هذِه الأَوطانْ لا تُحبّ الصِّدْق


حنان بن عريبية
الحوار المتمدن - العدد: 6195 - 2019 / 4 / 8 - 22:36
المحور: الادب والفن     

هذِه الأَوطانْ
لاَ تَستَفزّ عبق السَّلام بِعطْر السَّلام
ولاَ تُصافِح حدَقات البصيرة عندما تُحاكيها
تسلط البَصر على نهدٍ يرْويها
غَريزةٌ لم تُرَوَّضْ تُمارسها وتُواريها
تتْلو عَلى السّمع بدل النّغم تلوثّا يُحييها
وتسرق من الفجْر نقاء صِدقه
وتقْتلعُ منه قطرات الندى ومَعانيها

هذِه الأَوطانْ لا تُحبّ الأحلام
تلاحِق سمائها.. طرُقاَتها.. وموانيها
وتعْلن دوام الظّلامِ نبيذٌ حِلْكَتُهُ يُنْشيها
والبَشاعات والمظالم توأم يطْرِبُهَا ويغذيها

أوطانٌ ترْصد الجمال وتسجنه
فأين جمال رحْمة الرَّب فيها ؟

هذِه الأَوطانْ
لا تَكْترث بالأزقة الممزقة أياديها
ولا تَحْنو على كسيرِ الخاطر فيها
تحمي صقيع عشّاقِ الخواء بالفراء
وتجازي صنّاع السّلام بأنْياب تمزقهم لتجاريها

أوطانٌ لا جوهر في عمق الحياة فيها
ولا تبارك الحق في الحق
فالباطل قوامُ ورزقُ محتكريها
عِشقها لماضٍ تختار منه عُفونة جلاديها
أنساها من الماضي شَذى من ماتوا من مُحبيها

أوطانٌ حاضرها لخدمة المستقبل مسؤوليّة يعفيها
تبتر جناح العقل فقانون البقاء
خضوعٌ لتوارثِ عُرْف الجهل فيها
فَتاوى وحُريات مغلفة لا تبالي بِالأمعاء الخاوية
وصَرخات القهر خدمة لمستعمريها.. خدمة لمعاليها

هذِه الأَوطانْ أنيسها من يستعمرُها
فتهب فيافيها وشُطْآنها وعَرق مستضعفيها
قربانا مع ثروات أراضيها
نخوة العروبة باعت صَهيل جيادها
واشترت نشازا يحتويها

أوطانٌ هَزُلَتْ شعاراتها
فكيف هو جوهر الكيان... حُطامه يغريها؟
والقيم والثّراء الفاحش خطّان متوازيان فيها!؟

هذِه الأَوطانْ لا تُحبّ الصِّدْق
والنفاقُ والرياءُ والخنوعُ صناعة للمجد فيها
أوطانٌ كلّ عظمائها نهشتهم الغربة والأحقاد
وهناك من يروّج للبلاهة بلا همة
كمعتقلاتٍ للرّوح فيها

هذِه الأَوطانْ لا تُحبّ الصِّدْق
خدمة لمستعمريها.. خدمة لمعاليها
هذِه الأَوطانْ لا تُحبّ الأحلام
خضوعٌ لتوارثِ عُرْف الجهل فيها
هذِه الأَوطانْ
البَشاعات والمظالم توأم يطْرِبُهَا ويغذيها
وتعْلن دوام الظّلامِ نبيذٌ حِلْكَتُهُ يُنْشيها
فأين جمال رحْمة الرَّب فيها ؟