أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري - سلام عبود - الاحتلال العراقي لأميركا















المزيد.....

الاحتلال العراقي لأميركا


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 774 - 2004 / 3 / 15 - 11:14
المحور: ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري
    


فصيل في فيتنام
بعد الاحتلال الفيتنامي لأميركا, يأتي الاحتلال العراقي لأميركا. نعم, أقول الاحتلال العراقي, وليس العكس.
فبعض الأميركان الطيبين يعتقدون ذلك. وأنا كعراقي لا أعرف حقيقة مشاعر أولئك الناس, هل هم حقا يؤمنون بما يعتقدون, أم أنهم يسخرون من عقولنا الصغيرة!
على أية حال, ليس جديدا سماع مثل هذه الشكوى من أميركيين طيبين.
أول مرة سمعت مثل هذه الشكوى في المسلسل التلفزيوني الأميركي الشهير (فصيل في فيتنام).
وهذا المسلسل يصور براءة وإنسانية المقاتل الأميركي, وهو يواجه كائنات تدمن وتستعذب العيش في الوضاعة والتخلف, مقرونة بالخسة الشيوعية. وتختتم كل حلقة من حلقات المسلسل ببطولة فذة يجترحها أولئك المقاتلون الطيبون, كما يفعل أبو زيد عندنا الآن. يفعلون ذلك دائما بمساعدة أصدقاء محليين أوفياء. حيث نرى محررين قادمين من وراء الشموس البعيدة برفقة أصدقاء محليين ذوي قلوب أجنبية رقيقة. نرى رجالا ونساء لم تلدهم أمهاتهم إلا لفعل الخير, لا همّ لهم سوى العمل من أجل نشر الحرية والمسرّة بين الناس. منظرهم السحري يجعلك توقن, فورا, أن أياً منهم ليس سوى مسيح جديد تنكّر في ثياب المارينز!
في إحدى حلقات المسلسل, يقع الجندي الأميركي الطيب- تنتظره في الوطن حبيبة جميلة, حنون, وابنة تشبه الملائكة- في أيدي زمرة من المتوحشين الفيتناميين. ولسوء حظه يوضع تحت حراسة فيتنامي شاب يتولى مهام العمل الايديولوجي التثقيفي في الزمرة. وبسماحة الأنبياء يحتمل الجندي الأميركي نقاشات لا منطقية, ضحلة, تبعث على التقزز, يلوكها الفيتنامي كل حين, بمناسبة وبدون مناسبة, تدور حول ترهات سمجة اسمها الغزو وقنابل النابالم وحق الشعوب في العيش بسلام. يعيد الفيتنامي دعايته بمقت على مسامع الأميركي الطيب, كي يغسل من دماغه مفاهيم الحرية والسلام والعدل والسعادة الحقيقية, التي حملها على كتفيه من وطنه الحر البعيد. وحينما يبلغ الضغط الآيديولوجي مداه الأقصى, ينفجر الأميركي صارخا في وجه الفيتنامي الغبي:
- اسمع أنت, يا هذا! لقد احتملت دعاياتك البليدة كلها بصبر وديموقراطية المحررين المتحضّرين. ولكن, آن الأوان الآن أن تسمعني جيدا, وأن تجيب عن سؤال واحد يؤرقني: قل لي, لماذا تطاردوننا أنتم, أيها الفيتناميون, في كل مكان. في الشوارع, في الأحراش, حتى في بيوت الدعارة, لا همّ لكم سوى ملاحقتنا وقتلنا؟ لماذا, قل لي لماذا, بحق الشيطان؟ ماذا أذنبنا لتفعلوا بنا كل هذا ؟
هنا, في هذه اللحظة القاهرة,وأمام طوفان المنطق وقوة العقل وسطوة النبل البشري,لا يملك الفيتنامي إلا أن يطأطئ رأسه إحساسا بالعار والدونية.
لكن مخرج المسلسل لا يوافق على هذا القدر من الخزي. فيصر على إكمال المشهد. وكالعادة, تنتهي الحلقة بإنقاذ الجندي الطيب على يد فريق التحرير المسمى (لدغة العقرب!). أما الفيتنامي البليد فيلقى مصيره العادل, حيث يموت اختناقا في جحر محفوور تحت الارض.

مسبار على سطح المستقبل
تذكرت هذه المشاهد وأنا أقرأ رسالة إعلامية فريدة اسمها ( طريق المستقبل في العراق وكيفية سبر أغواره). والرسالة بقلم (بول بريمر الثالث), نشرت يوم الثلاثاء 15 يوليو 2003, الساعة 13و31 دقيقة, على نشرة إيلاف.
يقول بريمر, ضمن ما يقول: (للمرة الأولى منذ عقود ها هم العراقيون يتمتعون بحرية حقيقية), ويسهب في وصف هذه الحرية ومباهجها, مبينا أثرها السحري على واقع العراق الحالي والمستقبلي.
بيد أن بريمر, حاله كحال الجندي الأميركي الطيب في فيتنام, بعد أن يمل من عملية سبر أغوار المستقبل, يتوقف فجأة غاضبا, ثم يقوم بانعطافة عصبية مباغتة, صارخا في وجوهنا:
- تصوروا! كل هذه الحرية, كل هذه المشاريع الجبارة, التي أتينا بها الى العراق, يقابلها بعض ضعاف النفوس, أعداء الحرية بالعداء, بأعمال عنيفة ضد أبنائنا,حراس الحرية, الأبرياء.
وحتى هنا, يبدو كلام بريمر قابلا للابتلاع. بيد أن بريمر يقرر - تحت نوبة طمع مفاجئة- أن يستغل مقدرتنا الفريدة على ابتلاع الحرية, فيزيد الجرعة قليلا, ويصر على إعطائنا درسا في التمدن والعدالة, يوضح لنا فيه الفرق بين الحرية والبربرية, فيقول: تصوروا أن جنديا أميركيا طيبا, ترك بلاده البعيدة, ترك عائلته الصابرة وجاء الى بغداد لينشر العلم بين صفوف العراقيين, (حيث مثّل تواجدهم شهادة على التقدم العلمي الذي بات ينمو هنا!) . تصوروا! كان جالسا بوداعة وحياء ينمّي وينشر العلم هنا, في إحدى كليات جامعة بغداد, ويحرس الطلاب والطالبات, الذين تحرروا توا من سلطة الديكتاتور, والذين لم يتعلموا المشي في دروب الحرية بعد, طلاب ضائعون في رماد الحروب والجهل, حرموا من نعمة العلم والدراسة. تصوروا, ماذا كان جزاء هذا الرسول الشجاع: طلقة في الرأس!
وهنا, لا بد لنا أن نصحح جزءا من رواية بريمر الطيب وجنديه الأطيب. فهذا الجندي لم يقتل وهو يحرس الكلية المعنية كما يدعي بريمر. ما لم يقله بريمر هو أن هذا الجندي الطيب قتل علنا, بطلقة في الرأس, وهو يجلس واضعا بسطالا على بسطال في منتصف كافتيرية الكلية, وبندقيته تتمدد أمامه, وهو يوزع شهادات المعرفة على بعض الحواريين. جاء هذا التصحيح بتوقيع برتران روزنتال, ونشر في نشرة إيلاف في 17-7-2003.
سيقول أحد الطيبين: وما الفرق بين أن يقتل رسول الحرية وهو على باب الجامعة أو في وسط الكافتيرية, فنشر العلم مهمة نبيلة سواء تحققت بباب الجامعة أم في كافتيرياها, ألم يفرضها الرسول الكريم على أسرى بدر؟
وهذا اعتراض حصيف وطيب, أعترف, بدون خجل, أنني لا أملك ردا عليه. بيد أنني أضيف أن مقتل الجندي حدث على مرأى ومسمع من عشرات الطلاب والطالبات, ولم يتمكن بريمر وشرطته المحلية والأجنبية من الحصول على شاهد واحد يدل على الفاعل حتى اليوم, رغم اعتقال العشرات بتهم وبدون تهم.
خلاصة الأمر هناك قتل, قتل يمكن أن نسميه عدوانا, إرهابا, أو مقاومة, أو أية تسمية نريد. بيد أن هناك شروطا معروفة, محددة, تخلق مبرارات القتل أو الإرهاب أو المقاومة, وتخلق أسبابها الحقيقية أو المموهة. وهي أسباب لا يختلف عليها بشر ذوو عقل, أسباب تعارف البشر على تسميتها: لا تضع بسطالك الأجنبي على مائدة الوطن.
لذلك, بعد هذا التاريخ, لم يجرؤ جندي أميركي على الدخول الى مطاعم وكافتيريات جامعة بغداد, سواء لتعليم طلابنا القراءة والكتابة أو لتعليمهم مباهج الحرية! أما بريمر, حاله كحال جنود (فصيل فيتنام) الطيبين, فما زال عاجزا عن فهم هذه الوحشية المتأصلة في نفوس البعض, والتي تجعلهم يطاردون رسل الحرية والسلام والعلم في كل مكان, من أدغال فيتنام الى كافتيرية الجامعة!
ولكن, لكي يفهم بريمر المعادلة جيدا, لا بد له أن يعرف أنه لا فرق في أن يكون رسول السلام مقاتلا في أدغال فيتنام أو في مغاور تورابورا أو في الوحل العراقي. فالشخصية الرسولية الأميركية المقاتلة واحدة,منسوخة الخصال. هي كبعض وحوش العالم السفلي, كائن برأسين: رأس الضحية البرئ الى حد السذاجة والبله, المطارد دون ذنب, والباحث دائما وأبدا عن حماية تقيه شر المتربصين به من الأعداء المطلوبين للعدالة, ورأس المتسلط, الدموي, المتغطرس, صاحب الحق المطلق, ورائد الحلول الجهنمية. (كل ابتكارات البشرية الحديثة الشريرة والمرعبة وتطبيقاتها تعود الى الأميركيين: القنبلة الذرية, الحرب الباردة,الغاز المزدوج,الأمراض الجرثومية. القنابل والألغام الغبية والذكية, الحروب الاستباقية, حروب القصف عن بعد, الاحتواء المزدوج, حرب الفضاء, خنق وحصار الشعوب, الحرب على الإرهاب وغيرها)
وفي هذه النقطة المحددة, أعني الكائن الخرافي ذا الرأسين, تتطابق صورة الأميركي القبيح تطابقا مطلقا مع صورة اليهودي القادم الى وطن الميعاد, كما رسمتها ريشة الصهيونية العالمية: ضحية أبدية وصاحب حق أزلي في التسيد.
ذلك هو الأميركي, كما يرى نفسه بنفسه.
ولكن, كيف يرى العراقي الحر نفسه؟
الحرية المالحة
اليوم تمضي على جرعة الحرية الأميركية المالحة تلك سنة عصيبة. سنة كالحة لم يعرف لها العراق مثيلا في حجم تناقضاتها, في حجم زيف شعاراتها, وفي عمق جراحاتها: نهب عام وعلني للثروة الوطنية, انتهاك سافر وفظ للسيادة, امتهان تام ومطلق للحق الفردي والجماعي, حدود مفتوحة على مصراعيها لكل متسلل ظلامي وغد, ومقفولة بإحكام في وجه رياح العقل والمنطق والمبادرة الوطنية النزيهة.
اليوم, بعد مضي عام ملطخ بالدم والاضطراب والوعود البائسة, كف بول بريمر الثالث عن توجيه رسائل يسبر فيها أغوار المستقبل. فالمستقبل أصبح يستلقي أمامنا مثل جثة متفسخة, كما كان المستقبل الأميركي في فيتنام يستلقي مثل كذبة وسخة أمام أعين البشرية كلها, في الوقت الذي كان جهاز الدعاية يتحدث عن انتصارات الجنود الطيبين على البرابرة!
لقد تخلى بريمر, ومثله أبو زيد, عن أوهام المستقبل, وهم ينغمسون الآن في أغوار الحاضر, حيث يحتل العراق موقع الصدارة في جلسات الكونغرس, في خطابات الرئاسة الأميركية, في الحملات الانتخابية, في عناوين الصحف, في أحاديث المقاهي والمطاعم الأميركية, وحتى في هواجس المراحيض, كما لو أن العراق رئة أميركا, أو كما لو أن العراق يحتل أميركا.
فالعراق يغذّي بالطاقة, دون أن يعي سياسيوه, الآلية الداخلية للحياة الأميركية في الحقبة الراهنة. ليس لأنه مهم وفعال بذاته – هو يفتقر الى التجانس, ويفتقر قطاع واسع من بنيه, مثقفوه خاصة, الإحساس الجدي بمغزى الوطن- وإنما لأنه حلقة أساسية من حلقات المشروع العالمي, ومن حلقات الستراتيجية العسكرية لمركز القوة الدولية الراهنة. فالعراق الذي سيتحول, طبقا للخطط الأميركية, الى مركز عسكري وسياسي وأمني- استخباري دولي, سيكون القاعدة العسكرية المتقدمة لمشروع القوة العالمي. لذلك يخطئ بعض السياسيين المحلييين المتفائلين, الذين توهموا بأنهم (شركاء) و (حلفاء) دائميون للقوة الأعظم, أو أنهم محميون بحكم مجاورتهم قبة الرسول الأميركي. أولئك يدركون, أكثر من غيرهم, أنهم ليسوا سوى مسامير صغيرة في مدافع القوة الدولية الغاشمة. مجرد مسامير مدببة, جارحة, ترمى في حاويات النفايات السياسية, حالما تنتهي مدة صلاحيتها.
فالعراق, حاله كحال فيتنام سابقا, يحتل أميركا, في نظر الأميركيين الطيبين. يحتل عقلها الدموي, وضميرها الميت, وإرادتها الشريرة, المترعة بنوايا العنف والهمجية والسلب والدعاية الكاذبة.
ولهذا كله, لا أعرف حتى هذه اللحظة, هل كل هؤلاء المحررين الأميركيين الطيبين طيبون حقا, يؤمنون إيمانا صادقا بدورهم في تحرير وتمدين العالم؟
أم أنهم يضحكون على عقول الطيبين منا؟
حرب ذكية وحرية غبية
هل يؤمن الأميركيون حقا بذلك, أم أنهم يضحكون على عقولنا؟
هذا السؤال أضعه الآن, بعد عام على الغزو أو التحرير أو الاحتلال أمام أصدقائنا الطيبين من العراقيين, الذين أيدوا التحرير أو الغزو أو الاحتلال. وهنا لا تهم المصطلحات, طالما أن الوطن بأكمله, بناسه, بحدوده, بنفطه, بأنهاره, بمواشيه الحلوبات الجائعات, بنيرانه, بأرمدته, بنخيله, بمتاحفه, بمآذنه وكنائسه, بماضيه, بحاضره, بمستقبله لا يعني شيئا خاصا في نظر قطاع واسع من أنصار الغزو, الذين أيدوا الحرب على بلادهم.
آن الأوان اليوم أن نعيد السؤال الذي أخرسته المدافع. آن الأوان أن نقول لهم: أما كان خيار السلام, خيار الأمم المتحدة, الخيار الدولي, خيار استخدام آخر الخيارات, هو الخيار الأسهل والأوضح والأقل مأساوية, وربما حتى الأقصر؟
سيجيبنا مجيب: كنا نريدها حربا سريعة,نظيفة, طاهرة وشريفة.حربا بلا موتى (سوى بضعة آلاف, هم أقل من ضحايا صدام), حربا بلا أزمات سياسية واجتماعية وحروب أهلية وغير ذلك من المنغّصات (حتى لو حدث بعض الفرهود, وبعض الاضطراب في الأمن, حتى لو قتل خمس هنا وخمسون هناك, وحتى إذا تظاهر بعض العاطلين عن العمل من شذاذ الآفاق, وإذا انسلخت كردستان بحرب مدمّرة, أو حتى لو جرت حرب أهلية مؤكدة بعد أو قبل حزيران 2004 , لتبرير استمرار الاحتلال بطلب رسمي من الشعب العراق, الذي سيدرك عند قيام الحرب الأهلية, أن الأميركان وحدهم من يستطيع إيقافها. لسبب بسيط ووحيد: لأنهم وحدهم من يقدر على إشعالها متى ما أرادوا, حربا تضمن للمواطن خيارات الديموقراطية الواسعة وأشكالها الفيدرالية والانتخابية (حتى لو جرى تعديل الانتخابات الى ما يشبه الانتخابات, وتعديل الأمن الى ما يشبه الأمن, وتعديل الحرية الى ما يشبه الحرية, وتعديل الدستور الى ما يشبه الدستور, وتعديل الوطن الى ما يشبه الوطن, فالعافية بالتداريج! كما يقول المثل الشعبي العراقي.)
أولئك العراقيون الأميركيون الطيبون أرادوا لنا حربا نظيفة, مقشرة. ونحن نشكرهم على نياتهم الطيبة تلك. أرادوا لنا حربا بلا قنابل, بلا نهب وطني, بلا فقدان للسيادة, بلا انتخابات (ناقصة), بلا فيتو من جهات عليا ودنيا, بلا متسللين, بلا مقاومين , بلا معارضين أو معترضين, بلا ديموقراطية (غير حقيقية), بلا مثلثات طائفية, بلا مربعات عرقية, بلا فوضى أمنية, بلا بطالة, حربا بلا جيوش من عشرات الدول الأجنبية, حربا بلا مساومات على القضايا المصيرية:الدستور, الحدود, السيادة على الأرض والقرار السياسي والثروات, الوحدة الوطنية, وحالة المواطن الروحية والاجتماعية بعد عقود من القهر والإرهاب النفسي.
حربا نظيفة, طاهرة, شريفة, تضعهم, من دون مزاحمة من منافس شرير, على كراسي حكم هزازة, تتمايل بهم الى الأمام والخلف, وهم يختلسون النظر, جيئة وذهابا, بعيون زائغة, مكسورة, الى وجوه أبناء شعبهم, دون أن يجرؤوا على إلقاء نظرة مباشرة في عين فرد واحد من سكنة القبور الجماعية.
الذين اختاروا طبخة الحرب وما يلازمها, لهم أوسمة شرف ستعلق على جباههم وصدورهم, عن كل مأثرة وطنية تحققت تحت قيادتهم. لهم شرف نعترف به بصوت مدو, ونحترمه ونجله بقدسية مطلقة, إن وجدت تلك المآثر, أو إذا تمكنوا من أقناع شعبهم بوجودها في بقعة ما من بقاع جمهورية التمزق, التي يديرون بعض أروقتها المتصدعة, من على كراسيهم الانتقالية.
لكنهم, في الوقت ذاته - طالما أنهم اختاروا أن يكونوا حكاما- يتحملون مسؤولية مصير كل مواطن مات بسبب الحسابات الخاطئة, مصير كل يوم يمر والوطن ينزف دما, مصير كل شبر من أرض الوطن تقتطع ظلما, مصير كل صفقة عقدت من خلف ظهر الشعب, مصير كل لحظة معاناة إضافية يسببها فقدان الإرادة, فقدان الشعور بالمسؤولية الأخلاقية, فقدان مشاعر المواطنة العراقية, وفقدان خطط النضال الوطني العملية, الناشئ من جراء التطوع, غير المشروط, ضمن جنود (فصيل في فيتنام).
جثة المستقبل
لقد خرج (فصيل فيتنام) من فيتنام مكللا بالعار والهزيمة. ذهب جنود الفصيل الى زوجاتهم أو أمهاتهم أو الى مقابر خاصة, ثم راحوا- بعد حين- يعدّون العدّة لجولة جديدة في فيتنام جديدة. بيد أن مرافقيهم المحليين, ذوي الضمائر الأجنبية, ابتلعهم النسيان قبل أن تبتلعهم نيران القيامة.
أيها الطيبون, يا نزلاء فندق ميسوبوتاميا الانتقاليين والدائمين: لا تتسامحوا في مساحة التفريط بثوابت الوطن وثوابت الإنسان. فالطغيان يبدأ دائما من لحظة إغماض العين عن أول جريمة (ضرورية) ترتكب بحق الإنسان وحق الوطن, وتدمير المستقبل يبدأ من تزييف أول لبنة في جدار الحاضر, باسم الأمر الواقع.
إن الوطن ملك لأهله, ملك لحاضرهم ومستقبلهم, فلا تخونوا مستقبل أبنائكم. قد نختلف على أساليب تربية أبنائنا, وقد نختلف على طرائق تنشئتهم, ولكن لا يجوز لنا أن نختلف على سبل صيانة هويتهم كبشر,على حقهم في البقاء كأعضاء أصيلين في الأسرة الإنسانية, وحقهم في العيش الحر, السعيد.
أما المستقبل نفسه, مستقبل أطفالنا, فليس بريمر من يستطيع سبر أغواره. لا مصلحة له في ذلك. لأن أبناءنا ليسوا سوى أحفاد لآباء ينقسمون – في نظره- الى فئتين: عملاء مأجورين يؤمرون فيطيعون, أو معارضين إرهابيين يُضربون فيرتدعون. وكلا الفئتين, ينتمون- في نظره- الى قبيلة واحدة. فهم ليسوا سوى كرد أو عرب, سنة أو شيعة, آشوريين أو تركمان, يزيديين أو صابئة, ليسوا سوى قطيع متنوع الألوان من القاصرين, التابعين, البرابرة !



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ســقـط صــدام هــل يـســقـط الـحـزب؟
- مــوســيـقــيـو الـحــدائــق
- أيـفــنـد يـونـســون الـحــلـم الاوروبــي فـي الادب الاســوج ...
- القيادة الكردية العراقية الحاكمة بين خياري الفيدرالية والحرب ...
- صرخة من أجل العراق
- صـدام عـمـيــلاً تـمـحــيـص الـمــصطلـح
- منابع الديكتاتورية.. صدام نموذجاً هل صنعته الطفولة أم صنعه ح ...
- عــلّــوكــي
- ظاهرة مقتدى الصدر: الجذور, الأسباب, النتائج
- مـن الـثــــورة الـى الـدولـــة
- يـوميات عربـيـة في أسـوج مـن الثورة الـمؤدبة الى الثورة الخج ...
- الـشــاعـرة الأســـوجـيــة اديـث ســودرغــران تـكـســر جــلـ ...
- مــن يـكـون -الـروائـــي- صـــدام حـســــيـن؟ عـن -زبــيــبـ ...
- إعــادة إعـمـــار الـثــقـــافـــة فـي الـعــــراق الـبــعــ ...
- الـمــــوت يـمـشـــي فـي نــومـــه
- أقــنـعـــة الـفـــرهـــــود
- هل استقر مهد الحضارات في بطون الدبابات؟
- ســقـط الـديـكــتـاتـور صـعـد الـيـانـكـي: تهـانـيـنـا
- المسألة العراقية بين خيار أسوأ الاحتمالات و خيار المبدئية ال ...
- الرهينة - من القصة القصيرة الى الرواية-


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري - سلام عبود - الاحتلال العراقي لأميركا