عودة ووحدة اليسار مطلب وطني وطبقي


بدر الدين شنن
الحوار المتمدن - العدد: 5575 - 2017 / 7 / 8 - 18:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بعد الانقلاب الطبقي الكوني ، وهيمنة الرأسمالية على العالم ، لم يعد لليسار أو ما تبقى من اليسار ، مفعول في دعم حركات ومتطلبات القوى العمالية وحلفائها . بل وفي أماكن عدة تلاشى وجوده عملياً .. ولم يعد يشكل .. سمة مميزة .. ومظهراً للتقدم والتمدن ، ولم يعد يشهم في الانخراط في تحسين ورقي المجتمع . وإنما صار معظمه شريكاً للرجعية الانتكاسية ، التي تسلمت فيها الرأسمالية .. باحتكاراتها.. ومفاهيمها .. وحكوماتها .. وجيوشها .. وبجيوش الإرهاب ، السيطرة على العالم . وصار مشهد اليسار الدولي بائساً ، لا يتناسب مع نمو الحاجة إليه ، للتصدي للعبودية الكونية الجديدة . ليس من أجل النضالات المطلبية في الشارع كما هو معروف عنه ، وحسب ، وإنما للتصدي للعبودية الجديدة أيضاً .

بمعنى أن الظلم الاجتماعي ، الذي يزداد استغلالاً وقهراً لمعظم الشعوب ، ويغلق أبواب التغيير التلقائي ، بالنفاق والقمع المتوحش ، بات بحاجة إلى مقاومة جماهيرية منظمة ، تعرف جيداً دروبها ، وأشكال نضالاتها ، وتسترد دور اليسار .. وصلابة .. وحلم اليسار .
والجدير ذكره في هذا السياق ، أنه لما كان اليسار جزءاً سياسياً أساسياً في البلاد ، وفي حركة المجتمع ، ويحسب له الحساب الجاد من قبل الجميع في الطبقة السياسية ، كانت الدولة غالباً مستقرة . وكانت الخرائط الاجتماعية الطبقية ، تؤثر في الخرائط السياسية للقوى الأخرى . وأحياناً تغير في بنية الدولة .ما يعبر عن أن اليسار كان فاعلاً في السياسة . ومحركاً للطبقات السياسية . ويحرك الشارع السياسي والمطلبي . وحين كان يغيب اليسار بالقمع ، أو بالانحراف والانقسامات والتفكك ، ويعجز أو يتخلى عن أداء المهام الوطنية ، إلى جانب مهامه الطبقية ، سيما حين يتعرض الوطن للعدوان . مثلما يحدث الآن ، حيث يقوم الإرهاب الدولي بالعدوان على البلاد منذ نحو سبع سنوات ، يبرز ويقوى الشك بنزاهتة اليسار ومصداقيته . وتهتز الدولة وتتزعزع .. وتنهار سيادتها .
= = =
اليسار الثوري المناضل ، المعبر عن مصالح الطبقات الشعبية ، كان هو الأكثر تحدياً للإمبريالية الخارجية . وهو الأكثر صلابة بوجه القوى الرجعية المستغلة . كان في قناعة الجميع أن اليسار هو ملاذ الأمان والآمال للطبقات الشعبية ، التي لا
تعيش إلا من بيع قوة عملها .
لذا ، فإن انفكاك اليسار عن التزاماته إزاء الطبقات الشعبية ، يشكل خيانة قذرة . لأن أي ارتباط اجتماعي مغاير ، يخرج اليسار عن مضماره الطبيعي . ولن يكون إلا مع مصالح القوى المستغلة للإنسان عامة ، ولقوة العمل المأجور خاصة . فضلاً عن أنه يفكك علاقات السيادة الوطنية مع الدول الأخرى ، ويصبح الوطن تابعاً .. وخادماً .. للدول والتكتلات الدولية الكبرى
ما مفاده ، أن ارتناط اليسار بالمهام الاجتماعية الطبقية ، والمهام الوطنية ، على خلفية النظرية الماركسية ، هو الذي أعطى .. ويعطي .. اليسار معناه ومضمونه وهويته . ولا يخفى أن معظم من أطلق عليه توصيف اليسار كان ماركسياً ، بل كان هذا التوصيف لدى الكثير مشروطاً بالالتزام بالماركسية ومفاهيمها .الآن العالم اختلف . وبدأ الكثيرون يتطلعون إلى يسار جديد . المهم فيه هو برنامجه السياسي النابع من استحقاقات استعادة الحاضر والمستقبل من الهيمنة الرأسمالية . وفق معايير تقدمية عادلة ، لا تتعارض مع الماركسية . وإنما هي بحكم آلياتها المتاحة تتقاطع وتتوحد معها ، في تحديد السمت . وتوفير الحشد وآليات الحركة وشعاراتها وكوادرها . من هنا كان تفكيك اليسار من جذوره الأيدلوجية والطبقية والسياسية ، قد أعطى القوى الرجعية الدعم ، وأضعف بالمقابل القوى الاجتماعية المقهورة طبقياً وسياسياً .
وقلب بالمجمل ، على المستوى المحلي والدولي ، موازين القوى لصالح الهيمنة الرأسمالية الكاملة على العالم . وأطلق العنان .. للفوضى .. والتدمير .. والقتل والمذابح المتوحشة .. والنهب .. في بلدان عدة .. في أكثر من قارة . وانكشف هول الفراغ السياسي والأخلاقي ، الذي أحدثه افتقاد اليسار . ولم تستطع بعض التنظيمات اليسارية المحدودة ، هنا وهناك ، أن تتحمل أعباء صمودها بوجه التحريف الأيديولوجي والقمع الحكومي ولامبالاة المنحرفين إزاء مخاطر الصراعات الدولية ، حول تقاسم النفوذ ، والجغرافيا السياسية ، والقطبية الدولية نحو الأسوأ .
= = =
ورغم كل ذلك بدأ رواد يساريون شجعان من تنظيمات يسارية ما زالت صامدة في خندق اليسار ، في العراق ومصر ، لإيجاد صيغة فكرية وسياسية لملء الفراغ الحاصل المدمر ، واستنهاض اليسار ، ومن أولئك الرواد لاستعادة الدماء الحية لجسد اليسار ا، الرفيق " رزكار عقراوي " الذي يواصل نشاطه اليساري الريادي في العراق ، وفي أماكن أخرى ، ومن خلال قيادته موقع " الحوار المتمدن " المتميز بتقدميته ويساريته .
ولأنه تبين أن ضعف اليسار .. وبمعنى ما ، اضمحلاله في عدد من المواقع ، متأت عن الطعن غير الأخلاقي للنظرية الماركسية ، أوالتخلي الغبي عنها . إن العماد الأساس الأول لليسار ، هو ارتباطه بالنظرية الماركسية وتفاعلها مع احتياجات العصر المتنامية .
وعليه .. ينبغي السؤال : هل يمكن نهوض يسار مقاوم جديد موحد من الفراغ ، والقيام بمهام ثورية .. بدون نظرية ثورية ؟ ..

واقع الحال في مختلف البلدان بحاجة لليسار الموحد ، لمواجهة الواقع الرأسمالي الكارثي . لفتح آفاق للمستقبل تتضمن التحرر من الظلم الكوني .. بأشكاله المتعددة .. والعمل على وقف الحروب العدوانية المدمرة المنتشرة في غير مكان من العالم .. وإقامة نظام دولي متكا فيئ يحافظ على السلام .. ومعالجة الأزمات الاقتصادية المستعصية لصالح الشعوب الفقيرة والمهمشة . لاسيما ، أن هناك مليارات من البشر المحرومين من الغذاء الكافي ، ومن المياه الصالحة للشرب ، ومن حق العمل ، أو من شروط عمل تتسم نسبياً بالأمان والكرامة ، ومن الأجور التي تحترم الكرامة الإنسانية