أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2004 يوم المرأة العالمي - جمعة الحلفي - الموقف الإسلامي من المرأة بين الاجتهادات المغلوطة والأنانية الذكورية















المزيد.....



الموقف الإسلامي من المرأة بين الاجتهادات المغلوطة والأنانية الذكورية


جمعة الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 767 - 2004 / 3 / 8 - 06:37
المحور: ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2004 يوم المرأة العالمي
    


 حين يشتد بؤس الحاضر ويتفاقم، تبدو العودة إلى الماضي مغرية، بل إن بؤس الحاضر هذا يدعونا، على الدوام، إلى تأمل الماضي ورؤيته بعين نقدية وبروح موضوعية، لأن من يطمح إلى جعل المستقبل حقلاً مزهراً، عليه أولاً أن يشذب شجرة الماضي مما علق بها، ذلك أن الماضي (التاريخ ـ التراث) كان ولا يزال عرضة للإغراض والأهواء السياسية والمصلحية وللنوازع الفردية والأنانية، فضلاً عن سوء الفهم والتحجر والتعصب وكل أشكال التخلف. بعبارة أخرى كان علينا ولا يزال أن لا نجعل من الماضي مجرد (حائط مبكى) نتعبد ونتأسى تحت ترابه التليد، مثلما كان علينا أن لا نصنع من أحجاره أصناماً جديدة نتفيأ تحت ظلالها و... كفى الله المؤمنين شر القتال!
ليست هذه صرخة بوجه الماضي، بل هي صرخة من أجل هذا الماضي، من أجل الايجابي والعادل والصائب والمضيء فيه، من أجل أن نراه جيداً، بعيداً عن عمى الألوان وعمى التعصب والفئوية، من أجل أن نقرأه بوصفه درساً بليغاً ومجيداً لا باعتباره قصصاً للتسالي والتعالي الفارغ، من أجل أن نستفيد من عبره ونوظف دروسه، فالماضي بعض من زادنا اليومي لكن بعض هذا الزاد تعفن ولم يعد صالحاً للإستخدام في عصرنا الراهن. الماضي عجلة مجربة يجب أن تساعدنا في الوصول إلى المستقبل لا أن تعيقنا أو تعيدنا إلى الحضيض.
لكن أين هو المستقبل؟ هل هو في الآتي من الأيام والسنوات المقبلة حقاً، وكما نعتقد ذلك؟ أم هو الآن وفي هذه اللحظة بالذات؟ هل هو ما يصنعنا أو ما نصنعه؟ من يتصور أن المستقبل غداً لن يحظى به على الإطلاق، فالمستقبل الآن وهنا بالذات حيث نقف وحيث نحيا، ومن ليس له مستقبل ليس له ماضٍ، لا العكس... نعم هكذا يجب أن نردد مع أنفسنا، فالماضي الذي نتغنى به، منذ قرون وحتى اليوم، ليس ماضينا نحن أبداً، إنه مستقبل أجدادنا القدماء، أما ماضينا الحقيقي فهو ذلك الذي يجب أن يتغنى به أحفادنا غداً، إنه بعبارة أدق، يومنا الحاضر.. مستقبلنا الذي يجب أن لا نؤجله إلى الغد، وأن لا نضيع لحظة في إشادة ركائزه. فكيف يجب أن لا نخسر رهان الحياة؟ وأن لا نخرج مطأطئي الرؤوس من أبوابها وهي تصفق خلفنا؟
في واقع الحال لا وصفة سحرية لمثل هذا السؤال، لكن هناك سبلاً جربها الآخرون قبلنا وربحوا حياة أكثر استقراراً ورقياً ورفاهية. إنها باختصار، فكرة المستقبل ذاتها، التي يقوم عليها الرهان. إنه الفارق بين فكرتنا نحن عن المستقبل وبين فكرة الآخرين عنه.
لقد اكتشفت شعوب كثيرة أهمية الزمن فخططت لمستقبلها وكأنه اليوم بالذات، فيما نحن لا نزال نراهن على الأحلام والآمال، على قوة الأساطير والأمجاد الغابرة، حتى أصبح افتتاننا بالسلف أمراً مريباً ومدعاة لأسئلة محرجة. إننا نتحدث عن المستقبل، ويا للمفارقة، لا بوصفه موعداً للانعتاق وملاقاة شمس الحرية، بل بوصفه ماضياً تليداُ ضائعاً نريد استعادته، أو استدعاءه بقوة الأسطورة لا بقوة الفعل، وبوعي الخيال لا بطاقة العقل. هكذا بالضبط، ففي وقت استبدلت فيه تلك الشعوب، السيطرة على المكان بالسيطرة على الزمن، لا نزال نحن نتقوقع بأسوأ ما في المكان، ولذلك حررت تلك الشعوب طاقاتها الخلاقة لأنها ذهبت إلى المستقبل من توها ولحظتها، بينما ظللنا نحن مأخوذين بسحر الماضي وكأنه صناديق مغلقة على كنوز، وليس تجربة إنسانية كان علينا ولا يزال استنباط العبرة منها لا الاكتفاء بتقديسها حسب.
ولأننا كذلك ها نحن منذ أربعة عشر قرناً حتى يومنا هذا نشهد حروب البعض منا مع المرأة، مع أنها الأم والشقيقة والابنة و... نصف الدين! أربعة عشر قرناً لم يتنازل فيها هذا البعض من الرجال عن ذكوريته "المقدسة" ولم يقبل، إلا لماماً، بأن تأخذ المرأة، وهي نصفه الآخر في أكثر الشرائع قدماً وقداسة، مكانها إلى جانبه إلا كجسد للمتعة حسب. أربعة عشر قرناً لم يترك فيها الرجل سلاحاً لم يستخدمه ضد المرأة، بدءاً بالنص المقدس، ولكن المأخوذ في غير سياقه التاريخي وخارج راهنيته، مروراً بالأحاديث المنقولة أو المشكوك بصحتها، ثم بالأمثال الشعبية والحكم والخرافات، وانتهاءً بعلوم الانثربولوجيا.
فهي ناقصة عقل ودين، وهي التي أغوت آدم، وهي التي تجلب النحس وتُبطل الصلاة، وهي العورة، وهي المخلوقة من ضلع أعوج، وهي عظيمة الكيد، وهي أخيراً وليس آخراً، ناقصة الأهلية.
تلك هي المرأة: كانت ولا تزال، منذ أربعة عشر قرناً، أي منذ وضع الإسلام اللبنات الأولى لحقوقها في المساواة والاحترام والتحرر من مظالم الجاهلية والتخلف والوأد والدونية، لم تبرح مكانها في عقلية البعض المتخلفة.
ولكن أية حقيقة يمتلكها الرجل في حروبه المستمرة ضد المرأة؟
الجواب: لا حقيقة غير ذكوريته الأنانية ومصالحه السياسية والاقتصادية وشعوره الدائم بالنقص والعار أمام غرائزه الفيزيولوجية. تلك هي الحقيقة التي يخفيها الرجل على الدوام، تحت أستار سميكة من الخرافات والأساطير والاعتقادات التي لا تصمد طويلاً، أمام أية مناقشة حرة ومستندة إلى المنطق وإلى حرية الرأي وإلى التجربة الإنسانية، بل وإلى النص الديني المقدس الذي لا تشوبه شوائب العنعنة والأقاويل والتفسيرات المغلوطة.
لهذا وغيره لم يتوقف السجال يوماً، وطوال هذه القرون المديدة، حول حقوق المرأة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل شهد هذا السجال، مراراً وتكراراً، حدوداً خرجت به إلى دائرة العنف والفتنة والتقاتل. ويعود السبب الرئيسي، في دوام هذا السجال حول قضية المرأة، إلى كونها قضية لا تخص المرأة وحدها بل تخص المجتمع برمته، ولا تتعلق بحريتها الفردية فحسب، بل بحرية المجتمع دون استثناء، فضلاً عن أنها قضية، أصبحت اليوم، سياسية واقتصادية تتصل اتصالاً وثيقاً بعملية التطور والتنمية والتقدم وبمختلف أوجه الحياة العامة، فالمرأة ليست نصف المجتمع فقط، بمنطق الإحصاء والتعداد، بل هي أكثر من ذلك بكثير بحكم تأثيرها في أولادها وفي أسرتها وفي المجتمع عامة.
إذن لم يكن الدفاع عن المرأة وحقوقها يوماً ولن يكون، مجرد دفاع عن شخصية المرأة، بل هو دفاع عن قيم التحضر والتقدم والتنمية. مثلما هو دفاع عن قيم العدل والمساواة التي جاء بها الدين الإسلامي نفسه. وتلك هي أيضاً، غاية وهدف هذه الدراسة، التي نرجو أن تكون مساهمة أخرى في الدفاع عن قيم التحضر والتقدم وعن مثل العدالة والحرية والمساواة، من خلال الدفاع عن قضية المرأة التي هي جزء من هذه المثل والقيم السامية.
 
من قسوة اليهودية إلى صرامة المسيحية
 
 
أي منجز تاريخي، على صعيد الفكر أو الاقتصاد وحتى العلم، لا يمكن رؤية جوانبه الإيجابية وأفضلياته، من دون مقايسته أو مقارنته بما سبقه، أو بما هو معاصر له، في أقل تقدير، فمن خلال هذه المقايسة ـ المقارنة تتجلى، بموضوعية، الميزات والأفضليات الجديدة، المضافة والكامنة في ذلك المنجز، والتي عبرها فقط، يحتل المنجز مكانته التاريخية ويكتسب أهليته وأهميته في السياق التاريخي.
بعبارة أخرى، إن معاينة مرحلة اجتماعية من التاريخ، بأعرافها وقوانينها وتشريعاتها، لا يجب أن تتم عبر قياسها بمرحلة تالية لها، بل بما سبق تلك المرحلة أو عاصرها، لأن في ذلك فقط يمكن رؤية أفضليات تلك المرحلة ونقاط تمايزها وعناصر التقدم فيها، مثلما يمكن الكشف، عبر المقارنة ذاتها، عن عناصر ونقاط التردي والتخلف في المرحلة السابقة، أي إن أية مرحلة تاريخية معينة هي مرآة للمراحل التي تجاوزتها، وليس العكس، وعلى هذا فإن أية عودة لمعاينة تراثنا العربي ـ الإسلامي، عبر إسقاط منجز الحاضر التاريخي على هذا التراث أو محاولة رؤيته معزولاً أو مقطوع الصلة بتراث المجتمعات التي سبقته أو عاصرته، ستفقد (هذه المعاينة) قيمتها النقدية وستبتعد بالبحث عن أهدافه الموضوعية، ذلك أن ما توفره منجزات فكر وعلوم مرحلة تاريخية ما، هو جوهر ودافع انتقال المجتمع من سياق تاريخي إلى سياق تاريخي آخر متقدم عليه، وإلا لما كان بالإمكان إطلاق اسم عصر النهضة لو لم تسبق هذا العصر، عصور إنحطاط، ولما كانت هناك عصور تنوير لو لم تكن الظلامية قد سادت قبلها.
نعود لنقول إن أي بحث تاريخي لن يكتمل ولن يقف على قدمين سليمتين، من دون أن يأخذ باعتباره أولاً، راهنية المجتمع وأعرافه وتشريعاته في سياقها التاريخي الملموس وفي سياق صيرورته الدائمة، ذلك أن الصيرورة، كمفهوم راسخ، كانت ولا تزال، شرطاً لا مناص منه  لاستمرار تطابق معارفنا مع الواقع الذي لا يفتأ يتغير ويتطور باستمرار ودأب.
انطلاقاً من هذا، وبهدف رؤية المنجز التاريخي للإسلام، في موقفه من المرأة (موضوع دراستنا) رؤية موضوعية، يتعين علينا، أولاً، إلقاء نظرة على المراحل التاريخية، الاجتماعية ـ الدينية، التي سبقت الإسلام، إذ من خلال ذلك سيكون بوسعنا تكوين رؤية شاملة عن ذلك المنجز بأفضلياته وبمختلف جوانبه الإيجابية.
 
المرأة واليهودية
 
كرست تشريعات وأعراف وتقاليد الأديان والمجتمعات، التي ظهرت في أعقاب ما اصطلح عليه بالحقبة الأمومية (نهاية العصر البرونزي) ظاهرة الأبوة، وأعطتها أبعاداً جديدة تماماً، مجسدة بذلك "الميل المتزايد (آنذاك) نحو إزالة العنصر الأنثوي من الإلوهة".(1) وتُعد الديانة اليهودية، بشكل خاص، أبرز من عبّر بصرامة عن تلك الظاهرة، التي امتدت، منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، واتخذت سمات أكثر شمولاً ورسوخاً في حياة الفرد والأسرة والمجتمع ككل. وفي رحم هذه الظاهرة، أو بالترافق معها، تولدت ظاهرة أخرى مرادفة تمثلت في إعلاء شأن الذكورة مقابل الحط من مكانة وقيمة الأنوثة، مبتعدة بذلك الهدف (الميل) نحو "إزالة العنصر النسائي من الحياة الاجتماعية"!(2) ولعبت الديانة اليهودية، هنا أيضاً، الدور الأبرز في تكريس هذه الظاهرة. فمن يعود ليدقق في الكتب اليهودية بدءاً من التوراة إلى التلمود والأسفار وحتى تعاليم الحاخامات المتأخرين، سيجد ما لا يحصى من التشريعات والوصايا التي تكرس المكانة المتدنية للمرأة، مقابل تقديس وإعلاء شأن الذكورة.
فهي، ككائن، مخلوقة لخدمة الرجل وجوهرها البشري يرتبط بوظيفتها كرفيقة تابعة تنجب له الأطفال وتقدم له المتعة، وهي بالتالي مجرد شيء يمكن للرجل أن يبتاعه أو يبيعه متى شاء تبعاً لحاجاته الجنسية والاقتصادية. وعدا ذلك فلا دور للمرأة، سواء في العبادة أو في الحياة الاجتماعية والسياسية، بل إن المرأة إذا ما لعبت مثل هذا الدور على أي صعيد من هذه الأصعدة، فسيكون دوراً شيطانياً مخرباً ومنبوذاً.
تقول التوراة، حول قصة الخلق، إن سبب معصية آدم هي المرأة، إذ حين أغوتها الأفعى بمخالفة أمر الله والأكل من الشجرة المحرمة عليها وعلى زوجها، لم تكتف بذلك، بل عرضت الأكل من تلك الشجرة على آدم فأكل منها، وهنا قال الرب للمرأة "... ما هذا الذي فعلتٍ فقالت المرأة: الحية أغوتني فأكلت، فقال الرب الإله للحية لأنك فعلتٍ هذا ملعونة أنتِ، وقال للمرأة: تكثيراً أكثر أتعاب حبلك بالوجع، تلدين أولاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك"(3) هكذا تلعب المرأة دوراً رئيسياً في إدخال الإثم إلى الجنة ولذلك تستحق اللعنة من الإله الرب لأنها "مغوية شريرة تضل الشباب المستقيم"(4) ولأنها كذلك يسيّد الرجل عليها. بل إن التوراة تتوج هذا العقاب بالقول " من المرأة ابتدأت الخطيئة وبسببها نموت جميعاً".
وعلى صعيد الحقوق لا تتمتع المرأة، في الديانة اليهودية، بأي شيء منها فهي لا ترث أباها (إلا إذا لم يكن له ولد). كما يحق للأب أن يبيع أبنته في صغرها (وليس له أن يبيع أبنه) إيفاء لدين أو لحاجة إلى مال، ولا ينطبق على هذه المرأة قرار التحرر من العبودية بعد مضي سبع سنوات كما هي الحال بالنسبة للرجل(5) أما حق الطلاق فهو بيد الرجل حصراً، ويكفي فيه أن يرى الرجل في زوجته بعض "ما يوجب المذمة" ليطلقها، وقد منعت التوراة المرأة التي يتوفى زوجها، من الزواج برجل أجنبي، بل عليها أولاً أن تعرض نفسها على أخي زوجها المتوفى(6).
والى هذا تأخذ المرأة، في الكتب اليهودية الأخرى، صوراً وأشكالاً أبشع تكرس الحط من شخصيتها وإنسانيتها إلى درجة المسخ الكامل تارة على صورة شيطان وأخرى على صورة نجاسة ودعارة. فالتلمود (مثلا) يعتبر المرأة، من غير بني إسرائيل، ليست إلا بهيمة، ولذلك فالزنا بها لا يعتبر جريمة لأنها من "نسل الحيوانات". أما المرأة اليهودية فليس لها أن تشكو من زوجها إذا ارتكب الزنا في منزل الزوجية، واليهودي لا يكون مخطئاً إذا استعمل زوجته بأية طريقة وفي أي مكان من جسمها، فهي له يستمتع بها كقطعة اللحم التي يشتريها من الجزار، له أن يأكلها مسلوقة أو مشوية حسبما يشاء ويختار(7) وهكذا فالمرأة في الديانة اليهودية، وباختصار شديد "إبريق مملوء بالقذارة، فمه ممتلىء بالدم"(8) لذلك توصي الديانة اليهودية الرجل اليهودي بأن "يقرأ كل يوم بركه، لأن الله لم يخلقه امرأة"(9) كما توصيه بأن لا يعلمها أي شيء من ديانته، ومهما كانت درجة قرابتها له، لأنه إذا ما علمها فإنما "يعلمها الفسق"(10).
ومن الناحية الاجتماعية تأخذ صورة المرأة في الديانة اليهودية بعدين لا ثالث لهما، فهي إما جميلة وبالتالي مغرية ومغوية، وإما نجسة وقذرة. ففي أسفار العهد القديم الكثيرة، لا تلعب المرأة سوى بطولة أربعة منها (راعوث واستير ويهوديت وسوسنة) وباستثناء الأولى وهي غير يهودية أصلا، فإن قصص النساء الثلاث الأخريات لا تتحدث إلا عن جمالهن ودور هذا الجمال، إيجاباً أم سلباً، كمحور للقصة. فأستير فتاة يهودية، يعجب بجمالها حاكم فارسي فتسحره لدفع الأذى عن شعبها. ويهوديت أرملة يهودية جميلة جداً، تستخدم جمالها الفاتن لدخول خيمة أحد الزعماء المعادين وقتله. وسوسنة فتاة يهودية جميلة جداً رفضت إغواء قاضيين وأنقذتها حكمة النبي دانيال وشجاعته(11).
وفي مقابل هذه الصورة: صورة الإغراء والإغواء الجنسي، تأخذ المرأة صورة النجاسة، فالتوراة (مثلاً) تجعل مسّ المرأة أثناء الطمث يسبب النجاسة، وتقول في هذا الشأن: "إذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دماً في لحمها فسبعة أيام تكون في طمثها وكل من مسها يكون نجساً إلى المساء وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجساً وكل ما تجلس عليه يكون نجساً وكل من مسّ فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء...الخ"(12).
وتأخذ هذه الصورة بعداً آخر عندما يتعلق الأمر بولادة المرأة أنثى، وليس ذكراً فإذا حبلت المرأة وولدت ذكراً تكون نجسة سبعة أيام، وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين"(13) بل إن التوراة تجعل من هذه النجاسة في حاجة إلى التكفير عنها، إذ على المرأة بعد الطمث، أن تأخذ في اليوم الثامن فرخي حمام إلى الكاهن فيعمل الكاهن الواحد ذبيحة خطيه والآخر محرقة، ويكفر عنها الكاهن أمام الرب من سيل نجاستها(14).
 
المرأة والمسيحية
 
لو استثنينا ما ورد في رسائل بولس وأسفاره (وهو مجرد افتراض)، سنجد أن موقف المسيحية كان متقدما على اليهودية في ما يتعلق باحترام مكانة المرأة (أو بإعادة الاعتبار لهذه المكانة)، سواء في العبادة أم على صعيد الحياة الأسرية والاجتماعية عامة(15). فقد اعتبرت المسيحية الأولى (على سبيل المثال) العائلة وحدة مقدسة لا يجوز تفكيكها(16)، ولذلك نصّت الأناجيل على تحريم الطلاق نصاً قطعياً(17) كما حرّمت الزواج الضرائري (وهو أول تشريع يؤسس للعائلة الوحدانية)(18) ومنعت التسري، الذي كان سائداً ومباحاً في الديانة اليهودية وفي عموم المجتمعات القديمة. وكما يبدو من خلال سيرة السيد المسيح فإن منطلق الموقف الإيجابي، للديانة المسيحية من المرأة، يعود إليه بشكل خاص. فقد ركز السيد المسيح في رسالته، ومنذ البداية، على الجوهر النقي عند الإنسان عموماً وعند المرأة بوجه خاص. ولم يكن يأخذ بالاعتبار في هذا الخصوص ما تفرضه الظروف على القشرة الخارجية ما دامت الأعماق نقية. ولهذا فقد كانت هناك نساء عدة في حياة المسيح (أبرزهن مريم المجدلية)، وكانت لهن أدوارٌ هامة في رسالته، حيث "تبرز قصص المسيح معهن عمق تحديه للشريعة اليهودية الصارمة بحق النساء"(19). ففي إنجيل متّى نجد أربع نساء داخلات في نسب يسوع هن: تامار وراحاب وراعوت وبتشبع، ثلاث منهن كن زانيات "نقيات"، اثنتان كانتا من أصل غير يهودي بالكامل، وهو ما يشير إلى اهتمام السيد المسيح بالبعد الإنساني الذي يتخطى حدود القومية الضيقة.
والى هذا فإن يسوع ذاته هو ابن امرأة صالحة اتهمت بالزنا(20)، ومع ذلك فهي تجسّد، في الأناجيل، المثل الأعلى للنساء، لأنها ولدت السيد المسيح فأرسل إليها الإله ملاكه ليخبرها: "افرحي يا من نلتٍ الحظوة الرب معك"(21).
وهناك امرأة أخرى، تدعى أليصابات، كانت أول من أشار إلى حمل مريم المقدس بقولها "مباركة ثمرة بطنك"(22). كما كانت أول ترتيلة في المسيحية تُنشد من قبل امرأة هي السيدة مريم، فيما هناك امرأة ثالثة (تدعى حنة) كانت أول من تعرف على الطفل يسوع وأعلن على الملأ أنه المسيح المنتظر(23). على أن الموقف الأكثر جرأة في تحدي السيد المسيح للشريعة اليهودية وفي تسامحه مع المرأة، هو ذلك المتمثل بموقفه من الزانية والذي تلخصه صرخته المدوية حتى يومنا هذا: (من كان منكم بلا خطيئة فليكن أول من يرميها بحجر)، إذ تقول القصة: "فأتاه الكتبة والفريسيون بامرأة أخذت بالزنا، فأقاموها في وسط الحلقة وقالوا له: يا معلم إن هذه المرأة أُخذت في الزنا المشهود، وقد أوصانا موسى في الشريعة برجم أمثالها، فأنت ماذا تقول؟ وإنما قالوا ذلك ليحرجوه فيجدوا ما يشكونه، فانحنى يسوع يخط بإصبعه في الأرض، فلما ألحوا عليه في السؤال انتصب وقال لهم: من كان منكم بلا خطيئة، فليكن أول من يرميها بحجر. ثم انحنى ثانية يخط في الأرض، فلما سمعوا هذا الكلام، انصرفوا واحداً بعد واحد يتقدمهم كبارهم سناً، وبقي يسوع وحده والمرأة في وسط الحلقة، فانتصب يسوع وقال لها: أين هم أيتها المرأة، ألم يحكم عليك أحد؟ فقالت: لا يا رب، فقال لها يسوع، وأنا لا أحكم عليك، اذهبي ولا تعودي بعد الآن، إلى الخطيئة"(24).
وعلى الرغم من أن البعض من الباحثين والمفسرين اعتبر أن السيد المسيح لم يبطل شريعة رجم الزانية، إنما اشترط أن يؤديها (من كان بلا خطيئة) وهو شرط لم يمنع الكنيسة من تنفيذ عقوبة الموت في المشتبه فيهم إلى وقت قريب نسبياً(25)، إلا أن الموقف، في حد ذاته، يحمل أكثر من معنى وأكثر من مغزى، عن عدالة السيد المسيح إزاء المرأة، فضلاً عن جرأته، التي لا يمكن قياس حدودها من دون النظر إلى ما كان سائداً من ظروف اجتماعية ـ دينية كانت تعتبر اضطهاد المرأة من سننها وشرائعها.
باستثناء هذا الجانب المتعلق بالمرأة في حياة السيد المسيح، ومواقفه منها التي تسجلها بأمانة، الأناجيل الأربعة، سنجد أن موقف الديانة المسيحية، من المرأة، وكما هو منصوص عليه في أعمال الرسل، ومنها رسائل بولس على وجه الخصوص، يختلف كلياً، بل ويكاد لا يتمايز إلا ببعض التحويرات والإيجابيات، عن الديانة اليهودية، وعن التوراة بالذات "حيث يؤمن المسيحيون به ككتاب مقدس"(26). فكما في اليهودية، يُحَمّل بولس المرأة مسؤولية الخطيئة الأولى ويستخدم ذلك لإلزام النساء بإطاعة الرجال فيقول في هذا الصدد: "على المرأة أن تتلقى التعليم وهي صامتة بكل خضوع. لا أجيز للمرأة أن تُعلم أو تتسلط على الرجل، بل تحافظ على السكوت، فإن آدم جُبل أولاً وبعده حواء، ولم يغو آدم، بل المرأة هي التي أغويت فوقعت في المعصية"(27).
ويأمر بولس، المرأة، في أكثر من موضع من رسائله، بالطاعة العمياء للرجل لأنه "رأس المرأة كما إن المسيح رأس الكنيسة"(28) ولأن "المرأة خلقت لأجل الرجل وليس العكس"(29). كما أوجب بولس على المرأة حجاب الرأس وقال في هذا الشأن: "المرأة إن كانت لا تتغطى فيقص شعرها"(30)، وأمرها بملازمة المنزل ومنعها من الكلام في الكنيسة قائلاً: "لتصمت نساؤكم في الكنائس، لأنه ليس مأذونا لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضا، ولكن إن أردن أن يتعلمن شيئاً، فليسألن رجالهن في البيت، لأنه قبيح بالنساء أن يتكلمن في كنيسة"(31).
إذن تلك هي صورة المرأة في الديانة المسيحية، أو على وجه الدقة في رسائل بولس. وعلى الرغم من أن هناك من يجادل حول صحة ومشروعية الفصل بين الكتب المسيحية المقدسة، ويرى في ذلك فصلاً تعسفياً، كما يرى أن رسائل بولس كانت لها ظروفها التاريخية الاجتماعية(32)، إلا أن تاريخ أوربا المسيحية يقدم لنا صورة في غاية السوء على صعيد الموقف من حقوق المرأة ومكانتها، وهو ما يؤكد أن المجتمع المسيحي، وبالتحديد بعد تحول المسيحية من إيمان بشخص يسوع المسيح إلى ديانة رسمية في مجتمع ذكوري بالكامل، كان يعتمد في موقفه من المرأة على تشريعات ووصايا بولس، صارفاً النظر عن كل ما جاء به يسوع المسيح على هذا الصعيد. ففي مقابل تأكيد المسيح على النقاء الإنساني والطهارة الداخلية، نجد القديس اغسطينوس (354 ـ 430 م) يقول "إذا منعت العاهرات والمواخير، اضطربت الدنيا من شدة الشبق"(33) ونجد قديسا آخر، جاء بعده بثمانية قرون، هو توما الاكويني، يوافقه على ذلك. وفي العصور الوسطى كان القانون السكسوني يجيز للزوج قتل زوجته الزانية في وقت كان فيه الزنا(34) منتشراً. وفي بريطانيا ظل من حق الأزواج بيع زوجاتهم حتى القرن الحادي عشر الميلادي. بل إن المحاكم الكنسية، في ذلك القرن أباحت للزوج أن يعير زوجته لغيره، كما كان من حق النبلاء أن يستمتعوا بالزوجة التي يتزوجها فلاحهم، في الليلة الأولى، قبل دخول زوجها عليها، وكانت الكنيسة المسيحية تقر هذا الوضع الشائن، ولم تمنعه إلا في سنة 1486م حين أصدر الملك فردناند الكاثوليكي مرسوماً منع فيه ذلك(35). 
 
 
بين الوأد والولادة
المرأة في الجاهلية
 
لا يتميز مجتمع الجاهلية بأي اعتبار إيجابي، على صعيد الموقف من المرأة، عن المجتمعات التي سبقته أو عاصرته، سواء في الجزيرة العربية أم في عموم آسيا وأوربا(36). بل يمكن القول إن الجاهلية، وإن كانت تُعد امتداداً طبيعياً لتلك المجتمعات بأديانها ومعتقداتها وأعرافها الاجتماعية، إلا أنها زادت على تلك المجتمعات بأعراف قاسية في شأن المرأة، كالوأد مثلاً، وبتقاليد تعود في جذورها إلى المشاعية الأمومية، كنكاح الرهط والمقت وسواهما(37). لذلك ففي الجاهلية، كما في المجتمعات الأخرى، ظلت مكانة المرأة متدنية في الحضيض من ناحية شخصيتها كإنسانة وحقوقها كبشر وحريتها كمخلوق. وإذا كان هناك من مكسب ما للمرأة في هذه الحقبة التاريخية، فهو يبرز في ذلك الهامش من الحرية، الذي كانت تتمتع به (38)، لكن هذا الهامش لم يكن، بأي حال من الأحوال، نتاجاً لوعي متميز من جانب المجتمع، بل كان، هو الآخر، من بقايا المشاعية، فضلاً عن أنه يتمثل حصراً في الحياة الخاصة للمرأة، ولا يمتد أبعد من علاقاتها الأسرية والجنسية، وعدا ذلك كان كل شيء يتعلق بحياة المرأة وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية، رهناً بإرادة الرجل وأهوائه وحاجاته الذكورية ومصالحه.
وإذا كان هناك من مثل ساطع على الكيفية الدونية التي كان ينظر بها المجتمع الجاهلي إلى المرأة، فهو ذاك المتعلق بأعمال الوأد. وبصرف النظر عن التفسيرات الكثيرة لدوافع ومبررات وأد البنات، وكونه كان مقتصراً على بعض القبائل، فإنه سيظل من الأعمال الشائنة التي لا تبررها شرعة إنسانية ولا تقلل من بشاعتها أية تبريرات أو دوافع، اقتصادية كانت أم اجتماعية أم أخلاقية. وفيما لم تكن أعراف الجاهلية تمانع في الوأد، فهي لا تُعد، بطبيعة الحال، من يقتل ابنته قاتلاً. ولم يكن للأمهات حتى حق الاعتراض على قتل بناتهن. بل إن بعض الأمهات كن يقمن أنفسهّن بهذا الفعل بحضور شهود، وكان هذا القتل يجري بذريعة الخوف من الفضيحة التي قد تلحقها الفتاة بأهلها إذا ما تعرضت للسبي أو ما شابه، بالإضافة إلى دافع الخوف من (الإملاق) في ظروف اقتصادية غير مضمونة. والى الوأد، كانت المرأة مسلوبة الحقوق تماماً، فعلى الرغم من أن الزواج في الجاهلية كان يتم، عرفاً، برضى الطرفين، وكان ينوب عن المرأة ولي أمرها، إلا أن الشائع والمتبع، كما أكدت العديد من المراجع التاريخية، هو إجبار المرأة على الزواج من قبل الأب أو الأخ. ومع أن الجاهلية، عرفاً أيضا، كانت تحّرم زواج المحارم، بيد أن السائد من التقاليد كان يسمح بالجمع بين أختين، أو أن يخلف الرجل على امرأة أبيه وفق ما يسمى بزواج (الضيزن). وفي ما يخص أنواع الزواج في الجاهلية، وهي عموماً تنتقص من مكانة المرأة ومن حقها في الاختيار أو الانسجام، تذكر لنا المراجع والمصادر التاريخية أنواعاً عدة، منها تزويج الفتيات بأعمار صغيرة، أي دون بلوغهن، ويسمى هذا الزواج بالاهتجان. وفيما كان الزواج الضرائري شائعاً وغير خاضع لحد أعلى من الزوجات، لكن النساء، كما أسلفنا، كن يتزوجن أكثر من رجل واحد وفق ما يسمى بزواج أو نكاح الرهط. وهناك أيضا نكاح المقت ونكاح العُمرة وهو انتقال الزوج إلى بيت الزوجة ويمكن اعتباره من بقايا الزواج الأمومي والعائلة الأمومية، وفي مقابله هناك زواج التفشّل، وقد عانت المرأة من هذا الزواج بسبب مشكلة الغربة فهي فضلاً عن حنينها للأهل، كثيراً ما تتعرض لسوء المعاملة لكونها غريبة عن أهل الزوج (39). وهناك أيضا زواج الظعينة، وهو السبي، وكان الرجل يقتني ما يشاء من الإماء، ولم يكن العدل مطلوباً في التعامل معهن.
وفي شكل آخر من أشكال تعدد الأزواج اشتراك الأخوة في زوجة واحدة، يتصلون بها بالتناوب، وكان الأخ الذي يدخل عليها يترك عصاه على باب الخيمة، فإذا حضر أحد الأخوة ورأى العصا انصرف حتى يحين دوره باختفاء العصا من الباب. وبما يقرب من زواج الرهط عُرف زواج "صواحبات الرايات" وفيه يجتمع الرجال فيدخلون على المرأة بالتتالي، وقد نصبت راية حمراء فوق باب خيمتها، فلا تمتنع عمّن يأتي إليها، فإذا حملت إحداهن وولدت يجتمع إليها القوم ويلحقوا ولدها بالذي يرون أو بمن رغبت به(40). ويقايض الرجل الجاهلي عن زوجته لرجل آخر مقابل تنازل الأخير له عن زوجته، وهو ما يسمى بنكاح الاستبضاع. وهناك نوع آخر غريب من الزواج يسمى بنكاح البدل، ويرسل فيه الرجل امرأته، إذا طهرت من طمثها، إلى رجل آخر مميز بصفاته مثل الشجاعة أو المنزلة أو الذكاء، لتحمل منه رغبة في نجابة الولد (41).
وكما في تعدد أشكال الزواج تعددت حالات الطلاق المجحف وأشكاله. ولكل شكل قواعده وأعرافه التي تصب في مجرى واحد هو إجحاف المرأة. ففي طلاق الظهار مثلاً يشبّه الرجل زوجته بإحدى محارمه، فيقول لامرأته أنتِ عليّ كظهر أمي، وما شابه ذلك من عبارات تحرم فيها المرأة على زوجها بمجرد التفوه بذلك. والى هذا التنوع الغريب في الزواج والطلاق، كانت المرأة محرومة من نصيبها في الإرث، الذي يوزع حسب مشيئة الأب على الأبناء، بل حتى إذا مات الأب عن بنات، ولم يكن له وريث من الذكور، ذهب ميراثه إلى من يبادر للاستيلاء عليه من الأخوة والأعمام وأبناء العم(42). وعموماً كانت الجنسوية تحكم علاقة الرجل بالمرأة، فكان التحيز ضد الأنثى العاجزة عن فرض المساواة مع نمو النظام الأبوي الذكوري وتراجع سلطتها الأمومية، هو السائد وقد تعقدت كراهية الأنثى بتأثير حالة الغزو السائدة في المجتمع الجاهلي، وظهرت بنتيجة ذلك عادة الوأد، إذ كان من المعتاد أن تؤسر المرأة، صغيرة كانت أم كبيرة، لتصبح في حكم الجارية لآسرها وفي المقابل كانت المرأة عرضة للقتل جراء عادة "غسل العار". كما كان من المعتاد أن يطلّق الرجل زوجته إذا ما شك في عذريتها، حيث من مظاهر عقدة المرأة عند الجاهلية مسألة البكارة(43). ومن القيود التي خضعت لها المرأة الجاهلية قيد العدة التي تُلزم بها المطلقة ومن ترملت للتو. وكان الجاهليون يمددون عدة المترملة إلى سنة تلزم فيها المرأة باجتناب الزينة وتلبس الثياب الخشنة وتلزم بيتها "وهذا نوع من العقوبة يمكن أن نتلمس فيه بقايا مجتمع قديم لم يعرفه العرب إلا أنه قد يكون مستبطن في نزعة كامنة مشتركة في الذكورة، حيث تُحمّل فيه المرأة المترملة قدراً من المسؤولية عن وفاة الزوج(44).
وعموماً أجحفت المرأة في الجاهلية إلى حد مشين، فكان الرجل ينظر إلى رأيها سطحياً ناقصاً، ومن الحمق الأخذ به(45)، ولذلك تكنت عنده بأوصاف مرذولة مثل: العتبة والنعل والدمية والغل والقيد والقوصرة والعنغص والشاة والنعجة(46). كما كانت بالنسبة له بذيئة اللسان، نمامة كذوبة، سبابة مثوبة، عابسة قطوبة، إن ائتمنها زوجها خانته وإن لان لها هانته وإن أرضاها أغضبته وإن أطاعها غصته، ماكرة تمتلىء بالحقد والضغينة"(47) إلى آخر ما هنالك من الصفات الشائنة والناشئة عن نظام الذكورة والمعبرة عن حدة الاضطهاد والحرمان، حيث الرجل سيد للأسرة، بعل للمرأة، منح نفسه حقوقاً لا تعطى للنساء(48).
 
 
المرأة في الإسلام
 
رأينا في الصفحات السالفة، كيف أن المرأة عانت طوال قرون، قبل مجيء الإسلام، من ظلم التقاليد ومن ظلمة الأعراف ومن صرامة الأديان وقسوة الذكورة، حتى مُسخت شخصيتها إلى ما هو دون أدنى المخلوقات وأكثرها نحساً ونبذاً. وإذا كانت ظاهرة اضطهاد المرأة في الأديان استندت، شرعاً، إلى اتهام التوراة لها بإغواء آدم ودفعه للأكل من الثمرة المحرمة، فترتب على ذلك نبذها وحرمانها من حق المشاركة في مسائل الدين والتشريع وحتى العبادة، فهي استندت، في شرعة نظام الأبوة والرجولة، إلى أنانية الذكورة وجنسويتها، التي لم ترَ فيها غير أداة للإنجاب والمتعة الجسدية العابرة، فترتب على ذلك أيضاً تجريدها من حقوقها الإنسانية والاجتماعية. أما في شرعة المجتمع ومؤسساته، فقد استندت الظاهرة إلى مصالح الطبقات النافذة والمتسيدة، التي حولت المرأة إلى سلعة للإغواء والتخادم والتبادل، كما للبيع والشراء، فحرمتها بذلك، من حقها في إنماء وعيها وتكوين شخصيتها المستقلة كفرد من أفراد المجتمع(49).
تحت وطأة هذا الثالوث الصارم والقاسي، عاشت المرأة بلا رحمة في مجتمعات الجزيرة العربية وعموم آسيا، وفي مختلف البقاع الأخرى، أي حيث كانت الديانات الأولى وأنظمة الأبوة وذكورية الرجل قائمة وسائدة في المجتمع. لكن المرأة ومنذ الإرهاصات الأولى للقرن السادس، كانت على موعد مع للانعتاق من ربقة المظالم والاضطهاد والدونية، وكان ذلك الموعد هو فجر الإسلام بالذات، إذ لم يشهد التاريخ قبل ذلك، تغيراً مثيراً في وضع المرأة، كما شهدته تلك الحقبة من تاريخ المنطقة، والتي أعاد فيها الرسول محمد (ص)، لا صياغة العبادات والأخلاقيات وأعراف الحياة العامة في مجتمعه فقط، بل كذلك العلاقات الإنسانية الخاصة وحقوق وواجبات الأفراد تجاه بعضهم البعض. وكان من أبرز تلك الجوانب، التي خضعت لإعادة صياغة أساسية وعميقة ومتقدمة، علاقة الرجل بالمرأة، والموقف من حقوقها وواجباتها وحرياتها الإنسانية الأساسية. وباختصار إذا كانت الثورة كمفهوم معاصر، تعني انقلاباً جذرياً شاملاً وسريعاً، فقد كان الموقف من المرأة الذي جاء به الإسلام، ثورة بمعنى من  المعاني.
 
المنطلقات الأولى
     
أول المنطلقات التي جاء بها الأسلام، والتي وضعت الأساس لتخليص ذمة المرأة من براثن الأسطورة اليهودية، التي حمّلتها إثم الإغواء، كان ذلك التكليف الإلهي، الذي خوطب به الرجل والمرأة معاً، في قصة الخلق القرآنية، إذ بعد أن أسكن الله الزوجين الجنة قال لهما: "وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" (50) وهذه القصة لا تختلف عن قصة التوراة بمجرد مخاطبتها الرجل والمرأة على قدم المساواة، بل هي تنقضها من الأساس، لأنها تبرىء المرأة من مسؤولية إغواء آدم:  " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً"(51). وتنسب له العصيان: "عصى آدم ربه فغوى"(52). ولأنها لا تجعل من المرأة سبباً للغواية، فهي لا تفرض عليها الآلام ولا سيادة الرجل، كما فرضتها التوراة كعقوبة(53).
وانطلاقاً من قصة الخلق، التي يعيد الإسلام صياغتها على نحو لا لبس فيه، في ما يتعلق بإعادة الاعتبار لإنسانية المرأة، يبدأ بتأكيد تلك المسؤولية الإنسانية لها حيث "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيه حياة طيبة..."(54)
كما يؤكد أن الرجل والمرأة من أصل واحد "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء"(55)، ولذلك فالمرأة، في هذا القياس، كالرجل، مكلفة ومخاطبة مثله بأمر الله ونهيه، ومثابة ومعاقبة كما يثاب ويعاقب: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"(56) ومن هنا جاء تحريم الإسلام لكل أشكال اضطهاد المرأة التي كانت سائدة قبله، وفي مقدمة ذلك الوأد، ذلك العرف المشين في حياة المجتمع العربي الجاهلي، "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيراً"(57) ولم يكتف الإسلام بالقضاء على هذه العادة الشنيعة فقط، بل راح يؤنب من يكره ولادة الأنثى "وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون"(58) وفي موضع آخر يعتبر القرآن الكريم ولادة البنت هبة من الله ويقدمها على الولد "يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور"(59). ثم يحّرم الإسلام عادة كريهة أخرى هي توريث النساء كالمتاع "يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن"(60). وينهى عن التضييق على حرية اختيارها "فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف"(61) و "إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف"(62) وكما يبدو جلياً من هذه الآيات أن القرآن يسند النكاح للمرأة بما يفهم منه إنها في ذلك ولية نفسها في عقد النكاح(63). بل إن تسامح الإسلام في هذا الشأن بلغ درجة أخرى، غير مسبوقة، إذ أباح للمرأة إذا رغبت الزواج ممن تشاء، ولو كان عبداً وهي حرة، لكنه لم يمنع ولي أمرها (الأب)، بطبيعة الحال، من التدخل في حال أساءت المرأة اختيار الزوج، على أساس أن زواج البنت ليس خاصاً بها وحدها، بل هو أمر مرتبط أيضاً بكيان الأسرة كلها. وإذا كان الإسلام قد حرر المرأة بذلك، من مظالم الجاهلية وقسوتها ومصادرتها لحريتها، فقد قرر لها أيضا مكانتها المناسبة وشخصيتها المستقلة، لا في طقوس العبادة فحسب، حيث يأمر الله نبيه "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك فبايعهن"(64) بل وفي مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والأسرية وعلى قدم المساواة مع الرجل. فقد منحها حقوقاً اقتصادية واجتماعية وسياسية فأعطاها الحق في أن ترث وفي الاحتفاظ بمهرها وفي مردود عملها، كما أعطاها الحق في الطلاق (الخلع) وفي قبول أو رفض المتقدم للزواج منها وجعل الزواج واجباً إنسانيا وسنة للمرأة كما للرجل، كما أعطاها حق الشكوى عند تقصير الزوج في واجباته الجنسية إزاءها. ومنح الإسلام المرأة حق المشاركة في العبادات الجماعية وفي رواية السنة وفي النشاطات الاجتماعية المختلفة وفي التعليم وفي العمل وفي تولي مختلف المناصب.(65)
ولهذا كله، لم يكن من قبيل المصادفة، أن يتسع دور المرأة في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية، خلال تلك الفترة، وأن تبرز شخصيات نسوية لتحتل مواقع متقدمة وبارزة في هذه الميادين وفي مختلف عصور الإسلام اللاحقة. وتكفي الإشارة هنا إلى المعجم الضخم الذي وضعه المؤرخ السوري عمر رضا كحالة بعنوان "أعلام النساء" وضمّنه ما وصل إليه استقصاؤه، من الشخصيات النسوية في العصر الإسلامي الأول وما بعده، وهو يقع في خمس مجلدات، وكذلك كتاب المؤرخ العراقي هادي العلوي "فصول عن المرأة" وكتاب محمود عبد الحميد "حقوق المرأة بين الإسلام والديانات الأخرى" وغيرها الكثير مما تعطي مراجعتها، فكرة واضحة عن دور المرأة المسلمة في حياة عصرها. وسنشير هنا، على سبيل المثال لا الحصر، إلى بعض هذه الشخصيات وما ارتبط بها من أحداث وموضوعات:
 
أعلام النساء في الإسلام
 
·  أم سليم، التي شاركت في غزوة حنين وهي حامل بإبنها عبد الله بن أبي طلحة، ومع ذلك ظلت بعد أن انفض المسلمون عن الرسول (ص)، فيبصرها ويقول: أم سليم فتقول نعم يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، اقتلْ هؤلاء الفرار كما تقتل الذين يقاتلونك فإنهم لذلك أهل.
·  أسماء بنت أبي بكر، التي عرضت نفسها للتهلكة وهي فتاة، إذ كانت تذهب إلى الرسول (ص) والى أبيها وهما في غار ثور، ساعية على قدميها تقدم لهما الطعام والشراب.
·       أم عيسى بنت إبراهيم الحربي، وهي عالمة تفتي في الفقه توفيت عام 328هـ.
·  ابنة الشيخ أبي الزاهد المكي، وكانت من العابدات الناسكات المقيمات بمكة، وكانت تقتات من كسب أبيها من عمل الخوص في كل سنة ثلاثين درهما يرسلها أبوها، فاتفق مرة أن أرسلها مع واحد من أصحابه فزاد عليها ذلك الرجل عشرين درهماً فلما اختبرتها قالت: هل وضعت في هذه الدراهم شيئاً من مالك، أصدقني بحق الذي حججت إليه؟ فقال: نعم عشرين درهما، فقالت ارجع بها لا حاجة لي فيها ولولا انك قصدت الخير لدعوت الله عليك، فقال خذي منها الثلاثين التي أرسل بها أبوك ودعي العشرين، فقالت: لا أنها اختلطت بمالك ولا ادري ما هو (تقصد لا أدري من أين كسبت هذا المال).
·  ستيته بنت القاضي أبي عبد الله المحاملي، أم عبد الواحد، قرأت القرآن وحفظت الفقه والفرائض والحساب والنحو وغير ذلك. وكانت من أعلم الناس في وقتها، بمذهب الشافعي وكانت تفتي به مع الشيخ أبي علي بن أبي هريرة.(376هـ).
·  خديجة بنت موسى الواعظة وتعرف ببنت البقّال وتكنى أم سلمة، كانت من الفاضلات وكتب عنها الخطيب البغدادي (مؤلف تاريخ بغداد).
·  كريمة بنت أحمد، قرأ عليها الخطيب صحيح البخاري في خمسة أيام (الغرض من القراءة ضبط نصوص الكتاب وشرحها).
·  المروزية، وكانت عالمة صالحة سمعت صحيح البخاري على الكشميهني وقرأ عليها الائمة كالخطيب وأبي مظفر السمعاني وغيرهما.
·  فاطمة بنت علي، وكانت تكتب على طريقة ابن البواب ويكتب الناس عليها، وبخطها كانت الهدنة من الديوان إلى ملك الروم. (480هـ).
·  فاطمة بنت الحسين بن فضلويه، وكانت واعظة لها ديوان تجتمع فيه الزاهدات، وقد سمع عليها ابن الجوزي مسند الشافعي وغيره.
·  الشيخة فاطمة بنت الشيخ ابراهيم، كانت لها سلطنة وإقدام وترجمة وكلام على طريقة الحريرية وغيرهم، (688هـ).
·  فاطمة بنت عباس أم زينب البغدادية، من أهل القاهرة كانت من العالمات الفاضلات تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر.
·  الزرقاء بنت عدي وبُكارة الهلالية وأم الخير بنت الحريش البارقية وعكرشة بنت الأطرش وسودة بنت عمارة بن الأسك والدرامية الحجونية، كان الخليفة علي بن أبي طالب(ع) استعان بهن في حرب صفين لإثارة حماس المقاتلين فكن يخطبن أو ينشدن الأشعار الحماسية عند احتدام القتال.
·       سكينة بنت الحسين كانت تستقبل الشعراء في بيتها، وتحضر مجالسهم.
·  في معركة اليرموك نظم خالد بن الوليد، النساء في صفوف وراء المقاتلين وسلحهن بالسيوف وأمرهن أن يقتلن أي هارب من المعركة، وكان أبو سفيان حاضراً في الموقع فخفف الأمر وقال لهن: "من رأيتنه هارباً فاضربنه بالحجارة والعصي حتى يرجع" وقامت النساء بما طلب منهن حسب توجيه أبي سفيان فاستعملن الحجارة والعصي لرد الهاربين الى الجبهة، كما شارك بعضهن في القتال بالسيوف التي سلحهن بها خالد وقتلن الكثير من جنود البيزنطيين المتقهقرين.
 
المنجز التاريخي في دائرة التشويه
 
هذه هي المرأة في الإسلام وهذا هو موقف الإسلام من المرأة، كما ورد في النصوص القرآنية المقدسة وفي السنة النبوية وفي وصايا ومواقف الرسول محمد (ص) نفسه، وهو، بلا جدال منجز تاريخي متقدم في قياسه إلى العصور التي سبقته أو عاصرته، سواء بشرائع أديانها الكتابية أو بأعرافها وتقاليدها الاجتماعية. لكن ماذا عن قياسه بما تلا الإسلام الأول، أو بالحاضر الذي نعيش؟
للإجابة عن هذا السؤال نقول جازمين لو أن مجتمعاً أو دولة أو نظاماً ما، قد وضع منجز الإسلام في شأن المرأة موضع التطبيق الصادق النزيه، وغير المشوه، وفي صيغة قوانين وأعراف محمية بقوة الدستور، لكان حرياً بالمجتمعات كافة أن تأخذ بنموذجه المتقدم، ولكانت المرأة قطعت أشواطاً بعيدة نحو تحررها الناجز. لكن هذا، وللأسف، مجرد حلم من أحلامنا الكثيرة المجهضة، فالإسلام، وليس موقفه من المرأة حسب، لم ينج من التشويه والنسخ والإساءة، لا من خارجه فقط، بل ومن داخله أيضا. ولهذا فمنذ نهاية العصر الراشدي حتى يومنا الحاضر، ظل موقف الإسلام من المرأة عرضة للتفسيرات المغلوطة تارة والتشويهات المقصودة تارة أخرى، ولأشكال مختلفة من التزوير والنقل غير الأمين، وحتى اختلاق الأحاديث، في أحيان أخرى كثيرة. وقد جرى كل هذا، ولا يزال يجري باسم الإسلام وباسم الرسول الكريم وباسم الدين، وهو براء منه قطعاً(66).
ففي مقابل النصوص المقدسة العديدة، الواضحة والصريحة، التي حفظت للمرأة إنسانيتها وكرامتها ووضعيتها في جوار الرجل، أطنب البعض من الفقهاء والمفسرين، وكذا من عامة الناس البسطاء، منذ قرون وحتى الساعة، عند قوامة الرجل على المرأة، الواردة في الآية (34 نساء)، فراحوا يفسرونها بكل ما أوتيت الأنانية الذكورية من بغض تاريخي للمرأة، غاضين النظر، لا عن السور والآيات الكثيرة الأخرى التي خاطبت المرأة والرجل على قدم المساواة وقررت لها حقوقها وشخصيتها الاعتبارية فقط، بل وكذلك عن ظروف نزول تلك الآية زمانياً ومكانياً، وعن أحكامها الشرعية وموجبات هذه الأحكام. ويكفي هنا أن نشير إلى واحد من تلك التفسيرات الشهيرة لنكتشف ما ذهبنا إليه:
 
قوامة اللحى والعمائم
 
يقول النسفي في تفسير الآية، إن تخصيص الرجل بالقيمومة على المرأة يعود إلى تفوقه عليها بـ"العقل والعزم والحزم والرأي والقوة والجهاد وكمال الصوم والصلاة والنبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة والشهادة في الحدود والقصاص وتضعيف الميراث وملك النكاح والطلاق، وإليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم"(67) وهكذا يدمج النسفي بهذه الأفضليات مظاهر القيمومة وأحكامها الشرعية، في مظاهر وأحكام الطبيعة المفترض أنها أصل القيمومة ومسوغها. بل هو يعتبر حتى العمائم من الأسباب الموجبة للقيمومة، دون أن يدرك طبيعة المفارقة الكامنة في مثل هذا التفسير، فإلى جانب أن بعض الميزات التي يوردها التفسير تدخل في طبيعة الخلقة، والنص القرآني صريح في مخاطبة الرجل والمرأة باعتبارهما من "نفس واحدة"، هناك ميزات داخلة في خلقة المرأة أيضاً وليس للرجل تفوق فيها، فالمرأة كما الرجل تمتلك العقل والعزم والحزم والرأي والقوة. وفي زمن الرسول خرجت للجهاد وشاركت فيه، كما أعطاها الإسلام حق الطلاق في حدود معروفة، مثلما أعطاها حق اختيار أو رفض الزوج المتقدم لها. أما المفارقة المثيرة فهي تلك المتمثلة بالعمائم واعتبارها سبباً موجباً للقيمومة، ذلك أنها وردت في تفاسير ترجع إلى القرن السابع، وكان المسلمون في هذا القرن قد أخذوا يتركون لبس العمائم في الكثير من الأقاليم الإسلامية، حيث ظهر العقال والكوفية عند عرب البادية والأرياف مع بدايات القرن السابع، بينما اكتفى مسلمو الأندلس، طوال تاريخهم، بلبس القلانس، وفي جنوب العراق كان من يلبس العمامة السوداء هن النساء وليس الرجال(68). وإذا رجعنا إلى الآية القرآنية الكريمة سنرى أنها تستطرد إلى حكم النشوز من حكم القيمومة، ويرجع الاستطراد إلى سبب النزول، كما أورده المفسرون. والمتفق عليه عندهم أنها نزلت لتقرير حكم في حادثة أو عدة حوادث شكت فيها النساء من ضرب الرجال لهن، وأن الرسول (ص) حكم أول الأمر بالقصاص، ثم عاد فتلا آية القيمومة، التي أباحت، ضمن حقوق الرجل، ضرب المرأة ومنعت العكس. والمفسرون والفقهاء متفقون على أنه ضرب غير مبرح بما يفيد معنى الضغط النفسي دون الجسدي(69)، ويعتمد الفقهاء في ذلك على قول الرسول (ص) في حجة الوداع "أما بعد أيها الناس فان لكم على نسائكم حقاً ولهن عليكم حقاً. لكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحداً تكرهونه وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرّح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً وإنكم إنما اخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" ويرى هؤلاء الفقهاء أن الإسلام إنما شرّع هذه العقوبات كتأديب يراد به إصلاح الأمر وليس استخدام القسوة ضد المرأة، إذ هناك من النساء من تكفيها النظرة التي لا تنم عن رضا وارتياح، وهناك امرأة تحتاج إلى الموعظة لأنه لا تكفيها النظرة، أما المرأة التي لا تنفع فيها الموعظة ومخاطبة العقل فتحتاج إلى أن يغمز منها جانب العاطفة فتهجر في المضاجع، فيما المرأة المتبلدة الحس والعقل، والتي تأتي بالفواحش فتحتاج إلى الإيلام أو التخويف بالضرب. أما الضرب نفسه، في حال الاضطرار، فهو ضرب أقرب ما يكون إلى الدعابة منه إلى ضرب الاحتقار والمهانة(70). على أن الأمر في المحصلة يرتبط بإتيان المرأة عملاً فاحشاً، أي خيانة زوجية بالتعبير المعاصر "أن لا يوطئن فراشكم أحداً تكرهونه" ففي هذه الحالة وحدها يؤذن للرجل بهجر زوجته ومعاقبتها، وعدا ذلك يرى البعض من الفقهاء أنه إذا كان المسلمون مأمورين باتخاذ الرسول (ص) أسوة وقدوة فإن سيرته تثبت أنه لم يستخدم الضرب ضد نسائه على الإطلاق، وأنه هجرهن شهراً، لكنه لم يعتد على إحداهن بالضرب ولو مرة واحدة. وإذا كان المسلم قد اتخذ الرسول (ص) أسوة حسنة فعليه أن تكون تصرفاته مع زوجته مثل تصرفات الرسول (ص) مع زوجاته، فالإسلام إذا ما أريد تجسيده في أرض الواقع فمن خلال الأقوال والأفعال والممارسات.
 
 
هل الأحكام سرمدية؟
 
بالإضافة إلى هذا كله، لا بد من الإشارة إلى أن هناك من الفقهاء ورجال الدين من اعتمد في تفسيره للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية على قاعدة التفريق بين المساند والقواعد وبين الثوابت والأصول، بهدف معرفة تاريخية النص وأسباب نزوله وظروف هذا النزول(71)، حيث يؤكد هؤلاء الفقهاء على أن الأحكام ليست سرمدية أو أبدية بالضرورة، وأن هناك الكثير من الأحكام التي تلحقها الوقتية والظرفية. ومن الأمثلة المعروفة على ظرفية الأحكام قول الرسول (ص) "لا إسلام لمن لا هجرة له"، وهو حديث استوجبته ضرورة وجود أكبر عدد ممكن من المسلمين في المدينة لرفع راية الدعوة. لكن بعدما كثر المسلمون في يثرب وأصبحت تضيق بالمهاجرين، تغيرت الأحوال وأصبحت الهجرة اختيارية لذلك فعندما سأل بني ثعلبة الرسول (ص) آنذاك عن قوله "لا إسلام لمن لا هجرة له" رد عليهم قائلاً: "حيثما كنتم واتقيتم فلا يضرُّ" أي إن شرط الهجرة للمسلم انتهى هنا مع انتهاء الحاجة إليها، وهو ما يؤكد وقتية الحكم وظرفية اشتراطه. وهناك مثال آخر، ففي أول الهجرة منع الرسول (ص) أصحابه من الإطلاع على الكتب اليهودية، وكان يخشى، آنذاك من الاختراق اليهودي ويريد تحصين أصحابه، لأن الدعوة الإسلامية كانت في بدايتها. لكن بعد ذلك، أي بعد أن تثبتت أركان الإسلام وامتد العمر بالصحابة، عاد وسمح لهم بدراسة التوراة. وهذا يعني أن منع الرسول (ص) للصحابة من قراءة التوراة، كان مرتبطاً بظرف تاريخي معين وبعد انتهاء هذا الظرف انتفت ضرورة الحكم. ويرى هؤلاء الفقهاء ورجال الدين أن هذا يشمل الكثير من النصوص والأحاديث النبوية مثل آية الحجاب. ويؤكدون، في هذا الشأن، أن النصوص التي جاءت بخصوص لباس المرأة المسلمة كانت لها أسباب عدة، لكن أساس هذه الأسباب كان التفريق بين الحرة والإماء لكي "..يعرفن فلا يؤذين". أما الآن وبعد أن منعت البشرية الرق منذ قرون عدة، فلم تعد هناك ضرورة للتفرقة في لباس المرأة. وفي السياق ذاته يرى هؤلاء الفقهاء أن الآية التي تبيح ضرب الزوجة، تدخل هي الأخرى في إطار تاريخية النص، وظرفيته، وأنها كانت ملائمة للمجتمع الذي ظهرت فيه باعتبار أن ضرب الزوجة كان أمراً عادياً في ذلك الوقت أما الآن بعد أربعة عشر قرناً، وبعد أن ترقت المجتمعات الاسلامية، فإن ضرب الزوجة أصبح أمراً معيباً ومشيناً.
والى ذلك من المفيد الإشارة أيضا إلى أن عبارة الضرب الواردة في الآية، كانت ولا تزال موضع جدل بين الباحثين، فهناك من يرى أن كلمة (اضربوهن) إذا كتبت من غير نقاط وبالخط المستمد من شكل الأبجدية الآرامية، التي يتشابه فيها حرف الضاد مع العين وحرف الراء مع الزاي، ستبدو مثل كلمة (اعزبوهن) وإن هذه الكلمة تلائم سياق النص القرآني على القياس، لأن العزب في اللغة هو هجران البيت والمرعى ومنه عزب الرجل عن أهله، أي غاب عنهم، والمعزبة كالعازبة، هي المرأة التي هجرها زوجها(72).
 
ويرى بعض آخر أن فعل ضربَ في اللسان العربي له أصل واحد ثم يستعار ويحمل عليه، وأول معنى محمول عليه هو الضرب في الأرض بغرض العمل والسفر كقوله تعالى "يا أيها  الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا"(73) أي إذا خرجتم في سبيل الله. وقوله "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت".(74) والمعنى التالي المحمول هو كقوله تعالى "وضربنا لكم الأمثال"(75) أي على مثال ما سواه، ومن هنا جاء ضرب المثل، ويقال "ضرب فلان على يد فلان" أي حجر عليه. ومنها جاء الإضراب عن العمل أو الإضراب عن الطعام وهو حجر النفس عن الطعام.
والخلاصة أن هؤلاء الباحثين يجمعون على أن عبارة اضربوهن الواردة في الآية ليست بمعنى الضرب المتعارف عليه، بل بمعنى الهجر، ذلك أن القرآن الكريم لا يبيح عقوبة الضرب أصلاً إلا في حدود الزنا البيّن، كما إن تفسير العبارة على النحو الذي يدعو الرجال لضرب النساء بسبب نشوزهن يخالف دعوة القرآن إلى معاملة المرأة بالمعروف حتى أثناء الطلاق، كما في قوله "الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"(76) وكذلك قوله "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف"(77).
 
 
الذكورية والإقصاء
 
ولأن الفقهاء اختلفوا في تحديد مظاهر القيمومة لعدم ورود نص قاطع يقننها، فقد اتجه الذكوريون المتعصبون منهم، إلى تقييد جميع تصرفات المرأة بإذن الزوج، حتى الذهاب إلى المسجد. واعتبروا طاعة الزوج حكماً سابقاً على طاعة الله، أي إن الثواب الذي تكسبه المرأة من حضور صلاة الجماعة أو أداؤها لفرض الجمعة، يصبح تالياً لالتزامها أمر الزوج بعدم الذهاب إلى المسجد (78). وهكذا ينسخ هؤلاء الفقهاء سنة الرسول (ص) سواء في مساواة المرأة بالرجل أو في حقوقها بالعبادة كالخروج إلى المسجد. وثمة حادثة بعد وفاة الرسول (ص) تبين لنا بوضوح مثل هذا النسخ، إذ يروى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (ص) لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل، فقال ابن لعبد الله بن عمر: لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دغلاً (خداعاً) فزبره (نهره) ابن عمر وقال: أقول قال "رسول الله(ص) وتقول لا ندعهن"(79).
وكما هو الحال مع آية القيمومة، لم يبرح بعض الفقهاء والمفسرين، من ذوي النزعة الذكورية، آية الحجاب، طوال هذه القرون المديدة، حتى جعلوا منها حداً فاصلاً بين المسلم وإسلامه وبين المسلمة ودينها الحنيف، فلم تعد لا العبادة ولا الأخلاق ولا الآداب ولا النسب أو الحسب، تشفع للمرأة إذا ما صدت عيناها بعيني رجل. ولم ينظر أولئك المفسرون والفقهاء لأي معنى لغوي أو فلسفي أو زمني لتلك العبارة غير ذلك المعنى الوحيد: إسدال الستار على وجه المرأة، ومن ثم على كامل هيئتها، بما يفيد، ضمنياً إسدال الستار نفسه على دورها الاجتماعي والسياسي، وإقصاؤها عن الحياة العامة كلياً. أي بما جعل مفهوم الحجاب كمفهوم الخطيئة في الأديان الأخرى، وهو الأمر الذي يعتبره البعض مخالفاً ومناقضاً لوصايا الرسول (ص) في شأن جوانب كثيرة تتعلق باحترام شخصية المرأة والوثوق بها، مثلما هو إفقار للآية الكريمة واختصار لمفهوم متعدد الأوجه والمعاني.
لقد فُرض الحجاب بآيتين هما (النور 31) و (الأحزاب 59) في الأولى أمر بستر الصدر يؤديه قوله تعالى "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" والجيب هو الزيق الذي ينكشف عن الصدر، والمقصود هنا هو إسدال الخمار، الذي يغطي الشعر، على الصدر حتى يغطيه. وفي الثانية أمر بحجاب إضافي يميز المرأة الحرة عن الإماء، وهو ما صرحت به الآية "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى ان يعرفن فلا يؤذين" ويتفق المفسرون على أن هذه الآية جاءت بعد حوادث تعرضت فيها النساء الحرائر لمضايقات الرجال في المدينة وكان هؤلاء يلاحقون الجواري (الإماء) لكن عدم اختلافهن في الزي عرّض الحرائر للتحرش مع الجواري، فجاءت الآية تأمرهن بحجاب إضافي يميزهن عن الإماء. وبين المفسرين خلاف حول معنى الجلباب إذ فسروه بالخمار أو الملحفة أو القناع أو الثوب الذي يستر البدن من أعلاه إلى أسفله، أو ثوب أوسع من  الخمار ودون الرداء(80)، على أن المفسرين والفقهاء أخذوا الآية على أنها أمر بستر الوجه كعلامة تميز الحرة عن الجارية، وبهذا التفسير تكون الآية (59ـ أحزاب) ناسخة للآية (31ـ النور). ومن متابعة أقوال المفسرين نراهم عند تفسير الآية الأولى يتحدثون عن كشف الوجه. وحين يتناولون الثانية يتحدثون عن ستره، لكن المتفق عليه عموماً، هو أن الآية الثانية قد أمرت بحجاب إضافي للحرائر لصيانتهن من الاعتداء. أي إن الحجاب، كما يستنتج من الآية، لم يفرض للتحرز من فتنة النساء للرجال، كما هو شائع في ديار الإسلام اليوم. فمصدر الفتنة آنذاك هو الجواري في المقام الأول، ولو أن الغرض كان درء الفتنة لكان الأمر بالتحجب عاماً، بل ولكان المتوقع أن تتشدد الآية في حجب الجواري وتتساهل مع الحرائر(81). هذا إلى جانب أن البعض من الباحثين يعتبر أن الآية موجهة أصلاً إلى الرسول (ص)، وتختص بزوجاته وليس بعامة النساء. والمهم أن الفقهاء، ومع أخذنا بتفسيرهم للآية (59ـ أحزاب) على أنها أمر بحجاب الوجه، لم يلتفتوا، أو لم يردوا الالتفات إلى حقيقة أن حكمها موقوت لكونه متوقفاً على وجود الجواري. كما لم يلتفتوا إلى حكم الآية (60ـ النور) فيما يخص القواعد من النساء(82)، ولذلك فقد عاشت المرأة المسلمة تحت الحجاب من صباها حتى شيخوختها. بل إن أمر الحجاب لم يعد يقتصر على ديار المسلمين ومؤسساتهم ومساجدهم وبيوتهم، إنما يكاد أن يصبح قضية كونية بعد أن راح البعض من الإسلاميين ينقلونها إلى دول وعواصم أوروبا ويتدخلون في شؤون هذه الدول لفرض إرادتهم عليها، كما يحصل الآن في فرنسا.
 
رخصة التعدد
 
إلى القيمومة والحجاب، ظل موضوع تعدد الزوجات، الوارد في سورة النساء "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" موضوع جدل ونقاش لم ينته (ولن ينتهي كما يبدو) بين التفسيرات السطحية، التي يراد منها جعل الآية تشريعاً لأساس الحياة الزوجية وتلبية للنزعات الذكورية والحاجات الغريزية للرجل، وبين من يعتبرها تقييداً لهذه النزعات والغرائز واستجابة لظروف وحاجات بيئية خاصة كانت سائدة عند نزول الآية. فالبعض من الفقهاء ورجال الدين، ممن أرادوا العودة بالمرأة إلى ظلمات الجاهلية، خلافاً لكل ما جاء به الإسلام من تشريعات ووصايا ترفع من مكانتها وتحترم كيانها الإنساني، وجدوا في تلك الآية ضالتهم فراحوا يفسرونها بما تنطوي عليه غاياتهم وأهواؤهم ونزعاتهم الذكورية، غاضين النظر حتى عما جاء في الآية نفسها من شروط وقيود ملزمة لأحكامها. ولأن النظرة إلى المرأة، بالنسبة لهم، لا تقوم على أساس مساواتها بالرجل في الإنسانية، بل تقوم على كونها جسداً يرضي نزعاته الجنسية فحسب، لذلك اعتبروا أن من حق الرجل أن يستبدل زوجة بثانية والثانية بثالثة والثالثة برابعة وفوق ذلك "وما ملكت إيمانكم". هكذا هي الآية الكريمة بالنسبة لهؤلاء، مجرد رخصة مفتوحة، ومادامت كذلك فالطلاق وتعدد الزوجات يصبحا أسهل وسيلتين لا ستعباد المرأة، لأن "إحساس الزوجة بأن زوجها يمكن أن يتزوج عليها، دون توقف على رضاها ودون أن يكون لها حق التفريق، يجعلها تحسن معاملة الزوج خشية أن يجرب حظه مع أخرى، إما إعطاء حق التفريق في يدها فهو سيف مسلط على الرجل يُخّل بقوامته عليها"(83). وعدا عن أن المرأة، كما يخبرنا النص السابق، لا تملك من الحقوق غير أن تكون متعة للرجل، لأن الله، كما يخبرنا نص مختلق آخر، قد "أقام تكوينها النفسي والجسمي على نحو يجعلها متعة للرجل  أكثر من أن يكون الرجل متعة لها"(84) فالرجل في هذه الحالة، ووفق المنطق ذاته قد "لا تدفعه النزعة الجنسية إلى أن يعاشر تلك المرأة نفسها، فإنه إن شاء يهجرها إلى الثانية، وهجر الثانية إلى الثالثة، ومضى هكذا ينثر بذره هنا وهناك"(85)، إذن فالمرأة هنا مجرد أداة للمتعة ولتفريغ الشهوة، بل هي "أول مراتب الشهوات التي وضعها الله زينة وابتلاء في طريق الناس"(86) ولهذا فقد خلقت الفطرة في المرأة "ميزة الجمال والصباحة وصفة الإمتاع والتسلية"(87). ولأنها كذلك فسيصبح استبدالها أو الزواج عليها من جملة الميزات المعطاة للرجل لتنويع متعته، ما دام الزواج هو أصلاً، بالنسبة لهؤلاء، مسألة مادية تخضع لقانون العرض والطلب، الرجل هو الطالب والمرأة هي المطلوبة، وهناك ثمن لهذه العملية، وعليه فالحرية في أمر النكاح للذكر وحده وله "أن ينكح ما طاب له، وله أيضا أن يتمتع بأمته"(88).
هذا هو جوهر الآية الكريمة بالنسبة لهؤلاء الفقهاء والمفسرين، فخلاصة الأمر هو تمكين الرجل من إشباع حاجاته الجنسية وإرضاء غرائزه، سواء تم ذلك على حساب كرامة المرأة أم على حساب حقوقها، لا فرق. إنها مجرد رخصة للتبضع في أسواق النخاسة. لكن حتى هذه الرخصة لا يجب أن تستخدم على هذا النحو، لو كان هؤلاء أخذوا بالاعتبار شيئاً مما أوصى به الرسول (ص) في شأن المرأة، أو لو أنهم فسروا الآية الكريمة تفسيراً صحيحاً خالياً من نزعات الذكورة وأنانيتها. فإذا كان تعدد الزوجات، كما يقول فقهاء ورجال دين آخرون، رخصة من الرخص التي لا بد منها في بعض الحالات، وقد أُسيء استعمالها، فليس ذلك خطأ التشريع وإنما هو خطأ من لم يفهم كلمة التشريع، فالمريض مثلاً أبيح له أن يفطر في شهر الصيام، فإذا لم يكن الإنسان مريضاً وأفطر استحق عقاب ربه، والقانون يبيح للمرء الدفاع عن النفس حتى لو أدى ذلك إلى قتل المعتدي، ولكن إذا أسيء استعمال هذه الرخصة فليس العيب في التشريع وإنما في الذي أساء استعمال هذه الرخصة. وبناء على هذه الفكرة البسيطة(89) يرى هؤلاء الفقهاء ورجال الدين أن الإسلام لم يبح ولم يفرض تعدد الزوجات، إنما أجاز ذلك وحدده بحد أعلى، بعد أن كان مباحاً وبلا حدود في الجاهلية، مثلما أباح الطلاق وهو أبغض الحلال. وهو لم يشرع التعدد كأصل من أصول الزواج، كما إنه لم يظهر في بيئة تمنع هذا التعدد فأباحه أو حض عليه، إنما بالعكس من ذلك نرى الإسلام، حتى في الآية نفسها، يحض على إفرادية الزوجة باعتباره المثل الأعلى للحياة الزوجية، لكنه لم يمنع التعدد إذا اقتضى الأمر ضرورة التعدد، وهذه الضرورة، كما يرى هؤلاء الفقهاء، تنحصر في ظروف معلومة مثل مرض الزوجة أو علتها في الإنجاب أو الخلاف معها وغير ذلك، مثلما كانت متجسدة في حاجة المجتمع للوقاية من شيوع الزنا والمخادنة وما قد يؤدي اليه ذلك من اللقطاء أو الأبناء غير الشرعيين. كذلك الحاجة لزيادة النسل وإكثار عدد المسلمين، حيث كان للنقص في أعدادهم أثر في وقف الفتوحات. والى ذلك فقد اشترطت الآية الكريمة التوفر على العدل في حالة تعدد الزوجات عندما قالت "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء" أي إنكم مادمتم تخشون في كفالة اليتيم عدم العدل، فيجب أيضا أن تخشوا عدم العدل في معاملة النساء اللاتي تتزوجوهن، ولهذا فلا تكثروا من النساء، مع تنبيه الآية بأن العدل أمر غير ممكن، حيث تقول "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"(90) وهذا معناه الحض على إفرادية الزوجة، حتى لا يتعرض العدل في المعاملة إلى التصدع فينقلب إلى جور، والخوف من عدم تحقق العدل في المعاملة الزوجية، يأتي هنا قبل قيام التعدد لا بعده. وإذا أخذنا بالاعتبار المبدأ الإسلامي الذي يقول (درء المفاسد مقدم على جلب المنافع) فسيكون التعدد شبه ممنوع، إلا للضرورة القصوى، وخاصة في عصرنا الراهن، الذي لم تعد فيه تكاليف الزواج مجرد خاتم من حديد، بل أصبح مكلفاً ومتطلباً لحاجات كثيرة متعددة.
إذن، وفي ضوء هذا كله، يمكن القول إن الإسلام لم يشرع التعدد في الزوجات، لمجرد إعطاء الرجل الحق في تنويع متعته الجنسية، ولا هو سبيل للإساءة للمرأة، إنما شرعه بقيود ولضرورات وظروف كانت قائمة أصلا" في المجتمع الإسلامي الأول كالحاجة إلى زيادة النسل والوقاية من آفات الزنا والدعارة، وجسر الهوة بين نسبة النساء للرجال، ومحاولة تهذيب وتوجيه الغرائز الشهوانية عند رجال ذلك العصر، ممن كان الواحد منهم يمتلك أكثر من عشر زوجات، في آن واحد، عدا عن الإماء، هذا فضلاً عن الضرورات الإنسانية الخاصة التي أشرنا إليها آنفاً، ومع هذا كله لم يغفل الإسلام عن وضع القيود والشروط لهذا الشكل من الزواج، فشدد على توفر العدل في التعدد، ونهى عنه في حال عدم الاستطاعة عليه قائلاً بوضوح وصراحة: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"(91). كما أعطى المرأة الحق في قبول أو رفض المتقدم للزواج منها، وهذا الحق يعني ضمناً أن بوسعها رفض الزواج من متزوج، بل وأعطاها كذلك حق الطلاق بصيغة الخلع، إذا ما كانت متزوجة وأجبرت على العيش مع ضرة.
وبالإضافة إلى هذا أهمل هؤلاء الفقهاء وصية مهمة للرسول (ص) بعدم الغلو في الدين، وكان يمكن لهم أن يخدموا مصالح تطور المجتمع نحو الأفضل (حسب قاعدة الاجتهاد في موضع النص) لو أنهم، بدلاً من فرض الحجاب على النساء ومنعهن من الخروج إلى المساجد، خلافاً لتعاليم الرسول (ص)، قد حكموا بتقليص عدد الزوجات، بعد أن كان الرسول (ص) نفسه قلصه من قبل إلى أربع(92).
 
 
تأويل ما لا يمكن تأويله
 
ولم يجد أولئك المفسرون والفقهاء، الذين رأينا في الصفحات السسالفة، كيف أنهم تركوا جانباً العديد من النصوص القرآنية المقدسة، التي تنصف المرأة وتنتصر لحقوقها، وأمسكوا بآيتي القيمومة والحجاب، لأن فيهما ما يمكن تأويله في مصلحة الأنانية الذكورية. نقول لم يجدوا باباً لمثل هذا المنحى في التأويل والتفسير، أوسع وأرحب من الأحاديث النبوية. فهي ليست نصوصاً مكتوبة في أي حال، ويمكن بالتالي، نسخها أو تحريفها أو حتى اختلاق الكثير مما يراد اختلاقه منها ومن هنا فبعد وفاة الرسول (ص) بسنوات، وبالتحديد مع نهاية العصر الراشدي، بدأ وضع المرأة يعود الى التقهقر جراء ذلك، وبعد أن صار بوسع من يريد الإساءة لها أو التقليل من قيمتها ومن مكانتها، أن يغترف ما يشاء من الأحاديث المحّرفة أو الموضوعة أو المنقولة نقلاً غير أمين، وهي إجمالاً تفي بالغرض، بل وتزيد، لمن يبحث عما يسوغ له، شرعاً، إعادة المرأة الى عصور الظلام والجاهلية والتسري والدونية، بعد أن حررها الاسلام من هذه المظالم والآفات. وكانت البداية مع ذلك الحديث الشهير، الذي تذكره الصحابي أبو بكرة بعد ربع قرن من وفاة الرسول(ص) وبالتحديد أثناء معركة الجمل، والذي يقول "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". ومع أن هذا الحديث وارد بين الأحاديث الصحيحة، التي اعتمدها البخاري(93)، إلا أنه ظل موضع حدل لأسباب كثيرة نشير هنا الى بعضها:
أولاً: حسب قول الصحابي أبو بكرة فإن الرسول (ص) كان قد نطق بهذا الحديث عندما علم أن الفرس قد اختاروا امرأة لتحكمهم: "عندما مات كسرى رئيس الدولة الفارسية سأل  النبي (ص) الذي اهتم بالنبأ: ومن شغل مكانه في القيادة؟ فأجيب: لقد أناطوا السلطة بابنته"(94) وفي هذه اللحظة أبدى الرسول، حسب أبي بكرة، ملاحظته هذه حول النساء.
ثانياً: يسأل بعض الباحثين هنا لماذا لم يتذكر غير أبي بكرة هذا الحديث؟ ولماذا تذكره أبو بكرة بعد ربع قرن من وفاة الرسول (ص)، وبالذات أثناء الفترة التي استرد فيها الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (ع)، البصرة، بعد أن غلب عليها السيدة عائشة في موقعة الجمل(95).
ثالثاً: يعترف الإمام أحمد بن حنبل، الذي كان قد شرع بإعداد سير شخصية للصحابة وأنسابهم، بأنه "مر سريعاً بوضع أبي بكرة دون الدخول في تفاصيل نسبه، لأنه نُصح بأن لا يتعمق كثيراً"(96)، لأن أبوّة أبي بكرة لم تكن واضحة أبداً بسبب من أنه كان من عبيد المدينة فحرره الرسول (ص) مع من حرر اثناء حصاره لها، فأعتنق الاسلام(97).
رابعاً: تؤكد إحدى سير أبي بكرة الشخصية، أنه كان قد أدين على شهادة كاذبة ادلى بها، وإن الخليفة عمر بن الخطاب جلده بسبب ذلك(98). والواقعة هي اتهام شخصية مشهورة هو المغيرة بن شعبة بجرم الزنا، وكان أبو بكرة أحد الشهود الأربعة، إلا أن التحقيق الذي أجراه عمر، أثبت أن أحد هؤلاء الشهود لم يكن متأكداً من رؤيته لفعل الزنى، فكان ذلك سبباً في تعريض الشهود الآخرين لعقوبة القذف.
تلك كانت حال أبي بكرة وإذا أخذنا بمبادىء وقواعد مالك بن أنس والشافعي وأبي حنيفة، حول رواة الحديث، وما يجب أن تتوفر فيهم من مزايا، فإن أبا بكرة يجب إبعاده كمصدر للحديث. ثم إن الحديث ذاته، وكما أسلفنا، كان عرضة للجدل، ولم يتفق الفقهاء حول الأهمية المعطاة له. وكان الطبري، على سبيل المثال، واحداً من الذين اتخذوا موقفاً مضاداً له، ولم يجد فيه قاعدة فكرية كافية لمنع النساء من سلطتهن في التقرير، أو لتبرير استبعادهن عن السياسة(99).
وثمة حدث آخر وحادثة أخرى هما مثار جدل وتساؤل يتعلقان بأبي هريرة، وهو أحد اكثر المحدثين غزارة، حيث يروى أنه قال، بعد وفاة الرسول (ص): قال رسول الله (ص) "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب". وعندما سمعت السيدة عائشة بذلك، بعثت على أبي هريرة وعنفته قائلة: "شبهتمونا بالحمير والكلاب"؟ ثم مصححة بالقول: "والله لقد رايت رسول الله يصلي وأنا على السرير بينه وبين القبلة، مضطجعة، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله، فأنسل من عند رجليه"(100).
وعدا ذلك بوسعنا هنا أن نسوّد عشرات الصفحات بتلك الأحاديث التي تضج بها كتب بعض الفقهاء والمفسرين، وهي في الغالب إما منسوبة الى الرسول (ص) أو للخلفاء الراشدين أو لسواهم من الصحابة، وهو ما يضطرنا هنا، قبل أن نمضي لا ستكمال بحثنا، أن نتوقف عند مشكلة الحديث وما اعترى نقله وتدوينه من هنات واختلافات كانت استوجبت من علماء الاسلام الأوائل وضع قواعد ومبادىء للتحقق من الأحاديث المنقولة وصحتها ومن موثوقية الرواة والشروط التي يجب أن تتوفر فيهم.
فمن المعلوم أن اهتمام العرب بالتأرخة بدأ مع الإسلام، وكان أول تأريخ كتبوه هو السيرة النبوية، ثم الحديث النبوي. وكان أول الرواة في هذا المجال، هم الصحابة ومن ثم تلامذتهم، وبعد ذلك ظهر المؤرخون، في بدايات القرن الثاني، ليدونوا ما سمعوه من الرواة الأوائل. ومن بين أقدم وأهم هؤلاء المؤرخين، كان أبو مخنف لوط بن يحيى (157هـ) الذي كتب عدداً كبيراً من التواريخ المبكرة، التي أصبحت، فيما بعد،  من المصادر الأساسية للمؤرخين اللاحقين كالطبري واليعقوبي وسواهما(101 )، ويعد وجود هذه المصادر عنصر توثيق مهم لما وصلنا من كتب التاريخ، لأنها أخذت من تلك الينابيع الأولى، إلا أن الأمر كان قد تغير بعد وفاة جيل أو مخنف، ومن قبله تلامذة الصحابة. ومع بداية اتساع رقعة الدولة الإسلامية، حيث لم يعد بوسع المؤرخ معايشة الأحداث أو سماعها من رواتها الأساسيين، ومع تركز النشاط الفكري والثقافي، حيث أصبح للمؤرخ مقر عمل محدد في حاضرة معينة، فإن تجربة أبي مخنف لم تعد تتكرر هنا، إذ قد تمر حقبة كاملة ولا يظهر لها مؤرخ، فيسجلها مؤرخ آخر يأتي في حقبة لاحقة، فيكون المصدر الأساسي هم الرواة. ولأن الرواية كانت في بدايتها شفاهية فهي لذلك، تعتمد على موهبة الحفظ وقوة الذاكرة، إذ لا يستطيع كل من شهد الحدث أن يكون راوية له. ونظراً لتأخر كتابة التاريخ عن زمان وقوع الحدث، لذلك غالباً ما يقع الخطأ في الرواية، سواء من جهة ما يتعرض له الراوي من النسيان والخلط أم من جهة تسلسل الرواة، حيث تتلاعب ذاكرة كل راوية بصيغة الحدث فتبعده قليلاً أو كثيراً عن أصله. وإذا أخذنا بالاعتبار هنا العوامل السياسية والمصلحية، التي تلقي بظلها على صدقية الرواة وموثوقية ما يروونه من أحاديث، حيث كان أصحاب المصالح، سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية، يبحثون دوماً، في النص المقدس أو بواسطته، عن غطاء شرعي يضفونه على الأحداث التاريخية، وبما يخدم مصالحهم ومواقعهم، فسيتبين لنا، مما سلف، ما تعرض له الحديث والسنة النبوية الشريفة عموماً، من تشويه وتزييف ونقل غير أمين، الأمر الذي خلق تعارضات وتناقضات شتى بين رغبة رجال السياسة والمصالح في التلاعب بالنص المقدس، وبين إرادة العلماء الثقاة في الوقوف بوجه هذه الرغبة، وهو ما استوجب وضع الفقه ومفاهيمه وطرق بحثه في دائرة التحقق والتقصي العلمي، في غير مرحلة من مراحل التاريخ، وهذا بالضبط ما جرى مع ظهور فن الجرح والتعديل، وهو من أهم فنون التوثيق التاريخي، لأنه يدرس لا فقط شخصية الراوي وسيرته بكل تفاصيلها المتوفرة، بل ومعرفة ما قد تتعرض له ذاكرته من خلل ناتج عن مرض أو شيخوخة (102) لذلك فقد توصل خبراء الجرح والتعديل إلى نتائج مهمة وباهرة في معرفة أشخاص الرواة وسيرتهم، وعلى أساس ذلك صنفوا الأحاديث إلى متواتر، وصحيح، وحسن، وضعيف، وموضوع، تبعاً للثقة بسيرة الراوي، واستطاعوا كشف مجموعة كبيرة من الأحاديث الموضوعة لضعف السند. وفي هذا الشأن يمكن الإشارة إلى تجربة البخاري، الذي تصدى لهذه المهمة وخرج منها باستنتاجات خطيرة. فقد تمكن البخاري من مقابلة (1080) شخصاً وجمع ستمائة ألف حديث نبوي لغرض التثبت منها عبر "معالجة الروايات إلى أقصى حد، وجمع الأقوال المكررة، كي لا يهمل أية وجهة نظر، وبخاصة الشك والشهود والرواة (...) وعندما بلغ علم البخاري أشده بدأ يمّيز الأحاديث الصحيحة من غيرها" فكانت النتيجة التي توصل إليها هي الإبقاء على (7275) حديثاً فقط كأحاديث صحيحة. وبحذف المكررات من بينها تصبح أربعة آلاف حديث فقط (103). والسؤال المباشر، الذي تثيره هذه التجربة الفريدة، هو إذا كان حتى زمن البخاري، أي أقل من مائتي سنة على وفاة الرسول الكريم (ص) قد وجد متداولاً (596) ألفاً و (725) حديثاً غير صحيح، أي كاذب أو محرّف أو منقول نقلاً غير أمين، فهل يمكن تخيل ما هو عليه الأمر في أيامنا هذه؟ وكم سنحتاج من خبراء الجرح والتعديل من أمثال البخاري لتصفية ما تراكم بالأطنان من تلك الأحاديث المزورة والموضوعة والكاذبة؟
 
واقع حال؟
هذا هو الحال الذي وجدنا أنفسنا فيه بعد أربعة عشر قرناً، إذ يمكن أن نسوّد مئات وآلاف الصفحات بتلك الأحاديث التي تضج بها كتب بعض الفقهاء والمفسرين، ممن كانوا مستعدين لوضع أنفسهم تحت إمرة رجال الحكم والسياسية، الذين كانوا يسعون إلى دفع المؤتمنين على العلوم الدينية، لاختلاق الأحاديث التي تساعدهم في إدامة سلطانهم وإضفاء الشرعية على ما يأتون به من أفعال وممارسات وتصرفات مخالفة للنص المقدس وللسنة النبوية، لكننا سنقتصر هنا على الأحاديث ذات الصلة بموضوع المرأة وسنبدأ بأول حديث كاذب وهو القائل " دفن البنات من المكرمات" فهذا الحديث، المنسوب زوراً إلى الرسول الكريم (ص) لا يحتاج، بطبيعة الحال، إلى خبير بالجرح والتعديل لكي يكتشف حقيقته، لكنه يثير سؤالاً مهماً، لا عن الدوافع التي تكمن وراء وضعه فقط، بل عن تلك الجرأة المتناهية في وضع حديث يناقض أول وأهم إجراء نص عليه القرآن الكريم في ما يتعلق بعادة الوأد الجاهلية المشينة، حيث أوصى المسلمين " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا" (104). ولاشك أن مثل هذه الجرأة ستحيلنا حتماً إلى ضرورة التبصر في حقيقة أن دوافع الكذب والتزييف والتزوير إنما تتعدى أحياناً حدود المنطق أو الحاجة إلى المال أو التزلف للحاكم، ذلك أن تقويل الرسول (ص) حديثاً كاذباً بهذه الصورة المكشوفة إنما يدل دلالة أكيدة على أن أمثال واضع مثل هذا الحديث، يتميزون بصلافة غريبة من شأنها أن تجعلهم لا يتوانون عن الإتيان بالأراجيف والهرطقات من كل شكل ولون. وهؤلاء هم أنفسهم الذين قال عنهم الإمام مالك بن أنس، في قواعده الشهيرة، لتمييز الصحيح عن غيره من الأحاديث، " لا يمكن تلقي العلم من سفيه ولا ممن تتحكم بهم الأهواء ولا ممن يمكنهم إدخال البدع ولا من كذاب يروي أي شيء للناس(...) وأخيراً لا يسوغ تلقي العلم من شيخ حتى ولو كان تقياً محترماً، إذا لم يكن متقناً للعلم المفترض أنه ينقله" (105).  بل إن الإمام مالك ينصح بأن يتخذ السلوك الشخصي في الحياة اليومية كمعيار للتأكد من صحة مصدر الحديث فيقول: " استبعدت أشخاصاً كرواة للحديث، ليس لأنهم كذبوا، بصفتهم رجال علم، في روايتهم لأحاديث كاذبة لم يقلها النبي (ص) وإنما بكل بساطة لأنني رأيتهم يكذبون في علاقاتهم وتعاملهم مع الناس في العلاقات اليومية، مبتذلين لا يوجد عندهم شيء من العلم" (106).


تشويه منجز الإسلام
على منوال هؤلاء سار أولئك الذكوريون من أصحاب المصالح والأهواء في محاولاتهم لتحريف وتزوير منجز الإسلام الحضاري في شأن المرأة، حيث بوسع المرء أن يجد لا المناقض والمحرّف والناقص والموضوع، من الأحاديث، وهي محتشدة في كتبهم، بل وما هو كاذب ومسيء للرسول (ص) وللإسلام بعامة. وإذا كان لابد من الأمثلة فإننا سنورد هنا بعضها.   
ـ لا يسأل الرجل فيما ضرب أهله.
 ـ لا يجلد أحدكم امرأة جلد العبد، ثم لعله يعانقها ويجامعها من آخر اليوم.
ـ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة.
ـ لو كنت آمراً أن يسجد أحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها (...) لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته امرأته تلحسه، ما أدت حقه.
ـ أطّلعت في النار فإذا أكثر أهلها من النساء، فقلن: لمَ يا رسول الله؟ قال: يكثرن اللعن ويكفرن العشير، أي الزوج المعاشر.
ـ أيما امرأة أقسم عليها زوجها قسماً لم تبره هبطت منها سبعون صلاة.
ـ المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة وإن استمتعت بها وفيها عوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فأن ذهبت تقيمه ينكسر وإن تركته لم يزل أعوج.
ـ مثَل المرأة الصالحة بين النساء مثَل الغراب الأعصم بين مائة غراب.
ـ اتقوا الدنيا والنساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت النساء.
ـ إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة، فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما فيه نفسه.
ـ النساء حبائل الشيطان، أخروا النساء حيث أخرهن الله.
ـ وإذا كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمرأة والمسكن.
ـ المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان.
ـ للمرأة عشر عورات، فإذا تزوجت ستر الزواج عورة، وإذا ماتت ستر القبر العشر عورات.
ـ النكاح رق، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته.(107)


هذه، باختصار شديد، بعض الأحاديث المنسوبة للرسول (ص) وإذا كان الكثيرون، بينهم رجال دين وكتاب إسلاميون متنورون(108)، قد رفضوا من قبل، مثل هذه النسبة، فلأن تلك الأحاديث تتناقض وتنافي كلياً مجمل وصايا الرسول وأقواله وأفعاله، بل وتناقض القرآن ونصوصه المقدسة، وهي بالتالي، تشكل إساءة بالغة للإسلام ولمنجزه التاريخي المتقدم في شأن المرأة، إذ من غير المنطقي أن ينسب إلى الرسول حديث يقول "لا يسأل الرجل فيما ضرب أهله" وهو القائل " ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم"  بل إن الرسول (ص) لم يضرب زوجة من زوجاته على الإطلاق، كما تؤكد جميع الروايات عن حياته العائلية، بل كان يكره ذلك. ومن غير المنطقي أن ينسب إليه القول " لا يجلد أحدكم امرأة جلد العبد ثم لعله يعانقها ويجامعها من آخر اليوم"  والقرآن لا يبيح عقوبة الجلد إلا في حدود الزنا البين. كما ليس من العقل بشيء تصديق إن الرسول قال بأن " المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان" فيما القرآن يخاطبها كبشر ويعدها بالحياة الطيبة " من عمل صالحاً من ذكر وأنثى".
إن الشعور بالحيرة والأسف، الذي ينتاب المرء وهو يتفحص قوائم الأحاديث الطويلة المنسوبة زوراً للرسول (ص) والتي لا يبدو أن لها وظيفة سوى الحط من قيمة وكرامة المرأة، مقابل إعلاء شأن الرجل وذكوريته، هذا الشعور سيتحول إلى شكل من أشكال العجب والدهشة، عندما يتعلق الأمر بما تحفل به الكتب المعاصرة ونشرات وكراريس الجماعات الإسلامية المتطرفة، من وصايا وأحاديث مختلقة اختلاقاً لا لبس فيه، في شأن المرأة، مما لا يرضاه غير الجهلة ومرضى النفوس والعقول، فكيف بدين الرسول الكريم والسنة النبوية الشريفة؟ لكن، ومما يؤسف له شديد الأسف، أن تلك الأراجيف التي نقضت الدين الإسلامي وأساءت إليه، قد تسربت إلى عقول قطاعات واسعة من المسلمين، فخلقت عندهم صورة مشوهة للمرأة ولشخصيتها ولدورها في الحياة الاجتماعية.


 
صورة الشيطان!
ففي هذه الكتب والنشرات، إذا كان لابد من الأمثلة، لا تتخذ المرأة صورة الشيطان حين تقبل أو تدبر، بل هي الشيطان ذاته لأنها " أخطر ابتلاء دنيوي على الإطلاق"(109)  كما يصرح أحد رجال الدين المعاصرين. ولذلك ينبغي على الرجل أن يسلك مع النساء كما يوصي فقيه آخر:  "سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك، لتسلم من شرهن فإن كيدهن عظيم وشرهن فاشٍ والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل."(110) ولأن هذه هي المرأة، بالنسبة لهؤلاء، فسيكون لمس الخنزير الملطخ بالطين أفضل من لمسها، كما يروي الحديث التالي: ".. ولأن يزحم رجل خنزيراً ملطخاً بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبيه منكب امرأة لا تحل له" (111) لكن هذه المرأة نفسها وحين يتعلق الأمر بذكورية الرجل وجنسويته تأخذ شكلا آخر ولكن دونياً أيضاً، فهي عند زوجها "تشبه الرقيق والأسير (...) للرجل أن يستمتع بها متى شاء"(112)  ولذلك لا بأس من بعض التسامح و" الصبر عليهن واحتمال الأذى منهن (فقد) كان رسول الله (ص) يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق، (لكن) يجب أن لا ينبسط بالدعابة وحسن الخلق والموافقة بإتباع هواها إلى حد يفسد خلقها"(113) أما إذا كان لدى المرأة بعض الكبرياء فهناك الكثير من النصائح من أجل ذلك " وهو علاج رادع للمرأة مذل لكبريائها"(114) والمرأة عند هؤلاء لا وظيفة لها غير تطمين حاجة الرجل الجنسية والإنجاب، فهم يقولون مثلاً إن الله أقام تكوينها النفسي والجسمي على نحو يجعلها متعة للرجل أكثر من أن يكون الرجل متعة لها.(115) لهذا:  "خلقت الفطرة في المرأة ميزة الجمال والصباحة وصفة الإمتاع والتسلية"(116) ومادامت المرأة كذلك فيجب، بطبيعة الحال، إبعادها عن الحياة الاجتماعية، وقبل ذلك عن ميادين العمل لأن هذه الميادين كما يفتون " تتطلب الاختلاط بالرجال والخلوة معهم وهذا محرم شرعاً ولأسباب تتعلق بتكوين المرأة نفسياً وجسديا"(117). إذن على المرأة أن تبقى سجينة البيت لأن: " البيت هو مثابة المرأة التي تجد فيه نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى، غير مشوهة ولا منحرفة ولا ملوثة ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة."(118)  أي وظيفة المتعة ليس إلا. إما إذا خرجت المرأة إلى العمل واستقلت اقتصادياً فإن هذا سيعرضها إلى الإصابة بعدة أزمات نفسية! هكذا ينصح هؤلاء المرأة، أما الأزمات فهي " أزمة ضعف الإحساس بالأنوثة وأزمة ضعف الإحساس بالأمومة، وأزمة الشك والتراخي في العلاقة الزوجية، إذا كانت المرأة متزوجة، وأزمة العزلة كلما تقدم بها السن ولم توفق إلى زواج."(119). وهكذا تخيّر المرأة بين أن تستقل اقتصادياً (أي أن تعمل) فتصاب بكل هذه الأزمات، وبين أن تبقى في البيت فتحتفظ بخصائصها كامرأة، وعليه ليس العمل وحده لا يصلح للمرأة ولا تصلح له، بل والتعليم كذلك، كتحصيل حاصل، فهي: "ليست  في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولاً وأخيراً"(120). أما على صعيد الحقوق السياسية فهي مبعدة عنها أصلاً لأن: " الرجال، وهم أكمل عقلاً من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق (حق الانتخاب) فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين"؟(121)


خلاصة الفقيه المؤتمن
هكذا يخلص الفقيه المؤتمن على عقيدة المسلمين إلى تساؤل لا يترك مجالاً للأخذ والرد، بل ولا فرصة لمناقشة، أنه يغلق الباب بذلك السؤال الذي يشبه المزلاج الثقيل، أمام أي كلام عن حق المرأة في أن تشارك في الحياة السياسية أو الاجتماعية، أو عن حقها في أن تتعلم أو تعمل أو تفكر أو أن تخرج إلى الشارع، لكن أهذا حقاً هو موقف الإسلام من المرأة؟
متى وأين، وفي أي نص قرآني أو حديث شريف موثق، قال الإسلام إن المرأة شيطان وعورة وسفيهة وسيئة الخلق ومشئومة وشريرة ومخلوقة من ضلع أعوج وخطيرة البلاء؟ متى وأين قال الإسلام إن الله خلق المرأة لتكون مجرد جسد لا وظيفة له سوى إمتاع الرجل وإنجاب الذرية له؟ متى وأين حلل الإسلام إذلالها ودوس كبريائها وكرامتها وسجنها في البيت ومنعها حتى من الخروج إلى المسجد؟
متى وأين حرّم الإسلام تربيتها وتعليمها واشتغالها وتحصيل قوتها وقوت عيالها؟ هل لكل هذه الأراجيف صلة ما بالإسلام وأين نحن من الإسلام الحقيقي، هل نحن ملتزمون بمنجزه التاريخي المتقدم أم أننا نتشدق به حسب؟ هل غادرنا الجاهلية حقاً، وكما أراد لنا دين محمد (ص) أم أننا لا نزال نقبع في ظلامها وظلمتها؟


الجواب المطلوب
لن تفيدنا هنا، كثيراً، تلك الإجابات الحاسمة، سواء كانت بالإيجاب أم بالنفي، ذلك أن الأمر أكثر تعقيداً من إجابة عابرة نلقي بها اللوم على أنفسنا أو على البعض وننفض أيادينا من المسؤولية، مثلما هو أبعد من مجرد ترديد للنصوص المقدسة والتمسح بها والآتيان بنقيضها عملياً. إن الأمر أعمق من كل ذلك وأكثر مدعاة للتأمل والنقاش الحر المسؤول، والهادف لا لمجرد الثرثرة والإدعاء بل للوصول إلى قواسم مشتركة تجمع بين ما أوصانا به الدين الحنيف وبين مصالح أمتنا وشعبنا في التقدم والرقي والنهضة. فالمرأة ليست فقط نصف المجتمع، كما نردد دائماً، بل هي أكثر من النصف بحكم تأثيرها في أولادها وأسرتها ومحيطها، ولذلك سيكون من العبث أو الوهم أن نحلم بتحقيق نهضتنا المنشودة، ونحن نركن هذا الجزء الكبير والمهم من المجتمع في عتمة المنازل وخلف أردية الحشمة الزائفة. نعم هذا هو الواقع الحقيقي للمرأة اليوم. فبعد أربعة عشر قرناً من انعتاق المرأة على يد الرسول محمد (ص) ودينه الحنيف، يصر البعض على إعادة المرأة إلى عصور الظلام والانحطاط، لكي تقبع وراء الأبواب الموصدة بعيداً عن ميادين الحياة الاجتماعية الحقيقية، ميادين العمل والإنتاج والإبداع والمشاركة في بناء مستلزمات النهضة والتقدم. ولذلك فهذا البعض لا يريد للمرأة أن تفتح عينيها على النور والعلم والعقل بل يريدها أن تظل مكبلة بالخرافات والأساطير، وكل هذا يجري باسم الدين والدين الإسلامي بالذات، الذي هو مثال الأديان على الموقف الإيجابي من المرأة وحقوقها الإنسانية. نعم هكذا يريد البعض أن يكون مآل المرأة، بعد كل هذه القرون المديدة، أن تبقى أداة للمتعة والتفريخ حسب. وعدا ذلك فهي لا تصلح لشيء ومن يريد مثالاً على ما نقول ما عليه إلا أن يذهب إلى مكتباتنا العربية ليقرأ العشرات والمئات من الكتب، التي تعيد جماعات التطرف الديني طباعتها بالملايين وإغراق المكتبات والجامعات والبيوت بها، بعد أن كان علاها الصدأ لأنها لا تنتمي للعصر ولا للإسلام الحقيقي. فالإسلام الحقيقي يعارض الجمود كما يعارض الجهل، والتطرف والخطر الذي يتهدد الإسلام كان ولا يزال مصدره هذه الآفات فالجمود وتحجر الأدمغة والتطرف والتمسك بكل ماهو قديم وبائد إضافة إلى إنها لا تمت إلى الإسلام بصلة فهي تعطي المبرر للجهلة ليتصوروا أن الإسلام يعارض التجدد بمعناه الحقيقي والحضاري، نقول الحقيقي والحضاري، وليس عبادة الموضة والتأثر بالغرب والاعتقاد بأن سعادة شعوب الشرق تكمن في أن يصبحوا فرنجة وأن يقبلوا دون تمحيص جميع عاداتهم وآدابهم وسننهم، فكل هذا يمنح الجامدين المبرر لأن ينظروا بعين الريبة إلى كل جديد ويعدونه خطراً على الدين والمجتمع، وبين هذا وذاك فإن الإسلام وحده هو الذي يدفع الثمن وها هو الإسلام، كما رأينا من قبل وكما نرى اليوم، مبتلى بأحقاد الدوائر الاستعمارية والعنصرية المتعصبة من جهة وبالمغالين والجهلة من جهة أخرى. لكن ومما يؤسف له شديد الأسف، أن تلك الاراجيف والترهات التي تنقض الدين الإسلامي صراحة وتسيء إليه، سواء جاءت من مدّعي الإسلام أم من مبغضيه، قد تسربت إلى عقول قطاعات كثيرة من المسلمين فخلقت عندهم صورة مشوهة للمرأة ولشخصيتها ولدورها في الحياة الاجتماعية، وهذا ما نجده مجسداً لا في صفحات وثنايا الكتب والنشرات التي أتينا على ذكرها، بل في ثقافة الناس العامة وفي وعيهم الجمعي، كما في ممارساتهم وتصرفاتهم وتعاملهم مع المرأة.
 
الموروث الشعبي والمرأة
 
إن نظرة سريعة على الموروث الشعبي، الذي يعد أحد الروافد الأساسية لثقافتنا السائدة، ستكشف لنا عن حقيقة مؤسفة في شأن ما يحمل هذا الموروث من مضامين تكرس الحط من قيمة المرأة وتسيء الى كرامتها ومكانتها ودورها في المجتمع بل وحتى داخل الأسرة. ويكفي هنا أن نشير الى بعض الامثال الشعبية، التي تنطوي على مثل هذه المضامين، وهي متداولة في اوساطنا وعلى نطاق واسع. فمن أولى مظاهر تحقير المرأة والتقليل من شأنها داخل الأسرة، هو تفضيل انجاب الذكور على الإناث، وهذا ما يذهب اليه المثل القائل: "يامخلفة البنات يامخلفة الهم للممات"، الذي يعكس مظاهر استقبال المرأة منذ لحظة ولادتها بوصفها مصدراً للهم والخيبة داخل الأسرة. بل أن الأم نفسها، التي تلد الانثى، تدفع هي الأخرى، ثمن هذا القدر فتصبح موضع لوم وتبكيت وشعور بالذنب، حيث يقول المثل:"لما قالولي ولد انشد حيلي وانسند ولما قالولي بنية انهدت الحيطة عليه" هكذا تشعر الأم بالخوف والخشية في لحظة الولادة لأن ولادة الأنثى مصدر لوم فيما ولادة الذكر مصدر فرح وابتهاج ، بل ومصدر تكريم للمرأة لأنها ولدت ذكراً ، حيث يقول المثل "أم الغلام تستاهل الإكرام" . ومن لحظة الولادة حتى الشيخوخة ترافق الأمثال الشعبية حياة المرأة ، فهي مصدر دائم للقلق والخوف من جلب العار ، ولذلك يقول المثل الشعبي : " موت البنات ستره " أي أن الأهل يتمنون لبناتهم الموت خشية العار، وهو نفس الدافع الذي كان يحمل بعض قبائل الجاهلية على وأد بناتهم . ويقول مثل آخر " زواج البنات ستره"  وهو يماثل ماسبقه لكنه يعتبر زواج البنت خلاصاً من عبئها ، أي أنه في الحالتين (الموت أو الزواج) تظهر رغبة العائلة في التخلص من الفتاة . وتجسيداً لهذه الرغبة هناك الكثير من الأمثال، التي تحث الفتاة على الزواج بصرف النظر عن طبيعة الزوج ورأيها فيه ومدى تقبلها له ، لأن: " ظل رجل ولا ظل حيطه" أي أن الرجل، مهما كان خلقاً وخلقة، على الفتاة أن تقبل لأن " أقل الرجال يغني لنساء" كما يقول مثل آخر. لأن "جوز من عود خير من القعود " كما يذهب مثل ثالث. وهكذا تمضي الأمثال في دفع الفتاة إلى قبول أي مصير لأنه في خاتمة المطاف ، سترة للأهل وحماية لها من الوقوع في شراك الخطيئة والعار .                 أما بعد الزواج فهناك أمثال أخرى تتكفل في تربية المرأة على الخنوع والخضوع التام للزوج مهما كانت الأحوال وكيف ما كان تعامل الزوج معها. مثلما هناك أمثال توصي الرجال بعدم احترام المرأة أو استشارتها بأي شيء. فالمثل يقول هنا "شوروهن وخالفوهن" وهو مثل بليغ الدلالة على عقلية الاستخفاف بالمرأة وشخصيتها ، أما إذا اضطر الرجل لاستشارة المرأة ، زوجة كانت أم أماً  أم أختاً ، فعليه أن يأخذ بالاعتبار وصية المثل القائل " شورة المرأة إن صحت تأخر سنة وإن خابت تأخر العمر كله" (122).
هذا بعض من موروثنا الشعبي الذي يستند ، كما هو واضح من طبيعة الأمثال السالفة ، لا فقط على واقع التخلف والأمية وعلى قيم وأعراف النظام الذكوري السائد ، بل وعلى الرافد الديني كما هو وارد إلينا مشوهاً ومزيفاً أو مفسراً بطريقة متزمتة وبروح ذكورية أنانية. فهذا الرافد وليس الإسلام الحقيقي ، هو من أشاع في أوساط المجتمع الاعتقاد بأن " المرأة عورة" و" المرأة خلقت من ضلع أعوج " و" المرأة تأتي على هيئة شيطان وتذهب على هيئة شيطان " وهو نفسه الذي فسر قوامة الرجل على المرأة باعتبارها مجرد خنوع وخضوع له ، وهو الذي سوغ ضرب الزوجة بوصفه حقاً من حقوق الرجل على المرأة. وأخيراً هو من يعيق مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويتسبب في حرمان المجتمع من استثمار هذه الطاقات في ميادين العمل والانتاج والإبداع والتنمية .
 
 
انعكاس التخلف بالقوانين
 
وسيزداد الأمر سوءاً عندما نجد أن تلك المعتقدات الشعبية الخاطئة والمتخلفة في شأن المرأة، لا تعشش في عقول العامة من الناس وفي وعيهم الجمعي فقط، بل هي وجدت طريقها، منذ عقود طويلة، الى دساتيرنا والى قوانين الأحوال المدنية التي تنظم حياتنا اليومية. إن نظرة سريعة على بعض المواد المعمول بها في هذه القوانين، وفي العديد من البلدان العربية والاسلامية، تكشف لنا بجلاء عن الآلية التي يتم بها اخضاع المرأة وقهرها عبر استخدام قوة القانون، وفي مسائل عدة كالزواج والطلاق والأرث والولاية والخيانة الزوجية، وغير ذلك من المسائل التي يستند القانون في تحديد احكامها على مذاهب وآراء فقهية يدعّي أغلبها أنه يستند الى الشريعة الإسلامية. ولكن عند التدقيق سنجد أنها تستند الىمذاهب فقهية محافظة، واحدة التفسير، بل أن البعض من هذه المواد القانونية مستمد من دساتير وقوانين دول أوربية كانت مستعمرة لبلداننا (123). ولهذا فهناك مظاهر كثيرة تكرس التمييز بين الرجل والمرأة على نحو يغمط حقوقها الاقتصادية والاجتماعية. وإذا كان لا بد من الامثلة فيمكن الاشارة الى أن العديد من قوانين الاحوال المدنية العربية تضمن حق الرجل المسلم في أن يعدد الزوجات حتى أربع دون قيد أو شرط على رغم أن الآية القرآنية في هذا الشأن تشترط التوفر على العدل، بل هي تقيد التعدد بعبارة "فأن خفتم.." لما له من اضرار على الأسرة كاشاعة مشاعر العداوة بين أفرادها، فكما يقول الأمام محمد عبده (لو شئت تفصيل الرزايا والمصائب المتولدة من تعدد الزوجات لأتيت بما تقشعر منه جلود المؤمنين) كما تضمن هذه القوانين للرجل الحق في أن يورث اسمه ونسبه وأن يمنح جنسيته لأبنائه حتى إذا كان متزوجاً بأجنبية، وتحرم الأم كل هذه الحقوق. ويحق للرجل أيضاً طلاق زوجته متى شاء وبلا قيود عدا توثيق الطلاق واعلام الزوجة به، فيما يحرم على المرأة ممارسة هذا الحق إلا في حدود نادرة كأن تكون العصمة بيدها. ويحق للزوج رفع دعوى الطاعة على زوجته إذا خرجت مكرهة أو متضررة، وإذا لم تنفذ تعد ناشزاً، بحكم القانون وتسقط كافة حقوقها المالية والاجتماعية. وتميز الكثير من قوانين الاحوال المدنية بين الرجل والمرأة في الاحكام الخاصة بالخيانة الزوجية. فإذا ضبط الرجل يخون زوجته فلا عقوبة له بل هو شاهد فقط على المرأة التي كان يمارس معها الخيانة، أما الزوجة إذا ضُبطت (وهنا يُهمل غالباً شرط الشريعة الاسلامية في توفر الشهود الأربعة) فعقوبتها السجن. أما إذا قتل الزوج زوجته الخائنة، وهذا سائد في أنحاء كثيرة من بلداننا، فهو يعتبر في حالة دفاع عن النفس  والشرف، لكن إذا قتلت الزوجة زوجها تحت نفس الظروف والشروط فهي، في نظر القانون، قاتلة يطبق عليها قانون الجنايات وأحكامه (وهنا أيضاً يُغض النظر عن الشريعة الاسلامية التي ساوت في العقوبة بين المرأة والرجل حيث يقول نص الآية الكريمة (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة). وتحّرم القوانين المدنية في كثير من البلدان العربية تولي المرأة وظيفة القضاء مع أن العديد من الفقهاء يجيزون ذلك(124). وأخيراً لا بد من الاشارة الى أن المرأة في غالبية بلداننا لا تزال محرومة من حقوقها السياسية كحق الترشيح أو الانتخاب أو تولي المناصب السياسية حتى إذا كانت مؤهلة لذلك.
وهكذا سنجد أن القوانين المدنية، وخاصة تلك التي تنظم الحياة الاجتماعية(125)، لا تختلف بشيء عن الثقافة السائدة، إنما هي انعكاس لهذه الثقافة بكل ما تحمل من مضامين محافظة ومتخلفة. فهي تؤكد وتكرس السائد من الأحكام الدينية المبنية أصلاً على التفسيرات والتأويلات ذات الطابع الانتقائي والتجزيئي، أو على الاحاديث المنسوخة والمحرفة وحتى المختلقة اختلافاً. لهذا لا بد من القول، في الختام، إنه إذا كان قد تم استعباد المرأة تاريخياً، عبر اخضاعها لسيطرة الرجل داخل الاسرة ومن ثم داخل المجتمع، ومن خلال منظومة الأعراف والتقاليد والقوانين المستندة زيفاً على الموروث الديني، فسيكون تحريرها من هذه القيود مشروطاً بالعودة الى المنجز الأصيل والحقيقي للإسلام في شأن المرأة أولاً، ومن خلال رؤية تجديدية للفكر الاسلامي ثانياً، وعبر إعادة نظر جذرية بأنماط وأشكال التفكير السائدة، تأخذ في مقدمة اعتباراتها حاجة الأمة الماسة لاستثمار جميع الطاقات البشرية المتاحة لتحقيق نهضتها المنشودة واللحاق بركب الشعوب المتقدمة.
 
 
 
 
هوامش ومصادر
1ـ نبيل فياض /حوارات في قضايا: المرأة، التراث، الحرية/ دار حوران، دمشق 1997 ص 48
2 ـ المصدر السابق ص 48
3ـ سفر التكوين 3/16
4ـ يوشع 25/1
5 ـ سفر الخروج 21،7-11
6 ـ سفر التثنية 25/5،6
7 ـ محمود عبد الحميد / حقوق المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى/ مكتبة مدبولي، القاهرة 1990 ص 34
8 ـ نبيل فياض /مصدر سابق ص 50
9 ـ المصدر ذاته ص 49
10ـ المصدر ذاته ص49
11 ـ المصدر ذاته ص 49
12 ـ سفر اللاويين 15 /19
13ـ  سفر اللاويين 12 /1
14 ـ سفر اللاويين15 /25
15 ـ يعتبر بعض المؤرخين والباحثين أن الرسول بولس هو مؤسس الديانة المسيحية ومنشىء الكنيسة، وقد وضع لها أصولها التي تطورت عليها في العصور اللاحقة كواحدة من الأديان العالمية الكبرى، دون أن تكون على صلة مؤكدة بالسيد المسيح. على أن بولس كان يتفوق على الحواريين في جوانب عديدة من شخصيته القيادية المتينة، وقد تمتع بقدر وافر من الدهاء والقدرة على التنظيم، كما كانت له معرفة جيدة بالمنطق اليوناني يمكن تلمسها في سطور رسائله. للمزيد انظر :هادي العلوي/ محطات في التاريخ والتراث/ دار الطليعة الجديدة، دمشق 1997 ، ونبيل فياض، حوارات...، مصدر سابق.
16 ـ هادي العلوي، مصدر سابق ص 45
17 ـ المصدر ذاته ص45
18 ـ المصدر ذاته ص 46
19 ـ نبيل فياض، مصدر سابق ص51
20 ـ المصدر ذاته ص 51
21 ـ انجيل لوقا 1/42
22 ـ انجيل لوقا 1 /42
23 ـ انجيل لوقا 2/38
24 ـ انجيل يوحنا 8: 3/11
25 ـ الصادق النيهوم/ إسلام ضد الإسلام/ سلسلة كتاب الناقد، لندن 1994 ص236
26 ـ محمود عبد الحميد، مصدر سابق ص 34
27 ـ رسالة بولس إلى ثيموثاوس 2/12
28 ـ رسالة بولس إلى أهل افسس 5/2
29 ـ المصدر ذاته.
30 ـ رسالة بولس الى كورنثوس 11/6
31 ـ المصدر ذاته.
32 ـ جورج مسوح( أين الشرف العلمي) مجلة الناقد، العدد 67 كانون الثاني / يناير 1994
33 ـ نبيل فياض، مصدر سابق ص 54
34 ـ المصدر ذاته ص54
35 ـ مما جاء في المرسوم: "إننا نطبق العدل ونعلن أن النبلاء والبارونات لن يناموا الليلة الأولى مع المرأة التي يتزوجها الفلاح كدليل على سلطتهم". محمود عبد الحميد، مصدر سابق ص 38
36 ـ هناك عادات كثيرة في الجاهلية تعود، في جذورها، الى الديانة اليهودية (مثل ابتعاد الرجل عن زوجته أثناء الحيض) وكذلك تعود، بعض الأعراف والتقاليد، الى المشاعية الأمومية. انظر الصادق النيهوم، مصدر سابق، وهادي العلوي /فصول عن المرأة/ دار الكنوز الأدبية،  بيروت 1996.
37 ـ نكاح الرهط هو تعدد الأزواج، والرهط من الرجال مابين ثلاثة الى تسعة، وهناك نساء جاهليات كان لهن تسعة أزواج في وقت واحد. أما نكاح المقت فهو استيلاء الابن على زوجة أبيه بعد موت الأب، ووضعها تحت وصايته. يتزوجها إن شاء أو يزوجها لآخر ويستولي على مهرها. ويعود كل من نكاح الرهط والمقت الى المشاعية البدائية. للمزيد انظر جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين بيروت 1976 ج4، كذلك هادي العلوي: فصول عن المرأة، مذكور.
38 ـ مع أن المرأة في الجاهلية كانت محرومة من جميع الحقوق إلا أنها كانت وفي الوقت ذاته، تتمتع ببعض الحريات، فقد كان لها أن تساير الرجل الغريب أو تستقبله في منزلها مع غياب أهلها، وهي ملزمة بأداء حقوق الضيافة لمن ينزل عليها من الرجال. وكان لها موقع في الحياة الثقافية، إذ ظهر من الجاهليات شاعرات كبيرات وحكيمات وكاهنات. وكانت تملك حق الطلاق كما يملكه الرجل، مثلما كان لها الحق في إقامة علاقة صداقة مع رجل تختاره وتخلو به، شرط عدم المساس بجسدها. انظر: هادي العلوي، فصول عن المرأة، مذكور.
39 ـ زواج التفشل (ولا علاقة له بالفشل) هو الزواج الإبعادي، ويقابله الزواج الإضوائي وهو الزواج من الأقارب. هادي العلوي/فصول عن المرأة/مصدر سابق ص 21
40 ـ د . جواد علي، مصدر سابق ج4 ص539
41 ـ المصدر ذاته.
42 ـ هادي العلوي ،فصول عن المرأة، مصدر سابق ص 18
43 ـ المصدر ذاته ص 38
44 ـ المصدر ذاته ص 38
45 ـ محي الدين الزبيدي الحنفي/ تاج العروس/ دار الفكر 1994 ص 364
46 ـ د. جواد علي، المفصل، مصدر سابق ص 636
47 ـ المصدر ذاته ص 608
48 ـ د. فاضل الأنصاري (موقف الإسلام من المرأة) صحيفة المنتدى الثقافي، دمشق العدد الرابع 1997 ص2
49 ـ المصدر السابق
50 ـ البقرة 35
51 ـ الآية 115 سورة طه
52 ـ الآية 121 سورة طه
53 ـ كما مر بنا سابقاً فإن قصة الخلق بالنسبة للمسيحية هي ذاتها قصة التوراة اليهودية، التي يستخدمها الرسول بولس لإخضاع المرأة للرجل، كما هو وارد في رسالته الى أهل كورنثوس 11/3
54 ـ النحل 97
55 ـ النساء 1
56 ـ النساء 32
57 ـ الإسراء 31
58 ـ النحل 58 ـ 59
59 ـ الشورى 49
60 ـ النساء 19
61 ـ البقرة 234
62 ـ البقرة 232
63 ـ محمود عبد الحميد / مصدر سابق ص 54
64 ـ الممتحنة 22
65 ـ من المفيد الإشارة هنا الى أن واحدة من القضايا التي لا يزال عالمنا العربي ـ الإسلامي مشغول بها، بعد أربعة عشر قرناً، هي قضية صلاحية المرأة لتولي المناصب القضائية. فقبل سنوات قليلة انعقدت في القاهرة ندوة وطنية أقامها المركز العربي لاستقلال القضاء، وشارك فيها عدد كبير من رجال الدين والقضاء وأساتذة الجامعات، لمناقشة هذه القضية، إلا أن الندوة لم تخرج بنتيجة تذكر، إذ انقسم المشاركون في أعمال الندوة بين مؤيد لتولي المرأة المناصب القضائية، اعتماداً على نصوص الفقه الإسلامي والشريعة والدستور والقانون والمواثيق الدولية، وكذلك تجارب بعض البلدان العربية (مثل سوريا والمغرب والسودان وليبيا) وبين معارض لتوليها تلك المناصب، اعتماداً على تفسيرات متعصبة وموروثات خرافية نسجها الذكوريون عن طبيعة المرأة  وقدراتها الجسدية والعقلية. ( مجلة روز اليوسف القاهرية،عدد 2/3/1998)
66 ـ لا يمكن لمسلم يمتلك الحد الأدنى في معرفة السنة النبوية، أن يعتبر ما جرى للمرأة في أفغانستان، إبان حكم طالبان، على صلة، بأي شكل من الأشكال، بهذه السنة الشريفة.
67 ـ هادي العلوي، فصول، مصدر سابق ص 35
68 ـ المصدر ذاته ص 36
69 ـ المصدر ذاته ص 36
70 ـ محمود عبد الحميد، مصدر سابق ص 123
71 ـالشيخ خليل عبد الكريم، محاضرة بعنوان (تجديد الفكر الإسلامي) جامعة دمشق 31/ 3/1998
72 ـ الصادق النيهوم، مصدر سابق، ص 210
73 ـ النساء 101
74 ـ المائدة 106
75 ـ إبراهيم 45
76 ـ النساء 3
77 ـ البقرة 232
78 ـ هادي العلوي، فصول، مصدر سابق ص 36
79 ـ صحيح مسلم 2/32 ـ 33
80 ـ هادي العلوي، فصول، مصدر سابق ص 58
81 ـ المصدر ذاته ص 60
82 ـ استثنيت من قيود آية الحجاب فئة من النساء ذُكرت في آية لاحقة من نفس السورة رقمها 60 ويقول نصها " والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فلا جناح عليهن إن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وإن يستعففن خير لهن" والقواعد في الآية هن النساء اللواتي بلغن سن اليأس وما في حكمه، مما يوقف حاجة المرأة الى الرجل ولا يجعل حالها، من جهة أخرى، مثيرة لشهوته.
83 ـ محمد عبد الحكيم خيال/ الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية/ دار الدعوة، القاهرة بدون تاريخ ص 177
84 ـ محمد البوطي /الى كل فتاة تؤمن بالله/ دمشق ص 42
85 ـ المودودي /الحجاب/ بدون تاريخ ص 152
86 ـ البوطي مصدر سابق ص 10
87 ـ المودودي، مصدر سابق ص 152
88 ـ المصدر ذاته ص 238
89 ـ محمود عبد الجميد، مصدر سابق ص 166
90 ـ النساء 129
91 ـ النساء 3
92 ـ هادي العلوي، فصول، مصدر سابق ص 61
93 ـ صحيح البخاري، مصدر سابق، مجلد 4 ص 226
94 ـ ابن حجر العسقلاني /فتح الباري في شرح صحيح الإمام البخاري/ المطبعة البهية، القاهرة جزء 13 ص 46
95 ـ المصدر ذاته.
96 ـ ابن الأثير /أسد الغابة/ جزء 5 ص 38
97 ـ الطبقات لابن سعد، جزء 5 ص159
98 ـ ابن الأثير، مصدر سابق، جزء 5 ص 38
99 ـ فتح الباري، مصدر سابق، جزء 13 ص 47
100 ـ صحيح البخاري،  مصدر سابق، جزء 1 ص 199
101 ـ هادي العلوي، فصول،  مصدر سابق ص 8
102 ـ المصدر ذاته ص 9
103 ـ يقول البخاري عن تجربته "كتبت حسب شهادة الـ 1080 شخصاً... ولم أكن لأدخل في الكتاب أي حديث قبل أن أتوضأ وأصلي ركعتين" في تعبير عن قدسية مهمته.
104 ـ الإسراء 31
105 ـ إمام بن عبد البر / الانتقاد في فضل الصلاة للائمة الفقهاء / دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ ص 16
106 ـ المصدر ذاته ص 15
107 ـ كل هذه الأحاديث وغيرها واردة في العديد من الكتب منها: إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي ـ كشف الغمة عن جميع الأمة، للشيخ عبد الوهاب الشعراني ـ حقوق الزوجين، أبو الأعلى المودودي ـ فتاوى النساء، أبن تيمية.
108 ـ في تقديمه لكتاب عبد الحليم أبو شقة (تحرير المرأة في عصر الرسالة) يقول الشيخ الغزالي "إن المسلمين انحرفوا عن تعاليم دينهم في معاملة النساء وشاعت بينهم روايات مظلمة وأحاديث أما موضوعة أو قريبة من الوضع، انتهت بالمرأة المسلمة الى الجهل الطامس والغفلة البعيدة عن الدين والدنيا معاً".
109 ـ نبيل فياض / حوارات، مصدر سابق ص75
110 ـ أبو حامد الغزالي /الزواج الإسلامي السعيد /مكتبة القرآن، القاهرة ص80
111 ـ سناء المصري /خلف الحجاب / سينا للنشر، القاهرة 1989 ص 43 والحديث المذكور منسوب، ويا للعجب، الى الرسول (ص) نقلاً عن لجنة النشاط الثقافي والسياسي في مكتبة الطب البشري بالإسكندرية.
112 ـ الأحياء، مصدر سابق 2 : 55
113 ـ المصدر ذاته 2: 39 ـ 41
114 ـ البهي الخولي /المرأة بين البيت والمجتمع/ بدون تاريخ ص 63
115 ـ  البوطي، الى كل فتاة، مصدر سابق / ص 16
116 ـ المودودي / الحجاب، مصدر سابق
117 ـ محمد علي قطب / بيعة النساء للنبي / مكتبة القرآن، القاهرة ص 95
118 ـ سناء المصري، مصدر سابق ص 65
119 ـ المصدر ذاته ص 75
120 ـ حسن البنا / حديث الثلاثاء/  مكتبة القرآن، القاهرة ص 370
121 ـ المصدر ذاته ص 370
122 ـ يراجع بشأن الأمثال الشعبية كتاب ليلى عبد الوهاب / العنف الأسري / دار المدى للثقافة والنشر، سوريا 1994 ص 28
123 ـ المصدر ذاته،  ص 37 حيث تشير الكاتبة الى أن الكثير من مواد قانون الأحوال الشخصية المصري مستمدة من القانون الفرنسي، وينطبق الأمر على قوانين الأحوال الشخصية في الجزائر ولبنان.
124 ـ يقول ابن جرير: لا تشترط الذكورة في القضاء، ويقول أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضية في الأحوال. أما الطبري فيقول يجوز أن تكون المرأة حاكماً على الإطلاق في كل شيء. ويمكن الإشارة هنا الى مثال معاصر عن تولي بنزير بوتو منصب رئيس الوزراء في الباكستان، وهي واحدة من اكبر الدول الإسلامية.
125 ـ الأمثلة الواردة متعلقة بقوانين الأحوال المدنية في دول عربية مختلفة، لكن بالأخص في مصر.



#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوة المثقف... هادي العلوي نموذجاً
- المثقف عميلاً !
- بهدوء ... مع الأستاذ سعدي يوسف
- زنزانة رفعة الجادرجي !
- عن - أدب المنفى- وليس الخارج !
- كيف يمكن إعادة بناء الثقافة؟
- علي كريم سعيد... هل كان عليك أن تنتظر؟
- أزمة -العقل- أم -الفعل- العربي؟
- عشائر المثقفين!
- أمة بلا ذاكرة ... مثقفون بلا ضمائر
- بانتظار... المثقف!
- ثقافة الخرافة والتنجيم .. العربية!
- ثقافة المحاكمة والتخوين
- رسالة الى مهدي خوشناو


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- الموقف الإسلامي من المرأة بين الاجتهادات المغلوطة والأنانية ... / جمعة الحلفي
- بدون المرأة لن تكون الثورة وبدون الثورة لن تتحرر المرأة / جبهة التحرر الشعبي الثوري - تركيا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2004 يوم المرأة العالمي - جمعة الحلفي - الموقف الإسلامي من المرأة بين الاجتهادات المغلوطة والأنانية الذكورية