أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - مروان عبد الرزاق - بعض إشكاليات التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في البلدان العربية















المزيد.....



بعض إشكاليات التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في البلدان العربية


مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)


الحوار المتمدن-العدد: 1353 - 2005 / 10 / 20 - 14:46
المحور: ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
    


مقدمة:
التغيير الديمقراطي بالأساس, عملية داخلية تم إنجازها في موطنها الأصلي (أوربا), عبر صيرورة تاريخية استمرت ثلاثة قرون. وتوجت عبر تأسيس ما سمي بدوله الرفاه الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يتم ذلك إلا بعد تحقق عدد من الأسس, والتي لا تقوم الديمقراطية بدونها :
1- ما سمي بالمصالحة/ أو التسوية التاريخية بين العمل والرأسمال, بعد صراع دامي طويل,استمر عدة قرون, حاول كل طرف أن ينفي الآخر.وقد تم بموجب هذه المصالحة تنازل الرأسمال للعمل باعترافه بحقوقه في تحديد ساعات العمل, والمشاركة في الأرباح, و الضمان الصحي,والاجتماعي, وتم أيضاً تعميم حرية الانتخاب التي شملت المرأة. وتعديل قوانين الانتخاب. لتشمل كافة أفراد المجتمع...الخ و بالمقابل تنازل العمل, بقيادة الأحزاب الاشتراكية و الشيوعية والنقابات عن برنامجه الذي يدعو إلى إسقاط الليبرالية المسيطرة, وإقامة الاشتراكية. وهذه المصالحة هي عملية واعية قامت بها كافة القوى والأحزاب السياسية التي كانت تدير العملية السياسية وعبرت من خلالها على قبول الآخر و التعايش معه, وإقامة دولة علمانية تمثل جميع أفراد المجتمع باعتبارهم متساويين أمام القانون من جهة, ومشتركين في الثروة عبر توزيع عادل لها من جهة أخرى. وهذا التوزيع العادل لا يعني المساواة. لأن المساواة الكاملة غير ممكنة في مجتمع رأسمالي. وآخر عملية تسوية وانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية في أوروبا تمت في اسبانيا عام / 1976/ اثر وفاة الجنرال فرانكو. والتي تمت بين الملك " خوان كارلوس" من جهة, والجمهوريون واليساريون من جهة أخرى. حيث تنازل الملك عن الحكم لصالح حكومة ديمقراطية منتخبة, ودستور جديد ينظم عملية التناوب على السلطة. وتنازل الجمهوريون واليساريون عن إسقاط الملك والملكية وإقامة الجمهورية, لصالح تأسيس ملكية دستورية ديمقراطية, بالرغم من أن اسبانيا أقامت جمهوريتها سابقا(الجمهورية الثانية سقطت على يد فرانكو/1939/ ). ومنذ ذلك الوقت طويت صفحة الديكتاتورية,وبدأ أول تناوب على السلطة منذ /1982/, مع مجيء الاشتراكيين إلى السلطة لحصولهم على أغلبية أصوات الناخبين.
2- العمل على نهوض اقتصادي, وترميم ما خلفته أزمة الثلاثينات الاقتصادية, و الدمار الذي لحق بأوروبا خلال الحربين العالميتين الأولى و الثانية, وذلك عبر السياسة الاقتصادية الكينزية التي تجعل من الدولة فاعلاً اقتصادياً هاماً. ولم يكن ممكناً أن تعود أوروبا لتنهض من جديد, وخلال ربع قرن, دون امتلاكها لتراكم تاريخي للرأسمال, وبنية تحتية قوية لم يتم إنشاؤها بالإنتاج والتراكم الداخلي فقط, إنما كان بسبب آخر إضافي هو نهب ثروات المستعمرات. بالإضافة لمشروع "مارشال". وبالتالي فان (الخارج) (المستعمرات) كان له دوراً إيجابيا هاماً, في تراكم الثروات الأوربية, وهذا شكل أحد الأسس الهامة للاستقرار, وبالتالي تأسيس الدولة الديمقراطية. وأيضا لم يكن هناك من يهدد أوروبا من الخارج, إنما هي التي كانت تهدد العالم المتخلف.وحتى الاتحاد السوفييتي لم يكن يهدد أوروبا بعد انسحابها من دائرة الصراع الدولي,وإفساح المجال أمام أمريكا لقيادة القطب الرأسمالي ضد السوفييت. وبعد أن أقامت المصالحة في الداخل,بدأت العمل باتجاه التأسيس للاتحاد بين الدول الأوربية, وتجاوز المرحلة القومية,إلى مرحلة أعلى. و ما زال الاتحاد ينضج ويتطور حتى الآن.
3- إن الحداثة ومن ضمنها الفكر السياسي الديمقراطي, هي نتاج أوربي داخلي. فلم تعاني أوربا من استيراد الأفكار من الخارج, بل أنتجتها من واقعها مباشرة. وكان المسار الديمقراطي لكل بلد يتميز عن باقي البلدان,سواء باسلوب الانتقال, أو الآليات التي تم من خلالها بناء النظام الديمقراطي. وليس مفيداً الحديث عن عنجهية بعض المفكرين العرب,,الذين يعزون خروج أوربا من القرون الوسطى المظلمة إلى الحداثة, إلى فضل الحضارة العربية الإسلامية والتراث اليوناني القديم الذي نقله العرب لهم. لأن أوربا قد هضمت كل التراث اليوناني, والعربي الإسلامي وأعادت إنتاجه ليكون أوربياً من جديد. وهذا ما تجسد في الواقع وليس مجرد تأويلات, وهذا ما نجح فيه الغرب وفشل فيه العرب.
4- ولم يكن ممكنا الانتقال إلى الحداثة دون الإصلاح الديني الذي تم انجازه. وبدون هذا الإصلاح, وفصل الدين عن الدولة, لم يكن من الممكن بناء الديمقراطية, وبناء دولة تمثل جميع المواطنين.
يمكن ان نستنتج بشكل أولي: بأن التخلي عن الايدولوجيا الانقلابية الجذرية, والاستقرار الاقتصادي, والإصلاح الديني, وعدم التهديد الخارجي, هي شروط أولية أساسية لكي تتحقق الديمقراطية.
والتجربة الاوروبية ليست مثالا للنقل.لأنها أولا ليست تجربة واحدة. إنما هي تجارب متعددة بعدد الدول الاوروبية. ولكل دولة تجربتها الخاصة.كما سيكون لكل بلد عربي تجربته الخاصة أيضا.لكن هذه الخصوصية لا تؤدي إلى إلغاء الفكرة الديمقراطية أو تشويهها. لان هذه الفكرة أصبحت عالمية لأنها بالأساس تتعلق بالنوع البشري وهو نفسه في أي مكان على الكرة الأرضية.وبغض النظر عن التعريفات العديدة للديمقراطية, والتي غالبا ما تساهم في غموض المفهوم أكثر من توضيحه. اقصد بالديمقراطية مسألتين رئيسيتين:الأولى هي الحريات الأساسية للمواطنين والتي تشمل الحريات الشخصية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وبما يضمن توزيع عادل للثروة. والثانية تتعلق باختيار آلية لإقامة دولة يشارك في اختيارها كل المجتمع. ولكل مجتمع طريقه الخاص لذلك. لكن هذا لا يعني عدم المحاولة للاستفادة من تجارب الآخرين.
- 1-
فهل توفرت الأسس المذكورة في البلدان العربية؟
بعد الحرب العالمية الثانية, ورثت حكومات الاستقلال البلاد العربية عن الاستعمار الأوربي, وأقامت سلطات مختلفة البنى و الأشكال, فكانت قبلية و دينية (السعودية والخليج, وملكية ليبرالية (المغرب و الأردن), وقومية رأسمالية دولتية (تدعي الاشتراكية ) (سوريا, العراق, مصر, الجزائر, تونس, ليبيا), و "ديمقراطية توافقية" طائفية (لبنان). وأخذت هذه الحكومات على عاتقها أن تجعل من الاستقلال حقيقة واقعة. وكان هذا يتطلب سد الفراغ الذي خلفه الاستعمار وراءه, والعمل على عملية تنموية شاملة على كافة الصعد.
وكانت هذه الحكومات (وكلها استبدادية), والمعارضات التي تشكلت فيما بعد, منقسمة في الانتماء إلى قطبي الحرب الباردة :أمريكا والاتحاد السوفيتي. فكانت المشاريع القومية و الاشتراكية تنتمي للاتحاد السوفيتي,والمشاريع الليبرالية والإسلامية تنتمي إلى أمريكا. وكان الصراع داخل الدول العربية عنيفاً, يسعى كل طرف من خلاله لإلغاء الآخر. وكان قطبي الحرب الباردة يتدخلان في المنطقة على أساس المبدأ ذاته. إذ كان يسعى كل قطب لاحتلال مواقع قوية. بحيث يمنع القطب الآخر من الامتداد في المنطقة.
فالايدولوجيا السوفيتية ساهمت في التأسيس لأنظمة شمولية, صادرت الحريات, وحولت المجتمع إلى رعايا عند الزعيم القائد. وكانت "الديمقراطية الشعبية" ليست أكثر من غطاء لاحتكار جزء من المجتمع للسلطة, والذي تقلص إلى سيطرة أجهزة الأمن على البلاد بالعنف والإرهاب,وتأسيس " الدولة الأمنية " كما يسميها د.طيب تيزيني.
أما القطب الآخر, أمريكا, فكان لتدخلها في المنطقة آثارا كبيرة على التحول الديمقراطي في البلدان العربية.
يقول نعوم تشو مسكي " (قراصنة وأباطرة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – ص15 - ط1- 1991 ). كانت حكومة ريغان ملتزمة بثلاث سياسات مترابطة. وكلها تحقق بنجاح ملحوظ:
1-تحويل الثروات من الفقراء إلى الأغنياء.
2- زيادة كبيرة في القطاع الحكومي للاقتصاد, من خلال نظام البنتاغون وفي وسيلة لإجبار العامة على تمويل صناعه تكنولوجيا عالية. . تساهم في برنامج الدعم العام والربح الخاص.
3-زيادة كبيرة في التدخل و التخريب والإرهاب من قبل الولايات المتحدة. وتخويف عامة الناس بوحوش يتوجب علينا أن ندافع عن أنفسنا منهم. ومواجهة "إمبراطورية الشر" – أي الاتحاد السوفيتي- يمكن أن تكون قضية خطرة لذلك من الأسلم, خوض معارك مع أعداء لا قدرة لهم على الدفاع يعتبرون عملاء لإمبراطورية الشر.
ومنذ الثمانينات (عصر ريغان و تاتشر) بدأت أمريكا بتنفيذ برنامج العولمة الجديدة في أغلب الدول العربية (المغرب, تونس,مصر, السعودية والخليج العربي, والأردن, ولبنان). وهو برنامج الليبرالية الجديدة, "برامج إعادة الهيكلة و التكييف"لاقتصاديات العالم المتخلف والتي أعدّها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي, بقصد تحرير الاقتصاد, والانتقال إلى اقتصاد السوق,,وإضعاف دور الدولة والتخلي عن دعم السلع الضرورية, وخصخصة المشاريع الاقتصادية الرابحة لصالح الشركات المتعددة الجنسية الكبرى, وبالتالي نقل فائض القيمة للمراكز العولمية الكبرى. وهذا ا أدى إلى المزيد من الإفقار و العجز و المديونية. مما زاد في خضوعها لأمريكا و الشركات الكبرى.
وقد تم تنفيذ البرنامج الاقتصادي لليبرالية الجديدة دون أن يرافق ذلك أي مشروع سياسي للديمقراطية الليبرالية. لسبب بسيط هو أن ممثلي الليبرالية الجديدة يسعون إلى تحرير الاقتصاد, ويبحثون عن مناخ ملائم للاستثمار, بقصد جني المزيد من الأرباح. وتحرير الاقتصاد والمناخ الملائم للاستثمار لا يتطلبان تحرير السياسة والديمقراطية السياسية. إنما بالعكس كان عصر الثمانينات والتسعينات, عصر الإرهاب الأمريكي ضد الدول الصغيرة (حسب الفقرة الثالثة لبرنامج ريغان المذكور), التي تعارض السياسة العولمية الجديدة. والأمثلة لا تحصى : نيكاراغوا, السلفادور, غواتيمالا, بنما. . والقصف الأمريكي لليبيا و السودان, ودعم إسرائيل بشكل مطلق لجرائمها المستمرة ضد الفلسطينيين وغزوها للبنان. . ثم حرب الخليج,, وقصف يوغسلافيا, ثم احتلال العراق, و الآن يجري الإعداد لاحتلال سوريا ولبنان. وكل هذا يتم باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي الوقت ما زالت أمريكا تدعم الأنظمة العربية الأكثر استبداداً. وقد كان الدعم الأخطر, هو دعم أمريكا للحركات الإسلامية المتطرفة (التكفيريين) واستخدامهم ضد الشيوعية في أفغانستان, وبعض الدول العربية (سوريا,مصر,اليمن الجزائر. . ), مما ساهم ذلك بشكل كبير إلى تراجع التيار الإسلامي المعتدل الذي كان يؤمن بالعمل السياسي السلمي. وهذا أدى بدوره إلى انشقاق كبير داخل الحركة الديمقراطية الناشئة حديثاً.


- 3 -
لكن المسؤولية بالتأكيد لا تقع على الخارج. لأن الديمقراطية بالأساس هي مسألة داخلية وتتعلق بالدرجة الأولى ببنية مجتمعاتنا ودرجة تطورها, وما فرزته من تعبيرات وقوى اجتماعية و سياسية وثقافية, والتي تقع على عاتقها مهمة البناء الديمقراطي وبناء دولة ديمقراطية تمثل الجميع.
فبعد نصف قرن من الاستقلال,, نجد الأنظمة العربية دون أي تغيير جوهري يذكر, رغم تجدد بعضها بالوراثة (السعودية, والخليج, وسوريا, و المغرب, و الأردن ),, وتجدد البعض الآخر بانقلابات داخلية (مصر, تونس, الجزائر,السودان ),, ورغم كل التغيرات الكبيرة التي حصلت في البنى الاجتماعية والثقافية في الداخل والخارج.
إلا أنها رغم هذا التجدد, ورغم الخلاف في الاتجاهات (ليبرالية, أم رأسمالية دولتية " سميت اشتراكية ") والأساليب التي اتخذت لتحقيق وثائر تمنية اقتصادية واجتماعيه سريعة, والأساليب التي حاولت عبرها تجديد المناخ السياسي, إلا أنها تشترك جميعاً بعدد من السمات عند نهاية القرن العشرين:
1- العجز الاقتصادي: والفشل في "نزع الاستعمار" بتعبير سمير أمين. حيث فشلت في إقامة اقتصاديات قوية مستقلة, وتحقيق وثائر تنمية مستدامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. وهذا تؤكده كل التقارير التمنية العربية التي تشير إلى عجز في نسبة النمو. وتفاقم المديونية الخارجية, والمشاكل الناتجة عن الفقر المتزايد,, والبطالة,, وتردي المستوى الصحي,, واتساع الأمية...الخ مما جعل هذه الأنظمة تعود للاستعمار القديم كي تبحث عن حل لأزماتها,, سواءً عن طريق تقديم المساعدات,, أو البرامج الإصلاحية المختلفة.
2- الفشل في المشروع القومي الوحدوي العربي,, أو نصف القومي (اتحاد المغرب العربي – مجلس التعاون الخليجي ),, أو شبه القومي(الاتحاد الثلاثي أو الرباعي. . ). رافق ذلك الصراعات بين الأقطار العربية,,على الحدود,, أو بسبب الانتماء إلى مشاريع خارجية متناقضة. وأنتج الفهم الاستبدادي للمسألة القومية وقمع القوميات الأخرى, خللاً في بعض المجتمعات العربية ( المغرب العربي, السودان, سوريا والعراق ),, وأدى إلى صراعات عنيفة,, دفعت هذه المجتمعات ثمناً باهظاً بسببها. كذلك بسبب تخلفها وخوفها من المجتمع لجأت إلى التمييز الطائفي داخل المجتمع, مما مهد الأرض أمام احتقانات وصراعات طائفية, أحدثت خرقاً في المجتمع, و أن اعتمادها في البقاء والسيطرة على طائفة دون أخرى, جعلها غير شرعية بتمثيلها لجميع أفراد المجتمع (العراق, سوريا, السعودية, السودان. . )
3- الهزيمة أمام إسرائيل : فالصراع العربي –الإسرائيلي الذي هيمن على كافة الصراعات الداخلية في المنطقة,, وكان الشماعة التي علقت عليه كافة الأزمات السياسية والاقتصادية. وقد ساهم الصراع مع إسرائيل,, والنزعة القومية "البيسماركية ", إلى حد كبير في تشكيل حكومات عسكرية قوية. لكن تم استخدام هذه القوة من أجل الصراع بين الدول العربية نفسها من اجل الزعامة على العرب,, واستخدمت ضد المجتمعات العربية في الداخل. مقابل العجز الكبير تجاه الخارج, وإسرائيل.
4- الاستبداد السياسي : وهو أصل البلاء الذي أنتج مجموعة من المافيات السلطوية البيروقراطية. مهمتها حماية السلطة و العمل على استمرارها. وبالتأكيد لا يوجد حاكم عربي واحد عمل على تأسيس دولة ديمقراطية تقبل التناوب على السلطة,, وتشّرع لمناخ سلمي للعمل السياسي. إنما الجميع عمل على كيفية الاستمرار في السلطة للأبد. لأن السلطة مصدر أساسي للقوة والثروة.
وكانت المرحلة الأولى في كل الدول,, هي مرحلة تصفية للرموز أو التيارات المعارضة,, داخل حكومات الاستقلال. تلاها المرحلة الثانية,, وهي الأطول تاريخياً والمستمرة حتى الآن,, وهي مرحلة الصراع مع المعارضة بكافة أيديولوجياتها. فتم البطش بها بأشكال فظيعة, بالسجن والتعذيب والتمثيل والإعدام. ...الخ مما أدى في النهاية إلى تهميش المجتمع بالكامل, و إبعاده عن العمل السياسي الذي أحتكره النظام لنفسه فقط.
وكل الأنظمة عملت وفق ما كان يردده الحسن الثاني دائماً : ((لا يهمني أن يكون في المغرب خمسة عشر مليون معارض. المهم أن لا تكون هناك معارضة )) ( الصراع الطبقي في المغرب. مجموعة من التقدميين المغاربة. ص - 290 ).
وكانت المعارضة أيضا في المرحلتين السابقتين تحمل إيديولوجيات انقلابية, ومشتقة من نفس إيديولوجيات الأنظمة, وتسعى لاستلام السلطة وإبعاد الآخرين, مما جعل الصراع بين المعارضة والنظام في كل الدول أكثر عنفاً وضراوة. فالصراع كان صراع وجود. الكل يبحث عن السلطة وينفي شرعية وجود الآخر.
* * *
منذ التسعينات ومع انهيار جدار برلين, وتحول دول أوربا الشرقية,, بدأت مرحلة جديدة في العالم. حيث بدأت تنتشر ثقافة الحريات و الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلدان العربية. بفضل العولمة الجديدة وما رافقها من تطور هائل لوسائل الإعلام و الاتصال بين كل مناطق العالم. بحيث أصبح الحديث ممكناً عن بدايات لتشكل أممية جديدة للفكر الديمقراطي و حقوق الإنسان, مقابل العولمة الأمريكية وإرهابها على مستوى العالم. حيث أن العولمة الجديدة مرحلة تاريخية جديدة و شاملة, وهي أوسع من أمركتها, وتحمل في داخلها نقيض هذه الأمركة المتوحشة.
وبدأت موجة ثقافة الديمقراطية الجديدة,بجهود عديدة للمثقفين العرب الذين أقاموا العديد من الندوات. ثم انتقل النقاش إلى الأحزاب السياسية المعارضة. حيث بدأ يتشكل مناخ جديد للفكر السياسي الديمقراطي في البلدان العربية. وبدأت الأحزاب السياسية المعارضة تراجع أيديولوجياتها الانقلابية,, وتدعو الأنظمة إلى الإصلاح السياسي,, والمصالحة مع المجتمع,, والانتقال إلى دولة ديمقراطية يشارك فيها الجميع بالأساليب السلمية,, ونبذ العنف. وبالمقابل بدأت الأنظمة العربية كلها, تبحث عن آليات جديدة لتجديد ركائز استمرارها وتجديد خطابها, بعد تأكدها من فشل الأيديولوجيات السابق,, وانكسار عكازة الصراع العربي الإسرائيلي. حيث أصبح خطاب الإصلاح و التحديث و التطوير هو الخطاب الجديد لكل الأنظمة وليس مقتصراً على نظام واحد. وبدأت هذه الأنظمة تواجه الدعوات الداخلية و الخارجية للإصلاح السياسي و الديمقراطية, بالخصوصية, والهوية الإسلامية, وضرورة التدرجية في الإصلاح السياسي. وذلك في محاولة جديدة لنقل السلطة إلى الجيل الاستبدادي الثاني, الذي أفرزه العهد القديم من رموز ومافيات جديدة و مؤسسات.
* *
وبالحقيقة هناك عدد من الإشكاليات التي تعترض انتقال البلدان العربية إلى الديمقراطية السياسية.
أولها : استمرار الإيديولوجيات الاستبدادية والتي تم تطعيمها حديثا بالديمقراطية,, دون أن يتم نقدها, والتحول بشكل حقيقي نحو الثقافة الديمقراطية و الاقتناع بالفعل بالرأي الآخر ومشاركته بالبناء الديمقراطي. وهذا ينطبق على الأنظمة بالدرجة الأولى, وبدرجة اقل على المعارضة.وحتى الأنظمة التي جاء إليها القدر وخطف منها رموز الاستبداد القديمة (سوريا, المغرب, الأردن) نجدهم يجددون عهد الاستبداد القديم. بدلاً من أن يمتلكوا شجاعة الملك الاسباني (خوان كارلوس ), ويؤسسوا شرعيتهم الوراثية,بقيادتهم لعملية التغيير الديمقراطي.
ومن المفيد التوقف قليلا عند تجربة المغرب, لتميزها عن باقي البلدان العربية.
وهذا التميز يأتي من أن المغرب - كما يلاحظ د.محمد عابد الجابري (المغرب...إلى أين؟ المستقبل العربي.العدد/239/1999) - هي أول دولة عربية تبدأ مسارها السلمي في التحول نحو الديمقراطية السياسية. وذلك عندما تم تكليف عبد الرحمن اليوسفي برئاسة الحكومة, وهو رأس المعارضة اليسارية (رئيس الاتحاد الاشتراكي ),, ورافق ذلك تعديلات دستورية هامة آخرها عام 1996 صوتت لها المعارضة بـ"نعم". ثم فيما بعد تم تشكيل " هيئة الإنصاف والمصالحة " كمحاولة لتجاوز مرحلة القتل والعنف السابقة.
ولم يكن ذلك ممكناً دون توفر عدد من الأسس :
1- اقتناع المعارضة بالتحول الديمقراطي السلمي منذ (1975) والعمل داخل المجتمع, والاشتراك في الانتخابات وحصولها على الأغلبية, وقبل ذلك تشكيلها "الكتلة الديمقراطية" ( 1993) والتي ضمت الأحزاب الوطنية الديمقراطية.
2- واقتناع الملك بعد 40 سنة من الاستقلال و 20 سنه من تحول المعارضة نحو العمل السلمي الديمقراطي, بالتنازل عن جزء من سلطته للمعارضة. وهذا لم يتم إلا عندما شكلت المعارضة قوة على الأرض, بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن تطبيق برنامج العولمة الجديدة منذ بدايات الثمانينات. وهذا يعني قبول بالآخر والاعتراف بضرورة مشاركته.
3- حضور المجتمع من خلال المشاركة بالانتخابات وبالتعبير عن الرضى النسبي للدولة الجديدة.
صحيح أنها " ديمقراطية ناقصة " حيث احتفظ الملك لنفسه ب "الوزارات السيادية":(الداخلية والخارجية والدفاع والعدل والأوقاف). إلا أنها تشكل نقلة هامة للأمام وهذه ليست أكثر من بوابة أولى للدخول إلى عتبة البناء الديمقراطي.
إذن بدون مصالحة داخلية وإزالة التوتر السياسي أو العنف السياسي بين الأنظمة والقوى السياسية المختلفة المعارضة, والاعتراف بشرعية وجودها وضرورة مشاركتها في إدارة الشأن العام للبلاد.فان الحديث عن الديمقراطية والحرية لا معنى له.لكن هذه المصالحة لن تتم بإرادة هذه الأنظمة التي ترى في دعوات المصالحة الصادرة عن المعارضة," تهديد كلي لوجودها, وللمنطق الشمولي الذي يحكم هذا الوجود, ويعكس ولادة حراك سياسي جديد,ويكسر آليات إعادة أنتاج السلطة الاحتكارية والانفرادية " كما يلاحظ د.برهان غليون( لماذا أخفقت جميع مشاريع المصالحة الوطنية في البلاد العربية- موقع الرأي /18-أيلول-2005/ ).
إنما هذه المصالحة لن تتم إلا إذا استطاعت المعارضة تجاوز إيديولوجياتها الانقلابية الجذرية بشكل فعلي وليس " ترقيعا ", وتقبل بالآخر,وان تعمل على المصالحة ضمن المعارضة ذاتها أولا قبل أن تنتقل للمصالحة مع السلطة,وان تكون قادرة على تشكيل قطب ديمقراطي فعلي يضم كل القوى الديمقراطية. يجعلها تمتلك القوة الحقيقية على الأرض لإحداث التغيير والمصالحة.وبدون ذلك لا يمكن الدخول إلى عتبة المصالحة والبناء الديمقراطي. لان المصالحة بين القوي والضعيف ( بين مثقف ناصح وسلطة), لا ضرورة لها أصلا. أما المصالحة الوطنية بقصد إعادة بناء الوطن على أسس الحرية والديمقراطية,فإنها تتم بين قوى فعلية على الأرض,وليس بين سلطة قوية ومعارضة ضعيفة.
كما أن تحقق الديمقراطية ودرجة تطورها أو تأخرها, يعكس إلى حد كبير درجة التوازن الطبقي والاجتماعي والسياسي في المجتمع.ويمكن أن نلاحظ أهمية هذا التوازن من خلال صيرورة تشكل الديمقراطيات الأوروبية المستقرة. وكذلك حالة انعدام التوازن في بعض تجارب "الديمقراطيات الناقصة " والمشوهة في البلاد العربية مثل: المغرب ومصر والأردن والكويت والبحرين وتونس والجزائر.حيث تعترف هذه الأنظمة التسلطية بالتعددية السياسية,إنما تجعل منها واجهة " ديمقراطية " لتجديد سلطتها،في ظل غياب معارضة يتم التنكيل بها يوميا, وكذلك غياب المجتمع أو تغييبه بفعل استمرار الاستبداد. فالديمقراطية واستقرارها مرتبط إلى حد كبير بوجود درجة كبيرة من التوازن الداخلي على كافة الصعد. فكلما كانت المعارضة أقوى وأكثر امتدادا داخل المجتمع, كلما كانت قادرة على انتزاع مواقع جديدة, وبالتالي تحقيق مكاسب وحريات أوسع.والمعارضة ل تكون قوية وقادرة على تحقيق مكاسب اكبر, وحريات أوسع, بدون أن تقيم قطب أو تحالف وطني ديمقراطي, يقابل ويجابه القطب الآخر وهو الاستبداد. وهذا يعني إضافة لبنة جديدة في البناء الديمقراطي. وهذا يفسر لنا اتساع الحريات قليلا في المغرب ومصر, بالمقارنة مع الدول الصماء التي يسودها طغيان " اللا توازن " مثل سوريا وليبيا والعراق سابقا (رغم أن الكلام فقط لا غير أصبح مسموحا في سوريا منذ خمس سنوات!), والدول السكونية مثل السعودية والخليج العربي.
وثانيها: الإصلاح الديني
وهي الإشكالية الأهم في عملية التغيير الديمقراطي. وليست المسالة محصورة في الدين والتدين الاجتماعي. إنما في استخدام الدين من قبل كل الأنظمة العربية في صراعها مع المعارضة. وبروز التيارات الدينية التكفيرية, التي تبث الرعب والإرهاب داخل المجتمع وتعمل على فرز وإحياء الطائفية,مما يجعل البلاد مهددة دائما بشبح الحرب الطائفية. وحتى التيارات الدينية الأيديولوجية المعتدلة التي مازالت تسعى لإقامة دولة ذات مرجعية دينية, وهذا يعني أسلمة القوانين.
ولم يحسم الصراع بين الأنظمة والتيارات الإسلامية المعارضة بعد. وكذلك الصراع بين العلمانيين والإسلاميين.وسيبقى هذا الصراع كقنبلة موقوتة يمكن أن تفجر المجتمع وبالتالي تفجر أي تحول ديمقراطي في أية لحظة, ما لم يتفق العلمانيون والإسلاميون على نبذ العنف, وتأسيس دولة ديمقراطية تحت شعار " الدين لله والوطن للجميع ".
وثالثها: العامل الخارجي
يشير تشو مسكي بحق إلى أن "صناعه السيطرة على الأفكار مزدهرة ولا يمكن الاستغناء عنها في مجتمع يقوم على مبدأ قرار الصفوة, و الموافقة العامة أو السلبية في أمريكا ". هذه الصناعة التي أنتجت أفكاراً ودراسات راهنة تفيد بأن أمريكا لم تعد تتلاءم مع الأنظمة الديكتاتورية التي كانت تدعمها سابقاً, وأنها ستعمل على استبدالها بأنظمة ديمقراطية. ولذلك حررت العراق, وستقوم بتحرير سوريا ! فالاحتلال أصبح تحريراً !!.
وينخرط العديد من المثقفين – عن وعي أو غير وعي – العرب في هذه الصناعة, لإيهام الرأي العام العربي, بأن أمريكا قادمة لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية لأن هذه الأنظمة لم تعد تلائم المصالح الأمريكية, وبالتالي هذا يتقاطع مع أهدافنا نحو الحرية و الديمقراطية. دون أن يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا اتجهت أمريكا إلى العراق ولم تتجه نحو السعودية, وهذه الأخيرة هي الأكثر استبداد, وتشكل أرضاً خصبة للإرهاب الإسلامي المتطرف.
فاحتلال أمريكا للعراق, وإسقاط صدام, أحدث ثقباً ليس في العراق وحده, بل بالمنطقة كلها, لن يرممه إلا مئات الألوف من الضحايا عبر حرب أهلية طائفية ليس غير مجدية فحسب بل مدمرة. وأن هذا الثقب الذي يعتبره البعض بداية الحرية والديمقراطية, استبدل استبداد صدام حسين, باستبداد طائفي جديد, وهو الأسوأ من الأول بكثير. وهذا الاستبداد الطائفي الجديد, لن يتحول إلى توافق طائفي على الطريقة اللبنانية, إلا بعد مئات الآلاف من الضحايا. ويبقى شبح الحرب الطائفية مستمراً فوق هذا التوافق الذي سيبقى هشاً طالما اعتمد في بنائه على إرث تاريخي طويل من القتل والصراع الطائفي داخل المذاهب الإسلامية. ولنتعلم قليلاً من لبنان,, بأن التوافقية الطائفية هي محطات استراحة للحروب الطائفية المقيتة. فلبنان عاش ربع قرن من ا لحروب الطائفية , وربع قرن من التوافق الطائفي.
ومن الطبيعي أن تتوافق مصالح أمريكا مع ما يسمى "بالديمقراطية الطائفية", لأنها يمكن أن تستمر من خلال لعبها على خلافات الطوائف وصراعاتهم,,والتي تمنعهم من تشكل حكومة ذات سيادة لكل المواطنين. ان ما تمارسه أمريكا ليس أكثر من " تهويش ديمقراطي " بتعبير علي الشهابي (هدف الديمقراطية في سوريا, أمريكياً وأوروبياً وسورياً ).
إذن تاريخيا لم يكن للأقطاب الدولية أي دور ايجابي بتدخلها في المنطقة في عمليات الإصلاح والتحول الديمقراطي. إنما بالعكس كان لها دورا معيقا ومعرقلا للقوى الديمقراطية. وتوضح ذلك بدعم هذه الأقطاب للأنظمة العربية الاستبدادية في وجه أية معارضة داخلية, وبدعم أمريكا للحركات الإسلامية المتطرفة, وبدعم إسرائيل المطلق. والآن عودة من جديد للاحتلال العسكري المباشر.
مروان عبد الرزاق 16/10/2005/ [email protected] email:



#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)       Marwan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (سورية على مفترق طرق (2&3
- سوريا على مفترق طرق (1 من 3)
- أزمة الفعل السياسي في المعارضة السورية
- سوريا: من التأسيس الشمولي.....إلى التحول الديمقراطي نحو يسار ...


المزيد.....




- وزير الداخلية الفرنسي يزور المغرب لـ-تعميق التعاون- الأمني ب ...
- قطعها بالمنشار قبل دفنها.. تفاصيل جديدة تُكشف عن رجل قتل زوج ...
- فك شفرة بُن إثيوبي يمني يمهد الطريق لمذاق قهوة جديد
- الشرطة الهولندية: عصابات تفجير ماكينات الصرف انتقلت لألمانيا ...
- بعد موجة الانقلابات.. بقاء -إيكواس- مرهون بإصلاحات هيكلية
- هل يحمل فيتامين (د) سر إبطاء شيخوخة الإنسان حقا؟
- وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في مدينتي أوديسا وتشيرنومورسك ...
- الاحتلال يتحدث عن معارك وجه لوجه وسط غزة ويوسع ممر -نتساريم- ...
- كاتب أميركي: القصة الخفية لعدم شن إسرائيل هجوما كبيرا على إي ...
- روسيا تصد أكبر هجوم بالمسيّرات الأوكرانية منذ اندلاع الحرب


المزيد.....

- الديمقراطية وألأصلاح ألسياسي في العالم العربي / علي عبد الواحد محمد
- -الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع / منصور حكمت
- الديموقراطية و الإصلاح السياسي في العالم العربي / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - مروان عبد الرزاق - بعض إشكاليات التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في البلدان العربية