بلدية اسطنبول وافول الإسلام -المعتدل-


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 6271 - 2019 / 6 / 25 - 20:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


مني حزب العدالة والتنمية الاسلامي وهو احد فروع الاخوان المسلمين الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، بخسارة كبيرة في انتخابات الإعادة لبلدية اسطنبول في 23 حزيران.
ان هزيمة حزب العدالة والتنمية تمثل بداية النهاية لمرحلة حزب اردوغان الاسلامي القومي ، وتعتبر اي الهزيمة ضربة موجعة في صميم طموحات جناح من اجنحة البرجوازية القومية التركية التي حاولت منذ صعود تيار الاسلام السياسي الى سدة السلطة اي ما يقارب عقدين الزمن في تركيا لتصبح قوة اقليمية ودولية في المنطقة والعالم. ولم يكن تغني اردوغان الذي مثل سياسيا ذلك الجناح بأمجاد الامبراطورية العثمانية واحياء تقاليدها وتراثها واعادة ثقافتها وتاريخها الا جزء من المشروع القومي الذي مثله حزب العدالة والتنمية.
ان الفوز ببلدية اسطنبول والتي عبر عنها اردوغان بأنه الفوز برئاسة تركيا اثناء حملته الدعائية لمرشحه يلديرم تعني؛ ان كل ما سوق للاسلام المعتدل والاسلام الحضاري والاسلام المدني والمتكيف مع الغرب كمشروع للحكم وصل الى نهايته. ولعب الغرب بتسويق ذلك التصور اعلاميا ودعائيا والاشادة به خاصة بعد الثورتين المصرية والتونسية وما سمي بعدها بالربيع العربي كي يكون حليفه القوي في المنطقة واحلاله محل حلفائها من الانظمة الاستبدادية والفاشية العربية التي اصبحت ورقة محروقة لا تقبلها الجماهير التي ثارت ضد افقارها وقمعها ،مما جردها من شرعية وجودها المفروضه بالحديد والنار.
ان نجاح حزب العدالة والتنمية بالقضاء على التشرذم السياسي داخل الطبقة البرجوزاية التي شهدت انقسامات سياسية وانقلابات عسكرية طيلة القرن المنصرم وبالهجمة الشرسة على الطبقة العاملة من خلال تشديد ظروف عملها مثل خفض الاجور وساعات العمل الطويلة والفصل التعسفي من العمل ومنع الحريات النقابية واشكال التنظيم العمالي وحق الاضراب والتظاهر في قطاعات مختلفة وقمع الحريات السياسية، بالتالي لتأهيل السوق التركية كي تكون قادرة على الدخول في منافسة السوق الرأسمالية العالمية. واستطاعت بفعل تلك السياسات ان تتبوء المركز السابع عشر في نادي جي 20 اي البلدان العشرين الاقتصادية الكبرى في العالم.
ان ما حققتها البرجوازية القومية التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية الاسلامية على الصعيد السياسي وعلى الصعيد الاقتصادي شجع الانظمة الغربية على تسويق هذا النموذج كما اشرنا بعد الثورين المصرية والتونسية كي تلتف عليهما وعلى نسيمهما في المنطقة وذر الرماد في عيون الجماهير التي خرجت من سباتها بسبب سياسة الافقار والاستبداد. وكان دعم الولايات المتحدة الامريكية في عهد ادارة اوباما للاخوان المسلمين في مصر هو جزء من المشروع السياسي الذي يهدف الى أعادة صياغة المعادلات السياسية في المنطقة وشمال افريقيا. ومن جهة اخرى لاحتواء التيارات الاسلامية التي تعرف نفسها وتصوغ هويتها بمعاداتها للهيمنة الامريكية والغرب عموما مثل القاعدة ومشتقاتها. وهذا كان سر غضب ادارة اوباما عندما اطيح بحكم الإخوان المسلمين في مصر بالانقلاب العسكري حيث سددت ضربه استباقية للمشروع الامريكي المذكور بعد "الربيع العربي".
وهكذا اختلت المعادلات السياسية القديمة وتحديدا بعد فشل المشروع الشرق اوسطي والنظام العالمي الجديد الذي تمثل اوجه بغزو واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية، مما احدث صراع على اعادة تقاسم المنطقة، ودخلت تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية في حلبة ذلك الصراع والمنافسة الاقليمية والدولية لفرض نفوذها السياسي وتأمين اسواق جديدة لنموها الاقتصادي. وكانت سياسة دعم الاخوان المسلمين في المنطقة وجميع العصابات الاسلامية وفتح حدودها بالتنسيق المخابراتي والامني والاعلامي مع المانيا وفرنسا وبريطانيا لتجنيد الارهابيين الاسلاميين عن طريق الخطب وفتح منابر جوامعها ومساجدها للقتال في سوريا كجزء من مشروع لمحاصرة النفوذ الروسي والصيني المتنامي، نقول تلك السياسة كانت جزء من رغبة شديدة لدولة تركيا القومية لانتزاع مناطق نفوذ لها. الا ان الصراع المحتدم بين الاتحاد الاوربي الذي تقوده المانيا وفرنسا وبين الولايات المتحدة الامريكية وتركيا التي تعتبر ضمن منظومة واحدة هي حلف الشمال الاطلسي، وصل الى درجة عالية من التوتر . واصبح الاتحاد الاوربي وامريكا يتضايقان من مكانة تركيا الاقتصادية وآلتها العسكرية التي باتت تهدد نفوذهما في المنطقة. ولذلك فان واحدة من اسباب هزيمة حزب العدالة والتنمية هي انقلاب الغرب عليه على الصعيد الاعلامي والدعائي وعلى صعيد الحرب الاقتصادية التي قادتها بشكل خاص الولايات المتحدة الامريكية. ان سياسة القمع والاستبداد وتراجع العملة التركية وتوسع رقعة البطالة بشكل واسع والحرب الاستنزافية التي دخلها حزب العدالة والتنمية في سوريا والحرب الاهلية التي يقودها ضد حزب العمال التركي مهدت لهزيمة الحزب في انتخابات بلدية اسطنبول.
ما يعنينا نحن الشيوعيون من هذا التحليل، هو ان النموذج الاسلامي "المعتدل" الذي مثله حزب العدالة والتنمية قد حان افوله ولم يعد يستهوي لا البرجوازية الغربية ولا البرجوازية المحلية التركية التي اصطفت وراءه، بل اصبح ثقيل الظل وغير قادر على تامين مصالح راسمال المتمثل بالاستقرار السياسي والاقتصادي في تركيا. اي بعبارة اخرى ان مشروع الاسلام السياسي السني “المعتدل” او غير المناهض للغرب وصل الى نهايته في تركيا وفي المنطقة، واثبت تجربة الاسلام السياسي السني "المعتدل" في تركيا كما هو المتطرف، مثل الاسلام السياسي الشيعي بأنهما وجهان متعددة لعملة واحدة، ولن يستطيع الاستمرار الا بالقمع.
الا ان طي صفحتهما بشكل نهائي في المنطقة لن يأت عبر الاجنحة الاخرى بل يأتي عبر تنامي قوة الطبقة العاملة ووحدتها وتقدم نضالها السياسي وبافاقها المستقلة، فالبرجوازية وعبر تاريخها تستبدل جلدها ولباسها كلما اقتضت الضرورة السياسية والاقتصادية من اجل استمرارها في السلطة، فتارة تلبس اللباس الليبرالي واخرى القومي ومرة الإسلامي واخرى الفاشي او النازي.