|
النظم العربية والغرب يدفعان لعرقنة المنطقة
محمد عبعوب
الحوار المتمدن-العدد: 3292 - 2011 / 3 / 1 - 11:59
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ما تشهده المنطقة العربية منذ مطلع العام الجاري (2011) من انتفاضات شعبية ضد أنظمة حكم مستبدة فشلت على مدي عقود في التأسيس لدولة مؤسسات تنقل المنطقة بالتدريج الى براح الاستقرار والديمقراطية والسلم الاجتماعي والمجتمع المدني، هذا المشهد بما يحويه من انتفاضات شعبية بريئة في مقصدها ومنطلقاتها، لكنها توظف خارجيا وداخليا لتخريب ما لم يخرب بعد ، ينبئ عن مستقبل مظلم وخطير رسمت معالمه وخطوطه العريضة دوائر المخابرات الأمريكية منذ اكثر من عقد فيما يعرف بالشرق الوسط الجديد ويتم تنفيذه الآن على الارض بتواطؤ واضح بين الغرب وأنظمة حكم عربية.
التواطؤ المبرمج بين بعض هذه الأنظمة وبين واشنطن، وكذا انسياق بعض الأنظمة الأخرى تحت غطاء المحافظة على وجودها المهدد بانتفاضات شعبية، وفقدان قيادات هذه النظمة الشجاعة الكافية للتضحية من أجل انقاذ الوطن وسلامته من مشاريع خارجية خطيرة ستنتهي ليس بتفكيك هذه الأنظمة فقط بل بتخريب البلدان والعبث بمقدراتها وأمنها على غرار ما تم في العراق، هذا التواطؤ لا يمكن أن تخطئه العين، حيث يتجسد ذلك من خلال معالجات أمنية عقيمة لانتفاضات شعبية كان يمكن معالجتها بتكاليف أقل وتطويقها وسل فتيل الفتنة قبل انتشارها من خلال التضحية ببعض الرموز الفاسدة التي دفعت البلدان بسرقاتها وتخريبها للاقتصاد الى الاحتقان والثورة، كما يتجسد هذا التواطؤ الغربي والأمريكي في الرعاية المزدوجة التي أولاها الغرب للأنظمة الحاكمة الفاسدة وإطالة عمرها ، وكذا باحتضانه لجماعات معارضة اغلبها تحركها اطماع شخصية ومصالح ضيقة لا ترق الى مستوى الوطن وهمومه، ولم يتوانى الغرب عن افساد حتى المعارضين الوطنيين باستغلال ظروفهم وشراء ذممهم او بتهميشهم واحتضان الجماعات الفاسدة والدفع بها لتولي السلطة بعد الإطاحة بأنظمة الحكم، كما جرى في العراق.
ولم تعر الأنظمة العربية الحاكمة المتعامية على حقيقة اوضاعها الخطيرة اي اهتمام الى الأصوات الوطنية المحذرة من انفجار الأوضاع وتفتت الأوطان وضياعها، بل نجدها تقمع كل صوت يقول الحقيقة ويجاهر بالواقع المظلم وينصح بالمبادرة للاصلاح، ويحضرني هنا مقالان لكاتبين ليبيين حذرا القذافي من الاوضاع الخطيرة التي تحدق بنظامه وبالوطن وهما الكاتب المعتقل حاليا محمد سحيم الذي كتب بشجاعة قبل ايام من اندلاع احداث بنغازي يقول للقذافي بعد أ ن وضع أمامه وببراعة صورة مجسمة لليبيا المأزومة : " حتى اللحظة لم تنزلق ليبيا إلى دوامة الحالتين التونسية والمصرية وبصفتي ابن هذا الجيل وابن الأحياء الفقيرة أقول لك أن ليبيا ذاهبة في ذات الطريق وأن ما سيحدث في ليبيا ستمتطيه بعض القوى الخارجية لتسريع وتيرته لتثبت للمنطقة أنها نصيرة الحرية والديمقراطية. " . وقبله باسابيع نشر كاتب آخر هو سعد العبرة تحت اسم مستعار مقالا يحذر فيه مما يجري الآن في ليبيا وقال : " ثمة ما يدعو للقلق.. والارتياب.. والتحصر.. والأسى على وطننا المأهول..!! والتخوف من تنبؤات مفزعة تستشرف العام الجديد.. في ظل حدس استنفذ كل الافتراضات وتوقعات طارئة يستحضرها العقل المجتهد بقراءات تجارب احداث غابرة ومعاصرة بماهية استنباطات موضوعية مطلقة..!! مستثنية هذه الاستنتاجات العالقة من تسريبات موقع ويكيليكس المزعج.. والمحرج..!! ثمة طامة بحجم المعاناة تلوح بأفق ليبيا المجهول.. وعلامات غموض فارقة بالوئام .. ومؤشرات مخيفة في موازين نمطية الصمت ودلالات تفيد بعدم سلامة الجرة.. هذه المرة..!! ثمة متاهة غير معافية النتائج الماسوية السيئة حول ما يسفر عنه خلل بمصير (الشراكة) الوطنية..!! ". كيف كان سيكون الوضع الان في ليبيا لو أن القذافي استمع الى تلك الأصوات الوطنية المحذرة من الكارثة وبادر الى وضع الحلول الفعالة وجنب البلاد الوقوع في فخ العرقنة الذي تنصبه واشنطن لكل البلدان خاصة تلك التي تمتلك ثروات نفطية؟!!
ولكن يبدو أن السباق محموم هذه الأيام بين واشنطن النهمة لثروات المنطقة والقلقة على أمن وكيلتها في المنطقة "اسرائيل" ، وبين أنظمة حكم عربية فقدت الصلة بالواقع واختزلت الأوطان في شخص حكامها، على تخريب هذه الأوطان التي هي مخربة أصلا بسبب الإدارة السيئة لحكومات مترهلة تعتمد على اطقم فاسدة و لاتقيم وزنا لرأي مواطنيها. وما نراه هذه الأيام في ليبيا واليمن ومصر وتونس وما سنراه في المستقبل القريب في بقية البلدان العربية، هو عملية عرقنة للمنطقة برمتها من المحيط الى الخليج، حيث يجري وبترتيب مسبق تعميم النموذج العراقي على بقية البلدان العربية تلعب فيه الأنظمة الحاكمة دور المهيء للميدان من خلال الركون للقوة والعنف كوسيلة وحيدة لمعالجة أزماتها وهو الاسلوب الذي يفضي الى فوضى امنية واقتصادية واضطراب اجتماعي خطير يوفر الغطاء لتدخل أجنبي، وتقوم واشنطن في الوقت المناسب بالتقاط الخيط والدخول الى مناطق التوتر تحت غطاء توفير الأمن والحفاظ على النظام، بعد أن كانت قد أوصلت المنطقة الى الانفجار ودفعت أنظمتها الحاكمة الى الانتحار والدخول في مواجهات مع شعوبها.
ستدخل امريكا المنطقة بكل قوة للاستيلاء على مصادر الطاقة والمنافذ والموانئ المهمة لضمان أمدادات الطاقة وحرية تحرك قواتها ، بعد أن مهدت لها الأنظمة العربية الحاكمة الميدان ، وسيكون التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة فقط لحماية مصادر الطاقة والممرات البحرية والجوية والبرية الضرورية لتحركها، مع الابقاء على الصراعات والانفالات الأمني كحالة سائدة ومزمنة في بقية الآراضي بل والعمل على تغذيتها وتأجيجها كما يجري في العراق منذ اجتياحة واسقاط نظامه. ولا يبدو اي ضوء في هذا النفق المظلم الذي دفعت له المنطقة، فتحجر أنظمة الحكم وتشبثها المستميت بحكم اصبح في مهب الريح، والشعوب المحتقنة جراء عقود القمع والقهر والمظالم، وندرة القيادات الوطنية القادرة على اجتذاب الجماهير وتحويل ثوراتها من حالة غضب مزمن الى تسامح وتجاوز للمرارات والآلام و التوجه نحو البناء، وكذلك الآلة الإعلامية الجهنمية الغربية والعربية الماجورة للغرب التي تدفع للتصعيد، كل هذه العوامل متكاتفة تعتم الأفق بضباب كثيف يصعب رؤية اي ضوء او امل قريب من خلاله لخروج المنطقة سليمة ولو جزئيا من هذا المشروع التدميري الرهيب.
#محمد_عبعوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طرابلس تضع النظام على سكة الرحيل
-
علاجات عقيمة لمعضلة عظيمة
-
الكرامة وقف على الحكام العرب دون شعوبهم!!!
-
واشنطن لا تريد فهم الدرس!!
-
النار فوق الرماد..
-
تونس .. أين؟!!
-
الجنرال بشير يعلن الانفصال المسبق لشمال السودان عن جنوبه!!
-
-اسرائيل- واقع .. لكنها ليست حقيقة
-
مقتل -إسرائيل- في قطع حبلها السري مع الغرب
-
اعلن: أنا معاد للسامية
-
العلاقات الأمريكية الصينية .. الصدام حتمي
-
الحوار المتمدن.. الأرقام تغني عن الكلام
-
-اسرئيل- تغلق كل المخارج.. هل يعود الحكام العرب الى شعوبهم؟!
...
-
محاولة لقراءة مقطوعة -حدث في العامرية- للفنان نصير شمه
-
-اسرئيل- عضو فاعل في حلف الناتو!! أيها العرب ماذا انتم فاعلو
...
-
نصير شمة يحلق في سماء طرابلس
-
هجمات 11 سبتمبر لا تزال تؤثر على صحة الأمريكيين، فكيف هي صحة
...
-
وجرحك لن يندمل إلا بمثولك أمام محكمة جرائم الحرب
-
بعد أوروبا وأمريكا..المسلمون يخسرون الصين كساحة وحليف..
-
لتكون تقدميا، هل يجب عليك التخلي عن ثوابتك ؟!!
المزيد.....
-
-لا يتبع قوانين السجن ويحاول التلاعب بالشهود-.. إليكم ما نعر
...
-
نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
-
لأول مرة منذ 13 عامًا.. قبرص تحقق قفزة تاريخية في التصنيف ا
...
-
أمطار غزيرة تضرب شمال كاليفورنيا مسببة فيضانات وانزلاقات أرض
...
-
عملية مركّبة للقسام في رفح والاحتلال ينذر بإخلاء مناطق بحي ا
...
-
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
-
حزب إنصاف يستعد لمظاهرات بإسلام آباد والحكومة تغلق الطرق
-
من هو الحاخام الذي اختفى في الإمارات.. وحقائق عن -حباد-
-
بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
-
اختتام أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|