أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري - رمضان متولي - عام على الاحتلال الأمريكي للعراق نهاية الحرب الباردة والإمبريالية الجديدة - 1















المزيد.....



عام على الاحتلال الأمريكي للعراق نهاية الحرب الباردة والإمبريالية الجديدة - 1


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 774 - 2004 / 3 / 15 - 11:12
المحور: ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري
    


من السهل جدا أن ينسب ظهور وهيمنة خطاب الحرب في الولايات المتحدة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية وسيطرة مجموعة من "المحافظين الجدد" على الإدارة الأمريكية - فالولايات المتحدة تميل إلى الانعزالية، ولكن هذه الأحداث الإرهابية الفظيعة هي التي خلقت تلك النزعة العسكرية والميل الدموي للانتقام لديها، ولولا تلك الأحداث لاختلفت السياسة الأمريكية تجاه العالم اختلافا كبيرا. ولكن، رغم أن هذه الأحداث سهلت كثيرا مهمة أنصار الحرب والعسكرة في الولايات المتحدة، والتي لولاها لما استطاعوا تحقيق كل هذا النجاح في فترة قصيرة جدا على الأقل، فإن خطاب الحرب الأمريكي كانت له أسباب أخرى أعمق من ذلك بكثير، منها أسباب مباشرة، مثل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي بدأت بوادرها قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2000/2001، وأسباب استراتيجية غير مباشرة، مثل التحولات في خريطة التوازنات بين القوى الإمبريالية عالميا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1989.
 
-1-
كان مكيافيللي ينصح أميره عندما يواجه حربا بالداخل بأن ينقلها إلى الخارج، وبهذا المعنى بالتحديد قدمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصة ذهبية للطبقة الحاكمة الأمريكية لتجاوز أزمتها الداخلية عن طريق شن حروب خارجية مازالت مستمرة حتى اليوم. فبعد تفجير برجي مركز التجارة العالمي مباشرة أعلن جورج دبليو بوش "الحرب على الإرهاب"، وكان المعنى العملي لهذا المصطلح الغامض أن الولايات المتحدة سوف تعلن الحرب على أي دولة أو جماعة ترى أن وجودها يمثل تهديدا لأمنها القومي، وبعدها قامت بغزو واحتلال أفغانستان، ثم احتلال العراق، وتهديد مجموعة من الدول الأخرى شملت سوريا وإيران وكوريا الشمالية وليبيا، بضمهما جميعا إلى "محور الشر"، وفي نفس الوقت شنت هجوما داخليا على الطبقة العاملة الأمريكية لتفرض أجندة الرأسمالية الأمريكية لتجاوز الأزمة الاقتصادية.
 
11 سبتمبر والأزمة الداخلية في الولايات المتحدة:
بدأت الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة بفترة طويلة نسبيا قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، رغم أن هذه الأحداث ساهمت جزئيا ولفترة محدودة في زيادة حدتها، وكانت أولى علامات تلك الأزمة هي انخفاض مؤشر داو جونز الصناعي في النصف الثاني من أكتوبر عام 2000، وتراجعه إلى مستوى أقل من 10000 نقطة لأول مرة منذ شهر مارس من نفس العام، وقبل أن يستعيد هذا المؤشر بعض النقاط التي فقدها كان مؤشر ناسداك الذي تندرج فيه معظم أسهم التكنولوجيا يتجه إلى الهبوط الشديد، واضطر المستثمرون والمضاربون إلى بيع أسهمهم للحد من الخسائر، وكان السبب الرئيسي في موجة الهبوط وبيع الأسهم إعلان عدة شركات أمريكية ضعف أرباحها في نهاية شهر سبتمبر وتحذيرها بمزيد من الانخفاض في ربحيتها مستقبلا. ورغم أن تقلبات البورصة ليست دائما انعكاسا لأزمة اقتصادية، إلا أنها هذه المرة كانت نذيرا بما سيحدث بعد ذلك مما اصطلح الاقتصاديون على وصفه بانفجار فقاعة التكنولوجيا في مارس 2001، أي بعد تولي جورج دبليو بوش رئاسة الولايات المتحدة بشهرين.
 
فبعد فترة من الرخاء الاقتصادي خلال عقد التسعينيات في الولايات المتحدة بدأت معدلات الربحية في الانخفاض في عام 1997 عند أعلى نقطة بلغها هذا الرخاء، حيث بلغت الأرباح كنسبة من حجم الأعمال حوالي 13% في عام 1997، انخفضت إلى 8% فقط في عام 2000، وفي الربع الثالث من عام 2000 انخفضت أرباح الشركات الأمريكية بنسبة 25% عن مستواها في نفس الفترة من عام 1999.[1] وانعكس ذلك بطبيعة الحال في موجة التخلص من العمال التي تصاعدت وتيرتها في سبتمبر من عام 2001.
 
وبعد انهيار البورصة بدأت سلسلة من الإفلاسات في كبرى الشركات الأمريكية، وبدأت شركات أخرى في تخفيض الإنفاق الرأسمالي، وسلسلة التخلص من العمال تحت عنوان تخفيض النفقات، والتي استمرت حتى الآن، وبحلول سبتمبر من عام 2002 كانت الشركات الأمريكية قد تخلصت من 1.5 مليون عامل خلال عام ونصف العام، وتقدمت شركات مثل شركة إنرون العملاقة للطاقة لمحكمة الإفلاس، بعدها شركة هاليبورتن للبترول، ثم شركة تايكو وشركة وورلد كوم للاتصالات، وتواكب ذلك مع تصاعد الفضائح المالية والمحاسبية في هذه الشركات التي عمدت إلى تزوير الحسابات حتى تبدو رابحة وترتفع أسهمها في البورصة، مما ضاعف من غضب الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم من جانب وفقدوا جزءا كبيرا من معاشاتهم بسبب استثمار صناديق المعاشات أموالهم في أسهم هذه الشركات. وفي نهاية عام 2003، كان عدد الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم في القطاع الصناعي وحده 3 ملايين عامل حسب الأرقام الرسمية، وبلغت نسبة البطالة رسميا في الولايات المتحدة حوالي 6.2% من قوة العمل، فيما قدرها آخرون بحوالي 9%.
 
هكذا، كانت الولايات المتحدة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على مشارف أطول ركود اقتصادي يمر بها منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، مما يعني أن الطبقة الحاكمة الأمريكية كانت تتأهب لحرب ضروس داخل الولايات المتحدة نفسها ضد الطبقة العاملة، فقد كتب الاشتراكي الأمريكي لانس سيلفا قبل تفجير برجي مركز التجارة العالمي مباشرة:
"إن الاقتصاد الأمريكي ربما يكون فعلا في ركود، رغم تحقيق معدل نمو في إجمالي الناتج المحلي غير متوقع بنسبة 2% خلال الربع الأول من عام 2001 (والتي تمت مراجعتها بعد ذلك إلى 1.3%). فالأرباح تواصل انخفاضها فيما تتزايد تكلفة العمالة باستمرار، وفي نفس الوقت، نتيجة لتحرير قطاع الطاقة وحركة الاندماجات في هذا القطاع، يثقل التربح من الطاقة كاهل المواطن الأمريكي بعد ارتفاع أسعارها وأسعار البنزين ارتفاعا كبيرا… إن عودة الركود إلى قلب النظام العالمي سوف يؤدي إلى اهتزاز الأوضاع السياسية القائمة بين الأفضل والأسوأ، فقد يؤدي الاستغناء عن العمال وفصلهم إلى إضعاف ثقتهم في أنفسهم، ولكن مشاعر الغضب والتذمر ضد أصحاب العمل، والتي تأتي بعد عشر سنوات حقق فيها الأغنياء رخاء وثراء بينما كان العمال بالكاد يحافظون على مستوى معيشتهم، قد تتفجر بطرق كثيرة مختلفة… كما أن أصحاب العمل الذين استأجروا عمالا بشروط جيدة خلال سنوات الرخاء سوف يحاولون تخفيض أجور ومزايا هؤلاء العمال الذين تعاقدوا عليها من قبل."[2]
 
وأوضح لانس سيلفا أن 40% فقط من العاطلين خلال الركود المقبل سوف يستفيدون من إعانة البطالة، وأن ملايين العمال الأمريكيين، لأول مرة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، سوف يعانون من البطالة والفقر دون ضمان الحد الأدنى من مستوى المعيشة من الحكومة الفيدرالية، ولاحظ أيضا تصاعد النزعة الحمائية والعنصرية ضد المهاجرين.[3]
 
وقد كشفت انتخابات الرئاسة الأمريكية عن البعد السياسي للأزمة الداخلية في الولايات المتحدة والتي بدأت قبل أحداث 11 سبتمبر، حيث ساد الانطباع بأن جورج دبليو بوش سرق انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2000، فهو أول رئيس في 112 عاما يفوز بمقعد الرئاسة في الولايات المتحدة رغم خسارته في التصويت، حيث اعتمد اختياره رئيسا على قرار المحكمة العليا بالولايات المتحدة بموافقة 5 مقابل 4 أصوات، بالإضافة إلى فارق 537 صوتا من أصوات الناخبين المعترف بها رسميا في ولاية فلوريدا، ذلك على الرغم من حصوله على أصوات تقل 550 ألف صوت عن منافسه الديمقراطي آل جور في عموم الولايات المتحدة. ولأن انتصاره في ولاية فلوريدا اعتمد على حرمان الناخبين السود من حق التصويت المؤكد بالوثائق، فإن غالبية الأمريكيين السود لم يعترفوا به رئيسا للولايات المتحدة. ولأول مرة منذ عام 1973 يخرج آلاف المتظاهرين اعتراضا على بداية الدورة الرئاسية عندما كان بوش يدلي بالقسم في 20 يناير 2001.[4]
 
والأهم من ذلك أن بوش استطاع تحقيق النسبة التي حققها من الأصوات بمحاولة إخفاء توجهاته الحقيقية وزعمه بأنه يهتم بقضايا مثل التعليم والرعاية الصحية مغلفا سياساته المحافظة في خطاب ليبرالي زائف. وهكذا تمكن من التعادل تقريبا مع آل جور بالاستيلاء على خطاب الأخير، كما أن جور نفسه قدم خطابا جعل الناخبين الأمريكيين لا يجدون فارقا كبيرا بينه وبين بوش الصغير، فيما حصل رالف نادر الذي ينتمي إلى حزب الخضر (وهو حزب ينتمي إلى تيار يسار الوسط) على حوالي 3 ملايين صوت، كانوا سيؤيدون آل جور على مضض إذا لم يكن نادر بين المرشحين.
 
 وهكذا لم يكن الرئيس ولا برنامجه يحظى بقبول الرأي العام في الولايات المتحدة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فقد تضمن برنامجه تخفيض الضرائب على الأغنياء، وزيادة الإنفاق العسكري، وخصخصة الرعاية الصحية، وتخفيض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية بنسبة 4%، علاوة على انتهاج سياسة خارجية عدوانية وضعت في مقدمتها تحرك الولايات المتحدة منفردة لمواجهة ما يسمى بالدول المارقة والهيمنة على العالم، وتصعيد المواجهة مع الصين، وهو البرنامج الذي لم يعلنه أثناء الانتخابات وبدأ في طرحه بعد توليه رئاسة البلاد. وبعد شهور قليلة من الانتخابات بدأ الخلاف بين الإدارة الأمريكية، والمعارضة الرسمية والرأي العام، فالإدارة غير المنتخبة تحاول تطبيق برنامج يميني لم يحصل على تأييد أغلب الناخبين، بينما تقف المعارضة الرسمية (الحزب الديمقراطي) مكتوفة الأيدي، والمنظمات الشعبية عاجزة ومحبطة. ووسط هذه الأزمة، جاءت أحداث 11 سبتمبر الإرهابية لتقدم فرصة غير مسبوقة للإدارة الأمريكية لدفع أجندتها وحشد تأييد شعبي لها.
 
فبينما كانت المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الأمريكية تؤجج مشاعر الانتقام وتدق طبول الحرب ضد أفغانستان، كانت الشركات الأمريكية تشن هجومها على الطبقة العاملة في الولايات المتحدة دون أن تتعرض لمخاطر تصاعد النضال الطبقي ضدها، وقد لاحظت جريدة وول ستريت الأمريكية المحافظة أنه رغم تزايد البطالة باستمرار وانخفاض أجور العمال الأمريكيين خلال الفترة من مارس 2001 وحتى أكتوبر 2003 إلا أن مستوى إنتاجية العامل بالولايات المتحدة ارتفع بشكل ملحوظ، كما أن كبرى الشركات الأمريكية تحولت إلى الاعتماد على العمالة المؤقتة حتى لا تتحمل نفقات التأمينات الاجتماعية على العمال الدائمين، بما يتضمنه ذلك من تكثيف لاستغلال العمال. وقام جورج بوش أيضا بدفع برنامجه المنحاز للشركات والرأسمالية الأمريكية والذي تضمن تخفيض الضرائب على الأغنياء، حيث قام بتخفيض الضريبة على أرباح الأسهم، وضرائب الدخل على الشرائح العليا رغم زيادة عجز الموازنة إلى أعلى مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فيما قام بتخفيض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية وخصخصة برامج الرعاية الصحية التي يستفيد منها الفقراء. ومن ناحية أخرى، أصدرت الحكومة الأمريكية قوانين تمثل هجوما صارخا على الحقوق والحريات المدنية، مثل قانون مقاومة الإرهاب – The Patriot Act – الذي أعطى سلطات واسعة لجهات التحقيق والمخابرات الأمريكية في التجسس على المواطنين واحتجازهم لمجرد الاشتباه وعدم الإفصاح عن أماكن احتجازهم، بالإضافة إلى تشديد قوانين الهجرة والهجوم على المهاجرين، خاصة ممن لهم ملامح شرق أوسطية، وتوسيع مفهوم الإرهاب ليشمل عند الضرورة أي انتهاك حتى للقوانين الجنائية العادية في الولايات المتحدة، بل يمكن أن يشمل أيضا المظاهرات والمسيرات السلمية إذا احتاج الأمر! 
 
كل ذلك لم يكن كافيا لخروج الرأسمالية الأمريكية من أزمتها، حيث تحتاج الشركات الأمريكية إلى فرص جديدة لتحقيق الأرباح، وهنا أيضا استفادت الإدارة الأمريكية من أحداث 11 سبتمبر في دعم مصالح هذه الشركات، حيث قامت بزيادة الإنفاق العسكري زيادة كبيرة حتى بلغ هذا الإنفاق 379 مليار دولار في موازنة 2003، وأوصت وزارة الدفاع بالتعاقد مع الشركات الأمريكية دون غيرها من الشركات، وأنشأت وزارة الأمن القومي بميزانية جديدة، وتوسعت وزارة الدفاع الأمريكية في تعاقداتها مع شركات مثل بوينج وشركات السلاح الأخرى، بعد زيادة موازنة وزارة الدفاع بمقدار 48 مليار دولار أخرى.
 
وعلاوة على ذلك، بدأت الولايات المتحدة، التي كانت تقود معركة تحرير التجارة في جميع أنحاء العالم، تطبق سياسة الحماية الجمركية ضد الواردات من أوروبا والصين واليابان والمكسيك ودول جنوب شرق آسيا، وكان أشهر خلاف في هذا المجال هو الخلاف الذي دار في منظمة التجارة العالمية بين أوروبا والصين وكوريا الجنوبية من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر حول رسوم الصلب والتي هددت بنشوب حرب تجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قلنا أن هذا أشهر خلاف في هذا المجال، ولكن هناك خلافات أخرى تتعلق بدعم الولايات المتحدة الضريبي للشركات الأمريكية المصدرة والذي تطالب أوروبا بإلغائه، بالإضافة إلى ما يسمونه حاليا "تصدير الوظائف الأمريكية إلى الخارج" أو Job Outsourcing والذي يقصد به الاقتصاديون الأمريكيون قيام الشركات الأمريكية بنقل نشاطها الإنتاجي أو جزء من هذا النشاط إلى دول فقيرة مثل المكسيك والصين حيث تنخفض تكلفة الأجور. تواكب ذلك أيضا مع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتخفيض سعر الفائدة على الدولار إلى أقل مستوى له منذ 45 عاما، مما جعل سعر الدولار الأمريكي يهوي أمام العملات الأخرى بهدف زيادة قدرة الشركات الأمريكية على منافسة الشركات الأخرى في الأسواق العالمية، والمعنى الحقيقي لذلك تخفيض مستوى معيشة العمال الأمريكيين، حيث يؤدي انخفاض قيمة العملة إلى انخفاض القيمة الحقيقية للأجور وتخفيض تكلفتها بالنسبة للشركات. وهو ما يعبر عنه جزئيا ما يسميه الاقتصاديون البرجوازيون انخفاض مؤشر ثقة المستهلكين، رغم أنه مؤشر عام يضم الشرائح الغنية جنبا إلى جنب مع الفقراء ولا يقتصر على قياس القدرة الشرائية للعمال فقط.
 
وتحت عنوان "الحرب الطبقية تستعر في الولايات المتحدة"، كتب الاشتراكي الأمريكي، جون باترسون، بعد نهاية الحرب رسميا في العراق مباشرة:
"…إن الحرب في العراق ليست إلا امتدادا للحرب على الطبقة العاملة و(الشباب) في الولايات المتحدة، وهذه الحرب تخاض لمصلحة أغنياء الرأسماليين في هذا البلد، وهم نفس الطبقة المسئولة عن انقطاع الكهرباء، وفضائح الفساد في شركات إنرون وورلد كوم وجلوبال كروسينج، وإصابات العمل التي تودي بحياة 50 ألف عامل سنويا، وطرد 465 ألف عامل من وظائفهم خلال الربع الأول فقط من عام 2003، وتخفيض الإنفاق على الرعاية الصحية، وعدم وجود شبكة ضمان اجتماعي تقريبا."[5]
 
ورغم كل هذه السياسات المعادية لغالبية الشعب الأمريكي، استفادت إدارة بوش أيضا من أحداث 11 سبتمبر في دفع مشروعها للهيمنة على العالم تحت مصطلح "الحرب على الإرهاب"، ودعم هذه التوجهات اقتراع جديد كشف عن تزايد شعبية رئيس لم يحصل على أصوات أغلبية الأمريكيين في الانتخابات، فبعد ستة أشهر فقط من الأحداث ارتفع تأييد بوش بين الأمريكيين بنسبة كبيرة، وأيد 88% منهم حربه التي أعلنها ضد الإرهاب، فيما أعربت أغلبية كبيرة من الشعب الأمريكي عن موافقتها لإرسال القوات الأمريكية إلى حروب خارج الولايات المتحدة.[6] وهكذا استطاعت إدارة بوش ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول تحميل العمال الأمريكيين تكلفة الأزمة الاقتصادية بالداخل مع تجنب تصاعد الصراع الطبقي، والثاني تمرير مشروعها للهيمنة على العالم، والذي بدأ الإعداد له منذ فترة طويلة كما سنرى، مع تجاوز الأزمة السياسية داخل الولايات المتحدة.
 
الحرب على الإرهاب واستراتيجية الهيمنة:
بغض النظر عن خطاب الحكومة الأمريكية حول النظم القمعية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، فإن ما يحكم سياستها في نهاية المطاف هو المصالح الاقتصادية والسياسية للطبقة الحاكمة بالولايات المتحدة، وفي سبيل ذلك فإنها لا تتردد في تقديم الدعم السياسي والمعونة الاقتصادية والعسكرية لأكثر النظم رجعية في العالم إذا ما رأت في ذلك ما يحقق مصالحها، وكانت سياسات الولايات المتحدة في دعم أسامة بن لادن وحركة طالبان دليلا واضحا على ذلك، كما كان ترحيبها أيضا باستيلاء طالبان على الحكم في أفغانستان معتبرة ذلك فرصة لفرض الاستقرار في البلاد التي كانت تعاني من صراعات مريرة بين لوردات الحرب بعد هزيمة السوفيت، حيث أعلن دبلوماسي أمريكي في عام 1997، "ربما تتحول طالبان إلى ما يشبه النظام السعودي، وسوف يكون لديها أرامكو (اتحاد شركات البترول التي تسيطر على النفط في السعودية) وأنابيب للنفط ، وأمير، وتطبق فيها قوانين الشريعة، ولن يكون بها برلمان، ولكننا نستطيع التعايش مع كل ذلك."[7]
 
وربما كانت الإشارة إلى النفط تقدم التفسير الكافي لما كان يحدث وما حدث بعد ذلك، فمنذ عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع نفوذه في منطقة وسط آسيا، سال لعاب شركات البترول الأمريكية على احتياطات البترول والغاز الهائلة في منطقة بحر قزوين، والتي قدرت قيمتها بحوالي 4 تريليونات دولار أمريكي، واعتبرها المعهد الأمريكي للبترول أهم مصدر للنفط في العالم بعد منطقة الشرق الأوسط. ولهذا السبب كانت جميع القوى الكبرى والقوى الإقليمية في العالم، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، تعد البرامج والخطط حتى تسيطر على ثروات هذه المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وفي منتصف التسعينيات اقترح اتحاد لشركات بترول في كاليفورنيا تقوده شركة يونيكال إنشاء خط لأنابيب البترول بتكلفة 4.5 مليار دولار أمريكي يمر عبر أفغانستان التي تتوسط هذه المنطقة الغنية بالنفط والغاز. ولأن ثروات منطقة بحر قزوين تبعد مئات الأميال عن المياه الدولية، كان من الضروري إنشاء خط أنابيب لضخها في الأسواق العالمية، وهكذا كان السباق يحتدم على الطريق الذي ينبغي أن تسلكه هذه الأنابيب. فقد كتب لانس سيلفا مباشرة بعد شن الولايات المتحدة حربها ضد أفغانستان:
"منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تحاول الولايات المتحدة استخدام قوتها ونفوذها حتى تضمن أن تعود الفائدة من هذه الأنابيب على أصدقائها وأن يحرم منها أعداؤها، وعلى الرغم من أن أقصر وأرخص الطرق لهذا الخط هو أن يمر عبر إيران إلى منطقة الخليج، أصرت الولايات المتحدة أن تمتد أنابيب البترول 1100 ميلا من باكو في أذربيجان عبر جورجيا إلى ميناء شيهان في تركيا. والهدف من ذلك إبعاد خط أنابيب ضخ النفط والغاز من منطقة بحر قزوين عن إيران والطرق الأخرى التي تمتد عبر روسيا منذ العهد السوفييتي السابق."[8]
 
رأت الولايات المتحدة في صعود طالبان إلى السلطة في أفغانستان مقدمة لتحقيق الاستقرار الذي يسمح بتنفيذ مشروع شركة يونيكال، ولكنها بدأت في تغيير سياستها تجاه الحركة بعد تفجير سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا في عام 1998، ورأت أن طالبان لم تعد مستعدة لأن تلعب دورا التابع الذي أرادته لها أمريكا خاصة بعد رفض الحركة تسليم أسامة بن لادن الذي اتهمته أمريكا بتنفيذ التفجيرات، وهكذا بدأت محاولات الولايات المتحدة للتخلص من طالبان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بثلاثة أعوام تقريبا. واستغلت هذه الأحداث في حربها ضد أفغانستان حتى تبدأ في تنفيذ مخططاتها. وبالتعاون مع روسيا، استطاعت استخدام قاعدتين عسكريتين في أوزبكستان وطاجيكستان.
 
ورغم اعتراضات القادة العسكريين في روسيا على تعاون فلاديمير بوتين مع الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر بمساعدتها مع إيران في توفير قواعد عسكرية في جمهوريات آسيا الوسطى للقوات الأمريكية، كما أشارت بعض التقارير أيضا إلى مشاركة قوات روسية في حرب الولايات المتحدة ضد أفغانستان، إلا أن بوتين كان يراهن على حربه ضد الشيشان في تعزيز السيطرة الروسية إقليميا ويأمل في أن تغض الولايات المتحدة طرفها عن حرب الشيشان مقابل هذه الخدمات.
 
لكن مشروع الإمبريالية الأمريكية، الذي أطلقته تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، لم يكن يهدف فقط إلى السيطرة على احتياطي النفط رغم الدور الكبير لذلك في استراتيجيتها الواسعة، فهذه الحرب الغامضة تمثل غطاء لأهداف استراتيجية أكثر طموحا للولايات المتحدة تضمن لها فرص التدخل في شئون مختلف الدول في العالم لإخضاعها لإرادتها. وقدمت الحرب ضد أفغانستان على الأقل فرصة للولايات المتحدة لإقامة قواعد عسكرية في قلب منطقة الصراعات في آسيا، وإضعاف النفوذ الروسي حتى تستطيع السيطرة على بترول بحر قزوين. فمنذ نهاية الحرب الباردة، وضعت الولايات المتحدة في مقدمة أولوياتها منع أو تعطيل ظهور قوة عظمى أخرى تنافسها أو تستطيع بقدراتها الاقتصادية والعسكرية تحدي الهيمنة الأمريكية في أوروبا وآسيا، حيث اعتبرت آسيا هي الجبهة الجديد في معركة الهيمنة الأمريكية، ويرى معظم العسكريين الأمريكيين أن القوى التي يحتمل أن تصبح منافسا للولايات المتحدة في المستقبل تنحصر في روسيا والصين أو الهند.[9]وترجح المؤسسة العسكرية الأمريكية الرسمية ظهور الصين خلال العشرين عاما التالية كمنافس إقليمي لها على النفوذ في هذه المنطقة، وهو ما يفسر جزئيا المناوشات التي نشبت بين الصين والولايات المتحدة حول استقلال تايوان والأزمة في كوريا الشمالية مؤخرا، وهكذا فإن جزءا من أهداف أمريكا للسيطرة على منابع النفط في العالم هو محاصرة الصين التي تشهد نموا اقتصاديا كبيرا ولكنها تفتقد إلى موارد آمنة للنفط والغاز.
 
ومن ناحية أخرى قدمت "الحرب على الإرهاب" فرصة للولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وكان الرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر، قد أعلن بعد غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان عام 1979 أن "أي قوى خارجية تحاول السيطرة على منطقة الخليج الفارسي سوف نعتبر ذلك منها اعتداءا على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسوف نواجه هذا الاعتداء بكل الوسائل الضرورية بما في ذلك استخدام القوة العسكرية."[10]
وكان تركيز العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج بعد حرب الخليج الثانية في عام 1991، التي أدت إلى طرد الجيش العراقي من الكويت، يتجه إلى ثلاثة محاور، الأول هو احتواء العراق، حيث لم تكن لدى الولايات المتحدة أي نية في عزل صدام حسين، باعتباره الرجل القوي الوحيد من وجهة نظرها الذي يستطيع قمع الشعب العراقي وضمان الاستقرار في المنطقة، والثاني هو منع إيران من إغلاق مضيق هرمز الذي يسمح بمرور البترول عبر المحيط الهندي، والمحور الثالث هو الدفاع عن النظام السعودي ضد أي تمرد داخلي يسعى للإطاحة بالعائلة المالكة المتحالفة مع أمريكا. وتمثلت الترجمة الواقعية لهذه السيناريوهات العسكرية في فرض الحصار الاقتصادي ومناطق الحظر الجوي على النظام العراقي السابق، بما ساعد أيضا في تبرير وجود 25 ألف جندي أمريكي في المنطقة بالإضافة إلى 155 ألف جندي من قوات الانتشار السريع مستعدة للتحرك عند أي بادرة تهدد الاستقرار في الخليج.[11]
 
ولكن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة كانت تعاني من نقاط ضعف على المدى الطويل تجعل المنطقة عرضة للأزمات المتكررة، حيث عجزت أمريكا عن فرض حل نهائي للقضية الفلسطينية التي بدأت، مع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، تهدد التوازن الحرج بتهديد استقرار الأنظمة الحاكمة الذي حاولت الولايات المتحدة دائما الحفاظ عليه، كما أن تواجدها العسكري الكبير في منطقة الخليج بعد هزيمة العراق وانسحابه من الكويت أدى إلى تآكل ما تبقى من مصداقية وشعبية النظم الحاكمة في المنطقة، وخاصة النظام الملكي في السعودية، الذي بدأ يعاني من أزمة سياسية تهدد استقراره، علاوة على أن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وكبرى الشركات العالمية في مجال البترول بدأت تنتقد السياسة الأمريكية بسبب العقوبات المفروضة على العراق وإيران، وهكذا سنحت الفرصة للولايات المتحدة لاستيعاب هذه التناقضات واسترداد هيبتها في منطقة الخليج التي استقبلت جحافل أخرى من القوات الأمريكية مع إعلان جورج بوش الحرب على الإرهاب، حيث كشفت الإمبريالية الأمريكية عن استعدادها للاحتلال المباشر وعدم الاقتصار على توجيه ضربات جوية، ووضعت قائمة من "الدول المارقة" التي واجهت تهديدا مباشرا من الولايات المتحدة، وبدأ اليمين الأمريكي في الترويج فعلا لاحتلال العراق والإطاحة بصدام حسين.
 
-2-
على خلفية هذه الأوضاع كانت الظروف مهيأة تماما لصعود ما اصطلح على تسميتهم بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة، والذين وجدوا طريقهم إلى البيت الأبيض في نفس التوقيت الذي بدأ الاقتصاد الأمريكي يعاني من أشد وأعنف مظاهر الركود، هذا الاقتصاد الذي استطاع تجاوز ركود أوائل التسعينيات وحقق نموا بنسبة 40% تقريبا مع حلول نهاية العقد الماضي، متجنبا تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في آسيا عام 1997 وامتدت إلى روسيا وأمريكا اللاتينية. ولكن كما رأينا انتهى رخاء التسعينيات خلال الأشهر السابقة على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، واتضحت مبالغة الشركات الأمريكية في أرباحها بنسبة وصلت إلى 50% من هذه الأرباح، غير أن هذه الأزمة عكست خللا استراتيجيا كان مصدر القلق الأساسي لدى الإمبريالية الأمريكية، ويتمثل هذا الخلل في تآكل تفوق الولايات المتحدة اقتصاديا وتعاظم تفوقها العسكري مقارنة بالدول الإمبريالية الأخرى في العالم.
 
مشكلة الاقتصاد الأمريكي وغلبة الاعتماد على القوة العسكرية:
 كانت أهم ملامح الأزمة الاقتصادية الأخيرة في الولايات المتحدة هو بروز اعتمادها على التمويل الخارجي، فقد استمر العجز التجاري، بعد أن فقدت أمريكا الفائض الذي حققته في ظل إدارة كلينتون، ولم يترتب على تقدمها في بعض القطاعات الصناعية الهامة (مثل صناعة الكمبيوتر والبرمجيات) استرداد تفوقها في المنافسة العالمية الذي فقدته تدريجيا خلال فترة الحرب الباردة، واعتمد الاقتصاد الأمريكي إلى حد كبير على تدفق الاستثمارات والأموال من الخارج والتي وصلت إلى 300 مليار دولار سنويا بحلول عام 1999، عندما بلغ إجمالي هذه التدفقات المتراكمة 2500 مليار دولار أمريكي، أي حوالي ثلث حجم اقتصاد الولايات المتحدة. وقد استمر تدفق هذه الأموال خاصة من آسيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وخلال حرب الولايات المتحدة ضد أفغانستان وبعدها ضد العراق حيث اعتبرت ملاذا آمنا للاستثمار مقارنة بالدول الأخرى، ولكن مخاطر أن يتحول هذا الاتجاه إلى هروب مفاجئ لرأس المال أو توقف هذه التدفقات الجديدة قد تدفع الاقتصاد الأمريكي إلى أزمة أشد عنفا، فقد أصبح الاقتصاد الأمريكي أكثر عرضة لتأثير العوامل الخارجية بعد ربع قرن من نمو حركة الاستثمارات في قطاع المال والتجارة والإنتاج، وأصبحت الشركات الأمريكية الكبرى في حاجة إلى دعم القوة العسكرية للدولة للسيطرة على هذه العوامل الخارجية، وسعى المحافظون الجدد إلى تقديم هذا الدعم.[12]
 
فقد بلغ الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة خلال عام 2002 حوالي 396 مليار دولار أمريكي، وهو مبلغ يزيد على مجموع الإنفاق العسكري لكل من أوروبا واليابان وروسيا، ولكنه كان أقل بكثير من تدفق الاستثمارات والأموال الخارجية على الولايات المتحدة التي بلغت حوالي 500 مليار دولار في نفس العام، مما يعني أن آسيا واليابان وأوروبا كانت تقدم التمويل اللازم للتفوق العسكري الأمريكي الذي يسمح للرأسمالية الأمريكية في نفس الوقت باستمرار وتأبيد هذا التفوق.[13]
 
وهكذا اعتمدت استراتيجية المحافظين الجدد على زيادة الإنفاق العسكري، خاصة وأن الاقتصاد الأمريكي الذي كان ينتج أكثر من 40% من إجمالي الناتج العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، تراجع مركزه إلى 22% فقط خلال الثلاثين عاما الأخيرة، مما جعل الرأسمالية الأمريكية تميل إلى ترجيح الاعتماد على قوتها العسكرية لاستعادة تفوقها الاقتصادي في العالم. فكما كان الهدف من زيادة الإنفاق العسكري وتخفيض الضرائب على الأغنياء هو تجاوز الولايات المتحدة لمشكلة الركود الاقتصادي الأخير، فإن زيادة هذا الإنفاق أيضا سوف يضمن فرض سياسات عالمية تصب في مصلحة الشركات الأمريكية الكبيرة، مثل الالتزام بحقوق الملكية الفكرية لشركات الدواء والبرمجيات والمحاصيل المعدلة وراثيا وتحديد أسعار البترول عالميا بما يلائم المصالح الأمريكية، واستمرار سيطرة الشركات الأمريكية على سوق السلاح العالمية، وفتح أسواق جديدة لمنتجات واستثمارات الرأسمالية الأمريكية.
 
إن عائد التجارة وحده لا يعوض الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة عن تكلفة الإنفاق العسكري الباهظة، حيث بلغ إجمالي الدخل من المصادر الخارجية للشركات الأمريكية في عام 1991 حوالي 281 مليار دولار فقط، بما يقل عن موازنة الدفاع بحوالي 100 مليار دولار، وحتى لو أضيفت أرباح صادرات السلاح، فلن يقدم ذلك التعويض الكافي للطبقة الحاكمة الأمريكية التي بلغت موازنة الدفاع لديها حوالي 400 مليار دولار في نفس العام. ولكن هذه التكاليف تستمد أهميتها من قدرتها على مساعدة الاقتصاد الأمريكي على الخروج من الركود اعتمادا على زيادة الإنفاق العسكري، وزيادة قدرة الولايات المتحدة على إملاء سياستها على الطبقات الحاكمة في دول أخرى كلما كشف الجيش الأمريكي عن قدراته التدميرية الهائلة. وهكذا افترضت الاستراتيجية الجديدة أن الولايات المتحدة سوف تستطيع تعويض تراجعها في المنافسة الاقتصادية العالمية عبر استخدام قدراتها العسكرية التي لا تضاهيها قدرات أي دولة أخرى في العالم.
ويوضح الاشتراكي البريطاني، كريس هارمان، في مقال بعنوان "تحليل الإمبريالية":
"إن الحرب كانت إذن جزءا من استراتيجية أوسع تعتمد على استخدام القوة العسكرية للولايات المتحدة لتعويض تراجعها الاقتصادي خلال عدة سنوات. والهدف هو تعزيز هيمنة الولايات المتحدة على العالم بما يجبر الدول الأخرى على قبول السياسات الأمريكية عند تمريرها من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومفاوضات منظمة التجارة العالمية – وعبر قبول هذه السياسات، تمكين الولايات المتحدة من الاستمرار في إجبار بقية الطبقات الحاكمة في العالم على تحمل تكاليف العجز الناتج، جزئيا على الأقل، عن حجم إنفاقها العسكري."[14]
 
ومن هنا تستمد فكرة الحرب على الإرهاب منطقها، كما تكمن أيضا خطورتها، فالاعتماد على الإنفاق على القوة العسكرية لتحقيق الهيمنة في مجالات أخرى يعني الاستمرار في خلق ظروف تجعل استخدامها ضروريا وتكشف عن عجز القوى المنافسة أمام قدرة الولايات المتحدة العسكرية الهائلة. إنها حرب بلا نهاية، كما وصفها هارمان، موجهة ضد عدو غامض وغير محدد هو "الإرهاب" و "الدول المارقة"، وكما قادت حرب أفغانستان إلى حرب أخرى في العراق، فربما يؤدي استقرار الأمريكيين ونجاحهم في العراق إلى امتداد الحرب ضد إيران أو سوريا أو كوريا الشمالية أو فنزويلا أو كوبا، بل وحتى إلى الصين، وهذه الحرب الدائمة يساندها "مشروع القرن الأمريكي الجديد" الذي سيكون موضوع الحلقة القادمة من هذا المقال.

 
--------------------------------------------------------------------------------
 
[1]  Michael Roberts, The Great Recession, October 2001.
 
[2]  Lance Selfa, Bush s Offensive, Liberals Retreat, International Socialist Review, September-October 2001
 
[3]  المرجع السابق.
[4]  المرجع السابق
[5]  John Peterson,  Class War Heats Up in the US, www.marxist.com
 
[6]  Alan Woods, Six months after September 11: Inflammable material in world politics, March 2002
 
[7]  ورد في:
Phil Gasper,  Afghanistan, the CIA, bin Laden and the Taliban, International Socialist Review
 
[8]  Lance Selfa, The Fog of Deception: Washington s Real War Aims
 
 
[9]  المرجع السابق
[10]  ورد في لانس سيلفا، المرجع السابق
[11]  المرجع السابق
[12]  Chris Harman, Analysing Imperialism, International Socialist Journal
[13] المرجع السابق
[14]  المرجع السابق



#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة سندباد اليانكي – أيها الراعي، لابد أن تنسى
- الأزمة في هايتي وخرافة الديمقراطية الأمريكية في العراق - تصح ...
- أوهام وحقائق مشروع الشرق الأوسط الكبير
- تفجيرات أربيل وحق الأكراد في تقرير المصير
- أحيانا أندهش!
- متى تكون الديمقراطية من مصلحة الأمريكيين في العراق؟
- محكمة بلا ذراعين، وقادة بلا أنصار!
- طريق التغيير لا يمر عبر -مرآة أليس
- الطريق إلى الحرية – معادلة لم تجد لها حلا بعد!


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....



المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري - رمضان متولي - عام على الاحتلال الأمريكي للعراق نهاية الحرب الباردة والإمبريالية الجديدة - 1