أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي عامر - هل تعكس الرياضيّات الواقع؟ - الجزء الأول: الأصل الماديّ للرياضيّات















المزيد.....

هل تعكس الرياضيّات الواقع؟ - الجزء الأول: الأصل الماديّ للرياضيّات


علي عامر

الحوار المتمدن-العدد: 5501 - 2017 / 4 / 24 - 14:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل تعكس الرياضيات الواقع؟
الجزء الأول: الأصل الماديّ للرياضيّات

المصدر: كتاب Reason and Revolt
عنوان فصل الكتاب باللغة الإنجليزية: Does Mathematics Reflect Reality?- Part Four: Order Out of Chaos
تأليف: تد غرانت وآلان وود
عام النشر: 1995

تعريب: علــي عامــر

" تلك الحقيقة التي تقول أنّ خضوع كلّ من تفكيرنا الذاتي والعالم الموضوعي لنفس القوانين, يفضي في التحليل النهائي إلى أنّ نتائجهما لن تتناقض, بل ستتطابق, تلك الحقيقة تحكم كل تفكيرنا النظري."
(إنجلس)

محتوى الرياضيات "الخالصة", مشتقٌ من العالم الماديّ حتماً. فكرة أنّ حقائق الرياضيات تنتمي إلى نوعٍ خاصٍّ من المعرفة, وكأنّها فطريّة أو نتجت عن إلهامٍ إلهيٍّ, فكرة لن تصمد أمام الفحص الحقيقي. الرياضيات تتعامل مع العلاقات الكميّة في العالم الحقيقي. بديهيات الرياضيات تبدو مثبتة ذاتياً, فقط لأنّها ناتج لعلمية طويلة من ملاحظة الواقع واختباره. مع الأسف, غابت هذه الحقيقة عن كثيرٍ من الرياضيين النظريين المعاصرين, الذين ضلّلوا أنفسهم حين اعتقدوا أنّ موضوعهم النقيّ "الرياضيات" لا يمت بصلة لهذا العالم الفاسد من الأشياء المادية. هذا مثال حقيقيّ على التبعات السلبية الناتجة عن تقسيم العمل حين يبلغ أقصاه.

بدءاً من فيثاغورس ومن تبعه, نُسبت إلى الرياضيات أكثر الإدّعاءات مبالغةً, وصوّرت الرياضيات على أنّها مَلِكَة على كل العلوم, واعتبرت مفتاحاً سريّاً يفتح كل أبواب الكون. بتحررها من الارتباط بالعالم الفيزيائي, بدت الرياضيات كمحلّقة في الفضاء, مكتسبة وجوداً إلهياً, غير خاضعة لأيّ قانون إلّا قانونها الذاتي. لذا, ففي بواكير القرن العشرين, خرج علينا الرياضيّ العظيم, هنري بيونكير, في ادّعاءه أنّ قوانين العلوم لا تمت للعالم الواقعي بأيّة صلة. بل تمثّل قناعاتٍ هدفت إلى تعزيز توصيف الظواهر بجعله أكثر ملاءمة وفائدة. بعض الفيزيائيين المعتبرين يعلنون صراحةً أنّ صلاحية نماذجهم الرياضيّة لا تعتمد على التحقق التجريبي منها, بل على القيم الجمالية لمعادلاتها!!!

نظريّات الرياضيّات, من جانب, كانت مصدراً لتطوّر علمي مهول, ومن جانب آخر, كانت مصدراً لأخطاءٍ ومفاهيمٍ خاطئة عديدة, كان لها, ومازال, تبعات سلبية عميقة. الخطأ المركزيّ كان في محاولة تبسيط عمل الطبيعة المعقد المتحرك المتناقض, إلى معادلة كميّة ساكنة ومرتبة. تُقَدَّمُ الطبيعة بطريقة شكليّة, وكأنّها نقطة أحاديّة الاتجاه, تصبح خطاً, يصبح سطحاً, يصبح مكعّباً, يصبح كرةً, وهكذا. على كل حال, اعتبار الرياضيات فكراً مطلقاً, لا يشوبه الاتصال بالأشياء المادية, مجافٍ تماماً للحقيقة. استخدامنا للنظام العشري, لم ينبع من الاستنباط المنطقيّ, أو "الإرادة الحرة", بل نبع من امتلاكنا عشرة أصابع. كلمة "digital" جاءت من الأصل اللاتيني لكلمة أصابع, وإلى هذه اللحظة, مازال طالب المدرسة, يعدّ أصابعه الماديّة تحت دُرْجه الماديّ, في صدد الإجابة على مسألة رياضيات مجرّدة. بفعله هذا, فإنّ طالب المدرسة يتّبع دون وعي, الطريقة التي تعلّم من خلالها البشر الأوائل العدَّ.

لم يَخْفَ على أرسطو الأصل الماديّ للتجريدات الرياضيّة, حيث كتب:"الرياضيّ (عالم الرياضيات), يتقصّى التجريدات, فهو يحذف كل الكيوف (جمع كيْف) المحسوسة, مثل الوزن, والكثافة, والحرارة, الخ., تاركاً فقط ما هو كميّ ومتصل (في بعد, او بعدين, أو ثلاثة أبعاد) وسماته الأساسيّة."
كما يقول في مكان آخر:"لا يمكن لموضوعات الرياضيّات أنْ توجد بمعزلٍ عن المحسوسات (الأشياء الماديّة)." وكتب:"لم نختبر أيّ شيء يتكوّن من خطوط أو أسطح أو نقاط, كما كان من المفترض أنْ نختبره في حال كوْن تلك الأشياء (يقصد الخطوط والأسطح والنقاط) موجودات ماديّة, خطوط ماديّة, الخ., ربما من ناحية التعريف هي أسبق على الجسم, ولكنّها ليست أسبق من ناحية المادة"

تطوّر الرياضيات جاء نتيجة لحاجات انسانيّة ماديّة جداً. فالرجل القديم, امتلك بدايةً عشرة أصواتٍ للتعبير عن الأعداد, لأنّه كما الطفل الصغير اعتاد العدّ على أصابع يديه . الاستثناء الذي خصّ قبائل المايا في أمريكا الوسطى, حين استخدموا نظاماً عدديّاً عشرينيّاً وليس عشريّاً, كان على الأغلب بسبب عدّهم لأصابع أقدامهم مع أصابع أيديهم. حياة مجتمع الصيد والجمع البسيطة, الخالية من المال والملكية الخاصة, كانت وراء عدم حاجة أسلافنا إلى الأعداد الكبيرة. وإذا اضطروا لاستخدام عدداً أكبر من عشرة, كانوا ببساطة يجمعوا بين عدّة أصوات من الأصوات العشرة. فمثلاً, أكثر من عشرة بواحد, كان يعبّر عنها بالصوت "واحد-عشرة", (مثل رقم إحدى عشر في العربية, إضافة من المترجم.)
(undecim in Latin,´-or-ein-lifon-“one over” in early teutonic, which becomes eleven in modern English).
كل الأرقام الأخرى, هي تركيبات من العشرة أصوات الأساسية, باستثناء خمسة إضافات, هي: مئة, ألف, مليون, مليار, تريليون.

توماس هوبز, الفيلسوف الماديّ في القرن السابع عشر, فَهِمَ الأصل الحقيقيّ للأعداد, حيث يقول:"كان هناك زمانٌ, لم تُسْتَخْدَم فيه أسامي الأرقام هذه, حيث استخدم الانسان أصابع يديه, تعبيراً عن حساب الأشياء, ثم تطوّر الأمر, بحيث أنّ كلماتنا العددية الآن, ليست إلّا عشرات في كل الأمم, وفي بعض الأمم خمسات."
يشرح ألفريد هوبر:"فقط لأنّ الانسان البدائيّ, اخترع أصواتاً للأعداد, بعدد أصابع يديه, فإنّ مقياسنا العددي اليوم, مبنيٌّ على النظام العشري, ومتكوّن من تكرار لانهائيّ من أصواتٍ الأعداد العشرة الأولى... لو امتلك الانسان اثناعشر أصبعاً بدل عشرة, فبدون أدنى شك, سنستخدم اليوم نظاماً اثناعشرياً بدل العشريّ, نظامٌ مبنيٌّ على العدد اثناعشر, متكوّن من تكرارٍ لا نهائيٍّ من أصوات الأعداد الاثناعشر الأولى." في الحقيقة, فإنّ نظاماً اثناعشريّاً, يمتلك أفضلية على العشري, فمثلاً, لا يمكن قسمة العشرة بالضبط إلّا على خمسة أو اثنين, أمّا الاثناعشر, فيمكن قسمتها على اثنان وثلاثة وأربعة وستة.

الأعداد الرومانيّة, هي في شكلها تمثيل تصويريّ للأصابع. فعلى الأغلب, يمثّل رمز الرقم خمسة بالكتابة الرومانيّة, ذلك الفراغ بين الإبهام والأصابع. كلمة "calculus" والتي اشتق منها (calculate) تعني حصوة باللغة اللاتينية, وهي مرتبطة من ناحية الأصل, بطريقة عدّ حبات الخرز في العدّاد. هذه الأمثلة, بالإضافة إلى أمثلة أخرى لا تعدّ ولا تحصى, توضح كيف أنّ الرياضيات لم تنبثق من عمليات العقل الحرّة, ولكنها نتجت عن عملية طويلة للتطوّر الاجتماعي, والتجربة والخطأ, والملاحظة والخبرة, ثمّ انفصلت تدريجياً, مشكلةً جسماً معرفياً يتميّز بوضوح بخصائصه المجردة.

وبنفس الطريقة, فإنّ نظامنا للأوزان والقياسات, تمّ اشتقاقه من أشياء ماديّة. أصل وحدة القياس الإنجليزية, القدم, يدل على نفسه, تماماً كأصل وحدة القياس الإنش, وهي في الاسبانية “pulgada” , وتعني الإبهام. أصل رموز الرياضيات الأساسية (+ , -) لا يمت للرياضيات بصلة. فهي رموز استخدمها تجّار القرون الوسطى لحساب الفائض أو العجز في كميّات البضائع المخزونة.
الحاجة لبناء المساكن بهدف الوقاية من الأعداء (في النص الأصلي elements, ووجدنا أنّها لا تخدم أي معنى في هذا السياق, فافترضنا أنّها خطأً مطبعياً, وافترضنا أنّ الكلمة الصحيحة المرادة هي enemies , المترجم) دفعت الإنسان القديم لاكتشاف أفضل الطرق لقطع الخشب, بحيث تتناسب أطراف الأخشاب مع بعضها. هذا يعني اكتشاف الزاوية المستقيمة ومربع النجارة. الحاجة لبناء منزل على أرض مستوية, قاد إلى اختراع أدوات التسوية التي وجدت رسومها في قبور المصريين والرومان, وهي عبارة عن ثلاثة قطع خشبية مستقيمة, جُمِعَت معاً, مكوّنة مثلثاً متساوي الأضلاع, ثم يُدَلّى حبلٌ من قمته. مثل هذه الأدوات العملية البسيطة, استخدمت في بناء الأهرام. راكم الكهنة المصريون, جسماً معرفياً رياضياً ضخماً, تمّ اشتقاقه بالكامل من مثل هذه النشاطات العملية.

حتى أنّ كلمة (geometry) نفسها, تفشي أصولها العملية. فهي تعني ببساطة "قياس الأرض." فضل اليونان كان في تقديم تعبيرات نظريّة نهائية لهذه الكشوف. على كل حال, فإنّهم وبتقديمهم نظرياتهم كناتج خالص من الاستنباط المنطقي, ضللوا أنفسهم والأجيال اللاحقة. بالتأكيد, تم اشتقاق الرياضيّات من الواقع الماديّ, وبالتأكيد, لن يكون هناك أي تطبيق للرياضيات إذا لم يكن الأمر كذلك. حتى نظرية فيثاغورس المهمة, المعروفة لدى كل طلاب المدارس -والتي تقول, أنّ رسم مربع على الضلع الأطول لمثلث قائم الزاوية, يساوي مجموع المربعين المرسومين على الضلعين الآخرين- استخدمت قديماً في ممارسات المصريين.



#علي_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصير الفئة الدنيا من العمّال!
- السقف النظري للكيان الصهيوني
- مراقب الورشة- أرستقراطيّة العمّال
- طبيعة التناقض مع الكيان الصهيوني
- قراءة وكالة المخابرات المركزية للنظرية الفرنسية
- ملحق: شكل القيمة البسيط في تاريخ التبادل -الجدل الهيجلي في م ...
- ملحق عن الهوية الصورية والهوية الجدلية- الجدل الهيجلي في مؤل ...
- عرض وتعليق على رسالتي لينين عن الحب الحر.
- الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 8 - قصة نشوء النقد (1)
- على هامش رأس المال - 4 (قيمة البضاعة ليست في جسدها بل فيما ي ...
- ما هو الحساء البائس الذي رفضه لينين؟
- جدل الحريّة و الضرورة - 5
- جدل الحريّة و الضرورة - 4
- {كل ما هو معقول واقعي , كل ما هو واقعي معقول}
- جدل الحريّة و الضرورة - 3
- جدل الحريّة و الضرورة - 2
- جدل الحريّة والضرورة - 1
- عن الدولة في المرحلة الانتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية
- الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 7
- إيران واقتصاد الكازينو


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي عامر - هل تعكس الرياضيّات الواقع؟ - الجزء الأول: الأصل الماديّ للرياضيّات