل الحرم الجامعي. وعندما ألقيت محاضرة في قاعة رويس، اضخم قاعات الجامعة حلقت طائرات الشرطة في فضاء المجمع، واجرت الشرطة تفتيشا دقيقا في حقائب الطلبة وكل من يدخل المجمع. وفي اليوم التالي حدث هجوم كبير على ديلي بروين ، وكان هجوما موجها ضدي، وعلى البروفيسور الذي وجه الدعوة لي لإلقاء المحاضرة. في الحقيقة بذل جهد لسحب إجازة التدريس منه. فشلت المحاولة ، كان ذلك عام 1985. عدت إلى الحرم الجامعي ثانية في العام الماضي، وحضرحشد كبير، أبدى التأييد لما قلته، ولم توجه كلمة نقد لما قلته، ذلك تغيير عظيم، نتيجة النشاط الطلابي. إنه نوع من الجواب على سؤالك:" ماذا يتوجب على الناس عمله؟"
"عندما ألقى يسرائيل شاحاك رئيس لجنة حقوق الإنسان في إسرائيل ، خطابا في جامعة ميت قاطعه الطلبة ومنعوه من إكمال كلمته ونهض أحدهم ليصيح بوجهه كيف تقول هذا وقد فقدنا ستة ملايين إنسان؟! شاحاك الناجي من غيتو وارصو يخاطب بهذه العبارة!! طبعا تغير هذا والفضل لطلبة فلسطينيين نشطوا بأسلوب جديد وطرحوا القضية "احتلال" و"عدوان" و"قمع" . ساهم العدوان على غزة في إحداث التغيير(11).
إن الدعاية العنصرية الموجهة ضد شعب معين احد أشكال الأبارتهايد. وعنصرية البيض لم تعد مخفية ، فهي طعام الميديا اليومي. ولا تقتصر التمييز ضد المضطهدين بل يطال كل من يتضامن معهم.
بلغت حملة اضهاد المثقفين المنتقدين لسياسات إسرائيل مستوى حملات المكارثية ضد المثقفين اليساريين في عقد الخمسينات من القرن الماضي. فعلاوة على تشومسكي تعرض للعسف كل من سامي العريان ، جو كوثيل،ويليام روبنسون أستاذ الدراسات الاجتماعية الكونية بجامعة كاليفورنيا سانتا باربارا لأنه انتقد العدوان على غزة، ولحق اضطهاد بالأكاديمية ناغيش راد التي رفضت جامعتها ترفيعها لمرتبة أستاذ بسبب انتقاداتها لتصرف إسرائيل في الأراضي المحتلة. واستهدفت إدارة جامعة نورث إيست الينويس الأكاديمية لوريتا كيبهارت.

من الضحايا البارزين نورمان فينكلستين الذي برزت قضيته بعد نشر كتاب يفضح توظيف الهولوكوست لتبرير جرائم إسرائيل، ورفض طلب ترقيته إلى درجة أستاذ بجامعة دي بول ، علما انه نال شهرة واسعة في نشاطه الأكاديمي. وكذلك وارد تشرشل ألغي تعيينه في جامعة يو إس كاليفورنيا. نفى رئيس الجامعة ان قرار إلغاء التعيين صدر إثر ضغوط ؛ غير أن بروفيسورة علم النفس بالجامعة أبلغت صحيفة لوس انجلوس تايمز ان رئيس الجامعة أبلغ لجنة البحث الأكاديمي بالجامعة انه تعرض لضغوط.
.
لتجريم انتقاد إسرائيل
شاع مفهوم الأبارتهايد بعد الحرب العالمية الثانية كنظام للفصل العنصري بغرض الاستغلال والنهب المنظم . وتناولت الأمم المتحدة نظام الأبارتهايد عام 1973 فاعتبرته " كل إجراء تشريعي موجّه لحرمان مجموعة أو مجموعات عرقية من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، والتعمد في إقرار ظروف تمنع تطور تلك المجموعات".
وعقب بروز ملامح نظام ابارتهايد تطبقه إسرائيل ضد الفلسطينيين، تغير تعريف الأبارتهايد بهدف التستر على ما يري في إسرائيل؛ تضمن بيان روما تعريفا للنظام يحيله من "إجراء تشريعي" إلى "نظام ممأسس " ؛ والفرق كبير بين التعريفين. باتت الشروط المترتبة لانطباق صفة الأبارتهايد تتوزع بين " تصرفات غير إنسانية" .. تقترف في إطار "نظام ممأسس" يقوم على "الاضطهاد المنهجي والسيطرة من جانب مجموعة أو مجموعات عرقية" تحدوها "نوايا الحفاظ على النظام‘". يلفت النظر اشتراط قيام " نظام ممأسس" بمقتضاه يتم تسريب إسرائيل خارج النظام . وبالفعل استغل غولدستون بعد ردته ضبابية التعريف واستحالة إثباته، حيث انتزاع نسبة 97 بالمائة من أراضي العرب الفلسطينيين وتقديمها إلى اليهود اعتبرت تصرفات خارج "إطار نظام ممأسس".
جسد الصحفي الإسرائيلي جوناثان كوك نظام الأبارتهايد بصورة عيانية : الاحتلال أكثر من استيطان. جوهر المشكلة أن "الاحتلال مشاريع اقتصادية يديرها المستوطنون، وهي تتجاوز الاستيطان إلى حضانة تيار مهيمن ، تيار التعليم الديني يسمم العقول الطرية ، وكذلك السيمانارات التي يتلقى فيها الصبيان المتدينون تدريبات تؤهلهم ليكونوا ضباطا للجيش ويتثقفون يوميا بأنهم الشعب المختار ولهم الحق المقدس في إبادة الشعب الفلسطيني. ولهؤلاء المتطرفين المتمسكين بصهيونيتهم مجموعات سكانية مدينية في الضفة الغربية تلائم نمط حياتهم الدينية . وهؤلاء لن يتخلوا ببساطة عن المستوطنات... فهي عقارات تدر فوائد جمة جرى نهبها من أصحابها الفلسطينيين . وهي مزارع تعتمد في بقائها على سرقة الأرض الفلسطينية ومصادر المياه الفلسطينية.
"والاحتلال يوفر أراض تختبر عليها الأسلحة المتقدمة ووسائل المراقبة المتطورة من إنتاج الصناعات العسكرية وأجهزة المراقبة والتجسس التي تدر الأرباح الجزيلة . كما أن الاحتلال ينعش خدمات الأمن والمخابرات ، حيث يعمل الأشكيناز وينتقلون منها إلى قيادة الأحزاب السياسية . لن يتم التنازل بسهولة عن أي من هذه المكاسب . ناهيك عن تكاليف ضخمة سوف تدفع للفلسطينيين تعويضات عن الخسائر ولمن طردوا من ديارهم".
اجري البروفيسور جون دوغارد بحثا مفصلا قدمه إلى محكمة راسل لمحاكمة الأبارتهايد الإسرائيلي(5ـ7 نوفمبر تشرين ثاني 2011) حلل فيه نظام الأبارتهايد كما مورس في جنوب إفريقيا لمعرفة مدى انطباقه على ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في الضفة الغربية؛ بين دوغارد ان العنصرية الممارسة في إسرائيل ابشع واشد ضراوة.
استند غولدستون بنفي وجود الأبارتهايد في إسرائيل إلى حقيقة أن " العرب في إسرائيل ينتخبون وينتخبون ولهم أحزابهم العربية ، ويعارضون داخل الكنيست ويستأنفون إلى المحكمة العليا ..."، الأمر الذي كان معدوما في نظام أبارتهايد جنوب إفريقيا.
رد عليه ديزموندتوتو في مقالة اتهمه بان "تحليلاته تبسيطية ". وقال، " يمكن ملاحظة كيف انتزع من التمثيل الفلسطيني قيمته وجدواه: هل تؤخذ آراء ممثلي العرب كأقلية عرقية ومواقفهم بنظر الاعتبار؟ هل يصدق عاقل احترام إرادة السكان وممثليهم، بصدور عشرات القوانين تباعا من الكنيست، تشرع اضطهادهم وتقمع حريات التعبير عما يلحقهم من ضيم؟"
لم يعد كافيا ممارسة التمييز بنموذجه سالف الذكر؛ ففي اكتوبر 2013 أقرت حكومة نتنياهو مشروع قانون يميز صراحة ضد العرب، ويتناقض مع بيان إعلان الدولة وقرار التقسيم الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نوفمبر 1947. القانون المسمى قانون قومية الدولة صارخ في عنصريته يتستر بقانون الخدمة العسكرية؛ فهو يعزز مكانة المستوطنات ويزيد مخصصات الاستيطان بالموازنة كما يعزز المكانة القضائية لليهود في كل ارض إسرائيل، ما يعني فرض سيادة الدولة على كامل فلسطين التاريخية. ويمنح القانون الأفضلية لليهودي في مجال التوظيف والحصول على حق السكن بالجامعة ودخول محلات الخدمة العامة والقبول في مؤسسات التعليم العالي. علاوة على أنه يفرض الشريعة اليهودية مرجعية دينية لجهاز القضاء في إسرائيل. ويلزم القانون المحكمة العليا في إسرائيل تفضيل اليهود على العرب .
بعد أربعة أعوام قضاها في القدس المحتلة وأكثر من عقد في جوهانسبورغ، نشر الصحافي البريطاني كريس ماكغريل في صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا قدمت عرضاً له جريدة "السفير" اللبنانية. يرسم الكاتب الصورة المطبوعة عن "الصهيونية الأفريقية"، عن طريق روني كاسرلز، وزير الاستخبارات الجنوب أفريقي. وقال كاسلرز إن "الإسرائيليين يزعمون أنهم شعب الله المختار، ويجدون بذلك التبرير الإنجيلي لعنصريتهم ونازيتهم الاستثنائية. وهم في ذلك تماما كأفارقة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، الذين حملوا أيضا الفكرة الإنجيلية القائلة بأن الأرض هي حقهم الإلهي. تماما كالصهاينة الذين زعموا أن فلسطين كانت في الأربعينات من القرن الماضي أرضا من دون شعب لشعب من دون أرض"
ويعزز الكاتب فكرة الشبه المتداخل الى حد بعيد بين النظامين، عبر شهادة الإسرائيلي من أصل جنوب إفريقي ارثير غولدريخ الذي ناضل الى جانب نيلسون مانديلا في سبيل العدالة، قال ان إسرائيل، حيث يعيش اليوم، باتت تمثل كل ما كان يحاربه، وأنها تؤكد يوما بعد يوم أنها معنية بالأرض أكثر من السلام، عبر تبنيها نظاما عنصريا ضد الفلسطينيين.
إلى ذلك، نظرت كل من إسرائيل وجنوب أفريقيا إلى كيانيهما على أنه أقلية مهددة وسط محيط غير ديموقراطي، ولا يتمتع "بالقيم الغربية" التي تدعي أنها تروج لها. وظل هذا الوضع مستمرا إلى أن بدأت الصهيونية تبتعد تدريجيا عن دعمها السافر لنظام التمييز العنصري الجنوب أفريقي، مع تصاعد الضغط الدولي عليه. وحين انهار هذا النظام، هرعت المؤسسات اليهودية الجنوب أفريقية، التي كرمت سابقا القاضي يوتار الذي أصدر حكم السجن مدى الحياة ضد مانديلا ، تتودد لليهود القلائل المعادين للعنصرية، والتي ظلت لعقود تتهمهم ب"تعريض اليهود للخطر".
وينتقل ماكغريل ليسرد تجربته الشخصية في إسرائيل، حين كان مدعوا إلى عشاء في منزل عائلة إسرائيلية "ليبرالية"، مع ناشر مجلة أميركية معروف كمؤرخ وناشط سياسي. ودهش الكاتب لاتجاه الحديث إلى جدل يدور حول الفلسطينيين وكيف أنهم لا "يستحقون دولة. وذكره ذلك بالنقاشات التي كانت تدور في جنوب أفريقيا، فترة التمييز العنصري. ويضيف مؤكدا أن استطلاعات رأي إسرائيلية كثيرة أظهرت أن الإسرائيليين ينظرون إلى الفلسطينيين على أنهم "قذرون" و"بدائيون".
كيف استطاع نظام البارتهايد البقاء وتحين نفسه؟
نشر اليهودي الهنغاري مالكئيل غرينفالد (البالغ من العمر 71 سنة آنذاك، وأحد الناجين من الهولوكوست) كرّاساً صغيراً يتهم فيه اليهودي الهنغاري رودولف كاستنر (القيادي الصهوني البارز وأحد أقطاب الـ ماباي ، حزب بن غوريون) بالتعاون مع النازيين خلال سنتَيْ 1944 و1945. وافق كاستنر، بعد تنسيق مباشر مع الضابط النازي المعروف أدولف إيخمان قائد الـ غستابو ، على شحن نصف مليون يهودي هنغاري إلى معسكرات الإبادة، بعد أن طمأنهم كاستنر وبعض معاونيه إلى أنّهم سوف يُنقلون إلى مساكن جديدة، حتى أنّ البعض منهم تسابقوا إلى صعود القطارات بغية الوصول أبكر والحصول على مساكن أفضل! وكان الثمن إنقاذ حياة كاستنر وبعض أقربائه، وغضّ النظر عن هجرة 1600 يهودي إلى فلسطين.
وهذا الكرّاس تحوّل إلى قضية حين رفع كاستنر دعوى أمام القضاء ضدّ غرينفالد، بتهمة تشويه سمعته، وبعد أخذ وردّ أصدر القاضي بنيامين هاليفي حكمه بأنّ كاستنر تعاون بالفعل مع النازيين و باع روحه للشيطان. فضح يوسيف غرودزينسكي، أستاذ الألسنيات بجامعة تل ابيب قضية كاستنر . أسفرت القضية عن فضيحة للصهيونية. كان لا بد من التفكير في حيلة للتغطية عليها.
فاجآ بن غوريون أعضاء الكنيست بنبأ مذهل : كان لابد من إبلاغكم ان ادولف أيخمان موجود بين ايدينا. لم تأت محاكمة أيخمان وإعدامه تنفيذا لعقوبة، بل تصفية لأحد شهود التعاون الصهيوني –النازي.
فى١١ مايو ١٩٦٠، وكان فريق من الموساد بانتظاره أمام منزله لدى عودته من عمله فى مصنع مرسيدس، بالأرجنتين، حيث انتظر واحد أمام بيته فى انتظار وصول الحافلة، فى حين تظاهر اثنان من العملاء بأنهما يصلحان سيارة أما الرابع فقد استقل الحافلة للتأكد من أنه سيغادر، وترجل أيخمان من الحافلة باتجاه بيته وطلب منه أحد العملاء قرب السيارة سيجارة فوضع أيخمان يده فى جيبه فتم تقييده فلما حاول المقاومة ضربه الآخر على مؤخرة رأسه فأفقده الوعى ووضعوه فى سيارة واقتيد إلى منزل آمن. ومنه نقل إلى إسرائيل.
بدأت محاكمة أيخمان فى القدس يوم ١١ إبريل ١٩٦١ وجلس أيخمان داخل كشك زجاجى مضاد للرصاص لحمايته من الاغتيال. وبدأ مسلسل درامي بمحاكمة ايخمان أُشرِك فيها شهودٌ لقنوا ماذا يقولون. جاءت المحاكمة صدمة جديدة للرأي العام في اسرائيل والعالم، واتخذت الصهيونية من شهادات القضية صك براءة، ومسوغا للطلب بمنع انتقاد ممارسات إسرائيل باعتبار ذلك ترويجا لمعاداة اليهود.
وحكم عليه فى ١٥ ديسمبر بالإعدام وأعدم فى ٣١ مايو ١٩٦٢بسجن الرملة بإسرائيل.
منذ ذلك التاريخ اكتسبت إسرائيل مناعة سياسية لممارساتها.نجحت في حمل دول أميركا وأوروبا الغربية عل إصدار قوانين ترادف انتقاد سياسات إسرائيل باللاسامية. أدخل موضوع المحرقة، طبقا للصياغة الصهيونية، في المنهاج المدرسي وأخذت تتوجه إلى معتقل اوشفيتز رحلات الطلبة في الصفوف الثانوية العليا ، حيث يتلقون محاضرات عن العذابات التي أنزلت باليهود، يخرج الشبان من المحاضرات وقد افقدهم الغضب صوابهم ويودون لو يتجولون في الشوارع يعثرون على نازيين يبطشون بهم. ويقال لهم حينئذ ان النازيين الجدد موجودون في اطرافكم ، إنهم الفلسطينيون.
"قلب الحقائق" مفهوم أسقط على التعاون بين الصهيونية والمانيا النازية. بموجب التعاون قام مبعوثو الموساد بزيارة هتلر وهناك تسلموا منه وثيقة إلى مدراء السجون يسهلون مهمتهم؛ والمهمة عبارة عن إخراج الشباب اليهودي الواعد من سجون النازية وترحيلهم إلى فلسطين. عبر هتلر في اللقاء عن تأييده للمشروع الصهيوني بفلسطين. وكان قطب التعاون مع الصهاينة أيخمان. قام أيخمان برحلة إلى فلسطين بصحبة احد رجال إٍس إسٍ ونقلهما بولكيس إلى أحد الكيبوتسات. تأكد البريطانيون بعد يومين أن الزائرين اتصلا برايخارت، المعروف أنه عميل الغوستابو، فطردوهما إلى مصر. أجرى بولكيس لقاء معهما في القاهرة، ونقل إليهما معلومتين "إخباريتين": أن المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد في برلين يرتبط بصلات مباشرة مع زعيمين مؤيدين للسوفييت- الأمير شكيب أرسلان والأمير عادل أرسلان...والمعلومة الثانية أن محطة البث الإذاعي الشيوعية غير المشروعة، والتي تسمع جيدا في ألمانيا تعمل على شاحنة تتنقل، حين تبث على الهواء،على حدود ألمانيا مع لوكسمبورغ.
في وقت لاحق ، حين اختبأ أيخمان في الأرجنتين اعتراه الحنين إلى فلسطين، وهو يستذكر مهمته مديرا أعلى للمحرقة، فكتب يقول:" رأيت بالفعل ما يكفي للإعجاب بالطريقة التي يبني فيها الكولنياليون اليهود بلدهم . أعجبت بإرادتهم الحازمة للعيش، وزاد من إعجابي مثاليتي. وفي سنوات لاحقة كنت دوما أقول لليهود ممن تعاملت معهم لو كنت يهوديا لأصبحت صهيونيا متعصبا. لم أتصور أن أكون غير ذلك، بل أشد ما يمكن تخيل الصهيوني المتحمس".
فضح يوسيف غرودزينسكي، أستاذ الألسنيات بجامعة تل ابيب، دور الصهيونية في صناعة الهولوكوست . في كتابه في ظلّ الهولوكوست: الصراع بين اليهود والصهاينة في أعقاب الحرب العالمية الثانية قدم شرحا للتواطؤ المباشر والصريح بين بعض القيادات الصهيونية وكبار ضبّاط الرايخ الثالث المسؤولين عن تصميم وتنفيذ ما عرف باسم الحل النهائي لإبادة اليهود.تناول الوقائع في سياقات ملموسة تخصّ بالتحديد كيف جرى ويجري تسويق الهولوكوست لأسباب سياسية صرفة تطمس، وأحياناً تشطب تماماً، سلسلة الوقائع الإنسانية التي تسرد عذابات الضحايا، وآلامهم وتضحياتهم. وكيف جرى ويجري الضغط على ضحايا الهولوكوست، وأحفادهم من بعدهم، للهجرة إلى فلسطين المحتلة رغم إرادتهم غالباً. وكيف استقرّ دافيد بن غوريون على الرأي القائل بضرورة تضخيم حكاية سفينة الخروج الشهيرة، سنة 1947. ( منعت سلطات الانتداب نزول ركاب سفينة مهاجرين إلى ميناء حيفا. دبربن غوريون تفجير الباخرة، واعلن ان ركاب الباخرة المهاجرين الى أرض الآباء فضلوا الموت بعد حرمانهم من تحقيق امنيتهم). صنع " مأساة يهودية" مضحيا بحمولة الباخرة لكي يشدّ أنظار العالم ، ويستدرّ التعاطف مع الهجرة اليهودية ومع جهود الوكالة اليهودية التي كانت تقوم مقام دولة إسرائيل آنذاك. الحقيقة الفعلية خلف حكاية سفينة الخروج لا تنطبق أبداً على التمثيلات الملحمية البطولية .
وممن تداعت في فكره الشواهد على عنصرية إسرائيل في ظروف المحرقة إيفان جونز أستاذ الاقتصاد السياسي المتقاعد بجامعة سيدني. كتب، في بحث مفصل وموثق نشرته مجلة كاونتر بانش تحت العنوان " الدولة المارقة" يستعرض تاريخ النشاط الصهيوني بفلسطين. نقل تصريحات وكتابات موثقة عن زعماء الهاغاناة والوكالة اليهودية تؤكد صراحة نوايا اللجوء إلى العنف لطرد العرب من فلسطين. وممن نقل عنهم الباحث يوري ديفيس، مؤلف كتاب " الأبارتهايد الإسرائيلي"، يورد فيه مقابلة أجراها مع مستوطن عبّر عن لسان حال الطيارين الإسرائيليين في محرقة غزة الأخيرة. طرح ديفيس تصريح الأكاديمي المشهور والفيلسوف الإسرائيلي، يشاعياهو ليبوفيتش إثر حرب1967 "اذا توجب احتلال شعب آخر فمن المستحيل تجنب طرائق النازية"؛ علق احد المستوطنين على كلام ليبوفياش: ليبوفيتش محق ، نحن يهود نازيون، ولم لا؟ حتى في هذا اليوم انا على استعداد للقيام بأعمال قذرة لأجل إسرائيل .. أن أقتل أكبر عدد ممكن من العرب، أن أطردهم، أحرقهم.. ولتشنقني إن رغبت بصفتي مجرم حرب... وما لم تدركوه بعد أن الأعمال القذرة للصهيونية لم تكتمل؛ حقا كان بالإمكان إكمالها عام 1948...".
نقل الأستاذ جونز عن كتاب ديفيس أقوال يهود ساخطين على الجرائم المقترفة باسم اليهود.أورد ما قاله ليبوفيتش عام 1982، مرددا صدى إسرائيل شاحاك [ رئيس جمعية حقوق الإنسان والأكاديمي المشهور]:اجل المجزرة [صبرا وشاتيلا] نفذناها نحن ، والكتائب عملاء لنا ، تماما مثلما كان الكروات والأكرينيون والسلوفاك عملاء هتلر . نظمهم جنودا يقومون بالأعمال نيابة عنه. ومع ذلك فقد نظمنا فرق الاغتيال لقتل الفلسطينيين".



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام ابارتهايد - التطهير العرقي مستمر
- بمنأى عن القانون والمبادئ والأخلاق
- بن غوريون يتجاوز معارضيه
- بلفور تجريف همجي-4
- تحويل فلسطين إلى دولة لليهود - بلفور تجريف همجي عبر مائة عام ...
- بلفور تجريف همجي عبر مائة عام -2
- بلفور تجريف همجي عبر مائة عام
- دور وطني بارز للمرأة الفلسطينية
- خمسون عاما في جحيم الأحكام العسكرية
- بديل الدولتيبن نظام أبارتهايد يتأرجح بين وهم الدولة الواحدة ...
- ترومب متمرد على الليبرالية الجديدة ام مواصل لأسوأ تقاليدها؟
- معالم تاريخ فلسطين القديم-4
- معالم تاريخ فلسطين القديم-3
- معالم تاريخ فلسطين القديم-2
- معالم تاريخ فلسطين القديم
- التربية تتصدر التحدي لثقافة الليبرالية الجديدة دفاعا عن العق ...
- ثقافة الليبرالية الجديدة تلقي أعباءً جساما على الثقافة الوطن ...
- مؤتمر فتح السابع والفرصة المضيعة
- فوز ترومب وصمت الميديا الأميركية
- ثقافة- الغرب تقوم بدور تدميري يشمل جميع القارات


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - تحصين سياسات الاباتهايد