أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - أيها الجندي … أنت تجرحني!














المزيد.....

أيها الجندي … أنت تجرحني!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5379 - 2016 / 12 / 22 - 15:26
المحور: بوابة التمدن
    


حين أنت تزورُ إحدى كنائسنا القبطية خارج مصر، فكأنك قد دخلتَ مصرَ، وتقفُ على أرض مصرية بكل ما تحمل الكلمةُ من معنى وتاريخ وحاضرة وطباع وبشر. تلك حيلة نفعلها أحيانًا حين تضطرُنا الظروفُ للإقامة خارج مصر الوطن مدة طويلة نسبيًّا، نكسر بها حِدّة الحنين إلى الوطن، Home-sickness. تدخل أيًّا من كنائسنا القبطية خارج مصر، فتشاهد الوجوهَ الطيبة بملامحها المصرية الصميمة. الأزياء المصرية للسيدات والصبايا والأطفال والرجال. اللهجة الدارجة المصرية كما اعتادت أُذناك على سماعها في وطنك. الترحاب المصريّ والحنوّ المصري وخفّة الظلّ المصرية. العادات المصرية المعهودة. القفشات المصرية المعروفة بين المصريين في أوقات مزاحهم. وإن كنتَ محظوظًا وذهبت في يوم عطلة وتناولت الطعام هناك، ستجد كلَّ صنوف الطعام المصري بروائحه الطيبة التي تكوّنت معها طفولتُنا وكبرنا على مذاقها. ذاك أن كلَّ سيدة من سيدات الكنيسة المصريات قد أعدّت في بيتها الصنفَ الذي تجيد طهوَه وجلبته معها لكي يتناوله المصريون هناك، بصرف النظر عن عقيدتهم وانتماءاتهم. فكل من يدخل الكنيسة المصرية مُرحّبٌ به، خصوصًا لو كان مصريًّا. الهُوية المصرية، هي فيزة الدخول التي تضمنُ لك مكانة مميزة ووقتًا طيبًا مملوءًا بالسلام داخل أي كنيسة مصرية في أي مكان في العالم. لن تُسأل عن ديانتك، فأنت الآن تقفُ على أرض مصرية طيبة لا تمايزُ بين العقائد، لأنها تحترم الجميعَ كونهم بشرًا. أنت الآن داخل سفارة مصرية مباركة، من سفاراتنا المصرية في كل دول العالم. على أنها سفارة ليس بها سفيرٌ واحد، فكلُّ شعبها سفراءُ لبلدهم الجميلة مصر. في كنيستنا المصرية في بيروت، تذوقتُ أشهى ملوخية في التاريخ صنعها بيده أبونا رويس راعي الكنيسة، وفي كنيستنا المصرية في كاليفورنيا تذوقت أحلى "محشي" بيد إحدى السيدات المصريات، وفي كاتدرائية الأنبا أنطونيوس في أبو ظبي شاركتُ في قلي أقراص الطعمية المصرية الشهية مع شقيقاتي القبطيات هناك. إن أنت دخلت أية كنيسة في مصر أو خارجها، دون أن تُفصح عن ديانتك الإسلامية، سوف تسمعهم في نهاية صلواتهم يدعون بالخير والبركة لمصر ونيل مصر العظيم ولحاكم مصر، وللشعب المصري من غير المسيحيين. جرّب بنفسك لتستمع، مثلي، بمن يدعو لك بالخير والرغد، وهو لا ينتمي لدينك، فهو يحبُّك دون قيد أو شرط. يحبك مهما كانت طبائعك وسلوكك ورؤيتك له. يحبك مُسبقًا وسلفًا كونك إنسانًا، ويحبك ويباركك حتى لو لم تحبّه.
فارقٌ واحد وحيد، يفرق بين كنائسنا القبطية داخل مصر، وبين كنائسنا القبطية خارجها. فارقٌ مُرٌّ. فارقٌ مخجلٌ.
ليس جوار أبواب كنائسنا المصرية بالخارج ذلك الشيء الخشبيّ البغيض المسمّى: "كشك حراسة"، يقبع فيه جنديٌّ مسلح لحماية الكنيسة من الإرهابيين! فقط في مصر يوجد ذلك الشيء الُمخجل المُخزي المُهين. لماذا لا يوجد بالإمارات، مثلا، كشك حراسة على كنائسنا المصرية وكاتدرائياتنا؟ ببساطة لأن، أقولها بخجل، دور العبادة هناك غير مهدّدة. فلا موجب لحارس وسلاح وتأمين. المواطن الإماراتي، والوافد الذي يعيش فوق أرض الإمارات ووافق على شروط التواجد بها، يعلم تمام العلم أن العقيدة ليست شرطًا للحقوق والواجبات. ليست شرطًا للمواطنة. لأنها ليست شرطًا للإنسانية.
الإنسان في الإمارات، كما هو في سائر الدول المتحضرة في كل العالم، يستمد حقوقه من مجرد كونه "إنسانًا". لا تنظر الدولةُ، ولا المواطنون والوافدون، إلى عِرقه أو عقيدته أو لونه أو نوعه أو طبقته. له حقّ الاعتقاد وممارسة طقوس عقيدته بكامل الأمن ومن دون حراسة. بل أن، يزداد خجلي وأنا أقولها، المعبد البوذي والمعبد الهندوسي في دولة الإمارات، ليس على أبوابهما ذلك الكشك التأميني المخجل. البوذيون والهندوس آمنون في دولة الإمارات العربية المسلمة، بينما أقباطُ مصر غير آمنين في بلادهم!!! أيُّ عارٍ! كلما مررتُ بكنيسة في مصر وشاهدتُ ذلك الكشك الخشبيّ، شخصتْ عيناي في عيني الجندي الرابض داخله، ثم أُطرقُ منه خجلا لأنني أكاد أسمعه يقول لي صامتًا: أنا هنا لأن بينكم إرهابيين يفجّرون الكنائس ويقتلون المُصلّين المسالمين! أنتم شعبٌ غير متحضر!” صدقتَ أيها الجندي، بكل أسف! وجودك يجرحني ويُشعرني بالفشل. سأقول إننا تحضّرنا حين تتركُ مكانك جوار الكنيسة، وتذهب لتؤمّن حدودنا من الأعداء.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجميلةُ المغدورة، اليومَ عيدُها
- من حشا الحزام الناسف بالشظايا؟
- قُبلة يهوذا
- لهذا لم أحادثك يا صبحي!
- دموعُ الفارس | إلى محمد صبحي
- شجرةٌ وأربعُ عيون
- محاكمة نجيب محفوظ وأجدادنا والفراشات
- مشيرة خطاب أمينًا عامًا لليونسكو
- إيزيس
- عروسة مولد وشجرة ميلاد
- أنتم تخدشون حياءنا
- حلوى المولد .... والبيض الأرجنتيني
- حلوى المولد والبيض الأرجنتيني
- صباح فيروز … وجه الفرح
- هل الآخر جحيم … نعيم؟
- “فن- الحذر من الآخر
- فن الحذر من الآخر
- خيانة الأفكار
- ماذا يعني مهرجان الموسيقى العربية؟
- متى المسافرُ يعود؟


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - أيها الجندي … أنت تجرحني!