أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف الاول من آيار 2008 - أفاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في عهد العولمة - معتز حيسو - آفاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في ظل العولمة















المزيد.....


آفاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في ظل العولمة


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 2268 - 2008 / 5 / 1 - 11:07
المحور: ملف الاول من آيار 2008 - أفاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في عهد العولمة
    


من الصعوبة بمكان بحث آفاق الماركسية ودور اليسار والطبقة العاملة في ظل العولمة بتفاصيله الكلية والعامة نظراً لتشابك وتعقد عناصره ، لذلك فإنه يحتاج إلى ورش عمل ثقافية وسياسية ، ونأمل في هذا السياق أن تشكل مساهمات الأصدقاء على تنوعها واختلافها نويات عمل تساهم في توضيح إشكاليات النظام الرأسمالي المعولم ، وإشكاليات الماركسيين واليساريين عموماً وصولاً لتحديد آليات لمعالجة أزمتنا المرتبطة موضوعياً بالأزمة التي تعاني منها الرأسمالية على أساس التطور المتفاوت والتبعية الاقتصادية والارتهان السياسي .
انطلاقاً من العام المحدد للخاص وفق أشكال ومستويات مختلفة ومتباينة تبعاً للظرف الخاصة لكل دولة ، ووفقاً لآليات وأشكال ارتباطها بالسياسات الإمبريالية الرأسمالية ، وتحديداً الأمريكية التي تصارع حتى اللحظة من أجل استمرار هيمنتها على السياسات العالمية . فإن هذا يفترض التنويه بأن النظام الرأسمالي العالمي يعاني من أزمة بنيوية و هيكلية عامة ، تنعكس بآثارها وتناقضاتها السلبية على الاقتصاد العالمي عموماً . ويمكن تحديد تجليات الأزمة الراهنة من خلال تحول نمط الإنتاج الرأسمالي من أشكال إنتاجية موسعة ذات كثافة عالية لرأس المال ، إلى أشكال التوظيف المالي في البورصات والمضاربات ، والاستثمارات العقارية و الخدمية ، والصناعة العسكرية ، وتجارة الرقيق الأبيض والمخدرات وتبييض الأموال . ... ويتجلى هذا من خلال تعقد التناقضات البنيوية لرأس المال وتحوله على قاعدة أزمته البنيوية العامة من نمط إنتاج رأسمالي صناعي ( إنتاج سلعي موسع ، إنتاج وسائل إنتاج ) إلى رأس مال مالي تجاري يفتقد في علاقاته البنيوية الداخلية إلى التراكم رأس المال الناتج عن القيمة الزائدة .
وتتعمق أزمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي المعولم على قاعدة ظاهرة (الركود التضخمي ) التي يترافق فيها تنامي معدلات البطالة مع زيادة معدلات التضخم والدخول في مرحلة كساد طويلة الأمد تتسم في انخفاض معدلات الربح في قطاعات الإنتاج الصناعي و تنامي أزمة رؤوس الأموال الباحثة عن فرص للربح والتراكم . وقد شهد الاقتصاد الرأسمالي العالمي أزمة مشابهة لما يعانيه في المرحلة الراهنة في ( 1929 ــ 1933 ) وكانت من أصعب الأزمات التي عانى منها النظام الرأسمالي ، وقد انعكست آثارها السلبية على مجمل الاقتصادات الرأسمالية المركزية منها والطرفية .
ومن الواضح بأن الأسباب الأساسية والمحددة للأزمات العامة والبنيوية للنظام الرأسمالي (( سواء كانت أزمة العشرينات ( أزمة الكساد الكبير ) أو أزمة الستينيات ، أو أزمة السبعينيات والتي ترافقت مع التحول إلى السياسات الاقتصادية النيو ليبرالية على المستوى العالمي على قاعدة التخلي عن النظرية الكنزية ، تراجع دور المنظومة السوفيتية ودور الدولة الرعائية . )) تتقاطع في كثير من النقاط ، لكن ما يزيد من عمقها و اتساعها في اللحظة الراهنة أسباب متعددة نذكر منها :
أولاً : تحول نمط الإنتاج الصناعي الرأسمالي إلى رأس مال مالي ، مما يؤدي إلى تضاؤل فاعلية قانون القيمة في العملية الإنتاجية ( إنتاج ، توزيع ، تبادل ، تداول ) .
ثانياً : تنامي ظاهرة الركود التضخمي التي تنبئ بمزيد من الكوارث الاقتصادية والإنسانية على المستوى العالمي ويزيد من حدة هذه الأزمة :عولمة علاقات الإنتاج الرأسمالي على قاعدة التبعية والتبادل اللا متكافئ والنمو المتفاوت ، مما يعزز تنامي معدلات الاستقطاب الاجتماعي و ظواهر الفقر والبطالة على المستوى العالمي نتيجة سوء توزيع الثروة الوطنية وزيادة نسب الاستغلال والنهب
ثالثاً : تزايد الكتلة النقدية الباحثة عن التوظيف و الربح والتراكم نتيجة الفورة النفطية التي نشهد تجلياتها الآن والتي وصل فيها سعر برميل النفط إلى ( 117 ) دولار للبرميل الواحد . مما يعني ارتفاع الكلفة الإنتاجية في البلدان الصناعية وبالتالي انعكاس آثارها السلبية على البلدان غير المصنعة ( البلدان المستوردة ،وتحديداً المنفتحة اقتصادياً على الدول المصنعة ) من خلال ارتفاع المواد الاستهلاكية والمواد النصف مصنعة ،والمصنعة ، وبالتالي انخفاض المستوى المعيشي للفرد نتيجة عدم التوازن بين معدلات الأجور ومعدلات الأسعار العالمية والمحلية ، وتتفاقم الأزمة العامة للنظام الرأسمالي في الأطراف نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة والتابعة ، مما يعني إنعكاس أزمة الرأسمالية العامة بشكل مباشر على الدول الطرفية .
رابعاً : زيادة معدلات التضخم نتيجة الفورة النفطية التي تساهم في تعميق ظاهرة الركود التضخمي (بطالة ، كساد ، ركود ).
خامساً : انخفاض قيمة الدولار أمام اليورو في التعاملات الأسيوية رغم تدابير مجلس الاحتياط الفيدرالي لوضع حد للأزمة المالية باستخدام أدوات لم تستعمل منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي ، مما دفع بالمستثمرين للهروب من العملة الأمريكية والاستثمار في النفط والمعادن الثمينة ، وقد سجل الدولار أدنى مستوياته فوصل إلى ( 96 ) يناً يابانياً ووصل سعر اليورو إلى (1,60 ) دولار في 18 / 3 / 2008 ، وقد وصلت أونصة الذهب إلى ( 1023,5) دولار،هذه الأرقام وغيرها كثير مرشحة للزيادة.( منير الحمش النور عدد 337
سادساً : من المعروف بأن السياسية تكثيف للاقتصاد ، (والحرب امتداد واستمرار للسياسية بأشكال أخرى ) (كلاوزوفيتش) ، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد السياسية الأمريكية الساعية لبسط سيطرتها بالقوة من خلال تدخلها المباشر في أفغانستان والعراق وأوربة الشرقية ، ومن المرجح بأنها سوف تتدخل بشكل مباشر أو بالاستعانة ببعض دول المنطقة وتحديداً إسرائيل ( بحكم الارتباط العضوي والبنيوي بين المشروعين الأمريكي والإسرائيلي ) في إيران وسوريا ولبنان ... من جهة لتشغيل مصانع الأسلحة التي لا تستمر إلا بافتعال الحروب ، ومن جهة ثانية لتصدير أزمتها الاقتصادية إلى دول المنطقة ، والأهم هو السيطرة المباشرة على نفط المنطقة وربط نظمها السياسية بالمشروع الأمريكي القائم على التفتيت الطائفي والإثني والعشائري تمهيداً للضغط المباشر على الدول التي ما زالت تمثل مراكز قوى سياسية ، عسكرية ، اقتصادية ،وتحديداً الصين (يمكن أن تتفاقم أزمة الاقتصاد الصيني نتيجة لارتباط إنتاجه بالأسواق الأمريكية ) إضافة إلى روسيا والاتحاد الأوربي . ويأتي هذا في سياق تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير بكونه المدخل لإحكام الهيمنة الأمريكية على مراكز القوة العالمية السياسية والاقتصادية للخروج من الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي.
سابعاً : انفتاح اقتصاديات الدول الطرفية بأشكال تبعية على الدول الامبريالية الرأسمالية مما يؤدي إلى تعمق أزمة البلدان الطرفية عبر تأثرها المباشر بأزمات النظام الرأسمالي العالمي .
ثامناً : هيمنة الشركات الما فوق قومية والمتعددة القوميات على آليات الاقتصاد العالمي وأشكال تطوره
تاسعاً : سيطرة الدول الصناعية المركزية احتكارياً على أهم الابتكارات التقنية و مفاعيل ثورة الاتصال والمعلومات واستمرار سيطرتها على الاحتكارات الخمسة لإحكام هيمنها على العالم .
--------------------------------------------------------------
بعد هذا العرض المختصر الذي حاولنا من خلاله توضيح صورة الاقتصاد العالمي وما يعانيه من أزمة بنيوية تنعكس سلباً على اقتصاديات الدول الطرفية بحكم تخلفها و تبعيتها الاقتصادية وتخلع قطاعاتها الاقتصادية هيكلياً ... يمكن الوقوف على دور الطبقة العاملة في ظل التطورات والقفزات العلمية النوعية التي تركت آثارها على مفاعيل التطور التقاني ، وأدت إلى إحداث ثورة في عالم الإنتاج الصناعي المؤتمت مما أدى إلى تطور واسع وعميق في وسائل الإنتاج ، و إلى زيادة في حجم الإنتاج العالمي وصل أحياناً لدرجة التضخم ، مما ساهم مع ميل معدلات الربح نحو الانخفاض في البلدان الصناعية إلى هجرة الرساميل وبعض القطاعات الصناعية المتطورة ، ونزوح المستثمرين إلى البلدان التي تتحقق فيها الشروط المناسبة للاستثمار . وكان سبب هذا الميل أيضاً تزايد كلفة الإنتاج الصناعي وتغير التركيبة العضوية لرأس المال الصناعي لجهة تزايد نسبة رأس المال الثابت على رأس المال المتغير إضافة إلى زيادة ضغوط الحركات العمالية و النقابية والحركات المدنية والسياسية.
ومن الآثار السلبية للتطور التقاني في ظل التناقض الأساسي للنظام الرأسمالي تزايد معدلات البطالة و الاستقطاب الاجتماعي وتخفيض مستوى الإجور الناتج عن التخفيض القسري لساعات العمل مما يعني تزايد مستوى الاضطهاد والاستغلال للطبقة العاملة ....
وإذا كان هذا هو واقع الطبقة العاملة في الدول الصناعية ، فإن ما تعانيه الفئات العمالية في بلدان الأطراف يتجلى بأشكال ومستويات أشد مأساوية ، ذلك من خلال تراجع دور الدولة الاجتماعي والتنموي ، تبعية اقتصادياتها بأشكال ومستويات متباينة ، تخلع قطاعاتها الإنتاجية وتخلفها ، انخفاض معدلات الإنتاج وارتفاع معدلات الكلفة الإنتاجية ،تخلف البنى التحتية ( وسائل إنتاج ، قوى عاملة متطورة )انتشار ظواهر الفساد المترافقة مع غياب دور القوانين ، انتشار ظواهر النهب وتهريب الأموال والمحاصصة وتوظيف المال السياسي واستغلال المناصب السياسية والعسكرية خدمة لمصالحها الشخصية ، تضاؤل معدلات توظيف الرأسمال الصناعي أمام تنامي ظواهر التبادل التجاري والتجارة العقارية وهروب الرساميل للخارج .
وتعاني الفئات الاجتماعية عموماً وليس فقط الشرائح العمالية من تزايد معدلات البطالة وارتفاع معدلات الفقر وتدني مستوى الأجور لدرجة لم تعد تغطي الحد الأدنى للنفقات الأساسية ... كل هذا وغيره يأتي في سياق اجتماعي يتم فيه احتواء النقابات وتهميش دورها وتغييب دور الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية ... لتتعمق جراء ذلك الانتماءات السلفية و العشائرية والإثنية ... في ظل مناخات سياسية تقوم على الاستبداد والشمولية والقمع وتغييب الحريات السياسية والمدنية ، مما ينبئ بتزايد القمع السياسي والطبقي طرداً مع تعمق الأزمة الاقتصادية وتوسعها أفقياً ،ويتوضح هذا الميل في كثير من البلدان التي تتفاقم فيها الأزمات الاقتصادية الناتجة عن أسباب بنيوية داخلية مرتبطة بالأزمة الاقتصادية العالمية ، مما يعني بأن النظام الرأسمالي العالمي في اللحظة الراهنة يعاني من أزمة بنيوية وهيكلية تنبئ بمزيد من الكوارث الاجتماعية والطبقية والتي يمكن أن يكون لها الدور الموحِّد لأهداف الطبقة العاملة وباقي الفئات المضطهدة والمتضررة من تناقضات النظام الرأسمالي المعولم ، بمعنى إن النظام الرأسمالي المعولم بأشكاله الراهنة ونتيجة لتفاقم أزمته البنيوية الممتدة أثارها عالمياً سيزيد من حدة استخدام العنف والقمع والتدخلات العسكرية المباشرة ، مما يعني توضح الانقسامات الطبقية التي تفترض العمل على تجاوز النظام الرأسمالي بأشكاله الراهنة و يجب أن يكون للطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المركزية والدول الصناعية الدور القيادي على أساس الارتباط الجدلي مع الطبقات العمالية في الدول الطرفية . وهذا يفترض قراءة وإدراك دور الماركسية ( والقوى السياسية العلمانية والديمقراطية وتحديداً اليسارية والشيوعية )بكونها النقيض المادي والعلمي للرأسمالية بأشكال تجلياتها المختلفة والمتباينة .
------------------------------------------------------
إذا انطلقنا من أن التناقض الأساسي والمحدِّد بشكل عام هو التناقض الاقتصادي بين ( الطبقة العاملة وكافة المتضررين من تناقضات النظام الرأسمالي) وبين (الامبريالية الرأسمالية بأشكال تجلياتها المتباينة والمختلفة) عبر التناقض الموضوعي بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، فمن المفترض موضوعياً أن تواجه التعبيرات السياسية الماركسية هذا التناقض ، لأن السياق الموضوعي والمادي للتاريخ يدلل بأن الماركسية هي النقيض الموضوعي للنظام الرأسمالي .
إن التطور المادي لتاريخ النظام الرأسمالي وصل في لحظته الراهنة وفقاً لأشكاله ومستوياته المتباينة والمختلفة ، إلى درجة كبيرة من التعقيد والتباين الجيو سياسي والتناقض الاجتماعي ... وجراء ذلك نرى تتداخل وتشابك أشكال الصراع الطبقي وفق آليات ومستويات متباينة ومتنوعة لدرجة يصعب فيها أحياناً تحديد الحدود الطبقية وأشكال ومستويات الصراع الطبقي . إن الشروط الدولية القائمة على التناقض والترابط والتوسط والتشابك تزيد من حدة التباين والتناقض الاجتماعي ، وتزيد أيضاً من شدة تعقيد لوحة الصراع العالمي والإقليمي والمحلي .
ولكون المنظومات المعرفية التي يتم من خلالها التعبير عن التناقضات الاجتماعية وعن مصالح الفئات الفقيرة والمستغَلّة والمهمَّشة نتاج واقع مادي دائم التغير والتبدل ،إن لم يكن بنيوياً فعلى الأقل في أشكال تجلياته الظاهرية الدالة على المتغيرات الجوانية للواقع الاجتماعي الموضوعي . والماركسية موضوعياً نتاج واقع اجتماعي دائم التغير والتبدل والتطور ، فهي موضوعياً تخضع لقوانين التطور المادي ، وللفهم المادي للتاريخ القائم على التطور والتناقض في سياق صيرورته ، وكما نعلم فإن الفهم المادي للتاريخ هو من أهم ما أنتجه ونظّر له كارل ماركس، وعلى هذا فإن الماركسية تخضع لقوانين التطور الديالكتيكي الذي ساهم في تأسيسه وفق آليات التحليل والإدراك المادي كارل ماركس .
وانطلاقاً من الواقع الموضوعي الذي يتحدد على أن النظام الرأسمالي هو نظام معولم بأشكال ومستويات نسبية متباينة ومتناقضة بذات اللحظة تبعاً لقوانين حركة رأس المال القائمة على التناقض في سياق التنافس في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة على شفط فضل القيمة لمضاعفتها ومراكمتها في سياق تطور الإنتاج الموسع،و دمجها في العملية الإنتاجية المتوسعة باستمرار جراء إنشاء قطاعات إنتاجية جديدة ، أو من خلال توسيعها وتطويرها . وعلى أساس هذه القوانين و قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض تتحدد أشكال توظيف الرساميل الصناعية ذات التركيب المعقد والمكثف التي تميل إلى التكتل والاندماج والاحتكار ، والتي يتحدد على أساسها أيضاً هجرة الرساميل نحو الأطراف المندمجة وذات مناخات استثمارية مناسبة يمكن من خلالها تحقيق معدلات ربح مرتفعه . وفي البلدان الطرفية يمكن أن نرى النتائج السلبية لسياسات رأس المال الحر الذي يسعى لتوظيف أجهزة الدولة وبناها التحتية لتحقيق أهدافه الربحية التي تهدد البنى الاجتماعية وتزيد من حدة التناقض الطبقي والاستقطاب الاجتماعي .
بالتالي و على أساس الترابط والتشابك المحدَّد على قاعدة تناقض علاقات الإنتاج الرأسمالي المعولم في بلدان المركز الرأسمالي وفي البلدان الطرفية المندمجة والمهمشة ، وبين المركز والأطراف ، يمكننا أن نحدد بأن الصراع مع الرأسمالية هو صراع عالمي و معولم ، وقيادة هذا الصراع تقع بالدرجة الأولى على الأحزاب والقوى السياسية الماركسية المؤسسة على الديمقراطية و المعبِّرة عن مصالح كافة المتضررين من تناقضات الرأسمالية . وأشكال هذا الصراع تتحدد على أساس الواقع الملموس لكل بلد ، مما يعني التباين والاختلاف في أشكال وآليات ومستويات الصراع الطبقي ،دون التخلي عن التنسيق والتعاون بين القوى الماركسية .
إن تجاوز تناقضات النظام الرأسمالي وبالتالي تجاوز الرأسمالية يحتاج إلى تعبيرات وقوى سياسية تعبر عن مصالح الفقراء والمضطهدين ، ونعلم بأن الماركسية هي وليدة المجتمعات الرأسمالية ، ونعلم أيضاً بأن ماركس كان يرى بأن تجاوز الرأسمالية نحو الاشتراكية ينطلق من البلدان الرأسمالية المتقدمة إلى أن أتى لينين وقال بإمكانية كسر حلقة التطور الرأسمالي من أضعف حلقاته أي من البلدان المتخلفة التي تشكل خزانات الإمداد للدول الرأسمالية .
إن ما يعانيه النظام الرأسمالي في المرحلة الراهنة من أزمة بنيوية لا يعني بالمطلق أنه سوف يسقط بمفاعيل أزمته الداخلية ، لأنه وكما نعلم قد يستمر النظام الرأسمالي في أزمته بفعل عطالة البديل السياسي ، ومن الممكن أن يعيد إنتاج ذاته بأشكال مأزومة طالما بقي البديل الطبقي غائباً عن الفاعلية السياسية .
وكما بات واضحاً بأن التعبيرات السياسية الشيوعية بكافة تنويعاتها وأشكالها تعاني جملة من الأزمات تمنعها حالياً من أن تكون النقيض الموضوعي للرأسمالية. وقد يكون في مقدمة هذه الأسباب :
ــ تشكّل الأحزاب الشيوعية من الفئات البرجوازية الصغيرة المحدودة الآفاق في مشاريعها السياسية الطبقية ، أو في المناطق الريفية والمتخلفة مما يعني قصورها عن فهم آليات التطور الرأسمالي وتحديد تناقضاته الأساسية وأشكال تجاوزه .
ـــ إن قيادات الأحزاب الشيوعية والتي أسلفنا بأنها من أوساط البرجوازية الصغيرة والأوساط الريفية عانت من : 1 ـ النزعة المغامرة التي كان يرى أصحابها بأن سمات المرحلة الانتقال إلى الاشتراكية وعلى أساس هذا الفهم وفي ظل غياب الجذر الاجتماعي لهذه القوى خاض أصحاب هذا الرأي صراعاً غير متكافئ مع السلطات السياسية الرسمية أدى إلى نهاية هذه الأحزاب .
2 ـ النزعة الإصلاحية / المطلبية والتي تمثلت في الأحزاب الشيوعية الرسمية التي كانت ترى بأن سمات المرحلة الانتقال للرأسمالية . والبرجوازية الحاكمة هي المعنية بإنجاز هذا الانتقال ، لكن ومما زاد الأمر تعقيداً هو أن بعض البرجوازيات الحاكمة أدعت ظاهرياً أنها تقوم بعملية التحول الاشتراكي مما ساهم في قيام ( تحالفات طبقية ) بين الأحزاب الشيوعية وأحزاب السلطة .
وترافق في هذا السياق وجود بعض القوى السياسية القومية التي ادعت تبنيها للماركسية من وجهة نظر قومية ، وعانت بنفس الوقت من الإشكاليات التي عانت منها كافة القوى السياسية .
ـــ عانت القوى الشيوعية مثل باقي القوى السياسية في لحظات نشوئها وتطورها من غياب حاضنها الاجتماعي ، مما يعني أنها بقيت أحزاباً نخبوية عجزت عن تحويل الفكر الماركسي لقوة مادية لأنه وكما نعلم بأن من يملك إمكانية تحويل الفكر من القوة إلى الفعل هي القوى الاجتماعية الحاملة لمشروع التغيير.
ـــ لم تستطع الأحزاب الشيوعية تقديم برنامج سياسي / اقتصادي متكامل يكون تعبيراً عن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الملموس ، الذي على أساسه يتحدد موقفها من السلطة وأشكال تجاوز الواقع ، بقدر ما كان يدفع البعض منها إلى مواجهة الامبريالية العالمية بالتحالف التبعي مع السلطة البرجوازية على قاعدة إنجاز المرحلة الرأسمالية.
ـــ تبعية الأحزاب الشيوعية الرسمية للاتحاد السوفيتي السابق ، وتخلي قادتها عن تحديد سياساتها الداخلية للقادة السوفيت مما انعكس سلباً على آليات عملها السياسي ، وعلى علاقاتها السياسية الداخلية.
ـــ لكن وبعد انهيار التجربة الاشتراكية وهيمنة الرأسمالية بأشكالها المتباينة ، تطور الميل الليبرالي في كثير من الأحزاب الشيوعية التي تحولت إلى أشكال سياسية تتناقض مع مضامينها الطبقية ، أي بقيت أحزاباً شيوعية في الاسم فقط ( وقد غيرت بعض الأحزاب الشيوعية أسماءها ) لتصبح موضوعياً أحزاباً ليبرالية تلتحف الشيوعية شكلاً .
ـــ وأيضاً نرى في المرحلة الراهنة كثيراً من التعبيرات والتشكيلات السياسية ومنها الشيوعية تعتمد الشكلانية السياسية باعتمادها الديمقراطية السياسية فقط بعيداً عن المشاريع الطبقية ذات العمق الاقتصادي والطبقي .
ــ ومما هو ملاحظ أيضاً هو الميل الإنتظاري لكثير من الفعاليات السياسية نتيجة لعجزها البنيوي عن إنجاز مشروعها الطبقي،والذي يترافق أحياناً مع المراهنة على المتغيرات الدولية والضغوط الخارجية .
ــ إن مجمل ما أوردناه من أسباب يترابط مع غياب الحياة السياسية الديمقراطية في معظم البلدان الطرفية وسيطرة نظم سياسية اعتمدت القوة والقمع المنظم والمقونن إضافة إلى اعتماد سياسة الاحتواء والهيمنة على كافة المؤسسات الاجتماعية لتدعيم سيطرتها الطبقية مما أدى إلى تجفيف منابع العمل السياسي . وترافق هذا مع غياب الحياة الديمقراطية في كافة الأحزاب السياسية والشيوعية منها إضافة إلى تضخم الأنا الشخصي لقيادات هذه الأحزاب والتقيد الدوغمائي والحرفي للنصوص الماركسية ، غياب الجذر الثقافي في الممارسة السياسية مما استدعى في كثير من الأحيان تهميش و طرد المثقفين من هذه الأحزاب ، عدم تحديد موقف واضح من السلطة السياسية ومن أشكال وآليات المشروع التغييري ..........
إن مجمل ما تناولناه يفترض من المعنيين بالشأن العام والماركسيين أولاً العمل على الانتقال للعمل السياسي المؤسس على الفهم الفلسفي والثقافي في الممارسة السياسية على قاعدة الممارسة الديمقراطية ، والعمل على تبني مشروعاً سياسياً طبقياً عماده الأساس التعبير عن مصالح المتضررين من النظام الرأسمالي بأشكال تجلياته المتنوعة والمتباينة في سياق عمل سياسي يقوم على أساس الربط بين المهام الوطنية والمهام الديمقراطية بالمستويين السياسي والاجتماعي ، ومن خلال تحديد موقف واضح من السلطة السياسية بكونها سلطة قمع سياسي واستغلال طبقي ، لكونها سلطة سياسية تعبّر عن مصالح الفئات البرجوازية المتخلفة والمشوه في سياق ارتباطها البنيوي مع المشروع الرأسمالي العالمي المأزوم . وإن تجاوز الأزمة الراهنة يبدأ من تبني المهام المحلية المترابطة موضوعياً مع الأزمة البنيوية الهيكلية التي يمر بها النظام الرأسمالي العالمي ، وهذه المواجهة تفترض برنامجاً سياسياً طبقياً واضحاً يقوم على الفهم الواضح للوحة الصراعات الطبقية العالمية ، ويكون للقوى الاجتماعية المتضررة من تناقضات النظام الرأسمالي العالمي وأشكال تجلياته الطرفية الدور الأساس في تحويله إلى قوة مادية حقيقية ، ويتجلى هذا من خلال كسر احتكار واحتواء السلطات السياسية المسيطرة للممارسة السياسية ونقلها إلى المجتمع ، ومن المؤكد بأن الأزمة الراهنة للرأسمالية بأشكالها الحالية سوف تزيد من حدة التناقضات الطبقية مما يعني ويفترض مبادرة القوى الماركسية إلى قيادة العملية السياسية للتغيير الاجتماعي ، وإلا سوف تكون في مؤخرة المتغيرات القادمة ، لأن الواقع لا يحتمل الفراغ والمجتمع بحاجة لقيادات تقود العمل السياسي وإذا لم تبادر الأحزاب الشيوعية إلى قيادة التغيير المرتقب من خلال تبنيها لمشروعها الطبقي الحقيقي فإن المجتمع سيقوم بفرز قياداته الطبقية التي تتولد وتنوجد في لحظة الصراع الذي يمكن أن يأخذ أشكال مختلفة يتصارع على قيادتها رموز إسلامية سلفية ، طائفية ، عشائرية ....
===============



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءات على حقوق المرأة
- الثقافة والسياسة
- التحولات الاقتصادية والطبقية في سوريا
- بخصوص توضيحات هيئة الحوار
- إشكالية المرأة في المجتمعات المتخلفة
- الإعلام الرسمي العربي
- من أجل توحيد اليسار العراقي لبناء الدولة الديمقراطية
- العلمانية
- ظاهرة التضخم
- المعارضة السياسية بين الأنا ووهم الممارسة
- الوطنية في سياقها المفاهيمي والسياسي
- الاقتصاد السوري : على هامش مؤتمر اتحاد العمال
- التناقضات النظرية والسياسية في أشكال الدولة الفلسطينية
- إشكالية الوعي الشبابي
- الأزمة في تجلياتها السياسية والاقتصادية/ تعقيب على نتائج الل ...
- جدلية العلاقة بين الداخل والخارج
- ناشطو مناهضة العولمة في سوريا :واقع وآفاق
- ما العمل
- الجزء الأخير : نقض النقد : متابعة الحوار مع : السيد فؤاد الن ...
- الجزء الثالث : نقض النقد : متابعة الحوار مع : السيد فؤاد الن ...


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- افاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في عصر العولمة-بق ... / مجلة الحرية


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف الاول من آيار 2008 - أفاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في عهد العولمة - معتز حيسو - آفاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في ظل العولمة